في ذكرى قرار التقسيم.. دروس لا بد منها
السياسية:
في ذكرى قرار التقسيم، يجب أن نتذكر نحن الفلسطينيين، أن أحرار العالم ما يزالون معنا وينتظرون تجلي وحدتنا المقاوِمة. وحدتنا واستعدادنا وفعلنا هي الأساس للتضامن الدولي معنا.
إن الحركة الوطنية التي لا تراجع تاريخها ولا تقيّم أداءها، بين الحين والآخر، بشجاعة وموضوعية، لا تستحق أن تواصل مسيرتها، إذ إن الفشل، والهزيمة، هما ما ينتظرها.
في ذكرى قرار التقسيم، لا بدّ من مراجعة شاملة موضوعية، وإن كانت مؤلمة، لتلك الحرب التحريرية الفاشلة. وعند مراجعة التاريخ، لا يجوز لنا أن نرى بطولاتنا من دون أن نرى إخفاقاتنا، أيضاً، وإن كانت مؤلمة، وما أشبهَ الماضي بالحاضر! وهذا يتطلب سلسلة طويلة من الندوات والدراسات الجريئة والموثقة، وهو ما لم نفعله لغاية الآن في تاريخنا الفلسطيني، والعربي بشكل عام.
لا يتسع المجال هنا إلا لبعض الملاحظات السريعة من المشهد السياسي الحالي، ومقاربتِه بالمشهد السياسي عشية قرار التقسيم عام 1947.
بعض الحقائق
عشية قرار التقسيم، وبعد الحرب العالمية الثانية، كان العالم، والدول الكبرى بالذات، منشغلين بإنشاء نظام عالمي جديد، وقد احتل الشرق الأوسط مكانة هامة في هذا النظام، استمراراً لأهميته التي برزت بقوة منذ بداية القرن ومع نتائج الحرب العالمية الأولى.
استكمالاً للمشروع الاستعماري في الشرق الأوسط، كان لا بدّ للقوى المتصارعة، الاتحاد السوفياتي من جهة ودول الاستعمار الغربي من جهة أخرى، من إقامة الكيان الصهيوني، كيان “إسرائيل”، وكل طرف من الأطراف الدولية الكبرى رأى في هذا المشروع الاستعماري مصلحة له، على حساب الشعب الفلسطيني.
في الوقت ذاته، كان الزعماء العرب منقسمين بين متآمر مدعوم من الاستعمار ووطني لا يملك القدرة على اتخاذ القرار، ووفقاً لذلك، انقسمت الزعامات الفلسطينية أيضاً، وهذا هو الأهم.
وعليه، وضعت الزعامات الفلسطينية، على انقساماتها، أو بسبب انقساماتها، قضية فلسطين بين أيدي الزعماء العرب المنقسمين والمتصارعين. بعضهم من علّق آماله على الجامعة العربية، التي وجّهتها بريطانيا، أو علّق آمالاً على “صديقته” بريطانيا مباشرة، بأن تنصف الشعب الفلسطيني، كما يعلقون آمالهم اليوم على أميركا.
بعض الزعماء الفلسطينيين، والعرب عامة، غلّب الصراعات الزعاماتية، الشخصية والعائلية، والارتباطات الخارجية، على الصراع الأساس ضد العدو الصهيوني، لدرجة أن بعضهم تعاون مع العدو الصهيوني والبريطاني ضد عدوّه الوطني. وما أشبه اليوم بالأمس!
عندما وقعت الحرب، بعد قرار التقسيم، تنافخ الزعماء العرب وتنادوا للتحرير، وكان أكبر عملاء الاستعمار البريطاني هو ذاته قائد معركة التحرير المزيفة، وقد قادها وفق التوقيت والتوجيهات والمخططات البريطانية الصهيونية، وأثبتت الوثائق التاريخية ذلك.
عندما تحرك العرب لنجدة فلسطين، كانت العصابات الصهيونية قد أحكمت السيطرة على جزء كبير من فلسطين، بمساعدة الاستعمار البريطاني. وكان جزءٌ كبيرٌ من الشعب الفلسطيني في المناطق التي احتُلت قد هُجّر من وطنه، وتشهد وثائق المعارك، آنذاك، أن من بقي من الشعب الفلسطيني، ومن معه من الوطنيين العرب، كانوا يقاتلون وحدهم بلا قيادة حقيقية، “ماكو أوامر”، وبأسلحة قديمة بلا ذخيرة أو إسناد. فهل تتكرر المأساة؟
ليس الهدف من هذه المقاربة فتح الجراح، إنما التعلم من دروس الماضي لمنع تكرارها.
في المقاربات أيضاً
اليوم، نواجه في فلسطين تحديات مصيرية لا تقل خطورة عن تلك التي واجهها شعبنا عام 1948، وسوف تكون لهذه التحديات، بالتأكيد، تداعيات أوسع بكثير من حدود فلسطين.
حكومة صهيونية دينية، ذات نهج فاشي دموي، ترى أن الظروف الإقليمية والدولية مؤاتيةٌ لها لفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني بالاستسلام لمخططاتها.
دول عربية كانت قوتها العسكرية والسياسية والمادية تشكل أملاً للعرب قد تحطمت، مثل مصر والعراق وسوريا.
أنظمة عربية مهرولة للتطبيع مع المحتل الصهيوني، وتدفع عشرات أو مئات مليارات الدولارات لتحطيم أي قوة عربية أو إسلامية يمكنها مواجهة العدو الصهيوني. فكيف لا يشعر هذا الكيان بأنه أمام فرصة مؤاتيه؟!
حكومة صهيونية تمثل، في المرحلة الحالية، الأيديولوجيا “الصهيونية المفضوحة”، وهي ما يمكن تسميته بالفاشية الصهيونية، التي تدمج ما بين الأيديولوجيا الاستعمارية مع الأيديولوجيا الدينية، إذ تتقدم العقيدة الدينية على العقيدة الاستعمارية اليوم، ولكنها لا تنفصل عنها. أما ميزتها الجديدة الثانية، فتكمن في أنها لم تعد تغلف مواقفها وممارساتها بتصريحات سلامية مضللة، بل تعلن أهدافها من دون أي اعتبار لمواقف “الغوييم”.
حكومة، تعلن للعالم نيتها مصادرة المقدسات الإسلامية والأرض الفلسطينية، بما فوقها وما تحتها، وتعلن نيّتها تهجير ما تبقى من الشعب الفلسطيني في وطنه، أو قبولِه بالعيش الذليل في “كانتونات” صغيرة محاصرة، لا كرامة فيها للإنسان. فهل نحن مستعدون للمعركة القادمة؟ وما العمل لمواجهة هذه التحديات؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغلنا في ذكرى قرار التقسيم.
ما العمل؟
إذا كان لا بدّ من دروس، في هذه الذكرى، فهي دروس يتوجب علينا، نحن الفلسطينيين، أن نتعلمها.
لا يوجد في هذا العالم دولة تساند شعبنا لتحرير وطنه، سوى قوى محور المقاومة، وهي قوى محاصرة مادياً وسياسياً، ومحاطة بقواعد عسكرية معادية إلى أبعد حدّ. حتى إن الزعماء العرب، والفلسطينيين الرسميين، لم يعودوا “يتنافخون شرفاً”، وإن كان تمثيلاً كما فعلوا في الماضي، بل يتآمرون، علناً، على قوى المقاومة الفلسطينية ومن يساندها.
إنهم، أعداء الشعب الفلسطيني جميعاً، يراهنون على إحباطنا ويأسنا من إمكانية تغيير الواقع، وعلى زعامات نصّبوهم وكلاء مطيعين لهم، وإعلام مأجور وإعلاميين جبناء.
كل هذا يتحطم، تدريجياً، أمام تضحيات الشباب الفلسطيني المقاوم، في مخيم جنين ونابلس وطوباس وطولكرم والخليل والقدس، ولا ننسى عكا واللد والرملة ويافا. وسوف يتحطم أكثر على صخرة هذا الجيل الفلسطيني المقاوم.
هذه الذكرى، بدل أن تكون مناسبة للنواح والندب يمكن تحويلها إلى فرصة، لكنّ ذلك يتطلّب عملاً لا يقتصر على 29 تشرين الثاني/نوفمبر فقط. هي فرصة لتذكير العالم بمسؤوليته عن مأساة شعب فلسطين، وعن حق الشعب الفلسطيني بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وحقِّهِ في العودة إلى وطنه والتعويض عن معاناته، وحقه باستقلاله وسيادته. ليس منّة من أحد، إنما هو حق طبيعي للشعب الفلسطيني في وطنه.
هي فرصة لتذكير الزعامات العربية بخياناتها التي لم تعد تخفى على أحد، وتبعيتِها الذليلة لقوى الاستعمار ومخططات الحركة الصهيونية العالمية.
وهي فرصة لتذكير أنفسنا، نحن الفلسطينيين، بأن بداية التحرير هي وحدة القوى الوطنية في وجه العدو المشترك، لتحقيق هدف مشترك، مع ترك التناقضات الثانوية جانباً. وبأن التحرير يتطلّب استعداداً شعبياً للتضحية وقيادة ذات مصداقية عالية، لا تباع ولا تشترى، ولا تغدر بالمقاومين باسم الواقعية وشعارها المقيت، “السياسة فن الممكن”، إنما تستمد قوتها من شعبها وليس من الخارج. قيادة لا تقبل المشورة من أعدائها، أو من زعامات مستسلمة تابعة لقوى الاستعمار، وقد استمرأت الذل والهوان.
في هذه الذكرى، على كل فلسطيني أن يتذكر أيضاً!
– أن البندقية في يدك هي التي تحميك وتحررك وتعيدك إلى وطنك، لا تلك الزعامات المنبطحة والراكعة أمام قدمَي المستعمر، وأن الاستعمار لا يعترف بالضعفاء، ولا بحقوق الشعوب إلا إذا اضطر إلى ذلك.
– أن منظمة التحرير الفلسطينية أقيمت بقرار فلسطيني، ومن رحم المعاناة الفلسطينية، وليس بقرار زعامات عربية مرتبطة بالاستعمار.
– أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انطلقت في أسوأ ظروف عربية وفلسطينية ودولية، حين بقيت “وحدك يا ابن أمي”، لكن الشعوب العربية وأحرار العالم كانوا معك.
– أن الانتفاضة الثانية قد انطلقت حين شعر الأعداء أنهم أكملوا الحصار عليك، واعتقدوا أنه لم يبق أمامك إلا الاستسلام، فانتفضتَ كالعنقاء من تحت الرماد.
– أن كتيبة مخيم جنين وعرين الأسود، وكتائب أخرى تتشكل، انطلقت في ظل حصار من كل اتجاه وتآمرٍ عربي وفلسطيني رسميّين على المقاومة الشعبية.
– أن شعبنا داخل المناطق المحتلة عام 48 لم يفقد البوصلة، بالرغم من كل ما تراه من زعامات تلهث وراء ميزانيات وامتيازات من حكومة العدو، وأن ما شهدته معركة “سيف القدس” أكبر دليل على ذلك.
– أن الشعوب العربية التي رفضت أي تعاون مع الإعلام الصهيوني خلال مونديال قطر، لهي أكبر شاهد أن الخير ما يزال في أمتي، وأن هذا التطبيع مؤقت، وهو شكل من أشكال المؤامرة، ليس فقط على شعبنا الفلسطيني، بل على الشعوب العربية جميعها.
من هنا، لا بد من الاستعداد للمعركة الكبرى.
لا بد أن نضع أيدينا بيد شرفاء هذه الأمة!
لا بدّ من التمييز بين محور الأعداء ومحور الأصدقاء، وما يميز بين العدو والصديق ليس هويته القومية، إنما أفعاله ومواقفه الحقيقية.
تذكر، أن أحرار العالم ما يزالون معنا وينتظرون تجلي وحدتنا المقاوِمة. وحدتنا واستعدادنا وفعلنا هي الأساس للتضامن الدولي معنا، وهي الطريق إلى الحرية والاستقلال والسيادة.
أيها العربي المقاوم قل لهم ما قاله شاعرنا قبل 52 سنة:
“لن تستطيعوا للأبد
أن تملكوا بلادنا
لأنكم لن تقدروا للحظة واحدة
أن تملكوا قلوبنا”.
المصدر: الميادين نت
المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع