السياسية- رصد:

لطيفة الحسيني

كلّ شيء في البحرين مرسومٌ ومحسوبٌ طبقاً لمشيئة الملك. البحث عمّا يبعث على تبرئة النظام من التحكّم في كلّ مفاصل البلاد يبدو مهمّة مستحيلة، والانتخابات مثلٌ حاضرٌ على استئثار آل خليفة بكلّ تفصيل في المملكة.

بات استحقاق الانتخابات في البحرين مسرحية هزلية تتكرّر كلّ 4 سنوات، يتم فيها استعراض البِدَع الانتخابية والدستورية التي لا تُسهم إلا في مزيد من الانتهاكات.

على حساب الاستقرار والتوافق الوطني، تسير السلطات البحرينية لتخاطب جهة وحيدة، هي الغرب، وتوحي بأن في البحرين انتخابات يُجدّد المشاركون فيها البيْعة للسلطة.

الغوص في إدارة العملية الانتخابية في البحرين ليس أمراً شاقاً. ثغراتٌ عديدة يركن إليها النظام حتى يضمن نتائجَ ترضيه وتُقصي الآخرين، وتقفز فوق الإرادة الشعبية، وتُلغي أيّ أمل بالإصلاح والتغيير، بحسب ما يرى المعارضون.

بمعزلٍ عن قانون العزل السياسي في البحرين الذي أقصى المعارضة عن المشهد الوطني الداخلي، يُكمل النظام سياساته، وهو يُدرك أن مئات الآلاف قرروا اللجوء إلى مقاطعة الانتخابات التي لا يملكون غيرها للتعبير عن موقفهم.

ولأنّ الهدف واضح بالنسبة إلى النظام، فإنه يصبّ كلّ تركيزه في آليات التطبيق، إذ إن القانون الانتخابي المتّبع في البحرين هو الأداة المتقّدمة لديه. وليس مزاحاً عندما يُقال: إن من يدير العملية الانتخابية هو نفسه الذي يُشارك فيها في المملكة الخليجية. فعلياً، هذا ما يجري على الأرض. إدارة الانتخابات ووضع نظامها وإخراج نتائجها وتقسيم دوائرها وتوزيع مالها الانتخابي يرجع إلى الملك وحده.

في الدول الديمقراطية، تُوزّع هذه المهام على عدد كبير من المؤسسات، حرصاً على مبدأ الشفافية والعدالة والمهنية وعدم الاستبداد، لكن في البحرين، تُختصر بشخص واحد: حمد بن عيسى.

يُعيّن الملك رئيس العملية الانتخابية، وهو وزير العدل (السلطة التنفيذية)، ومن ثم الفريق الذي يُريده أن يُشرف على العملية الانتخابية.. لا رقابة دولية ولا محلية مستقلة تستطيع مراقبة العملية الانتخابية. أمّا الجهات المحلية، فيسمح لها القانون بإعطاء رأيها فيه، لكن كيف؟ إذا استطاعت أن تحصل على إذن من المؤسسات المُعيّنة من النظام نفسه، وهي في مجملها مؤسسات حكومية بحتة.

 

التقسيم الطائفي المتبع يخل بعدالة التمثيل

للدوائر الانتخابية في المحافظات الأربع (العاصمة، المحرق، الشمالية، الجنوبية) حصّتها من التحكّم في العملية الانتخابية، إذ إن تقسيم الدوائر قائم على فكرة التوزيع الطائفي الذي يضمن الأغلبية لمصلحة السلطة. الخلل المُتعمّد واقعٌ في طريقة احتساب الأصوات التي توصل مرشحّي السلطة إلى مقعد النيابة.

على سبيل المثال، يصل مرشّح في دائرة محدّدة إلى النيابة بـ15 ألف صوت، فيما مرشّح آخر في دائرة أخرى يصل بعدد قليل من الأصوات فقط، وهذا يضرب عدالة التمثيل ويسهم في الإخلال بشرعية هذه الانتخابات.

أما كيفية الوصول إلى النتائج النهائية، فيتبع النظام خطة مدروسة ومنظمة عبر أدوات وطرق عدة، فعندما يرى مثلاً أن دائرة انتخابية تُحصّل له 60% من أصوات الناخبين، يعمل على تأمين الـ40% المتبقيّة من دوائر أخرى بعيدة. هنا يأتي دور ما يُسمّى بالمراكز العامة أو المفتوحة التي يبلغ عددها 14، والتي أُنشئت حتى يصوّت كلّ شخص لا يستطيع الاقتراع في دائرته الانتخابية الأصلية، وفيها يتمكّن الناخبون من الاقتراع لكلّ المرشّحين.

تلجأ السلطة إلى ورقة المراكز العامة عندما تقدر الخسارة في دائرة مُعيّنة، فهي قادرة على قلب النتائج بالكامل، بمعنى أنها عندما تكتشف أن مرشّحها لم يفز بعد انتهاء الفرز، تستعين بأصوات هذه المراكز وتُضيفها إلى نتيجة المرشّح الخاسر حتى يظهر عند إعلان الأرقام الرسمية فوزه بعدد كبير مكّنه من الوصول إلى النيابة.

هذا ما جرى فعلياً في جولات انتخابية سابقة. وقد يكون إبراهيم شريف (مرشح عن جمعية العمل الوطني الديمقراطي/انتخابات 2010) وعبد الرحمن النعيمي (مرشح عن جمعية العمل الوطني الديمقراطي/انتخابات 2006) أبرز مثاليْن على ذلك.

 

العسكريون والمجنسون.. ورقة السلطة لضمان نتائج الانتخابات

إضافة إلى ذلك، تُجبر السلطة العسكريين الذين تُشكّل نسبتهم ربع الناخبين (لا يقلّون عن 100 ألف عسكري) على التصويت لمرشّحيها. في الأصل، هم ممثّلون للسلطة، وعقيدتهم الأمنية تُلزمهم تنفيذ الأوامر العليا، وصولًا إلى تكليفهم الاقتراع للأسماء التي تريد نجاحها.

حل آخر يلجأ إليه النظام البحريني لضمان نتائج الانتخابات يتجلّى في تحريك ملفّ المُجنّسين في كلّ انتخابات. عدد هؤلاء يفوق الـ150 ألفاً، جميعهم محسوبون على السلطة التي تطلب منهم التصويت لمرشّحيها لقاء الخدمات والوظائف والهوية الجديدة التي منحتها لهم، فهم ليسوا من سكان البحرين، وينتمون إلى دول عديدة عربية وغير عربية، ومنهم أفراد قبائل، كقبيلة الدواسر السعودية التي جنست السلطات 25 ألفاً من أفرادها كي تستخدمهم في صناديق الانتخابات.

هؤلاء لا يسكنون في البحرين أساساً، ولا أثر حقيقياً لهم. كل ما في الأمر أنهم اكتسبوا الجنسية ليؤتى بهم إلى المراكز العامة الحدودية حين تجد السلطة وجود حاجة فعلية لهم، كرفع نسبة التصويت لشخصياتها، وهم يدلون بأصواتهم كما يطلب منهم، ثم يرجعون إلى ديارهم.

المال الانتخابي حاضر أيضاً في العملية الانتخابية البحرينية، إذ تدفع مبالغ من الأموال والهدايا والخدمات عبر الديوان الملكي، بهدف إنجاح مرشح بعينه.

عبر التجنيس والعسكريين والمال الانتخابي والنظام الانتخابي وإدارة تفاصيل العملية الانتخابية واللعب بالدوائر ومنع الرقابة، يَخيط النظام حُكمه. يختلق كذبة “الشرعية الشعبية” ويُصدّقها. يُدير انتخاباتٍ يُنافس نفسه فيها.

 

  • لطيفة الحسيني – صحافية لبنانية
  • المصدر: الميادين نت
  • المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع