السياسية : 

أيمن الرفاتي*

خلال العقود الأخيرة، مرّ كيان الاحتلال في عدد من الإخفاقات الاستخبارية، إذ لم تقدّم المنظومة الأمنية الاستخبارية إنذاراً مبكّراً لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، “انتفاضة الأقصى”، وكذلك بالنسبة إلى أحداث  أيلول/سبتمبر (تفجير برجي التجارة في واشنطن عام 2001م)، والوضع النووي في العراق عام 2003م، وعدم التنبّؤ بنية “حزب الله” اللبناني تنفيذ عملية أسر لجنود للاحتلال عام 2006، ولا بسيطرة “حماس” على غزة عام 2007م، وعدم توقع سقوط عدة أنظمة عربية في عام 2010م، وعدم التنبؤ بقصف “حماس” مدينة القدس المحتلّة في بداية معركة “سيف القدس”، عام 2021، ومؤخراً بشأن تقييمها خطوات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما استبعدت أن يقوم بعملية عسكرية في أوكرانيا.

في الآونة الأخيرة، ظلّت المنظومة الاستخبارية في “دولة” الاحتلال في حيرة من أمرها تجاه نيّات “حزب الله” اللبناني في قضية غاز البحر الأبيض المتوسط وترسيم الحدود البحرية، إذ لا توجد قدرة على فهم المستويات التي يمكن أن يصل إليها الحزب في تفكيره بشأن هذه القضية، وهو ما ينعكس سلباً على قدرة الاستخبارات على ترجيح أحد السيناريوهات أمام المستويين العسكري والسياسي. وفي هذا الإطار، تضع المنظومة الاستخبارية وقادتها هاجس المحاسبة والعقاب، والذي قد يقع عليهم، في حال كانت تحركات “حزب الله” خارج توقعاتهم.

الإخفاقات الاستراتيجية التي مُنيت بها المنظومة الاستخبارية لدى الاحتلال فتحت سيلاً من لجان التحقيق والاتهامات والعقاب والطرد من الخدمة على المستوى الاستخباري في “دولة” الاحتلال، وما زالت آثارها قائمة حتى يومنا هذا. وبات الخوف من الحساب هاجساً لدى المستوى القيادي في المنظومة الاستخبارية لديها.

تُعَدّ لجان التحقيق في الإخفاقات الاستخبارية أحد أهم الإجراءات التي تتّخذها “دولة” الاحتلال كنوع من تصحيح الأخطاء التي تؤثّر في مسار الأحداث المحيطة بالكيان، نظراً إلى حجم تأثير هذه الإخفاقات فيها، إذ بدا واضحاً أنّ إخفاقات المنظومة الاستخبارية، خلال العقود الماضية، كان لها أثر سلبي في مكانة “دولة” الاحتلال، والقدرة على تغيير البيئة المعادية والمحيطة بها.

وزاد اهتمام الاحتلال بدراسة إخفاقات العمل الاستخباري بعد عام 2000، وتجسَّدَ ذلك، بصورة عملية، من خلال التركيز على لجان التحقيق ونتائجها. ولعلّ من أسباب هذا الاهتمام زيادة أخطاء مجال العمل الاستخباري وإخفاقاته، نظراً إلى زيادة وتيرة الأحداث والمتغيرات.

عند وقوع إخفاقات في “دولة” الاحتلال، يخضع العمل الاستخباري لعدّة لجان رسمية، منها لجان داخلية في كل جهاز، ولجان حكومية، وأخرى خارجية أو برلمانية. وتُشكّل هذه اللجان بعد وقوع حدث مهم ومؤثّر في الأمن القومي، لم تسبقه إنذارات ساخنة من المنظومة الاستخبارية في “دولة” الاحتلال، مثل تشكيل “لجنة تحقيق شمغار” البرلمانية لدراسة فشل الاستخبارات الإسرائيلية في تقدير قيام منظمة إرهابية يهودية بقتل رئيس وزراء في “إسرائيل”، أو إحباط ذلك.

وتبرز أهمية لجان التحقيق في الإخفاقات الاستخبارية في أنّها تطّلع على كل مصادر المعلومات بشأن القضية المراد التحقيق فيها وإجراءاتها، وعلى الفشل الاستخباري وأسبابه أيضاً، ثم تضع توصيات مهمة لإجراءات العمل في المستقبل. هذا الأمر يجعل لجان التحقيق تحدياً حقيقياً في نظر المستوى السياسي، لأنّ نتائجها قد تؤدّي إلى طرد قيادات موالية للمستوى السياسي ضمن المنظومة الأمنية أو عزلها.

تُحمّل لجان التحقيق مسؤوليةَ الإخفاقات لقيادات الأجهزة. وعلى الرّغم من مهنية اللجان وحرصها على معالجة الإخفاقات، فإنّه يغلب عليها الطابع العقابي، وضرورة محاسبة المخطئ أو المتسبب بوقوع الخطأ، على فرضية أنّه يمكن منع حدوث الأخطاء وتكرارها مستقبلاً بواسطة المعاقبة.

في المقابل، لا تتقبل منظومة الاستخبارات في “دولة” الاحتلال معاقبة المسؤول عن الخطأ عبر طرده من منصبه أو عزله إلى حين انتهاء التحقيق، بحيث إنّها تعدّ أنّ هذا الإجراء عقابي، ولا يهدف إلى إصلاح الخطأ أو علاجه، كلجنة “جرانوت” التي تسبّبت بطرد رئيس شعبة “أمان” من منصبه فوراً. وعبّر عن هذا صراحة رئيس شعبة “أمان” سابقاً، اللواء احتياط عاموس يدلين، عبر قوله “إنّ أغلبية لجان التحقيق تنتهي بالتسبب بطرد الضباط، وإنهاء حياتهم العملية بفضيحة. فبدلاً من مكافأتهم، يُطرَدون وتُكسَر قلوبهم”.

لجان التحقيق، التي جرت في منظومة الاستخبارات في “دولة” الاحتلال، لم تنعكس إيجاباً على المنظومة الاستخبارية، إذ ما زالت الإخفاقات متواصلة حتى يومنا الحالي. ولعلّ أهمّ هواجس الإخفاقات، التي تراود تفكير قيادة المنظومة الاستخبارية في “دولة” الاحتلال، قد تكون القدرة على قراءة نيّات “حزب الله” اللبناني تجاه قضية الغاز وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.

*المصدر: الميادين نت

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع