هل سمعت بمعايير الصين 2035؟
معركة اقتصادية قوية بين بكين والغرب مَن سيكسبها؟
السياسية:
معركة جديدة تندلع في هدوء ليست كالعادة في ميدان الحروب؛ لكنها هذه المرة بين القوى الاقتصادية الكبرى، بين الولايات المتحدة والصين، بخصوص القواعد الأساسية والمعايير الخاصة بالتصنيع والتكنولوجيا على مستوى العالم.
في عام 1969، قال أوليه شورين، رئيس المنظمة الدولية للتوحيد القياسي آنذاك: “القومية الاقتصادية على وشك الاختفاء، والقومية التقنية اختفت بالفعل”، ومن المستبعد أنه كان يتصور كيف ستتحول هذه المعايير بدلاً من ذلك إلى ساحة معركة جيو-استراتيجية بين الصين والغرب.
لكن يظل وضع المعايير ساحة قد يمثل فيه فعل كتابة القواعد فرصة لمنح واضعها قوة وربحاً هائلين في صمت. انظروا إلى الصين، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
ما هي قصة معايير الصين 2035؟
تتصور بكين وضع المعايير بأنها أداة لنقل تصنيعها إلى أعلى سلسلة القيمة العالمية، وبناء نفوذها في الخارج. وصاغت هذا في وثيقة قيادة أطلقت عليها اسم “معايير الصين 2035“، التي صدرت في أواخر العام الماضي.
وكتب مات شيهان ومارخوري بلومنثال ومايكل نيلسون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أنه على الجبهة المحلية، “الفكرة هي وضع معايير تقنية عالية؛ مما يجبر المصنّعين بالتأكيد على ترقية عملياتهم سواء أرادوا ذلك أم لا”. (يسهم البحث العلمي الصيني في القطب الشمالي أيضاً بدور في تشجيع التنمية الصناعية المتقدمة)
إضافة إلى ذلك، تدعو خطط الصين إلى تعزيز جهودها دولياً. ويتمثل جزء واحد من ذلك في مبادرة الحزام والطريق. إذا وافقت دولة عضو –إثيوبيا أو إندونيسيا، على سبيل المثال- على مشروع للسكك الحديدية في إطار مبادرة الحزام والطريق، فلن تتمكن من شراء معدات إشارات بديلة من مزود أوروبي يستخدم معياراً مختلفاً.
قال تيم روليغ إنَّ بكين “تدرك جيداً التبعات التكنولوجية التي يمكن أن تخلقها إذا نجحت في إطلاق ونشر المعايير الفنية الصينية من خلال مشروعات مبادرة الحزام والطريق”.
وأضاف روليغ أنَّ الصين قد تسعى في الوقت المناسب من خلال مبادرة الحزام والطريق إلى إضفاء الطابع المؤسسي على “عالم موازٍ من المعايير التقنية”.
في غضون ذلك، فإنَّ نشر نسخة بسيطة عن خطة 2035 بمثابة دافع قوي في جميع أنحاء الحكومة والقطاع الخاص في الصين للمساهمة في الهدف الوطني الجدي، كما كتب مؤلفو كارنيغي: “سيكون لهذا النوع من النشاط آثار غير مباشرة كبيرة وغير مؤكدة خارج الصين. وقد تُمكّن بكين من ممارسة تأثيرٍ أكبر على وضع المعايير في جميع المجالات، بما في ذلك مجموعة واسعة من المنتجات والعمليات -وأي شيء يمكن توحيده بمعايير”.
المعايير والأخلاقيات
هناك اعتبار آخر وهو أنَّ المعايير يمكن أن تعكس الاختيارات المتعلقة بالمبادئ وحتى الأخلاقيات. في عام 2006، رفضت المنظمة الدولية للتوحيد القياسي معيار تشفير الإنترنت اللاسلكي (واي فاي) الصيني وسط مخاوف من عدم وجود ضمانات بأنَّ المعايير الوطنية للبنية التحتية لخصوصية الشبكة المحلية اللاسلكية وتصريح استخدامها، المعروفة اختصاراً باسم WAPI، لم تسمح بالوصول إلى المواد المشفرة عبر نظام الأبواب الخلفية.
ومنذ ذلك الحين، لم تعمل الصين على توسيع وجودها في قطاع التكنولوجيا العالمي توسيعاً جذرياً فحسب، بل كثّفت أيضاً مشاركتها مع هيئات وضع المعايير تماماً في الوقت الذي تتراجع فيه جهود القطاع الخاص التي تبذلها الدول الغربية.
قالت جوان ييتس، الأستاذة بكلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، التي شاركت في تأليف كتاب عن التاريخ الحديث لوضع المعايير، في مدونة صوتية بعنوان China Talk: “الشركات الأمريكية والأوروبية لا تدعم الكثير من أشخاصها ليكونوا جزءاً من عملية المعايير كما اعتادت أن تفعل في السابق”.
ومع ذلك، فإنَّ عودة حكومات مثل واشنطن وبروكسل وطوكيو إلى الوراء بقوة إلى هذه المهمة قد تشكل تحدياً آخر.
يمكن القول إنَّ النموذج الذي يحركه القطاع الخاص سمح بالابتكار والنمو السريع للأسواق. بينما يمكن لآلية شديدة التسييس لوضع المعايير أن تمنع تطوير تقنيات جديدة. وقد يؤدي اتخاذ خطوات مبكرة لفرض معيار معين إلى منع استخدام طرق أو منتجات أقل كفاءة، أو تلك التي كانت ستصبح عتيقة بسرعة.
يحذر جود بلانشيت، يشغل مقعد فريمان للدراسات الصينية في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، من أنَّ الإفراط في التأكيد على الجانب الأمني الجيوسياسي في مشهد المعايير الحالي له “تكاليف باهظة”.
ومع ذلك، يبدو أنَّ تطور مجموعات مختلفة من المعايير يزداد حتمية.
أزمة 6G القادمة
قال تشيكاي تشين، رئيس الأسهم الآسيوية في شركة إدارة الأصول BNP Paribas Asset Management: “من الصعب أن نتخيل الآن أنَّ الأمور ستسير بسلاسة للجيل القادم من الأجهزة المحمولة – 6G” عند إنشاء نفس النوع من معايير توحيد الصناعة كما هو الحال بالنسبة للأجيال السابقة. وأضاف: “هذا مثال واحد فقط، ومن المحتمل أن نرى ظهور آخرين خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة”.
ما يمكن أن يتحقق هو نطاقات تأثير مختلفة؛ حيث تُستخدَم مجموعة واحدة من المعايير لجميع الأجهزة المرتبطة في مجموعة واحدة من الدول، ومجموعة أخرى لمجموعة منفصلة.
من منظور استثماري، هذا يعني أنه سيتعين على الشركات تحمُّل تكاليف إضافية للتصنيع، على سبيل المثال، لتلبية المعايير المُوجَّهة للصين والمعايير ذات التوجه الغربي.
وفي هذا السياق، أوضح تشين: “يجب أن يكون لديك منتجان مختلفان لتلبية اشتراطات مجالات التأثير المختلفة المحتملة. وكما هو متوقع، قد لا يكون هذا جيداً بالنسبة لاقتصادات الحجم أو الإنتاج”.
وهناك احتمال آخر يتمثل في اختيار كل شركة التركيز على كتلة واحدة فقط من الدول، والتخلي عن تدفق الإيرادات المرتبط بخدمة دول أخرى. وفي كلتا الحالتين، يبدو أنَّ رؤية أوليه شورين المثالية منذ نصف قرن ستظل بعيدة المنال لعقود عديدة قادمة.
المصدر : عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع