فوز باهت للجمهوريين وتحولات مرتقبة للديموقراطيين
يواجه الحزب الديموقراطي معضلة شائكة في "إمكان" إعادة ترشيح الرئيس جو بايدن
السياسية:
أطلقت وسائل الإعلام الأميركية المختلفة العنان لتوقعاتها بفوز مرشحي الحزب الجمهوري بصورة شاملة، أطلقت عليها مصطلح “الإعصار الأحمر”، سرعان ما اصطدم بواقع أشبه بحال الانقسام العمودي في المجتمع الأميركي، بنسب متقاربة، وأتت النتائج لتعيد حال الشلل السياسي بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، في رسم سياسات البلاد وإنجاز الأجندة المعلنة، ورسختها استطلاعات الرأي المتواصلة بأن الغالبية الساحقة من الشعب الأميركي، 75%، يعارضون السياسات الراهنة، اقتصادياً واجتماعياً وارتفاع معدلات الجريمة، وهي تأتي على رأس أولويات الناخبين.
ارتفعت نداءات الاتهامات المتبادلة، خصوصاً بين أقطاب الحزب الجمهوري، لتواضع أداء مرشحيه في ولايات ودوائر انتخابية راهن عليها كثيراً، أبرزها منصب رئيس مجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا الذي فاز به مرشح الحزب الديموقراطي عوضاً من مرشح الرئيس ترامب، محمد أوز، وعلى الرغم من رصد أموال كبيرة للإنفاق على حملة الأخير، التي عدها مراقبون الأضخم في جولة الانتخابات النصفية المنتهية.
وجرى رصد حال من الانتعاش “الخجول” بين قيادات الحزب الجمهوري التقليدية لما عدوه هزيمة سياسية للرئيس السابق دونالد ترامب، وما سيتبعها من انعكاسات على مستقبله السياسي، كمرشح للحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وانتصار باهت لقيادات الوضع الراهن ممثلاً في قادة الحزب الكبار الذين حافظوا على مسافة بعيدة من الرئيس ترامب ومرشحيه، واصطفوا إلى جانب حاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتيس، الذي فاز بإعادة انتخابه، واحتمال تشكيله قطباً مناوئاً للرئيس ترامب في بنية الحزب وتوجهاته.
رئيس مجلس النواب الأسبق عن الحزب الجمهوري، نيوت غينغريتش، قال في برنامج بثّته شبكة “فوكس نيوز” في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إن “من شبه المؤكد أن (رون) دي سانتيس سيصبح نقطة تجمّع لكل شخص في الحزب الجمهوري يريد تجاوز ترامب”.
صحيفة المال والأعمال، “وول ستريت جورنال”، بشّرت قراءها في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 بـ”تسونامي دي سانتيس في فلوريدا”، وأضافت “يمكنك أن تراهن على أن ترامب كان يراقب بحزن” فوز منافسه المحتمل على رئاسة الحزب الجمهوري والمدعوم من قيادات الحزب التقليدية.
رافق ذلك تناغم عدد من تصريحات قادة الحزب الديموقراطي في مديح الحزب الجمهوري التقليدي، المعلن منها والمستتر، خصوصاً منذ حملة الانتخابات الرئاسية الماضية، ومنها ما قاله الرئيس جو بايدن في خصمه الجمهوري ميتش ماكونيل من أنه “رجل عاقل” وذلك في أيار/مايو 2022. رئيسة مجلس النواب عن الحزب الديموقراطي أيضاً أشادت بالحزب المقابل قائلة “بلادنا بحاجة إلى حزب جمهوري قوي. إنه أمر غاية في الأهمية”، وذلك في شباط/فبراير 2021.
جدير بالذكر ما أكده تقرير مستقل عن الحزبين، “كوك بوليتيكال ريبورت”، وفيه أن أصوات مؤيدي الحزب الجمهوري تجاوزت بنحو 6 ملايين صوت أصوات مؤيدي الحزب الديموقراطي في سباق انتخابات مجلس النواب، ما أسفر عن فوز الحزب الجمهوري بأغلبية “باهتة” من أصوات مجلس النواب، وما فرض تراجعاً على منافسته رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، التي أعلنت عدم ترشحها مجدداً لأي منصب بعد تخطيها عتبة 84 عاماً.
خسارة الحزبين لفرط توقعاتهما في جولة الانتخابات السابقة تستدعي مراجعة، ولو متواضعة، من قبل استراتيجيتهما، والإعداد لمرحلة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتجنب ما يمكن من أخطاء سابقة سواء في الأداء العام أو لناحية تجديد دماء الزخم السياسي.
يواجه الحزب الديموقراطي معضلة شائكة في “إمكانية” إعادة ترشيح الرئيس جو بايدن، على خلفية أهليته العقلية والجسدية، وكذلك لنائبته كمالا هاريس، التي عجزت عن نيل دعم قواعد الحزب الانتخابية وتأييدها. ومصيرهما إلى حين بدء جولة الانتخابات المقبلة أصبحا حديث الشارع الدائم، وتفضّل قطاعات انتخابية مؤثرة استبدالهما قبل وقوع المحظور، واضطرار الشريحة القيادية إلى التدخل في وقت لاحق.
من بين أبرز الأسماء المتداولة حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسم، الذي فاز بولاية جديدة هناك، ويحظى باحترام وتأييد قطاعات متعددة من الناخبين على خلفية أدائه مهامه بفعالية واقتدار. وذهب البعض إلى اقتراح إقدام الرئيس بايدن على تنحية أو إقالة نائبته، كمالا هاريس، وتعيين نيوسم كنائب للرئيس، ليفسح في المجال “دستورياً” للأخير في شغل منصب الرئاسة ودخول السباق الرئاسي مسلّحاً بتجربة يبنى عليها في البيت الأبيض.
كما يجري تداول حاكمة ولاية مشيغان غريتشين ويتمر التي فازت بإعادة ترشيحها للمنصب أيضاً، وما قد يعوّل على نفوذها في استقطاب ولايات الوسط الأميركية بالغة الأهمية لكلا الحزبين، كمرشحة محتملة للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبقاء رموز أخرى مرشّحة، كما هي العادة، منهم أعضاء في مجلس الشيوخ، إليزابيث ووران وإيمي كلوبوشار، واستبعاد دخول المرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز، بعد أدائه المتواضع وانقلابه على وعوده للتيار التقدمي داخل الحزب إبّان المؤتمر السنوي للحزب.
أما الحزب الجمهوري فيواجه جملة تحديات أبرزها بقاء الرئيس السابق دونالد ترامب فاعلاً في الحياة السياسية، ومؤثراً بنسبة معتبرة في قواعد الحزب الانتخابية.
بعض أركان الحزب بشّرت بمنافسة حامية أشبه “بالحرب الأهلية” لإقصاء الرئيس السابق ترامب، وخطب ودّ مؤيّديه الكثر بغية محاصرة نفوذه، على أقل تقدير، لكن “خطاب دونالد ترامب المناوئ للمؤسسة الحاكمة استطاع التغلب على القيادات التقليدية من قبل” وفق ما جاء في “نيو ريبوبليك” المحافظة، في 14 من تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
الذراعة الإعلامية المهيمنة على خطاب الحزب الجمهوري وتياراته المحافظة والمتشددة، ممثلة في إمبراطورية مالك شبكة “فوكس نيوز”، روبرت ميردوخ، اصطفت مبكراً إلى جانب حاكم ولاية تكساس، الفائز الجديد، رون دي سانتيس، ناصبةً العداء للرئيس السابق ترامب، الذي اتهم منافسيه الآخرين بالتواطؤ مع قيادات الحزب التقليدية، وأبرزهم دي سانتيس وحاكم ولاية فرجينيا غلين يونغكين، اللذان يراهن عليهما في تصدر قوائم الحزب الانتخابية في جولة الانتخابات الرئاسية.
من المبكر، في علم السياسة، القفز على أهلية دونالد ترامب بإعلان نيته كمرشح رئاسي عشية انعقاد جلسات حوارية لقيادات الحزب قبل بضعة أيام، وظهر منتشياً بفوز مرشحه لمنصب سيناتور عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، الذي حذّر بدوره قواعد الحزب من الانجرار وراء الدعايات المناوئة قائلاً: “يتكرر كل عام اصطفاف الآلة الإعلامية لإعلان الموت السياسي لترامب، لكنه يبقى أكثر الشخصيات شعبية في الحزب الجمهوري عاماً تلو آخر”، كما جاء في “نيويورك تايمز”، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
ترامب جسّد نبوءة السيناتور الفائز عن ولاية أوهايو بإعلانه تأييده ترشيح نائب رئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، لمنصب رئيس المجلس، الذي فاز بأغلبية مريحة، مذكّراً أيضاً بالمراهنات الخاطئة لقيادات الحزب التقليدية التي “ناصبت دونالد ترامب العداء عام 2016 وخسرت بقوة”.
لا بد لأي قراءة موضوعية ومنصفة لجولات الانتخابات الأميركية، وآخرها الانتخابات النصفية للعام الحالي، أن تُدرج نتائج الانتخابات في أنها، في العموم، تصب في مصلحة الحفاظ على الوضع القائم، كما يطلق عليه رسمياً، أو لمصلحة الطبقة السياسية الحاكمة في كلا الحزبين ومموليها من رؤوس الأموال المالية والصناعية، على نحو أدق، وفي كل الجولات التي تشهد تبادل مراكز السلطة بينهما حصراً.
أما ما يشاع من أن المرحلة السياسية المقبلة ستشهد شللاً في أداء أفرع الحكومة الأميركية المختلفة، وربما ينطوي باطنها على بعض الصحة، لكن أركان الدولة وسياساتها الاستراتيجية، وخصوصاً في إدامة بسط نفوذها وهيمنتها على العالم، تمضي في أدائها غير عابئة بالتوازنات اليومية والتقلبات المتعددة في أولويات أجندة الحزبين.
بهذا الصدد، ستشهد البلاد دعماً متواصلاً لميزانيات وزارة الدفاع وإنتاج أسلحة جديدة، في ساحات الاشتباك الأرضية والفضائية، ومنها الحروب الإلكترونية، وكذلك استمرار توافق الحزبين على تعزيز نظرية “تفوّق الولايات المتحدة، وقيادتها المقبلة للعالم”، على الرغم من التطورات الدولية التي طرأت على المشهد السياسي العالمي، وأفول بعض تحالفات الولايات المتحدة نفسها، مثل المجموعة الصناعية–مجموعة الدول السبع، وبروز تحالفات دولية أقوى وأمتن مثل “البريكس” و”مجموعة شنغهاي”، وتقاطر عدد من الدول العالمية الواعدة للانضمام إليها.
المصدر : الميادين نت
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع