ما بين توتر صامت ولقاءات ..هل تنتهي الخلافات الحادة بين الرباط وباريس ؟
السياسية :
حطت كاترين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، الخميس الماضي بالعاصمة المغربية الرباط، حاملة أجندة “خلافات حادة” طبعت مسار العلاقات بين البلدين على امتداد السنتين المنصرمتين.
واستقبل وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الجمعة، بالرباط، كاترين كولونا، حيث أكد في مؤتمر صحفي عقب مباحثات أجراها مع نظيرته الفرنسية، أن زيارة الوزيرة كولونا لها أهمية خاصة نظرا لكونها تأتي في إطار التحضير لاجتماع رفيع المستوى بين البلدين سيتم عقده خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة المقبلة.
وأبدت الرباط وباريس، الجمعة، رغبتهما في “فتح صفحة جديدة”، بعد أشهر من “التوتر الصامت” الذي عكر صفو علاقاتهما الثنائية، بسبب أزمة التأشيرات والموقف الفرنسي من نزاع الصحراء الغربية، الذي لا يرضي المغرب.
وأنهت وزيرة الخارجية الفرنسية زيارتها إلى الرباط، أمس الجمعة، بعقد مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة، معلنة عن إنهاء مشكلة التأشيرات، ودعم بلادها للمغرب فيما يتعلق بملف الصحراء، وذلك قبل زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مطلع العام 2023.
وكشفت المسؤولة الفرنسية في حديثها، عن أزمة التأشيرات، عقب المباحثات التي أجرتها مع ناصر بوريطة،أن بلادها “اتخذت إجراءات، مع الشركاء المغاربة، من أجل العودة إلى تعاون كامل في مجال الهجرة”.
وأوضحت أن هذا القرار “دخل حيز التنفيذ منذ الاثنين الماضي، معربة عن “سعادتها بذلك”.
من جهته، قال وزير الخارجية المغربي، إن المغرب امتنع عن التعليق رسميا على الإجراءات، التي اتخذتها السلطات الفرنسية من جانب واحد احتراما لسيادتها، وبطبيعة الحال كانت هناك ردود أفعال شعبية من طرف الناس المعنيين”.
وأضاف.. “اليوم أيضا قرار العودة إلى الوضع الطبيعي قرار أحادي الجانب يحترمه المغرب، ولن نعلق عليه رسميا لكنه يسير في الاتجاه الصحيح”.
وتريد الرباط موقفا فرنسا واضحا من ملف نزاع الصحراء على غرار الموقف الاسباني الذي أيد مقترح المغرب للحكم الذاتي كأساس واقعي وعملي لحل النزاع كما أيد مغربية الصحراء وهو الموقف ذاته الذي أكدته الولايات المتحدة وحكومات أوروبية أخرى.
ويبدو الموقف الفرنسي إلى الآن ملتبسا أو اقل وضوحا من غيره من المواقف الأوروبية وهو أمر يثقل حتما على تنمية العلاقات المغربية الفرنسية وهو ما يفسر إلى حد ما ردّ وزير الخارجية المغربي الحذر من مسألة إنهاء أزمة التأشيرات.
كما أنه إلى جانب أزمة التأشيرات، يربط متابعون “فتور” العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الماضية، بموقف باريس من نزاع الصحراء الغربية، حيث تعتبر الرباط أن على فرنسا “حسم” موقفها والخروج من “المنطقة الرمادية”، بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإعلان إسبانيا دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقترحه لإنهاء النزاع.
وفي السياق، كتبت خديجة محسن فينان خبيرة الشؤون السياسية المتخصصة بمنطقة المغرب “معروف أن فرنسا لا تريد أن تملى عليها سياستها حول الصحراء الغربية”. وتابعت “تنوي فرنسا إظهار أنه يمكنها إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية، لكنها تقرر وحدها سياستها بشأن الصحراء الغربية”.
وهناك أيضا مسألة اتهام المغرب في تحقيق نشرته وسائل إعلام دولية صيف العام الماضي باستعمال تطبيق “بيغاسوس” الإسرائيلي لاستهداف هواتف سياسيين فرنسيين من بينهم الرئيس ماكرون. وهو الاتهام الذي نفته الرباط بشدة ورفعت دعاوى قضائية ضد صحف كانت قد نشرته في فرنسا.
وفي تعليقه، عن مخرجات زيارة المسؤولة الفرنسية، يقول عبد الفتاح الفاتحي، مدير “مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية”، إن المصالح الاستراتيجية العميقة بين الرباط وباريس، “تغلبت على القضايا الخلافية المستحدثة التي ظلت تتأرجح بين شد وجذب”.
ويوضح الفاتحي أن النقطة الخلافية الأساسية، تتعلق بـ”استمرار الموقف الفرنسي من الصحراء في الدائرة الرمادية فيما تريد الرباط موقفا واضحا ومؤيدا لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية على غرار الخطوة الأميركي”.
ويشدد الفاتحي، أن الرباط وإن كانت تثمن المواقف التاريخية لفرنسا من قضية الصحراء، فإن ذلك “يجعلها تطالب بموقف واضح ومتقدم، من قضية الصحراء يؤسس لعلاقات اقتصادية تتعدى المغرب إلى شراكات مغربية فرنسية في إفريقيا”.
وبتقييم تداعيات “ما بعد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين”، يوضح الخبير المغربي، أن الرباط وباريس، يغلبان لغة المصالح الاستراتيجية والتي يبدو بأنها أعمق بكثير، مشيرا إلى أن الزيارة، تهدف “إلى استئناف العلاقات بشكلها الطبيعي، تعزيزا للعلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين”.
ويتوقع الخبير المغربي، أن تشكل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، بداية العام المقبل، “محطة للإعلان عن مشاريع اقتصادية واستثمارية مهمة”.
من جانبه، يرى الخبير في الشؤون الدولية، هشام معتضد، أن الزيارة “طغت عليها الجوانب الدبلوماسية أكثر من السياسية”، غير أنه يلفت إلى أنها تأتي بعد أزمة معقدة ومن شأنها ترتيب الظروف المناسبة للقاء بين قادتي البلدين، من أجل إيجاد أرضية جديدة للحوار وتقريب وجهات النظر فيما يخص العديد من الملفات وعلى رأسها ملف الصحراء.
ويورد معتضد أن لقاء وزيري الخارجية، يدخل في إطار “جس نبض مدى جدية الطرفين لتجاوز سوء الفهم الكبير الذي تسبب في تباعد وجهات النظر في الفترة الأخيرة، وتراجع مستوى تعاون البلدين الاستراتيجي والسياسي”، موضحا أن الرباط تعتبر تنقل الوزيرة “إشارة إيجابية” من باريس لفتح نقاش سياسي بخصوص نقاط الخلاف.
وبخصوص قراءته لتصريح المسؤولة الفرنسية، التي قالت إن المغرب يعرف أن بإمكانه أن يعول على دعم فرنسا في قضية الصحراء، يقول الخبير المغربي إنه “ليس جديدا، ولا يختلف كثيرا عن المواقف الفرنسية في هذا الملف قبل بداية الازمة مع الرباط”، موردا أن فرنسا ستكون مطالبة بموقف “أكثر جدية ويميل إلى الواقعية السياسية ليواكب تصور المنتظم الدولي بخصوص هذا الملف ولما لا، تبني موقفا شبيه بالمقاربة الأميركية من أجل طي الخلاف السياسي”.
ويبرز المتحدث ذاته، أن الزيارة كانت أيضا، مناسبة لتجاوز الجدل القائم بخصوص سياسة تقليص منح التأشيرات والتي تبنتها باريس مع الدول المغاربية، والتي “جلبت لباريس انتقادات واسعة، من طرف العديد من الهيئات والمنظمات المدنية بداخل فرنسها وخارجها، واتهامات للإليزيه بالفشل الذريع في تدبير السياسة الخارجية مع البلدان المغاربية”.
ويقلل الخبير المغربي، من إمكانية أن تسهم هذه الزيارة “البروتوكولية” في تحقيق أي تحول في العلاقات بين البلدين، موضحا: “علينا انتظار ما ستسفر عليه زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب في مطلع العام القادم لمعرفة مدى جدية باريس في تبني موقف واقعي وبراغماتي بخصوص ملف الصحراء يتماشى وانتظارات الرباط”.
كما يستبعد معتضد، حدوث أي تحول عميق أو تعاون وثيق بين الرباط وباريس على المدى القريب والمتوسط.
المصدر : موقع الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع