هل يستمر الزحف الأوكراني لتحرير أراضي البلاد؟
السياسية:
أثارت استعادة كييف آلاف الكيلومترات من الأراضي التي هاجمها الروس شرق البلاد وانسحاب القوات الروسية من خاركيف، الأسبوع الماضي، التكهنات والترقب بشأن هزائم روسية محتملة مقابل انتصارات أوكرانية مدعومة بالأسلحة والدعم الغربي، ورفرفت الأعلام الأوكرانية الزرقاء والصفراء فوق المدن المحررة أخيراً في شمال شرقي البلاد، في وقت زعمت كييف أن قواتها حررت أكثر من 20 بلدة في غضون 24 ساعة، وأقرت روسيا بأنها تغادر إيزيوم، معقلها الرئيس في المنطقة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، السبت الماضي 10 سبتمبر (أيلول)، عن “إعادة تجميع” من شأنها نقل القوات بعيداً من خاركيف للتركيز على منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا، وهو بيان أثار مزيداً من الغضب بين عدد من المدونين العسكريين الروس، واتهم بعض المراسلين الحربيين الموالين للكرملين والجنود السابقين والحاليين الذين لديهم عدد كبير من المتابعين على “تيلغرام” الوزارة بالتهوين من الهزيمة.
وزعمت وزارة الدفاع الأوكرانية أنها دمرت أكثر من 2000 دبابة و4600 عربة مدرعة و1300 قاذفة صواريخ مدفعية و900 طائرة من دون طيار منذ بداية الحرب، ووفقاً لشبكة “فوكس نيوز” الأميركية، قال مسؤولو دفاع غربيون إن من بين العناصر الثمينة التي تركت “قدرات أساسية لتمكين المدفعية الروسية”.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن “مثل هذا التخلي يسلط الضوء على التراجع غير المنظم لبعض الوحدات الروسية والانهيارات المحلية المحتملة في القيادة والسيطرة”.
الأسلحة الغربية
ويلتزم الكرملين الصمت بشأن الحديث عن هزيمة، وما بين انتقادات داخل روسيا للمشهد واحتفاء أوكراني وغربي، يظل هناك ترقب بشأن ما يجري وعما إذا كان الانسحاب الروسي تكتيكياً لاستدراج القوات الأوكرانية، بحسب بعض المراقبين في موسكو، أم أن الأسلحة الغربية كان لها دور حاسم في المعركة وفق ما يرى المراقبون الغربيون.
وتقول صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، إن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن في يونيو (حزيران) الماضي، تزويد أوكرانيا بأنظمة صواريخ مدفعية عالية الحركة من طراز “هيمارس” شكلت نقطة تحول في العمليات الأوكرانية، وسمحت الصواريخ بعيدة المدى للأوكرانيين باستهداف مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة الروسية، كما أن القرار الأميركي الأخير بإرسال صواريخ عالية السرعة مضادة للإشعاع “هارم”، سمح للأوكرانيين بضرب رادارات الدفاع الجوي الروسية، ما منح الطائرات من دون طيار والطائرات المأهولة حرية أكبر لدعم هجوم بري، وفي الوقت نفسه مكنت المدافع المضادة للطائرات، مثل “جيبارد” الألمانية، القوات الأوكرانية بإبقاء الطائرات الروسية في مأزق، كما تبادلت واشنطن معلومات استخباراتية مهمة مع الأوكرانيين.
والخميس الماضي، حذرت وزارة الخارجية الروسية من أنه إذا قررت الولايات المتحدة تزويد كييف بصواريخ أبعد مدى من منظومات “هيمارس” الأميركية الصنع التي تستخدمها أوكرانيا فإنها ستتجاوز “الخط الأحمر” وتصبح “طرفاً في الصراع”، وشددت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الوزارة، في إفادة صحافية، إن روسيا “تحتفظ بحق الدفاع عن أراضيها”.
انتقادات داخل موسكو
وداخل روسيا تبدو هناك انتقادات للإدارة العسكرية، وقالت صحيفة “ذا موسكو تايمز” المعارضة، إن الهجوم المضاد الناجح لأوكرانيا في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية قلل بشدة من القدرات العسكرية الروسية ما يعني أن موسكو لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها الحربية الحالية، ومع اتضاح حجم الهزيمة الروسية، قال محللون إن الخسائر في الرجال والمعدات تعني أن موسكو لن تكون قادرة على شن أي هجمات كبيرة في المستقبل القريب.
وفي اعتراف نادر، قال مراسل الحرب الموالي للكرملين ألكسندر سلادكوف للتلفزيون الحكومي، الثلاثاء الماضي، إن روسيا فقدت “عدداً هائلاً من الأشخاص” في القتال الأخير، ولا تنشر موسكو أرقام الضحايا الرسمية، بينما ركزت وسائل الإعلام الروسية الموالية للحكومة على الخسائر البشرية للجانب الأوكراني.
وخلال هجومها المضاد، استولت قوات كييف على مدينتي كوبيانسك وإيزيوم الاستراتيجيتين في منطقة خاركيف، وقطعت خطوط الإمداد الروسية الحاسمة إلى دونباس، وبحسب ما ورد، تراجعت القوات الروسية منذ ذلك الحين إلى الحدود بين منطقة خاركيف ومنطقة لوغانسك التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا، حيث بدأت في التحصين ضد مزيد من الهجمات.
بداية مرحلة ثالثة
ويعتقد مراقبون أن التقدم الأوكراني من المرجح أن يستمر، وقال كونراد موزيكا من شركة “روشان” للاستشارات في بولندا، إننا “ربما نشهد بداية المرحلة الثالثة من الحرب، حيث تكون روسيا في موقع دفاعي وستقوم أوكرانيا بشن هجمات مضادة”، وأضاف “أصبحت أوكرانيا قادرة بشكل متزايد على صد القوات الروسية للعودة إلى حدود فبراير (شباط)، لكننا في المراحل الأولى من ذلك”.
وقالت صحيفة “كوميرسانت” الروسية إن إحدى أكثر العواقب غير السارة لتراجع القوات الروسية في منطقة خاركيف، تغير في الموقف تجاه موسكو بين تلك الدول التي تعد إن لم تكن حلفاء فعلى الأقل شركاء في المواجهة مع الغرب، فمن دون اتخاذ موقف علني إلى جانب روسيا، فقد أسهمت بطريقة ما على مدى الأشهر الستة الماضية في تخفيف العقوبات والضغط السياسي عليها، وتضيف أن السياسيين من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي قد يتكون لديهم انطباع بأن خط الدفاع الروسي في المواجهة مع الغرب قد بدأ في التصدع.
ويشير مراقبون إلى أن العالم يحترم القوة ويفضل التعامل مع المنتصرين، ومن الأمثلة على ذلك النجاحات العسكرية في سوريا، التي زادت بعدها مكانة موسكو لدى الدول العربية بشكل ملحوظ، ومن ثم يعتقد بعضهم أن الانسحاب من خاركيف قد يضر بصورة الجيش الروسي والدولة الروسية. ومن ثم يحذر آخرون داخل موسكو من أن السبيل الوحيد لتجنب ذلك هو استقرار الوضع في الجبهة والقيام بعدد من العمليات الناجحة أو واحدة على الأقل، لكن تكون فعالة، ولكن ما إذا كانت القوات المسلحة الروسية قادرة على تنفيذ مثل هذه العملية، سيتكشف قريباً.
الخطر يتصاعد
وأمام ذلك الإحراج الدولي والضغط الداخلي، يتساءل آخرون بشأن كيفية رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسط مخاوف من إقدامه على استخدام أسلحة كيماوية أو تكتيك نووي كملاذ أخير لمنع الهزيمة، ونقلت شبكة “سي أن أن” الأميركية عن العميد المتقاعد بيتر زواك قوله إن “النظام الروسي في مأزق، لقد وضعوا في مأزق محلياً وليس دولياً، الأمر الذي يجعل الأمر في غاية الخطورة”.
ويحذر المراقبون الغربيون من أنه من المحتمل أن يستغل بوتين الهزائم كحافز لشن هجمات قاتلة على المناطق المحررة جواً أو بالمدفعية والقذائف الصاروخية، كما أن سيطرة روسيا على محطة زابوريجيا النووية، الأكبر في أوروبا، تمثل منطقة نفوذ محتملة لبوتين، ما دفع المسؤولين النوويين الدوليين إلى التحذير من أن موسكو “تلعب بالنار” وتخاطر بكارثة.
ونظراً لأهمية الصراع بالنسبة إلى بوتين، لا يستبعد الاستراتيجيون الغربيون أيضاً احتمال أن تتعمق القوات الروسية في خطوط دفاعية من أجل حرب استنزاف مطولة قد تمنحها الوقت لإعادة الإمداد والتجمع. ولطالما كانت هناك مخاوف في الغرب من رد فعل بوتين إذا بدا أنه يخسر الحرب في أوكرانيا، مع تزايد القلق في شأن ما إذا كان قد يتصاعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية، ولم يستبعد الاستراتيجيون الغربيون احتمال أن تنشر روسيا سلاحاً نووياً محدود القوة في ساحة المعركة في حال هروب قواتها، حتى لو قالت الولايات المتحدة إنه لا توجد علامة على قيام موسكو بتحريك ترسانتها النووية.
* المصدر : موقع اندبندنت عربية
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع