حماد صبح*

يواصل أعداء إيران للأسبوع الرابع إثارة القلاقل والاضطرابات فيها مستغلين موت مهسا أميني الذي يتهمون به شرطة الأخلاق . وتعم تلك القلاقل والاضطرابات أنحاء البلاد ، وتتخذ أشكال تحدٍ متنوعة جريئة عبرت عنها لافتة كبيرة فوق جسر طريق سريع  في طهران تقول : ” لم نعد نخاف . سنقاتل . ” . ويصب أعداء إيران الغربيون والإسرائيليون الزيت على النار آملين في لهفة أن تقضي القلاقل والاضطرابات على النظام الإسلامي المعادي لهم في البلاد والمناصر لكل من يعاديهم في المنطقة وفي العالم . وشرعت أميركا ودول غربية في فرض عقوبات جديدة على إيران ، وحث بعضها مواطنيه على مغادرتها فورا إيحاء بالخطر وبثا للقلق من الأحداث  المتوقعة . وزعم بايدن كاذبا أن موت مهسا “أحرق قلبه” الذي لم يحترق حين قتل جندي إسرائيلي الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأميركية التي تكفل حماية من يحملها ” فوق كل أرض، وتحت كل سماء”، ولم يحترق لقتل خاشقجي الذي كان مقيما في الأراضي الأميركية، ويكتب في ” الواشنطون بوست ” ثانية كبرى الصحف الأميركية بعد ” نيويورك تايمز”.

وهو لا يحترق لأطفال ونساء وشبان غزة والضفة الذين تقتلهم إسرائيل ، ولا لأطفال اليمن ونسائه وشبانه الذين يواصل النظامان السعودي والإماراتي  قتلهم وتجويعهم وهدم بيوتهم وتشريدهم وحصارهم . كل ما يزعمه  الغرب من دفاع عن حقوق الإنسان وحرياته زائف ومنافق وعنصري تمييزي ، وليس سوى وسيلة للتدخل في شئون البلدان التي يتهم نظمها بالاعتداء على هذه الحقوق والحريات لمعاداة هذه النظم له ، وفي الوقت ذاته يسكت عما هو أسوأ في البلدان المشدودة إليه بالتبعية الخاضعة المستسلمة .

ما من شعب في العالم بما في هذا الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية إلا تنقصه أشياء يحب حيازتها ، فهل من المشروع المجاز إثارة القلاقل والاضطرابات سبيلا لتلك الحيازة ؟! وهدد رفض  ترامب الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة بحرب أهلية ، وما زال الخوف من هذه الحرب قائما .

كل بلد فيه ما يكفيه من المشكلات ، وما من بلد مثالي ، وصالح لأن يعطي البلدان الأخرى دروسا في الإنسانية . والغرب الأميركي والأوروبي أكثر دول الأرض قتلا وتخريبا في العالم ، وهم الذين أضرموا نار حربين عالميتين ، قتل في أولاهما عشرة ملايين وجرح وشوه عشرات الملايين ، وقتل في ثانيتهما خمسون مليونا وجرح وشوه عشرات الملايين، وأميركا أول من استعمل القنبلة الذرية في الحرب في هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين قاتلة 220000  وقتلت من العراقيين أكثر من مليون إنسان، وسببت سياستها في سوريا مقتل وجرح مئات الآلاف من المواطنين السوريين ، ولها اثنتان وعشرون قاعدة في الأراضي السورية تمثل اعتداء وتطاولا على السيادة السورية ، وتسرق 82 % من نفط سوريا ، ولم تعف عن سرقة قمحها في الموسم الماضي ، وهذه السرقة توسع من فقر السوريين وجوعهم ، والفقر والجوع يحفزان على جرائم السرقة والقتل وسواهما من المنكرات والآفات الاجتماعية .

ولم يختلج عرق في بدن أي مسئول أميركي للأرواح والدماء العراقية والسورية ، وفي  سفاهة وتفاهة قال الرئيس بوش الابن حين سئل عن القتلى العراقيين : ” هؤلاء الناس لا قيمة لحياة الإنسان عندهم ! ” ، فلماذا لم يجعل هو لحياة العراقيين قيمة ما دامت بلاده تزعم أنها حامية باسلة مخلصة لحياة الإنسان وحقوقه وحرياته ؟! ما هذا الزعم إلا وسيلة خداعة للابتزاز والعدوان وجني العوائد والفوائد لرافعي شعارات حقوق الإنسان وحرياته . وتفوق أبو القاسم الشابي في تصوير هذا الزعم حين قال : ” وكذاك تتخذ المطامع منطقا  = عذبا لتخفي سوءة الآراب “.

من حوافز القلاقل والاضطرابات في إيران صعوبة الحياة في وضع اقتصادي منهك ، وأميركا بعقوباتها على إيران السبب الأول في إنهاك الاقتصاد الإيراني ، ومن هذه العقوبات منع تصدير النفط الإيراني الذي تتغلب إيران على بعضه بطرق ملتوية معقدة . وأيضا شغلها بالملف النووي  شغلا صار هدفا صرفا في ذاته.

وإسرائيل ترى أنها في حرب وجود مع إيران. واندفاعا من تلك الخلفيات الملفقة المنافقة فرح الغرب وإسرائيل لموت مهسا وما تلاه من مظاهرات احتجاج قتل فيها العشرات من الإيرانيين من الشعب والشرطة ، وراح الطرفان يوججان نيران القلاقل والاضطرابات مستهدفين إسقاط النظام والتخلص من تصديه لعدوانهما وأطماعهما في بلاده وفي سائر المنطقة ، ومن مناصرته للقوى والحركات التي تقاومهما ، وصرح بينيت رئيس الائتلاف الحكومي الإسرائيلي السابق أنه يريد أن يحارب منبع ” الإرهاب”، إيران ، قبل محاربة أذرعه ،المقاومة العربية . ويأمل أعداء إيران أن تفجر القلاقل والاضطرابات الحالية النزاعات العرقية بين مكوناتها المتعددة من فرس وترك وأكراد وعرب وبلوش وسواهم ، والخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة وسواهما من المذاهب القليلة الأتباع مثل البهائية والزرادشتية والنصرانية واليهودية ، ومن مأثورات كيسنجر تهديده بأن الغرب سيجعل الحرب بين الشيعة والسنة تدوم مائة عام ، والرقم بداهة يرمز إلى طول مدة الحرب .

المعركة بين إيران وقوى الخير الإسلامية والعربية من جهة ، وقوى الشر مجسدة في الغرب وإسرائيل بقيادة أميركا  من جهة أخرى معركة حياة  أو موت ، وحين يرى العرب والمسلمون هول وعنف عداوة الغرب المسيحي لروسيا المسيحية ينفجر في نفوسهم  سؤال تلقائي : إذن ما مدى هول وعنف عداوتهم لنا نحن المغايرين لها دينا ؟! الشعب الإيراني ومعه قوى الخير العربية والإسلامية في وجه عاصفة أعداء تريد لهم الخراب وتمزيق المكونات الوطنية ، وتبعية الخضوع ، وتتركز قوة هذه العاصفة الآن على الشعب الإيراني لمحورية دوره قي صدها والانتصار عليها ، وفي المآلات المهلكة لما زعم ربيعا عربيا درس مرشد للشعب الإيراني ، والحكيم من اتعظ بسواه ، ورب يوم بكيت منه بكيت عليه ، و ” بلادي وإن جارت على عزيزة = وأهلي وإن ضنوا على كرام ” ، وهذه حكمة سياسية ووطنية عميقة الرؤية ، وليست سرحة شاعر حالم مجامل .

* المصدر :رأي اليوم

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع