السياسية – متابعات:
نجاح حمود

 

وصل الإنفاق الدفاعي العالمي حالياً إلى مستويات غير مسبوقة، وفق تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، حيث أدّت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، في فبراير الماضي، إلى زيادة الطلب على الأسلحة خاصة في البلدان الغربية. الحرب خلقت أزمةً لدى شركات الأسلحة، تمثّلت في إشكالية الحصول على المواد الخام والمكونات الأولية، واضطراب في سلاسل التوريد العالمية.

حجم الإنفاق العسكري عالمياً تجاوز، لأول مرة، الـ 2.113 تريليون دولار في عام 2021، وفق تقرير لـ”سيبري”، بالتوازي مع ازدياد الطلب على صناعات الأسلحة في دول غربية عدة، لتعويض الأسلحة الثقيلة المرسلة إلى كييف والتي تقدر بمليارات الدولارات.

أكبر خمس دول إنفاقاً هي الولايات المتحدة والصين والهند وبريطانيا وروسيا. ووفق “سيبري”، فإنّ الإنفاق الأميركي انخفض من 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.5%، أو 801 مليار دولار.

وأشارت التقديرات إلى أنَّ الرقم الحقيقي لالتزام الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا أعلى بكثير ما يتمّ الإعلان عنه بشكل جزئي، وقد وصل إلى 40 مليار دولار أو 110 ملايين دولار يومياً خلال العام الماضي، بحسب موقع “ذا انترسبت”.

مؤخراً، أعلنت الولايات المتحدة حزمة أسلحة جديدة قيمتها 1.1 مليار دولار لأوكرانيا من ضمنها أنظمة الصواريخ “هيمارس” الصاروخية الأميركية البعيدة المدى، وفق البنتاغون. لكن القادة العسكريين الأوكران في باخموت أكّدوا أن لا جدوى لـ”هيمارس”، خصوصاً بعد فشلها في التأثير بشكلٍ كبير في خطوط إمداد القوات الأوكرانية.

من جهتها، عدَّلت واشنطن سراً صواريخ “هيمارس” المرسَلة إلى كييف، حتى لا تتمكن من استخدامها ضد روسيا، وفق ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، خوفاً من مخاطر اندلاع حرب أوسع مع موسكو.

حلف شمال الأطلسي “الناتو” أعلن أنّ “الدول الأعضاء في الحلف قدّمت بالفعل حتى الآن مساعدات لأوكرانيا لا تقلّ عن 8 مليارات دولار”، وفق الأمين العام للحلف ينس ستولتنبيرغ.

في المقابل، ردّت موسكو على لسان وزارة الدفاع الروسية على “الناتو” بأنَّ جيشها “سيعتبر المركبات الأميركية، وتلك التابعة للحلف التي تنقل أسلحةً على الأراضي الأوكرانية، أهدافاً عسكرية مشروعة”، وسيتمّ قمعها “بشدّة”.

العديد من دول الغرب زودت أوكرانيا بالأسلحة، من بينها بريطانيا التي أعلنت عن إرسال عشرات مدافع الميدان وأكثر من 1600 قطعة من الأسلحة المضادة للدبابات.

وارتفع إنفاق أوكرانيا الدفاعي بشكل عام بنسبة 72% منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. وبالتوازي، نما الإنفاق العسكري الروسي بنسبة 2.9% ليصل إلى 65.9 مليار دولار. وهي السنة الثالثة توالياً التي ينمو فيها الإنفاق الدفاعي لروسيا، والذي يمثل الآن 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

 

أوكرانيا ساحة تجارب لأسلحة دول الغرب الجديدة

دعم أوكرانيا بالأسلحة الغربية الجديدة، جعلت الأخيرة تتحوّل إلى بؤرةٍ لتجارب هذه الأسلحة، إن كان من قبل الولايات المتحدة، أو من دول الغرب و”الناتو”، كما كانت كذلك من جانب روسيا.

شكّلت أوكرانيا الساحة المثلى للسباق المحموم والمحتدم إلى التسلّح، لاختبار أحدث أسلحتها وأنظمة معلوماتها، وتجرّبة فعاليتها على أرض المعركة.

وفي هذا الإطار، قال موقع “ذا إنترسبت” الأميركي إنّ أوكرانيا ستصبح أكبر متلقٍّ للأسلحة الأميركية خلال قرن، مشيراً إلى أنّ الحكومة الأميركية ضخّت أموالًا وأسلحة لدعم الجيش الأوكراني أكثر مما أرسلته في عام 2020 إلى أفغانستان و”الكيان الصهيوني” ومصر مجتمعةً. كما نقل عن بعض المتحدثين تقديرهم بأنّ الرقم الحقيقي لالتزام الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا أعلى بكثير مما يتمّ الإعلان عنه بشكل جزئي، وقد وصل تقريباً إلى 40 مليار دولار أو 110 ملايين دولار يومياً بشكل “غير مسبوق”، مضيفاً أنّ “المشرعين والمراقبين يكافحون من أجل مواكبة ذلك”، وفق آري تولاني، مدير “برنامج الولايات المتحدة لموقع المدنيين في الصراع”.

لقد أصبحت أوكرانيا أكبر متلقٍ للمساعدة الأمنية الأميركية في القرن بأكمله، من الحرب العالمية الثانية إلى جنوب فيتنام إلى الحروب الأخيرة في أفغانستان والعراق.

وفي تقرير آخر، تحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” عن التسليح الغربي لأوكرانيا، مشيرةً إلى أنّ أوكرانيا أدخلت مؤخّراً “سلاحاً جديداً ثميناً” إلى ساحة المعركة، لكنّه ليس قاذفة صواريخ أو صاروخاً أو أي نوع آخر من الأسلحة الثقيلة، إنّما هو نظام معلومات يُعرف باسم “دلتا”، هو أكثر من مجرد نظام إنذار مبكر.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذا البرنامج “تم تطويره بالتنسيق مع الناتو، وبالكاد تمّ اختباره في المعركة”، لكنّها نقلت عن مسؤولين وسياسيين وقادة عسكريين في الغرب، أنّ سلاح “دلتا”، “يمكن أن يكوّن شكل الحرب لأجيال قادمة”.

 

تسليح أوكرانيا عملية احتيال والأسلحة لا تصل إلى وجهتها

قناة “CBS” الأميركية نشرت تحقيقاً قالت فيه إنّ جزءاً كبيراً من المساعدات العسكرية التي ترسل إلى أوكرانيا لا تصل إلى وجهتها النهائية.

الفيلم الوثائقي “تسليح أوكرانيا” (Arming Ukraine) الذي نشرته قناة “CBS” الأميركية، يسلّط الضوء مباشرةً من داخل أوكرانيا على كيفية وصول المساعدات العسكرية عبر الحدود، إلى الخطوط الأمامية، عارضين الصعوبات التي تعترض طريق إيصال المساعدات إلى المقاتلين الذين يحتاجون إليها.

ونقل التقرير عن جوناس أومان، المؤسّس والرئيس التنفيذي لمنظمة” أزرق أصفر” (Blue-Yellow)، قوله: “كل هذه المعدات تمرّ عبر الحدود، ثم يحدث شيء ما، إذ أنّ 30 %منها فقط يصل إلى وجهته النهائية”.

وتعليقاً على ما ورد في “CBS”، انتقدت النائبتان في الكونغرس الأميركي، لورين بوبيرت ومارغري تايلور غرين، عمليات توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، ووصفتاها بأنها “عملية احتيال”.

ووفق شون أودونيل، القائم بأعمال المفتش العام بالبنتاغون، فإنّ المسؤولين الأوكرانيين لا يعرفون بالضبط مصير الأسلحة والمعدات الحربية الموردة إلى بلاده، لأنّ الجانب الأوكراني يعتمد على نظام “الإيصالات الورقية” خلال متابعة وجرد هذه الأسلحة.

فيما قال المحلل السياسي جوردان كوهين، والباحث جوناثان إليس ألين، في مقال بصحيفة “The Hill”، إنّ “تسريب الأسلحة الأميركية من أوكرانيا لا يمكن وقفه”.

 

أسلحة الغرب لدعم أوكرانيا في السوق السوداء

موسكو، من جهتها، تحدثت عن أنّ أسلحة المساعدات الأميركية لأوكرانيا تباع في السوق السوداء. وعلّقت المتحدة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على خطة البنتاغون لتتبع وجهة الأسلحة الأميركية التي تتدفق على أوكرانيا، وقالت إنّ هذا الأمر أثار اهتمام السلطات المالية الأميركية.

واعتبرت زاخاروفا أنّ “الخطأ الذي ارتكبته واشنطن في أوكرانيا هو مماثل لما حصل في أفغانستان”، فالأسلحة “تباع وتسرق”، وعلى الوثائق يشطبونها باعتبارها ضائعة بشكل لا يمكن إعادته.

المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أكد بدوره خلال جلسة لمجلس الأمن أنّ “تهريب الأسلحة المصدرة إلى نظام كييف، إلى دول ثالثة آخذ في الازدياد”.

الصين، من جهتها، انتقدت عملية تهريب الأسلحة، وكرر مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن، قنغ شوانغ، مخاوف روسية من أن يُحوّل مسارها إلى الأيدي الخطأ، خصوصاً الجماعات المسلّحة في الشرق الأوسط وأفريقيا.

عمليات تهريب الأسلحة إلى السوق السوداء في الحرب الأوكرانية هي ليست الأولى، فقد سبق أن أصدرت الأمم المتحدة تقريراً ذكرت فيه أنّ الأسلحة تنتشر في ليبيا بمعدل مثير للقلق، ويغذّي تدفقها عبر الحدود الحرب في الشرق الأوسط وأفريقيا مثل مالي وليبيا وسوريا وغيرها.

وقال خبراء الأمم المتحدة في تقرير إنّ “هناك حالات، بعضها تأكد والبعض الآخر قيد التحقيق لشحنات غير مشروعة من ليبيا تصل إلى أكثر من 12 دولة وتتضمن أسلحة ثقيلة وخفيفة، بما في ذلك أنظمة للدفاع الجوي وأسلحة خفيفة وذخائر ومتفجرات وألغام”، مشيرين إلى أنّ “هذا التدفق غير المشروع للسلاح من ليبيا يغذي صراعات قائمة في أفريقيا ودول في شرق البحر المتوسط، ويعزز ترسانات مجموعات مسلحة غير حكومية، بما في ذلك الجماعات الإرهابية”.

 

مخزون الأسلحة لدى الولايات المتحدة ودول الغرب بدأ بالنفاد

وفق تقرير لموقع مجلة “ناشونال إنترست”، واجه الجيش الأميركي “انخفاضاً حادّاً في ترسانته” بسبب الإمدادات العسكرية المقدَّمة إلى أوكرانيا، مشيراً إلى أنّ الجيش الأميركي “سيدفع ثمن نقص الذخيرة”، وأنّه “يجب على الجيش وضع متطلبات واقعية لمخزونات الذخيرة، بناءً على اليقين بشأن المعدلات المرتفعة للنفقات التي ستحتاج إليها القوات في مواجهاتها، في أيّ صراع مستقبلي مع روسيا أو الصين”.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية توقيع عقود مع شركة “لوكهيد مارتن”، قيمتها 520 مليون دولار، من أجل تعويض ترسانة الجيش الأميركي من أنظمة الصواريخ المتعدّدة، التي قُدمت إلى أوكرانيا.

وذكر التقرير أنه “بحلول أواخر صيف عام 2022، كان البنتاغون استنفد مخزونه من عدد من الذخائر المهمة، ويمكن أن يعد فقط بتقديم مزيد منها إلى أوكرانيا في غضون أشهر، أو حتى أعوام”.

وذكرت وكالة “بلومبرغ”، نقلاً عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أنّ دولاً في حلف “الناتو” طالبت شركات الأسلحة بزيادة إنتاجها بهدف تجديد مخزوناتها، لأنّ الدعم، الذي تقدمه تلك الدول إلى أوكرانيا، تسبّب بنقص المخزونات لديها، على نحو قد يستغرق أعواماً لتعويضه.

واقترح الاتحاد الأوروبي تمويلاً قدره 500 مليون يورو (نحو 508 ملايين دولار)، من أجل “عملية شراء مشتركة للأسلحة بين الدول الأعضاء، لسدّ النقص في المخزونات” التي انخفضت عقب حملة التسليح الأوروبية لأوكرانيا لمواجهة الجيش الروسي.

ويبقى السؤال إن كانت عمليات التسليح المتواصلة لأوكرانيا ستغرق السوق العالمية السوداء بالأسلحة المهربة، لتستخدم في مواجهات أخرى في العالم.

  • المصدر: الميادين نت
  • المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع