بداية نكوص اتفاق السلام الإثيوبي والسيناريوهات المحتملة
السياسية:
بعد مرور أسبوع على توقيع اتفاق السلام في العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا بين الحكومة الإثيوبية و”جبهة تحرير تيغراي” طفت على سطح المشهد السياسي التيغراوي جملة من التحديات التي تهدد تنفيذ الاتفاق الذي تم برعاية الاتحاد الأفريقي، ومراقبة وضمان كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وفي حين وقعت الجهات العسكرية الممثلة للطرفين اتفاقاً تنفيذياً في العاصمة الكينية نيروبي (السبت)، أصدر المجلس المركزي للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بياناً، يرفض فيه بعض بنود الاتفاق الموقعة في جنوب أفريقيا.
وقال المجلس في بيانه المذاع على قناة تيغراي الرسمية “إن الجبهة لم تكلف أي وفد للتفاوض باسمها”، مؤكداً “أن القوات التي تقاتل الجيش الإثيوبي في إقليم تيغراي ليست تابعة للجبهة، بل هي قوات الدفاع التيغراوية، ولا إمرة للجبهة عليها”.
ورفض البيان البند المتعلق بنزع سلاح الجبهة، معتبراً أن “قوات الدفاع التيغراوية ليست تابعة لأي حزب أو تنظيم سياسي”، بل هي قوات تشكلت من كل الأطياف للدفاع عن مصالح التيغراويين.
ودعا البيان التيغراويين إلى الالتفاف حول حكومة الإقليم، مجدداً التعهد بالمضي قدماً من أجل تحقيق حقوق الشعب ومطالبه، وضمان سلامته وأمنه واستقراره.
ممثلو التيغراي وافقوا تحت الضغط
ويرى الناشط التيغراوي محاري سلمون أن “المفاوضين التيغراويين تعرضوا لضغوط شديدة من أجل التوقيع على اتفاق جنوب أفريقيا”.
ويؤكد محاري “أن الوفد الممثل لجبهة التيغراي قد تعرض إلى جملة من الضغوط القوية”، ويفسر ذلك بالقول “منذ البدء لم تكن الأجواء مناسبة لمحادثات صحية ومنصفة، فالحصار الذي تعرض له الإقليم لعامين كاملين، والعمليات العسكرية التي شارك فيها أكثر من جيش، فضلاً عن انعدام كل الخدمات في الإقليم، كانت قد كبلت المفاوض التيغراوي، الذي يسعى إلى فك العزلة والحصار، وتوفير المساعدات الإنسانية لشعب الإقليم، أكثر من أي شيء آخر”. ويرجح أن الأطراف الدولية المشاركة في المفاوضات سواء كانت الاتحاد الأفريقي الذي يتخذ من أديس أبابا مقراً له، أو ممثلي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “قد مارسوا ضغوطاً مضاعفة على الوفد، لأن كل تلك الأطراف تريد إنهاء الحرب من جهة، وتحقيق نصر دبلوماسي لها من جهة أخرى. وفي الحالتين لم تأخذ مطالب التيغراويين ما يكفي من الاهتمام والتفهم”.
ويلاحظ أن تعريف الوفد باعتباره ممثلاً “للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وعلى رغم الأهمية التاريخية التي تحظى بها الجبهة كتنظيم سياسي مسيطر في الإقليم، فإنها لا يمكن أن تختزل إرادة التيغراويين لوحدها، أو تصادر تطلعاتهم ومطالبهم”، معلناً أن “الاتفاق يعني الطرفين اللذين لا يمثلان بالضرورة الشعب التيغراوي أو الإثيوبي ككل”.
من جانبه، يرى الناشط التيغراوي داويت سلمون “أن الاتفاق الموقع في جنوب أفريقيا قد أثار بعض الامتعاض من قبل الشعب في الإقليم لجهة عدم وضوحه والتركيز على نقاط بعينها، إلا أن الترتيبات الأمنية والعسكرية الملحقة الموقعة بالعاصمة الكينية نيروبي قد كشفت كثيراً من اللبس بالتالي إزالة اللغط”.
ويعتقد أن “الجبهة حريصة على التطبيق الأمين للاتفاقين، ذلك لأنها القوة الأكثر تنظيماً وقدرة على فرض إرادتها، بعيداً من المزايدات السياسية التي تمارسها بعض القوى في تيغراي”.
ويؤكد “أن الجبهة ومنذ منتصف السبعينيات قد برهنت للشعب التيغراوي أنها الأحرص على تحقيق مصالحه، سواء في الكفاح المسلح أو النضال السياسي”.
ويقلل داويت سلمون “من التحليلات التي تفترض صعوبة تطبيق الاتفاق أو الالتفاف عليه”، مؤكداً “أن هناك ضمانات ترعاها القوى الدولية لتنفيذ الاتفاق”.
تحديات قد تجهض الاتفاق
من جهته، يرى المحلل السياسي المتخصص في منطقة القرن الأفريقي، عبدالرحمن أبوهاشم، أن ثمة “صعوبة لالتزام جبهة تيغراي تسليم السلاح والتخلي عن نهجها العسكريتاري، الذي نشأت عليه ومارسته منذ عام 1975… فهي جبهة عسكرية أكثر منها سياسية”.
ويؤكد أن تنفيذ بند “نزع السلاح يعني إحداث تحول جوهري في بنية الجبهة، الأمر الذي لم تتهيأ له بعد بشكل كاف”.
وقال “ما يؤكد ذلك أن الجبهة لم تغير اسمها حتى بعد تمكنها من تحرير إقليم تيغراي في الثمانينيات، أو بعد وصولها إلى سدة الحكم في أديس أبابا (1991)، بل احتفظت بالمسمى العسكري: الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.
“بالتالي فإن الرضوخ للجزء المتعلق بنزع السلاح لن يكون يسيراً إلا عبر الحسم العسكري”، على حد قوله.
ثاني التحديات الماثلة أمام تطبيق اتفاق بريتوريا يتمثل في “أن الجبهة ومنذ خروجها عن السلطة في عام 2018 كان تركيزها قائماً على ترويج خيار الانفصال عن إثيوبيا، وقد تم تعبئة الشعب، وبالذات الفئة الشبابية منه بشكل واسع، بالتالي التراجع عن هذا الهدف قد يتسبب في مشكلات كبيرة للجبهة أمام قاعدتها”، وقد ظهر ذلك جلياً في الرفض الذي أبدته بعض الأحزاب السياسية في الداخل، فضلاً عن الجاليات في الخارج”.
ويرى أبوهاشم “أن ثمة طموحاً غير واقعي قد تنامى لدى بعض نخب التيغراي، يتمثل في إقامة دولة مستقلة، عوض العيش في ظل إثيوبيا كأقلية عرقية لا يتجاوز تعدادها الخمسة في المئة من عموم الشعب الإثيوبي”.
وتعي تلك النخب أن الانفصال عن إثيوبيا بإقليم حبيس ليست له أي موارد طبيعية ويعيش نصف قاطنيه على المساعدات الغذائية أمر غير ممكن، بالتالي تسعى إلى تسوية فكرة الاستقلال بعد اقتطاع أجزاء من أقاليم الأمهرا والعفر وإريتريا بما فيها الموانئ، بالتالي تمثل هذه التصورات عقبة في وجه تطبيق الاتفاقية والعودة إلى الدولة الإثيوبية الواحدة.
موقف المجلس المركزي للجبهة
يقرأ محاري هذا الموقف في “إطار الاختلاف حول تقدير المصلحة الوطنية، والمصالح العليا للشعب التيغراوي الذي ضحى بالغالي والنفيس”.
ويقول إن هناك بالفعل تفاوتاً في إدراك المصلحة وتحديد الثوابت، وما ذهب إليه المفاوضون أقل بكثير من سقف التوقعات، ولا يراعي التضحيات الكبيرة التي تكبدها الشعب خلال العامين الأخيرين، فضلاً عما يمثله السلاح في التاريخ التيغراوي الحديث.
ويستبعد أن يقود هذا الاختلاف في تقدير المصلحة إلى أي انشقاقات داخل أجهزة وأجنحة الجبهة، قائلاً “هذا أمر معهود في مؤسساتنا، وقد حدثت مثل هذه الاختلافات بعد عام 2018، عند الإجابة عن سؤال الوحدة أو الانفصال”.
فيما يرى أبوهاشم أن يكون موقف المجلس “نابعاً عن رضوخه للضغط الذي أتى من نخب التيغراي في الشتات ومن بعض مجموعات سياسية في الداخل، الذين شكلوا صوتاً موحداً ضد أي اتفاق يفضي إلى ما سموه الاستسلام”.
ويضيف “وهناك احتمال ثان أن يكون موقف الجبهة متعمداً لخلق هامش يسمح بتأجيل مواقيت تسليم السلاح، بغرض التقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم الصفوف للعودة مرة أخرى للمواجهة في ظروف مواتية لها، لا سيما في حال سحب القوات الإريترية، لأنها تعتقد أن الجيش الإثيوبي لن يستطيع وحده الصمود أمامها من دون دعم وإسناد الحليف الإريتري وميليشيات الأمهرا”.
أما الاحتمال الثالث الذي قد يشجع جبهة التيغراي على الاستمرار في المراوغة، بحسب أبوهاشم، فيتمثل في منح جبهة الأرومو (الحليفة لها) في غرب إثيوبيا فرص توسيع عملياتها الهادفة للسيطرة على المدن الإثيوبية في إقليم الأرومو، وقطع الطرق المؤدية إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وذلك في ظل انشغال الجيش الإثيوبي بالأوضاع الأمنية في إقليم تيغراي.
اتفاق تكتيكي لتنفيذ خطة استراتيجية
من جهته، يرى المحلل لشؤون المنطقة أحمد فايد، أنه “من الواضح أن الاتفاق كان خطة تكتيكية للجبهة من أجل الوصول إلى مخطط استراتيجي أكبر”.
ويوضح رؤيته بالقول “الهدف الرئيس للجبهة تمثل في فك الحصار وتزويد الإقليم المتمرد بالقدر الكافي من الغذاء والدواء. وبما أن سلاح الحصار كان الأكثر حسماً للأوضاع العسكرية في الإقليم، فبانتهائه وتزويد الإقليم بالتموين الضروري وفتح المعابر له إلى الخارج سيكون الإقليم أكثر جهوزية للعودة مرة أخرى إلى المواجهة العسكرية”.
“وذلك هو الهدف الاستراتيجي الذي دفع التيغراويين إلى التوقيع. فالاتفاق تضمن عودة النظام الدستوري وانسحاب القوات للحدود المتعارف عليها، وهذا سيسمح للجبهة بالاقتراب من الحدود السودانية، مما يعني تحقيق الحلم المتمثل في إيجاد منفذ بري لتوفير مصادر الدعم والعتاد، استناداً إلى معطيات أزمة سد النهضة”، على حد قوله.
بالتالي يتوقع أن احتمالات صمود الاتفاق وتطبيقه تظل أقل بكثير من احتمالات عودة المواجهات مجدداً.
المصدر : اندبندنت عربية
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع