السعودية في جنوب اليمن: 3 رهانات خاسرة
خسرت السعودية رهاناتها الثلاثة، بدءاً بما يسمى اتفاق الرياض ومحاولة الجمع بين الإصلاح والانتقالي، وفشلت للمرة الثانية في رهانها على ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي، وستفشل بتمكين طارق عفاش على حساب الإصلاح والانتقالي.
علي ظافر*
سبعة أشهر كانت كفيلة بإسقاط ما بنته الرياض من أوهام ورهانات مبالغ فيها على توليفة الثمانية أو ما سُمي سعودياً “مجلس القيادة الرئاسي” الذي ولد ميتاً منذ إعلانه في السابع من نيسان/أبريل 2022.
كنا نعتقد منذ البداية، ولا نزال عند قناعتنا، بأن المجلس لن يكتب له النجاح، ذلك أنه جمع النقائض في التوجهات والحسابات السياسية والعسكرية والأيديولوجية، وكان الانقسام واضحاً بين العليمي والأعضاء، سواء على مستوى التوجهات السياسية والعسكرية أو الارتباطات والولاءات الخارجية.
ولم تكن توليفة الثمانية سوى محاولة جديدة وفاشلة لاحتواء الصراع بين الانتقالي من جهة وحزب الإصلاح من جهة أخرى، بعدما عجز النظام السعودي في هذه المهمة بموجب “اتفاق الرياض” بنسختيه الأولى والثانية. وها نحن في العام الثالث من الفشل، وعلى وشك أن نلج العام الرابع. وفي كلّ مرة، تجد الرياض نفسها فاشلة كلما حاولت تدوير الزوايا لمصلحة هدفها الاستراتيجي في دمج هذه النقائض ضد صنعاء، وليس لديها الجرأة لإعلان موقف معادٍ واضح لأي من أطراف الصراع.
خلفيات الصراع داخل المجلس
في الخلفيات، وإلى جانب تعثر “اتفاق الرياض” بين الانتقالي والإصلاح وإخفاقه، فإنَّ خلافات حادة تعصف بما يسمى المجلس الرئاسي أيضاً على خلفية إعادة هيكلة القوات التي أثيرت منذ تشكّل ما سمي “اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة” التي انفرط عقدها وتوقفت بعد 6 أشهر فقط من إعلانها في أيار/مايو منتصف العام الجاري، علماً أنها كانت مجمَّدة أصلاً من دون قرار بسبب الخلافات الحادة داخل المجلس المعين سعودياً وغياب أعضائه خارج البلاد، ما أدى إلى توقف كل أنشطة اللجنة، بما فيها لجانها الفرعية. وقد برزت مخاوف عدة ونقاط إشكالية كثيرة منذ الوهلة الأولى لتشكل اللجنة المكونة من 59 عضواً.
ومن أبرز تلك المخاوف والإشكاليات:
أولاً: هناك أزمة ثقة مستفحلة بين أعضاء المجلس أنفسهم.
ثانياً: الانتقالي غير مستعد للدمج مع الإخوان، وطارق ليس مستعداً لذلك أيضاً.
ثالثاً: ساد جدل كبير منذ تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية حول إعادة تموضع الميليشيات المتصارعة بعد الهيكلة والدمج في أكثر من محافظة، ولا سيما حضرموت والمهرة.
رابعاً: تنامي هواجس الانتقالي من ميليشيات الإصلاح (الإخوان)، وتنامي هواجس الأخير من الانتقالي، وخصوصاً في المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت التي تعالت أصوات الانتقالي في الآونة الأخيرة للمطالبة بطردها منها، باعتبارها محسوبة على محسن والإخوان المسلمين.
خامساً: تتصاعد المخاوف من ذهاب ميليشيات الإصلاح في تعز باتجاه الساحل الغربي أو ذهاب ميليشيات طارق عفاش باتجاه تعز، خشية تكرر سيناريو شبوة.
سادساً: رشاد العليمي (رئيس المجلس) ليس لديه ثقل على الأرض. ومع ذلك، لا يكنّ له العرادة والعليمي أيّ ود، ولا يتفقان معه في الأجندة، فيما الانتقالي يخشى كلّ الأطراف (الشمالية)، باعتبار أنها تشاركت ضده في صيف 94 ضمن ما سُمي حينها “تحالف (7/7)”.
سابعاً: ساد بينهم خلاف حاد حول من يكون وزير دفاعهم ومن أي فصيل يكون.
ثامناً: منذ قرار تشكيل اللجنة المكونة من 59 شخصاً سادت مخاوف لدى الانتقالي من تقويض الأحزمة الأمنية التي ظلت الإمارات تبنيها لسنوات.
تاسعاً: لم تكن المنطقة العسكرية الأولى والميليشيات الموجودة في مأرب (كلاهما محسوبتان على الإصلاح) في وارد الاندماج مع الانتقالي وطارق عفاش.
أمام هذه التعقيدات، تفيد مصادر من المحسوبين على التحالف بأنَّ الرياض فشلت مجدداً في توحيد هذه الفصائل المتناحرة وغير المتجانسة ضد صنعاء، رغم كل ما قدمته من تطمينات بأن الهدف من الدمج والهيكلة يأتي في سياق الترتيبات، وأن الدمج سيكون في المهام، وليس دمجاً مؤسسياً، وأن لا نية لها بإقصاء فصيل لمصلحة فصيل أو تمكين فصيل على آخر، وأنها تريد من كل العملية تنظيم القيادة والسيطرة بين جميع الميليشيات مع احتفاظ كل بمسماه، وتعهّدت في سبيل إنجاح ذلك دفع الرواتب شهرياً، وبانتظام، بدلاً من رواتب كل 6 أشهر، وبحسب ما نص عليه اتفاق الرياض بنسختيه الأولى والثانية.
أمام توالي الفشل، يبدو أن الرياض ماضية في مشروع تجريف الإصلاح، كما حصل في شبوة من ناحية، وقص أجنحة الانتقالي من ناحية أخرى، بعدما عجزت عن تحقيق هدفها المنشود، وبات الانقسام والانهيار يهددان “المجلس الرئاسي”. يعزز ذلك ما تردد من أنباء عن وضعها عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي، تحت الإقامة الجبرية أسوة بمن سبقوه (عبد ربه وعلى محسن)، وبتنا أمام خطة جديدة ربما تقضي بتجريف الطرفين (الإصلاح والانتقالي) لمصلحة طرف ثالث (طارق عفاش).
ترتيبات سعودية وغموض يلفّ مصير الزبيدي
فيما يلفّ الغموض مصير عيدروس الزبيدي، تواردت أنباء الأسبوع الماضي عن أنّ قوات سعودية أعادت انتشارها في مطار عدن بشكل مفاجئ، ونشرت مدرعات وآليات عسكرية في المطار، وانتشرت جماعات عسكرية بلباس مدني في مدينة كريتر وخور مكسر والمعلا والتواهي ومناطق أخرى في عدن، فيما توجّهت قوة سعودية أخرى إلى قصر معاشيق لحماية العليمي من أيّ رد فعل من الانتقالي، وأفرغت عدن من “قوات الدعم والإسناد” و”الصاعقة” و”العاصفة” التابعة للانتقالي، ونقلتها إلى أماكن بعيدة، باستثناء عدد محدود في صالة المطار وبوابة دخول المسافرين.
وسط توقعات بأنّ الخطة السعودية، بالتنسيق مع الإمارات، ربما تقتضي تمكين طارق عفاش من عدن، وأن وضع عيدروس تحت الإقامة الجبرية جاء بطلب من رشاد العليمي الذي عينته السعودية رئيساً لمجلس القيادة، وصلت قوات أميركية على متن طائرة شحن إلى مطار عدن قبل أن تتوجه إلى مطار الريان في مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت.
يأتي ذلك بعيد العمليتين التحذيريتين اللتين وجهتهما صنعاء لمنع تهريب النفط وسرقته عبر موانئ حضرموت وشبوة، بدعوى “حماية حقول النفط ” في المحافظتين، ومحاولة كسر المعادلة التي ثبتتها صنعاء، ومفادها تسخير النفط لمصلحة خدمات المواطنين وصرف مرتبات كل موظفي الجمهورية اليمنية، مدنيين كانوا أو عسكريين.
في الخلاصة، خسرت السعودية رهاناتها الثلاثة، بدءاً باتفاق الرياض ومحاولة الجمع بين الإصلاح والانتقالي لتكوين “قوة ضاربة” ضد صنعاء، وفشلت للمرة الثانية في رهانها على مجلس القيادة الرئاسي ودمج قوات الفصائل المتناحرة ضد صنعاء، وستفشل بإذن الله في رهانها الثالث بتمكين طارق عفاش على حساب الإصلاح والانتقالي، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
* المصدر: الميادين نت
* المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع