السياسية:

 

تعرضت القيادة العسكرية الروسية لانتقادات حادة بسبب الحرب المتعثرة في أوكرانيا.

ومن بين تلك الأصوات التي انتقدت القيادة الروسية برز صوتان بشكل خاص هما؛ الزعيم الشيشاني رمضان قديروف ومؤسس مجموعة المرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين، وإليكم الأسباب التي تجعل من هذين الصوتين مهمين للغاية.

تحالف غير متوقع

لا يرأس قديروف أو بريغوجين رسميا أيا من الوكالات العسكرية أو الأمنية الروسية، ومع ذلك سُمح لهما، بشكل أو بآخر، بتوجيه انتقادات لقادة الجيش الروسي، بل وأيضا الثناء على آراء بعضهما البعض.

لقد دمرت الحرب في أوكرانيا صورة الجيش الروسي باعتباره قوة فعّالة تتمتع بالإدارة الجيدة، وقد بدأت هذه الصورة تهتز منذ أن فشلت القيادة في الوفاء بوعد بُث عبر التلفزيون الرسمي بالسيطرة على كييف في غضون ثلاثة أيام، وصولا لانسحابها من مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية. ولم يعد بمقدور الجنرال سيرغي سوروفكين، الذي تم تعيينه حديثا قائدا للقوات الروسية في أوكرانيا، أن يعلن عن انتصارات، إذ باتت إنجازات قواته لا تكاد تتعدى تفجير محطات الطاقة الأوكرانية.

لكن مجرد حقيقة أن هذين الرجلين لم يلتزما الصمت وعبرا عما يمكن أن يُنظر إليه على أنه تعبير غير مسبوق عن عدم الولاء، يشير إلى أن فلاديمير بوتين يأخذ آراءهما بعين الاعتبار.

ومصير الكولونيل ألكسندر لابين يمكن أن يكون خير مثال على ذلك، فقد فُصل لابين، وهو أحد كبار القادة الروس في أوكرانيا، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفقا لتقارير انتشرت على نطاق واسع.

لكن المثير في الأمر أن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف كان قد وصفه قبل يومين فقط من فصله بأنه “غير موهوب”، وألقى باللوم عليه في الهزائم الأخيرة التي لحقت بالقوات الروسية، بما في ذلك استعادة القوات الأوكرانية السيطرة على بلدة ليمان الشرقية في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول. وقال الزعيم الشيشاني على مواقع التواصل الاجتماعي إنه يجب تجريد الجنرال لابين من رتبته و “إرساله إلى الخطوط الأمامية كجندي”.

الجنرال لابين

التعليق على الصورة،كان الجنرال لابين أحد كبار القادة الروس في أوكرانيا ولكن قيل إنه فصل مؤخرا

وقال قديروف بلهجة قاسية: “ينبغي أن يُجبر على غسل عاره بالدم”.

انضم يفغيني بريغوجين إلى قديروف في انتقاد القادة الروس، وكان قد طاف في السجون الروسية، وجند المدانين للقتال في أوكرانيا. وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من النفوذ لا يمكن أن يحصل عليه أي شخص بدون إذن من أعلى مستوى. بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك إذ امتدح الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي واصفا إياه بـ “الرجل الصلب الواثق العملي والمحبوب”.

من هما بريغوجين وقاديروف؟

عُرف يفغيني بريغوجين لأول مرة بلقب “طاهي بوتين”، لأنه كان متعهد الطعام والشراب للمناسبات الرسمية في الكرملين.

وهو رجل أعمال من سان بطرسبرغ، ثاني أكبر مدينة في روسيا، ويُشاع أنه كان يعرف فلاديمير بوتين منذ التسعينيات عندما عمل بوتين في مكتب رئيس البلدية وكان يتردد على مطعمه الذي يحظى بشعبية بين المسؤولين المحليين.

بوتين

التعليق على الصورة ،تُظهر صورة ملتقطة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 يفغيني بريغوزين (إلى اليسار) واقفا بجانب فلاديمير بوتين

بحلول عام 2010 ربطت عدة تحقيقات صحفية اسم بريغوجين بما يسمى “مصنع ترول” في سان بطرسبرغ – وهي وحدة تضليل لعبت دورا في إنشاء محتوى لتشويه سمعة المعارضة السياسية الروسية على الإنترنت، وإظهار الكرملين بشكل إيجابي.

وفي عام 2016 وفقا لتحقيق أجراه مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة روبرت مولر، كان مصنع الترول جزءا من محاولة روسيا التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن بريغوجين نفى حينها أي صلات له بمصنع الترول، غير أنه عاد وكشف مؤخرا :”لقد تدخلنا في الانتخابات الأمريكية، ولا زلنا نتدخل، وسنواصل التدخل، بحذر ودقة وبطريقتنا الخاصة، ونعرف تماما كيف نفعل ذلك”.

كما نفى لسنوات عديدة أيضا صلاته بشركة تجنيد المرتزقة فاغنر غروب Wagner Group. وقد ظهرت فاغنر لأول مرة في شرق أوكرانيا عام 2014، وظهر مقاتلوها لاحقا في سوريا والعديد من البلدان الأفريقية.

وقد اعترف بريغوجين مؤخرا بأنه كان وراء شركة فاغنر التي أثبتت أنها واحدة من أكثر الوحدات الروسية فعالية في الحرب في أوكرانيا.

كما أنه في نزاع علني منذ سنوات مع حاكم سان بطرسبرغ ألكسندر بيغلوف، وقد ذهب إلى حد اتهامه بـ “مساعدة الجيش الأوكراني”.

قلة هم حلفاء بوتين الموالون له بشدة مثل الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، والذي اختاره الزعيم الروسي لحكم الجمهورية المتمتعة بالحكم الذاتي في منطقة شمال القوقاز في عام 2007.

في التسعينيات قاتلت الشيشان من دون جدوى من أجل الحصول على الاستقلال. وتحت حكم قديروف توقفت جميع محاولات استقلال الشيشان، بينما تدهورت حقوق الإنسان واتُهمت ميليشيا “قاديروفتسي” الخاصة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق.

وقد كان قديروف مؤيدا صريحا للغزو الروسي لأوكرانيا منذ البداية، حيث أرسل وحدات عسكرية من ميليشيا قاديروفتسي وقال إنهم كانوا من بين أفضل القوات تدريبا وشجاعة وقسوة في قوة الاحتلال الروسية.

قد يكون رجال قديروف قساة لكن بعض المعلقين وصفوهم بقوات تيك توك “TikTok”، لأنه يبدو أنهم مهتمون بنشر مقاطع فيديو عن مآثرهم على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من اهتمامهم بالقتال الفعلي.

يُعرف المقاتلون الشيشان الموالون لروسيا في أوكرانيا باسم قاديروفتسي

التعليق على الصورة،يُعرف المقاتلون الشيشان الموالون لروسيا في أوكرانيا باسم قاديروفتسي

 

يقول نشطاء حقوق الإنسان إن نسبة كبيرة من الجنود الشيشان تم تجنيدهم ضد إرادتهم، بعد أن تم تهديد عائلاتهم بالابتزاز أو العنف الجسدي.

وفي إشارة إلى أن الكرملين يقدّر ولاءه، تمت ترقية الزعيم الشيشاني ومُنح رتبة عسكرية أعلى.

لماذا يعد الرجلان مهمين؟

لم يفكر قديروف وبريغوجين في أن يكونا حليفين من قبل، لكن بدا مؤخرا أنهما متناغمان لحد كبير.

وقد وصف الزعيم الشيشاني رجل الأعمال من سان بطرسبرغ بأنه “محارب منذ ولادته” ومرتزقته فاغنر “وطنيو روسيا الشجعان”. وبدوره رد بريغوجين المجاملة قائلا: “رمضان ، أنت رائع!”، وذلك في أحد منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي.

وينتقد الرجلان المؤسسة العسكرية التي يمثلها وزير الدفاع سيرغي شويغو ونائبه ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال فاليري غيراسيموف. ووسط جو من تسمية وفضح المسؤولين عن الإخفاقات في أوكرانيا، قد تكون هذه هي فرصتهم لكسب المزيد من النفوذ.

يعتقد المعلقون أنه لا الزعيم الشيشاني ولا رئيس فاغنر لهما وزن كاف بشكل مستقل. إنهما لا يتمتعان بشعبية كبيرة لدى النخب السياسية الرسمية ويُنظر إليهما على أنهما غرباء أو دخلاء. لكن إذا وحدا قواهما، فيمكنهما تحدي شخصيات في الدائرة المقربة من الرئيس بوتين.

يقول المحلل السياسي الروسي عباس غالياموف إن الطريقة التي يتصرف بها قديروف وبريغوجين غير معتادة بالنسبة لدولة في حالة حرب: “يبدو أن النظام الرأسي للسلطة الفيدرالية الذي أسسه الرئيس بوتين لا يعمل بكفاءة حيث تشتد الحاجة إليه، أي في الجيش”.

ويصف غاليموف جوا من “الفوضى” إذ يتجادل قادة الوحدات العسكرية المختلفة مع بعضهم البعض بدلا من القتال كفريق واحد.

ويعتقد خبراء من المعهد الأمريكي لدراسة الحرب أن هناك فصيلين عريضين في محيط الرئيس بوتين الوثيق: أولئك الذين يؤيدون وقف الحرب لإنقاذ الأصول المجمدة بسبب العقوبات الغربية، وأولئك الذين يؤيدون استمرارها.

هذان الرجلان يريدان استمرار الحرب. قد تكون هذه هي الرسالة التي يحرص الزعيم الروسي على سماعها وقد يختار جراء ذلك إبقاءهم قريبين منه أكثر.

المصدر : بي بي سي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع