هجوم غربيّ متصاعد على الجزائر.. ما مستقبل العلاقة مع أوروبا؟
السياسية :
بعدما راهنت الجزائر على التحالف العسكري مع روسيا، وإقدامها على خطوات اقتصادية هامة اعتبرت استفزازية للاتحاد الأوروبي وهي الانضمام الى التكتل الاقتصادي البريكس الذي تتزعمه روسيا والصين، بيّنت مواقع إخباريّة مؤخراً أنّ 17 نائبا من أعضاء البرلمان الأوروبي، أرسلوا رسالة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين طالبوا فيها بمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، في وقت تراود أوروبا شكوكا كثيرة حول سياسة الجزائر بسبب مشترياتها من السلاح الروسي والمناورات العسكرية، حيث تستند الدعوات المتتالية لنواب في البرلمان الأوربي والكونغرس الأمريكي لمعاقبة الحكومة الجزائرية أو مراجعة العلاقات معها، على معلومة تزعم شراء البلاد لأسلحة بقيمة 7 مليارات دولار من موسكو خلال عام 2021، وهي صفقة لا أثر لها بحسب مختصين عسكريين.
ويأتي هذا الطلب بعد أيام من دعوات في الولايات المتحدة، لتطبيق ما يسمى “قانون معاداة أمريكا” على الجزائر، باعتبارها بلدا داعما لروسيا التي تشن برأيهم حربا بربرية على أوكرانيا وهي بحاجة لمزيد من الأموال عبر عمليات بيع الأسلحة، باعتبار الجزائر واحدة من بين أربعة مشترين رئيسيين للأسلحة الروسية، كما اتهم النواب الأوروبيون القلقون الجزائر “بتمويل الحكومة الروسية من خلال شراء معدات عسكرية”، وهي تصريحات تتقاطع مع التهامات الأمريكية على لسان نواب أوضحوا أنه في العام الماضي وحده، أنهت الجزائر صفقة شراء أسلحة مع روسيا بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 7 مليارات دولار، وفي هذه الصفقة، وافقت الجزائر على شراء طائرات مقاتلة روسية متطورة، بينها سوخوي- 57 التي لم توافق موسكو على بيعها لأي دولة أخرى حتى يومنا هذا، ما يجعل الجزائر وفقاً للأمريكيين والأوروبيين ثالث أكبر متلق للأسلحة الروسية في العالم.
ويقود الحملة الأوروبية ضد الجزائر، نواب موقعون من فرنسا وليتوانيا والمجر وإستونيا والسويد وبلغاريا وفنلندا وبولندا والدنمارك وسلوفاكيا، ورئيس وزراء ليتوانيا سابقا أندريوس كوبيليوس، فيما تجاهلت السلطات الجزائرية الرسالة الموجهة إلى المفوضية الأوروبية، للمطالبة بمراجعة سريعة لاتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، ولم تعلّق على هذه الرسالة التي ينظر إليها جزائريّاً على أنها “تأويلات سياسية بائسة” وفقاً لمحللين، في ظل القلق الأوروبي العام بشأن ما تصفه تلك الدول بالدعم الجزائري لموسكو حيث تضمن الرسالة دملاً مثل “إننا نشعر بقلق عميق إزاء التقارير الأخيرة عن توثيق العلاقات بين الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهو وضع يترجم إلى دعم سياسي ولوجستي ومالي لعدوان بوتين على أوكرانيا”، “الجزائر تُعد من بين أكبر أربعة مشترين للأسلحة الروسية في العالم، وبلغت ذروتها في عقد أسلحة تزيد قيمته عن سبعة مليارات يورو في عام 2021″، “سيؤدي تدفق الأموال إلى روسيا، مهما كان مصدره، إلى تقوية آلة الحرب الروسية في أوكرانيا”، ما يرفع بحسب البعض من احتماليّة تراجع العلاقات الجزائريّة – الأوروبيّة جزئيّاً، والمعنونة على أساس الغاز في الفترة القادمة.
وبالتزامن مع إشارة مواقع إخباريّة أوروبيّة إلى أنّ الحكومة الجزائرية أظهرت منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، حياديّة موقفها مرارا، من خلال إنشاء شراكات جديدة مع أوروبا مع الحفاظ على علاقاتها مع مورد الأسلحة الأول، إلا أنّها تتعرض لانتقادات برلمانيّة في أميركا وأوروبا يبدو أنّ حكومات وأحزاب تلك الدول خلفها لأسباب متعددة، فيما تتعامل الجزائر بحذر كما يقول مراقبون، ماجعلها تتخذ موقف الصمت تجاه ما يتم الحديث عنه فهذه الرسالة موجهة من جهة أوروبية إلى جهة أوروبية أخرى، ولذلك فالجزائر ليست مخولة بالرد عليها، وإذا ما تم البحث في لائحة النواب الموقعين وخلفياتهم يمكن أن تعطي تفسيراً واضحاً عن خلفياتها ودوافعها، حيث إن الجزائر تتمتع بعلاقات مسؤولة مع الاتحاد الأوروبي، كدول أو كهيئات، والمسؤولون الأوروبيون يعززون ثقتهم في الجزائر كشريك موثوق في مجال الطاقة أو غيرها، ولذلك تعبير بعض الأوروبيين عن مواقفهم من تلك القضية لا يغير من واقع الحال شيئاً، وفقاً لمحللين أخرين.
ومن الجدير بالذكر، أنّه في سبتمبر الماضي، انتقد سياسيون أميركيون الجزائر لنفس السبب، كما طالب 27 من أعضاء الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات عليها، برسالة موجهة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، لكن الوقائع تشير إلى أن الجزائر تدرج كل تلك المواقف والخطوات ضمن سجال سياسيّ مستمر بينها وبين أطراف أوروبية تغذيها مواقفها السياسية، وتعتمد في نقدها لعلاقات بحسب الجزائر على معلومات غير دقيقة بالضرورة، على غرار الحديث عن صفقات حديثة للأسلحة بأكثر من 6 مليارات دولار مع روسيا، وهو نفس الاتجاه الذي اتخذه تعامل الحكومة الجزائرية مع رسائل ضغط سابقة، في محاولة للضغط عليها، على الرغم من أن الجزائر تلعب دوراً حساساً ومهماً في فك الخناق عن الدول الأوروبية في أزمة الطاقة الأوروبيّة، وزادت من تموينها لتلك الدول كإسبانيا وإيطاليا وسلوفينيا وغيرها بحاجياتها من الغاز والطاقة.
وبالاستناد إلى أنّ المبرر الأوروبيّ هو صفقات الأسلحة مع الروس، وبغض النظر عن الحق الكامل للجزائر في تطوير تسلحها من الجهة التي ترى جدواها، فإن هناك دولا أخرى أكثر تسلحاً من موسكو مقارنة بالحكومة الجزائريّة، ومع ذلك لا تتم مهاجمتها من قبل الأوروبيين الذين عودونا على “نفاقهم السياسيّ”، فيما يتوقع محللون جزائريون، في أن تطرح العلاقات الجزائريّة – الروسيّة للنقاش من قبل الأميركيين والأوروبيين وأن يتم التعامل معها بحدة أكبر، خاصة عندما يتم تنفيذ الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى العاصمة الروسيّة، والتي من المتوقع أن تتم قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، بحسب ما أ8علن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، حيث يتوقع أن يتم التوقيع على “وثيقة تعاون استراتيجي” يجري الإعداد لصياغتها بين الجزائر وموسكو منذ يونيو/حزيران المنصرم.
في الختام، لم تخف الجزائر يوما اعتمادها الكبير على السلاح الروسيّ، ولا حتى دعمها لموسكو أحياناً، والدليل أنّها امتنعت مثل العديد من الدول الإفريقية، عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الصادر في 2 مارس الفائت، الذي يطالب روسيا بـ “التوقف الفوري عن استخدام القوة” ضد أوكرانيا، وقبل شهر تقريباً، طلبت الجزائر رسميا الانضمام إلى بريكس، وأيد ترشيحها بشدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعقب ذلك، أعلنت عن زيارة الرئيس للأراضي الروسيّة، ليبقى السؤال من المتضرر من تدهور العلاقات الجزائريّة الأوروبيّة، من يدجج نفسه بالأسلحة الروسيّة أم من هو بحاجة ماسة للغاز والنفط في الوقت الحاليّ؟
المصدر : موقع الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع