الأميركيون والضفة المحتلة 4ـ 4
2021-2022 حين عادت USAID والخارجية
السياسية:
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID أعلنت عودتها إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وتهافتت عليها مؤسسات وشخصيات للحصول على نصيبها من المال، لكن الأهم هو سياق عمل الوكالة من أجل صناعة النخب الفلسطينية.
منذ إعلان عودة نشاط “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” إلى “مناطق السلطة الفلسطينية”، تهافت عدد من المؤسسات والشخصيات للحصول على نصيب من كعكة المال الجديدة، في وقت تجدد USAID على صفحاتها دعوة المؤسسات المحلية إلى التسجيل والاستفادة من المشروعات التي كلفت دافعي الضرائب الأميركيين أكثر من مئة مليون دولار في السنتين الأخيرتين. لكن الأهم هو السياق الذي تعمل عليه الوكالة وبجانبها الكونغرس ووزارة الخارجية من أجل صناعة النّخب الفلسطينية للغد القريب… أو البعيد.
صحيح أن غالبية المشروعات التي تعلنها “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” (USAID) هي إغاثية وصحية وأخرى تعليمية، لكنْ هناك تركيز واضح على مشروعات “التعايش” و”السلام” والتطبيع، بل إن المبلغ الأكبر مرصود لهذه المشروعات. على ذكر المبالغ، ثمة ضياع بحثيّ في تحديد كمّ التمويل المخصص إجمالاً، ولكل مشروع على حدة، إذ تعلن أرقام كثيرة من دون توضيح ماهية كل منها ومن أي جزء أو موازنة، وكذلك الحال عند الحديث عن “التمويل الإضافي”.
في المجمل، أعلنت USAID في 3/11/2022 أنها استثمرت في العام الماضي 150 مليون دولار “من أجل تمكين الفلسطينيين من بناء مجتمعات مزدهرة وقادرة على الصمود، وتعزيز التنمية الشاملة، وتعزيز حل الدولتين”. وقالت الوكالة إنها في ظل إدارة بايدن-هاريس، لكن بانتظار موافقة الكونغرس، تخطط لبرمجة ما لا يقل عن 500 مليون أخرى ضمن نطاق 2021-2024، من أجل أنشطة “تعمل على تحسين حياة الفلسطينيين عبر برامج النمو الاقتصادي والصحة وتمكين الشباب ودعم منظمات المجتمع المدني، والمياه والصرف الصحي، والمساعدات الإنسانية، وأنشطة بناء السلام”.
ترد في الإعلان الأخير تفاصيل هذه المرة لكنها تبقى أمثلة لا يحصل من يجمعها على الرقم الإجمالي، ما يعني أن هناك بنوداً لا تُعلن بالضرورة. لكن الإعلان نفسه ركّز على أنه في أيلول/سبتمبر الماضي، أعلنت USAID عن “ثلاث منح جديدة لتعزيز التواصل بين الشعوب في إطار صندوق مبادرة الشراكة من أجل السلام في الشرق الأوسط (MEPPA)”، وأضاف: “الآن، يسعدنا إضافة برنامجين آخرين إلى تلك القائمة: سنمنح 600 ألف دولار لجمعيّة أصدقاء المركز الطبي لدعم نشاط دعم الحياة المتقدم في الصدمات، ومدته عامان، ونشاط بناء الجسور الاقتصادية الإقليمية (BREB)… الذي سيكلف 87 مليون دولار (لاحظوا الفرق بين الرقمين) على مدى خمس سنوات”.
أما MEPPA، وهو اختصار لقانون الشراكة من أجل السلام في الشرق الأوسط Nita M. Lowey Middle East Partnership for Peace Act الذي سنّه الكونغرس عام 2020 ويرأس إطاره التنفيذي حالياً جورج سالم (1)، فله قصة أخرى. ومختصرها أنه إطار “يدعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على بناء علاقات بين الأفراد من المجتمعين الصهيوني والفلسطيني من أجل مواجهة التحديات المشتركة، وبناء روابط اقتصادية مهمة بين الاقتصادين الصهيوني والفلسطيني”، في حين أن المشروع الجديد (87 مليوناً)، الذي ستنفذه شركة Chemonics، يهدف إلى “التغلب على الحواجز بين القطاعين الخاص الفلسطيني والصهيوني، وتعزيز البحوث الاقتصادية والتطبيقية المشتركة على المستويين الفردي والمؤسسي”.
على أي حال، بينما جرى تعيين مديرتين لبعثة USAID في الضفة وغزة (لا تُذكر القدس، أو شرقي القدس، كمنطقة عمل إلا في بعض النشاطات) في 2021 ثم في 2022، تبين أن الوكالة كانت تعمل في سنوات الانقطاع الثلاث التي فرضها دونالد ترامب، وهذا ما أظهرته نشاطاتها في محاربة فيروس كورونا خلال 2020 و2021، مع أن موقعها الرسمي توقف عن نشر الأخبار منذ 2017. ثم، مع إعلان فوز جو بايدن رئيساً في 7/1/2021، بدأت السياسة الخارجية الأميركية إعادة توجيه مسارات علاقاتها ببعض الدول، وشمل ذلك الأردن والسلطة الفلسطينية، اللذين ضغطت عليهما إدارة ترامب وأحرجتهما.
كان من قرارات ترامب “القاسية” على السلطة وقف المساعدات المالية المباشرة لها (عدا المجالات الأمنية)، وكذلك “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (الأونروا)، وليس أخيراً إيقاف عمل USAID في الضفة، بما يشمل القدس، وقطاع غزة، إذ كانت هذه الوكالة قد بدأت عام 2018 تقليص طاقم موظفيها قبل أن تعلن في 1/2/2019 وقف مساعداتها للشعب الفلسطيني كلياً.
جاءت إدارة بايدن وألغت تلك القرارات، وكانت باكورة عمل الوكالة في 4/8/2021 حين “بشّرت” بعودتها للعمل في فلسطين بعد توقف ثلاث سنوات، على لسان مديرة مكتبها في فلسطين، دانا منصوري، التي قالت إن “العودة إلى فلسطين باتت ضرورة ملحة”، وقد سبق ذلك قرار بايدن تعيين المندوبة الدائمة لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، رئيسة للوكالة في 13/1/2021، واصفاً إياها بأنها “صوت الضمير المعترف به عالمياً والنقاء الأخلاقي”.
منذ 1994 حتى توقف عمل USAID مطلع 2019، قالت الولايات المتحدة إنها قدمت مساعدات إلى الفلسطينيين بما يقارب 5.2 مليارات دولار. ووفق الموقع الرسمي للوكالة الأميركية، فقد استثمرت منذ سنة 2000 بما يزيد على 300 مليون دولار في قطاع المياه عبر زيادة الإمداد وتحسين إدارة الموارد المائية في الضفة وغزة، مشيرة إلى أن مشاريعها ساهمت في إيصال المياه الصالحة للاستخدام إلى نحو 130 ألف مواطن فلسطيني، كما استطاعت إيصال المياه النظيفة إلى مليون فلسطيني وسط الحديث الدائم عن المياه الملوثة وشح المياه الصالحة للاستخدام في فلسطين.
أما المديرة الجديدة للوكالة، فهي إيمي توهيل-ستول، التي قالت باور في حفل تنصيبها (17/8/2022): “لا يمكنني التفكير في أي شخص أكثر قدرة وجاهزية لقيادة عملنا في الضفة وغزة أكثر من إيمي بفضل التزامها وإصرارها الدائم، وموثوقية عملها في وقت الأزمات، وقدرتها على كسب ثقة من يعمل معها… نحن محظوظون بها”.
وتوهيل-ستول “عضو رفيع المستوى في السلك الدبلوماسي مع أكثر من 25 عاماً من الخبرة”. وقبيل تكليفها هذا المنصب، كانت نائبة مساعدة لمدير مكتب المساعدات الإنسانية (BHA) التابع للوكالة نفسها، كما شغلت منصب نائبة مساعدة لمدير مكتب الشؤون الديمقراطية والنزاعات والمساعدات الإنسانية فيها، وأيضاً مديرة للبعثة في نيبال، بالإضافة إلى مهمات أخرى في أفغانستان والأردن وزيمبابوي وجمهوريات آسيا الوسطى.
وسبقتها في فلسطين المديرة الأخيرة ألير غروبز التي باشرت مهماتها في 6/10/2021، أي لم تكمل السنة. آنذاك، أعلنت الوكالة الأميركية الحدث “فصلاً جديداً من شراكة البعثة مع الفلسطينيين”، علماً أن غروبز كانت في آخر مهماتها تدير عمليات USAID في بورما قبل الانقلاب العسكري الأخير، كما شغلت منصب نائب مدير مكتب إدارة الميزانية والموارد التابع للوكالة (2017-2020)، وقدمت التوجيه والإشراف على الميزانية السنوية للوكالة التي تبلغ نحو 26 مليار دولار. وقبل انضمامها إلى USAID، عملت في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وهي تتحدث الإسبانية والألمانية ولديها معرفة أساسية بالعربية والروسية.
أهم مشروعات 2021
في ما يلي أبرز المشروعات والمساعدات التي أعلنتها USAID قبيل وبعد استئنافها عملها في مناطق السلطة:
25/3/2021: قالت القائمة بأعمال مدير الوكالة، غلوريا ستيل، إن السفيرة الأميركية، ليندا توماس، أعلنت تقديم 15 مليون دولار عبر الوكالة الأميركية في شكل مساعدات إنسانية وطبية وخدماتية لدعم الفلسطينيين المتضررين في الضفة وغزة لمواجهة وباء كورونا مع دعم برنامج الأمن الغذائي.
7/4/2021: صدر بيان عن ستيل تحدثت فيه عن تقديم الولايات المتحدة 75 مليون دولار عبر USAID في الضفة وغزة تلبيةً للاحتياجات الأساسية ودعماً للاقتصاد الذي تأثر سلباً من جراء كورونا. لكنها ذكرت أن الوكالة الأميركية ستخصص 10 ملايين “لدعم برنامج بناء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما يخدم مبدأ حل الدولتين الذي تعوّل عليه إدارة بايدن في مبادرة لتعزيز السلام وفقاً لإرشادات إستراتيجية الأمن القومي المؤقتة”.
26/5/2021: ذكر تقرير صادر عن الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة بصدد تقديم 360 مليون دولار مساعدات إلى الشعب الفلسطيني. وقال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إن هناك أكثر من 38 مليوناً إضافية للشعب الفلسطيني “تعويضاً ومساعدةً لهم بعد المعاناة” الناجمة عن الحرب (سيف القدس)، على أن يُقسم المبلغ إلى: 33 مليوناً من الخارجية دعماً لـ”الأونروا”، و5.5 ملايين لدعم USAID المنظمات الإنسانية التي تعمل على تأمين المأوى والغذاء والرعاية الصحية الجسدية والنفسية”.
24/8/2021: أعلنت الولايات المتحدة تبرعها بخمسمئة ألف لقاح “مودرنا” عبر منصة COVAXفي الضفة وغزة.
10/9/2021: أعلنت الوكالة الأميركية أنه يمكن الحصول على فرصة تمويل عبر صندوق Partnership for Peace Fund لمشروعات تعمل على: “تعزيز الثقة المتبادلة والتعاون بين المجتمعات، والعمل المشترك بين الفلسطينيين والصهاينة، ودعم بناء السلام والاستقرار بزيادة الروابط الاقتصادية، وتمكين رواد الأعمال، وتنمية الطبقة الوسطى، وتخفيف نسبة البطالة، وتعزيز بناء المجتمعات المشتركة، والتعايش السلمي والحوار، والمصالحة بين الصهياينة والفلسطينيين”.
28/9/2021: أعلنت الولايات المتحدة تخصيص 10 ملايين دولار دعماً لشبكة مستشفيات القدس (EJHN) “لتقديم العلاج وإنقاذ حياة عشرات الفلسطينيين”. وفق USAID، تقدم هذه المستشفيات خدمات إضافية عن تلك التي تقدمها المستشفيات في غزة والضفة، ولذلك هذه المساعدة “ستمكنها من تقديم خدمات طبية متخصصة باستمرارية وفعالية عالية”. كما أعلنت الوكالة الأميركية أنها تمول برنامجاً بالشراكة مع خدمات الإغاثة الكاثوليكية CRS بعنوان “Envision Gaza 2020”.
21/10/2021: أعلنت الوكالة الأميركية تقديم خمسة ملايين دولار إضافية لمساعدة الاستجابة العاجلة لفيروس كورونا في الضفة وغزة. في تفاصيل هذا الخبر كان هناك ما هو لافت، إذ ذكرت الوكالة أنها كانت تعمل منذ 3/2020 على تقديم المساعدات في مكافحة كورونا في الضفة وغزة، ولم يكن عملها متوقفاً تماماً، في حين أن الأخبار على صفحتها الخاصة بالضفة وغزة كانت غائبة منذ 2017 حتى منتصف 2021 تماماً.
29/10/2021: نقلت الوكالة الأميركية إعلاناً سنوياً عن فتح باب تقديم الطلبات لـ “برنامج فولبرايت للباحثين الزائرين لعام 2021-2022” الذي “يوفر فرصة رائعة لإجراء بحث على مستوى ما بعد الدكتوراه وإلقاء محاضرات في إحدى الجامعات الأميركية”، وهو برنامج مهم لصناعة النخب في الدول كافة.
3/11/2021: أعلنت الوكالة الأميركية في بعثتها للضفة وغزة أنها أطلقت برنامج “الاستجابة العاجلة للسياحة” الجديد لدعم تعافي السياحة الفلسطينية من تداعيات كورونا وتأثيرها.
23/11/2021: أعلنت الوكالة الأميركية أنها بالتعاون مع “تحالف السلام الفلسطيني” (Palestinian Peace Coalition (PPC)) الذي هو شريك مع “مبادرة جنيف” (Geneva Initiative) (2) إطلاق مشروع “السلام من أجل الشباب” الذي يمتد ثلاث سنوات ويشمل “المشاركة السياسية والتعرض البناء بين القادة الفلسطينيين والصهاينة الشباب”. وقالت الوكالة إن المشروع “يجمع بين فلسطينيين وصهاينة من خلفيات متنوعة ومجالات مهنية ومواقع متباينة جغرافياً لمعالجة القضايا الأساسية للنزاع وتعزيز جهود إعادة بناء السلام”. تقريباً هذا هو الخبر الأهم خلال هذه السنة.
24/11/2021: جرى تحديث الصفحة الخاصة بمشروع MEPPA الذي رُصد له 250 مليون دولار على مدى خمس سنوات بدءاً من 50 مليون دولار في 2021، فيما يُعين المشروع كلاً من USAID والمؤسسة الأميركية لتمويل التنمية الدولية (DFC) لصرف الأموال. أما المطلوب فهو ثلاثة أهداف: تفعيل الجهود الشعبية لتغيير السياسات وتعزيز التسامح والمشاركة بين الفلسطينيين والصهاينة، ودعم بناء السلام وتحقيق الاستقرار عبر زيادة الروابط الاقتصادية (بين الفلسطينيين والصهاينة) بتمكين رواد الأعمال وتنمية الطبقة الوسطى وتخفيف البطالة، وأخيراً تعزيز بناء المجتمع المشترك والتعايش السلمي والحوار والمصالحة عبر الحدود بين الصهاينة والفلسطينيين وبين الصهاينة العرب واليهود. وسبق في 2/9/2021 أن نشرت USAID طلباً للحصول على منح للمؤسسات المعنية، قائلة إنها تعمل على تحديد وإشراك شركاء جدد ومحليين. وهذه المبادرة الكبيرة مكملة للجهد السابق في مشاريع “السلام”، وهي العمود الأساسي لعمل السنوات المقبلة.
أهم مشروعات 2022
منذ الخبر الأخير في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 انقطعت الأخبار مجدداً حتى عاد النشاط في منتصف شباط/فبراير 2022 حين أعلنت USAID أنها أطلقت مشروع مساعدة للشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل التعافي والانتعاش (SMART) لدعم الشركات الفلسطينية، وذلك بقيمة 40 مليون دولار بين 2021 و2025، على أن يستهدف في عامه الأول “دعم أكثر من مئة شركة فلسطينية وتدريب الموظفين على تقنيات حديثة وتوفير وظائف مستدامة جديدة”، والفلسفة هي “تحسين حياة الفلسطينيين وتهيئة الظروف لحل دولتين قابل للحياة”.
ثم، في 8/3/2022، انطلق النشاط الأول لمشروع MEPPA خلال زيارة إيزوبيل كولمان فلسطين المحتلة، وهي نائبة مديرةUSAID، وذلك عبر منحتين: الأولى 3.3 ملايين دولار على مدى أربع سنوات لتوفير البرامج التدريبية والتمويل الأوّلي لسيدات الأعمال وفرص للتواصل مع الموجهين الناجحين من رواد الأعمال، والثانية 2.2 مليون على مدى ثلاث سنوات لدعم رجال الأعمال الفلسطينيين والصهاينة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة “وبناء الشراكات بينهم عبر إسرائيل والضفة الغربية”.
في هذا الوقت، كانت صفحة الوكالة الخاصة بالضفة وغزة على “تويتر” أكثر نشاطاً من الموقع الرسمي، وتقدم صوراً تفصيلية عن النشاطات والمشاركين. ثم جاءت زيارة بايدن وسلسلة المساعدات التي وعد بها وفي مقدمها مئة مليون دولار لشبكة مستشفيات شرقي القدس (EJHN)، فيما قالت USAID في 12/8/2022 إنها قدمت 14.5 مليون في مساعدة مالية فورية ضمن المبلغ المشار إليه، ويضاف ذلك إلى 90 مليوناً أخرى سبق أن قُدمت إلى هذه المستشفيات منذ 2014 (في خبر آخر على الموقع الرسمي نفسه، يرد رقم 95 مليوناً!).
بعد ذلك، في 28/9/2022، عاد مشروع MEPPA ليطرح ثلاث منح جديدة بأكثر من 7.8 ملايين دولار من أجل “جهود بناء السلام… التي تجمع بين الفلسطينيين والصهاينة للعمل على القضايا ذات الاهتمام المشترك”. وهذه المنح هي أولاً نشاط صنع السلام، الذي تبلغ تكلفته مليون دولار وتنفذه مؤسسة Reut USA، في مجال الابتكارات الهندسية وأدوات التصنيع المضافة، وثانياً مركز التمريض التخصصي الفلسطيني الصهيوني الذي سيجري تنفيذه على مدار ثلاث سنوات بقيمة 2.3 مليون.
ثالثاً وأخيراً 4.5 ملايين دولار لـOur Generation Speaks من أجل دعم نشاط “مسرّع الجيل التالي” لثلاث سنوات، والهدف “خلق جيل من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة وكيان إسرائيل يتمتعون بالمهارات والدوافع والشبكات لبناء مجتمع ريادي ملتزم تشكيل مستقبل سلمي مشترك… يقدم البرنامج تدريباً مكثفاً على ريادة الأعمال لثلاثة أشهر ودعم متابعة لأكثر من 120 من الشباب الفلسطينيين والصهاينة الذين سيقومون ببناء علاقات شخصية بعملهم معاً”.
حتى أزمة المياه في الضفة كانت بوابة لأنشطة “السلام”، إذ قُدّمت 3.3 ملايين دولار من أجل “الأمن المائي في كيان إسرائيل والضفة الغربية وغزة”، في مشروع مدته ثلاث سنوات و”يجمع بين خبراء علميين صهاينة وفلسطينيين من أجل التعاون لوضع حلول للاستخدام العادل والمستدام لإمدادات المياه المشتركة”. فلماذا هذا التركيز في القطاعات كافة على التواصل بين الفلسطينيين والصهاينة من المهن والطبقات المجتمعية كافة، وإلامَ يرمي الأميركي؟
من يتتبع مسار العمل الأميركي في عدد من الدول العربية والإسلامية، وتحديداً في فلسطين، لا يخفى عليه أن المشروع الأساسي هو صناعة النموذج المفترض أنه يتناسب مع المعايير الأميركية للمستقبل وليس اليوم حصراً، وثانياً تكوين نخب فلسطينية ستكون هي عنوان المرحلة المقبلة خاصة في المناصب الأساسية والحساسة في عدد من القطاعات. ولهذا، يجري التركيز في معايير القبول والرفض ضمن المؤسسات أو حتى الأفراد على الهدف المستقبلي لا المرحلي فقط.
في محادثات مفصّلة ومعمّقة مع كثيرين ممّن استفادوا من المنح الأميركية كانت تلفت مجموعة من الأسئلة الخارجة عن السياق، خاصة ما يتعلق بالمستقبل، إلى حدّ أن الأميركيين يحاولون الظهور في مواقف عدة على أنهم “الشرطي الجيد” في حين أن “إسرائيل” هي “الشرطي السيّئ”. وثمة أسئلة أخرى تستشرف المستقبل البعيد، أي إلى ما بعد احتمال تحرير فلسطين والعودة إليها، لتستكشف واشنطن مبْكراً جداً من يمكن أن يكونوا رجالها أو أصدقاءها في المراحل كافة.
مع ذلك، ربما يبدو هذا الكلام غريباً في وقت يهدد الاحتلال الضفة بكاملها بالابتلاع، لكن خبراء الاستعمار الأصليين، والحديث هنا عن الأميركيين أولاً ثم البريطانيين، لديهم رأي آخر في مسار الأحداث. صحيح أنهم يذهبون إلى أبعد ما يكون في دعم الاحتلال واستمراريته، وحتى صياغة أبدية له، لكنهم يضعون في حسبانهم الاحتمالات كافة، ولا يهمهم في بداية الأمر ونهايته إلا مصالحهم، مهما أظهروا من تعاطف مع معاناة الفلسطينيين أو حرص على تأمين مستقبل لهم ودولة.
دور “الخارجية”
استناداً إلى هذا الفهم، وحرصاً على الحصول على مراجعة دقيقة وتفصيلية، تعتمد الخارجية الأميركية على مراكز اتصال مع الشخصيات المؤثرة في كثير من الدول لمعرفة الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، ضمن ما يسمى “مركز النخب” في الوزارة. وتُعدّ فلسطين محط اهتمام كبير للخارجية، لكن لغياب سفارة في “مناطق السلطة”، تلجأ الإدارة الأميركية إلى قراءة الأوضاع عبر مراكز استطلاعات الرأي المحلية ودعمها مالياً والطلب إليها تنفيذ بحوث واستطلاعات معينة، بالإضافة إلى إجراء اتصالات مع الشخصيات البارزة والمؤثرة في الساحة الفلسطينية.
بصورة عامة، يُجري مركز الرأي العام في الخارجية الأميركية قرابة 260 ألف اتصال سنوياً على مستوى العالم بما في ذلك مع شخصيات فلسطينية داخل المستوى السياسي وخارجه. ووفق تقدير بعض المصادر الفلسطينية، تتواصل الخارجية الأميركية مع قرابة 20 شخصية فلسطينية مؤثرة، بخلاف التواصل الرسمي مع السلطة أو المؤسسات الشريكة أو المستفيدة من منح أميركية.
ربما الأشهر على الساحة الفلسطينية في العلاقة مع الأميركيين على هذا الصعيد هو رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض (2007-2013). بعدما حصل فياض عام 1986 على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة تكساس، باشر عمله في رئاسة البنك الدولي في واشنطن حيث تقلد وظيفة مساعد المدير التنفيذي، ثم جرت ترقيته بسرعة إلى منصب مستشار المدير التنفيذي، واستمر في هذه الوظيفة من 1992 حتى 1995. بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، تم تحويل وظيفته من البنك الدولي إلى صندوق النقد الدولي، وهناك تولى منصب الممثل المقيم في القدس لصندوق النقد ممثلاً عن السلطة، واستمر في ذلك حتى 2001، وبعدها تحول إلى البنك العربي في وظيفة المدير الإقليمي للبنك لدى السلطة.
عام 2002، عيّن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات فياض في منصب وزير المالية جراء ضغط مكثف من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كشرط لتقديم المزيد من المعونات والمساعدات، إذ وصل حجم الميزانية المتاحة أمامه مبلغ 1.28 مليار دولار. إضافة إلى المالية، تولى فياض منصب وزير الزراعة، ووزير السياحة، ووزير الاقتصاد الوطني، ووزير الطاقة، ووزير التخطيط.
مطلع 2006، خاض فياض الانتخابات التشريعية ضمن حزب “الطريق الثالث” الذي أسسه، واستطاع الحصول على مقعدين في البرلمان. ولأنه لا ينتمي إلى “فتح” ولا “حماس”، ظل الرجل يحظى بدعم الإدارة الأميركية، ونال ثقة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وخلال توليه المالية، أطلق سلسلة إجراءات طمأنت الدول المانحة لدرجة أقنعتها بتحويل التبرعات مباشرة إلى السلطة بدلاً من المنظمات غير الحكومية.
منذ استقالته من الحكومة، أقام فياض في الولايات المتحدة حتى عاد إلى رام الله بعد حرب غزة الأخيرة (2021)، وهو منذ ذلك الوقت المرشح الأميركي لرئاسة حكومة تكنوقراط متى ما توافرت الظروف لتشكيلها، علماً أنه صديق مسؤول الملف الفلسطيني-الصهيوني في الخارجية الأميركية، هادي عمرو. وسبق خلال السنة الماضية أن عقد لقاء مع محمود عباس وقدّم رؤيته لتشكيل حكومة كفاءات، كما التقى قيادة “حماس” في غزة وعرض رؤيته لتشكيل حكومة جديدة، نافياً أن تكون مبادرته موجّهة من الأميركيين، لكنه لم ينكر أنها تحظى بموافقتهم.
على أي حال، بعض هذه الشخصيات صار مصدراً معتمداً ويتواصل مع الخارجية منذ سنوات، بل تأتيه اتصالات دائمة لاستشارته في ما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية على الساحة الفلسطينية. وهناك طبقة أخرى ممّن يجري التواصل معهم باتوا مرجعيات للخارجية إلى درجة أنهم يقدّمون استشارات قانونية وسياسية وأيضاً دراسات تقدير موقف، فضلاً عن خوضهم دوراً للتأثير في الفصائل الفلسطينية بشأن الذهاب إلى اتفاقات هدنة طويلة المدى، أو فتح خطوط علاقة غير مباشرة مع الأميركيين لإيصال رسائل معينة.
لكن هؤلاء غير معفيين من المتابعة الدقيقة لحياتهم وأعمالهم، فأحدهم كان قد شغل منصب وزير في إحدى حكومات رام الله، وقد أجرت معه الخارجية الأميركية تحقيقاً عبر الإنترنت بعد اتهامات باستغلاله معدات لإنشاء ميناء عسكري لحركة “حماس”، وقد استمر التحقيق ثلاث ساعات متواصلة.
في المحصلة، هؤلاء ومعهم جيش كبير من المستفيدين من الدعم الأميركي، ممّن تظهر أسماؤهم أو من هم معروفون في ساحة “الكار” فقط، باتوا يتقنون لعبة التمويل والحصول على الرضا الأميركي. في مكان ما، يخدعونه ليحصلوا على المال فقط، وفي مكان آخر هم فعلاً جزء من مشروع كبير، لم ولن يخرج أحد في واشنطن ليقول الهدف الصريح منه ومن مئات ملايين الدولارات التي تُنفق تحت عناوين “السلام”، مع أنهم يعرفون استحالة تحقيق ذلك على الأرض.
كذلك، لا أحد سيقول لماذا لا تقدم هذه المشروعات حلولاً جذرية، أو لِمَ لا تدوم المشاريع المستدامة بل تتحوّل في الآخر إلى مشاريع بطالة وعمل مؤقت أو مياوم، بالرغم من أن ما أُنفق سواء على السلطة، في ملف الأمن والاقتصاد، أو على المجتمع المحلي والبلديات والمؤسسات المدنية والأهلية، فاق أميركياً على الأقل ستة مليارات دولار من دون حساب ما هو سري، أو الضخ الأوروبي والعربي الموجَّه من واشنطن بالضرورة.
فبعد قرابة ثلاثة عقود على “أوسلو”، لا تزال عناوين المشكلات التي تواجه الفلسطينيين هي هي لم تتغير… إلا إن كان الهدف إبقاء الوضع على ما هو عليه، لعل وعسى تنجز كيان “إسرائيل” المهمة، أو أن يتأسرل الفلسطينيون بقبول الأمر الواقع… وربما المطلوب ليس سوى إعادة تدوير الاحتلال واستعمال وجوه متعددة لستره، فيما يبقى لكل مرحلة رجالها المخلصون لواشنطن.
الهوامش:
(1) من هو جورج سالم؟
صاحب مكتب محاماة شهير في الولايات المتحدة، وسبق أن ترأس قسم الشرق الأوسط في وزارة العمل الأميركية. كان له دور في الترافع في قضايا تخص المنطقة، ومنها رئاسة الفريق القانوني الذي نجح في رفع دعوى ضد وزارة الخزانة نيابة عن مالكي مصنع الشفاء للأدوية في السودان الذي دمرته البحرية الأميركية، ولمكتبه تركيز كبير في العمل على القوانين الداخلية.
من الناحية السياسية، كان لسالم أدوار رئيسية في حملات ريغان-بوش لعام 1984، وبوش-كويل 1988، وبوش-تشيني عام 2000. أما المساهمة البارزة له قبل المنصب الجديد، فهي مشاركته في تأسيس “المعهد العربي-الأميركي”، عام 1985 وهو حالياً رئيسه، كما شغل منصب أمين صندوق مؤسسة الاستئناف الفلسطيني المتحدة منذ 1982.
في فلسطين والمنطقة، صار عام 2003 عضواً في اللجنة الاستشارية الأميركية للدبلوماسية العامة في العالمين العربي والإسلامي، التي شكلها الكونغرس، كما سبق أن عمل مراقباً رسمياً للانتخابات الفلسطينية في 2/2005، وأيضاً ممثلاً لجورج دبليو بوش في جنازة رئيس السلطة ياسر عرفات. وأخيراً، في 4/2/2022، عيّنت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سمانثا باور، سالم، رئيساً للمجلس الاستشاري لصندوق الشراكة من أجل السلام (PPF) الذي أنشئ بموجب قانون MEPPA.
(2) المؤسسات المتعاونة مع USAID في 2021-2022
1- تحالف السلام الفلسطيني (PPC)
تأسس التحالف في 10/2000 كـ “حركة سياسية لا حزبية تهدف إلى الحفاظ على برنامج التفاوض باتجاه حل الدولتين لشعبين”. يقول التحالف إنه يضم وزراء عاملين وسابقين، وأعضاء مجلس تشريعي برلمانيين، وأعضاء من مختلف الأحزاب السياسية، إضافة إلى رجال أعمال ومثقفين وناشطين من المجتمع المدني وممثلين عن قطاعات المجتمع من نساء وشبيبة. ويستند لتبرير وجوده إلى “برنامج السلام الذي أقرته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988″، لكنه يعارض “توسيع المستوطنات الإسرائيلية وبناء جدار الفصل العنصري”.
بجانب المشروع الجديد المدعوم أميركياً ثلاث سنوات، يقول التحالف الذي مقره في رام الله البيرة (له نشاطات ودورات ينفذها في غزة) إنه يتلقى تمويله من: مركز أولف بالم الدولي OPIC، والاتحاد الأوروبي، وSwiss Federal Department of Foreign Affairs (FDFA).
2- مبادرة جنيف GI
حركة “سلام” صهيونية -فلسطينية تعمل على تحقيق حل الدولتين على غرار اتفاقية جنيف، وأغلب طاقمها موجود في رام الله.
3- خدمات الإغاثة الكاثوليكية CRS
تأسست خدمات الإغاثة الكاثوليكية عام 1943 على يد الأساقفة الكاثوليك للولايات المتحدة لخدمة الناجين من الحرب العالمية الثانية في أوروبا، ثم توسع عملها ليشمل دول العالم. وتقول الخدمات إنها تعمل في القدس والضفة وغزة منذ عقود بالتعاون مع شركاء محليين “لتعزيز الأسس الاقتصادية والمدنية والبيئية لدولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل، مع الاستجابة للأزمات الإنسانية متى ظهرت”، مشيرة إلى أنها خدمت منذ الأربعينيات أكثر من مليون و300 ألف فلسطيني.
ركز عملها في البداية على تقديم المساعدة الغذائية وتنظيم حملات التطعيم وقيادة مبادرات أخرى تركز على التغذية والصحة، ثم في السبعينيات والثمانينيات شيدت الطرق والفصول الدراسية والجسور والآبار كجزء من مبادرة التنمية الريفية الواسعة، فيما كانت مشاريع المياه مجال تركيز رئيسي في التسعينيات، تماماً مثلUSAID. وأخيراً، تقول إنها تعمل “بشراكة وثيقة مع شبكة واسعة من منظمات المجتمع المدني المحلية وبالتشاور المنتظم مع الكنيسة المحلية”.
المصدر: الميادين نت
المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع