هل تعقد القمة العربية بالجزائر في موعدها بأول نوفمبر؟
إليك أبرز القضايا الخلافية واحتمالات تأجيلها
السياسية – رصد :
مع اقتراب موعد القمة العربية في الجزائر المقرر عقدها في أول نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بالتزامن مع عيد استقلال البلاد، تزداد التساؤلات حول احتمالات انعقاد القمة أو تأجيلها في ظل العديد من الملفات الخلافية التي تواجهها.
وبعد أن تأجلت ثلاث مرات متتالية (2020، 2021، مارس/آذار 2022)، بسبب جائحة كورونا والخلافات والأزمات العربية، وافق مجلس وزراء خارجية الدول العربية بالإجماع، في مارس/آذار الماضي، على مقترح جزائري لعقد القمة العربية المقبلة في 1 و2 نوفمبر/تشرين الثاني المقبلين.
وكانت آخر قمة عربية قد عقدت في تونس في مارس/آذار 2019، وقبل ذلك تأخرت العديد من القمم الدورية أو تأجلت بسبب الأزمات التي عصفت بالبلاد العربية خلال فترة الربيع العربي واعتذارات بعض الدول العربية عن استضافة القمة.
ولكن الجزائر أبدت حماساً لافتاً لاستضافة القمة العربية برئاستها، على أن تعقد في نوفمبر/تشرين الثاني بالتزامن مع احتفالات الجزائر باستقلالها.
أسباب حماس تبون لعقد القمة العربية في الجزائر
وهذا الحماس الذي يقود الرئيس عبد المجيد تبون لعقد القمة العربية في الجزائر يأتي لأسباب عديدة.
تمثل القمة بالنسبة للجزائر فرصة لتأكيد ترسخ شرعية الرئيس عبد المجيد تبون الذي وصل للسلطة في انتخابات انتقدتها المعارضة والنشطاء، ولكنه عمد فور توليه السلطة إلى انتهاج سياسة خارجية نشطة ويمكن وصفها بالهجومية في العديد من الملفات مثل العلاقات مع المغرب والصحراء، والأزمة الليبية، وحتى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والموقف من الإرث الاستعماري الفرنسي للجزائر، وأعطت هذه السياسات زخماً لحكم تبون وخلفت التفافاً داخلياً حوله، عزز من مكانته بعد توليه السلطة بعد تنحية سلفه عبد العزيز بوتقليقة.
كما بدت هذه السياسات خروجاً عن السياسات الخارجية الرتيبة التي ميزت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في فترات حكمه الأخيرة، حيث أدى مرضه لتخلي الجزائر عن حيويتها الدبلوماسية.
ولذا تمثل القمة العربية تتويجاً للدبلوماسية الجزائرية التي نشطت في عهد تبون، وتأكيداً لعودة الجزائر بقوة للساحتين العربية والدولية.
أهم القضايا الخلافية
ولكن المفارقة أن التحديات التي تواجه القمة العربية مرتبطة بطبيعة التحركات الدبلوماسية الجزائرية المشار إليها.
وتنبع أهمية القضايا الخلافية، من أن الأمر لا يقتصر على المخاوف من اندلاع الخلافات حول هذه القضايا خلال القمة، بل هناك بعض القضايا والخلافات التي ينبغي حلها قبل القمة، لأن عدم الاتفاق عليها أو على الخطوط العريضة لمعالجتها قد يعرقل عقد القمة.
وتواجه قمة الجزائر العديد من الموضوعات الشائكة مثل الخلاف حول ليبيا بين مصر والإمارات من ناحية والجزائر من ناحية أخرى، حيث كانت القاهرة تدعم الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر الذي يحكم الشرق الليبي، بينما كانت الجزائر، أميل لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً القائمة في طرابلس مع توتر علاقتها مع حفتر الذي سبق أن هاجم الجزائر.
وكانت السياسة المصرية أكثر هجومية في الأزمة الليبية، وكان دعمها هي والإمارات لحفتر واضحاً مقابل الدعم التركي لحكومة الوفاق، بينما الجزائر بدا أنها قلقة ومستاءة من حفتر، ومن توسع النفوذين المصري والإماراتي، في ليبيا، وخاصة غربها أكثر من كونها داعمة لحكومة الوفاق.
ورغم أن الجزائر أعلنت أن دخول حفتر طرابلس بمثابة خط أحمر بالنسبة لها، ولكن لم يعرف أنها قدمت دعماً عسكرياً كبيراً لحكومة الوفاق، مثل تركيا (قيل إنها مررت مساعدات تركية للوفاق).
وبصفة عامة رغم التوتر المكتوم بين مصر والجزائر بسبب هذا الملف، فإن الأمر لم يصل بينهما مطلقاً إلى أزمة مفتوحة، ولم تتوقف الاتصالات بين البلدين، حول العديد من الملفات الأخرى، بسبب هذا الخلاف.
واليوم اختلطت الأوراق في ليبيا، وأصبحت قوى الغرب الليبي تخوض ما يشبه الحرب الأهلية بينما حفتر يدعم أحد أطرافها، مما يقلل من حجم التوتر بين الدول المعنية بالنزاع الليبي، مثل مصر والجزائر وتركيا والإمارات، الأمر الذي يقلل بدوره من التأثير السلبي لهذا الملف على القمة العربية في الجزائر (رغم أنه تثور إشكالية من يمثل ليبيا في القمة).
وبالتالي لن يكون الملف الليبي سبباً على الأرجح لأي احتمال لتأجيل القمة، ولن يؤثر حتى مستوى الحضور المصري للقمة، الذي ينتظر أن يكون على مستوى الرئاسة، وهي مسألة مهمة بالنسبة للجزائر، حيث يمثل حضور رئيس أكبر دولة عربية مسألة تؤشر لنجاح القمة على المستوى الشكلي، خاصة إذا غاب بعض قادة الخليج.
القضية الفلسطينية، هل تطرح الجزائر قضية التطبيع؟
من الموضوعات التي قد تكون مؤثرة على القمة، القضية الفلسطينية، وبينما البنود التقليدية الداعمة للقضية الفلسطينية، ليست محل خلاف، ودائماً المشكلة في تطبيقها، علماً بأن الجزائر تعد من أكثر الدول العربية التزاماً بدعم الشعب الفلسطيني مالياً.
ولكن قد تظهر إشكالية إذا دفعت الجزائر بقرار لإدانة عملية التطبيع الجارية، (قد تفعل ذلك من منطق تأييد حقوق الشعب الفلسطيني، أو نكاية في المغرب) وقد يؤدي ذلك إلى تحفظات من قبل الإمارات والبحرين اللتين طبعتا مع العدو الإسرائيلي، وحتى مصر والأردن الدولتين اللتين لديهما معاهدات سلام وتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود.
القمة العربية في الجزائر
ولكن هذا الملف قد يكون مثله مثل الملف الليبي محل خلاف داخل القمة، ولكن لن يكون على الأرجح سبباً يعرقل عقدها، وعلى الأرجح ستجد الدول العربية صيغة دبلوماسية لتأكيد دعم القضية الفلسطينية والتمسك بالمبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت من قبل السعودية عام 2002، والتي تتعهد بالتطبيع الكامل مع إسرائيل، مقابل دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، على أراضي 1967 وحل قضية اللاجئين وفقاً للقرارات الدولية، وسيتم ذلك على الأغلب دون إدانة فجة للتطبيع (رغم أن في ذلك إشارة إلى أن التطبيع يفرط في هذا النهج).
كما قد تسعى الجزائر لتحقيق إنجاز في مجال المصالحة الفلسطينية بين السلطة برئاسة محمود عباس، وبين حركة حماس، الأمر الذي قد يثير حفيظة مصرية غير معلنة باعتبار القاهرة اللاعب الرئيسي في هذا الملف.
هل تصر الجزائر على دعوة سوريا للقمة؟
وتظل مسألة عودة سوريا للجامعة العربية هي واحدة من أكثر المسائل الإشكالية في قمة الجزائر، ويتحدث البعض عن أن هذا الملف لا يهدد فقط بإشعال خلافات داخل القمة بل يهدد مسألة عقدها.
ومن المعروف أن مجلس الجامعة العربية لم يجمد عضوية سوريا لديه، ولكنه علق مشاركة دمشق في أنشطة الجامعة عقب قمع الأسد الوحشي للثورة السورية عام 2011، وذلك اعتباراً من 16 نوفمبر/تشرين 2011 “لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ تعهداتها لحل الأزمة في سوريا وفقاً لخطة العمل العربية التي طرحت لحل الأزمة في ذلك الوقت”.
وعلى مدار السنوات الأخيرة أثيرت قضية عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة، لكن التصريحات الرسمية كانت دائماً تتحدث عن أن “الأمر مرتبط بإعادة النظر في أسباب تجميد عضويتها”.
وتعد الجزائر أكثر الدول العربية حماساً لعودة نظام الأسد للجامعة العربية، ويؤيدها في ذلك على استحياء العراق، وأحياناً بعض أطياف الحكم في لبنان، كما أن الإمارات من الدول العربية التي تؤيد عودة سوريا للجامعة العربية رغم أنها كانت جزءاً من المحور الخليجي المؤيد للمعارضة السورية.
أما أكثر الدول العربية معارضة لعودة سوريا، للجامعة العربية فهي السعودية وقطر، وإلى حد ما الكويت، بينما أصبحت مواقف بقية الدول العربية، غامضة، ومرتبطة أكثر بعلاقاتها مع السعودية وقطر والولايات المتحدة وإيران أكثر من موقفها من نظام الأسد نفسه.
وبينما تصمت مصر دوماً بشأن هذا الملف، فالأرجح أن لديها تنسيقاً مع نظام الأسد، ولكنها لا تفضل إغضاب السعودية في هذا الملف (الذي لا يمثل أهمية كبيرة لها حالياً)، وهذا يشبه موقف الأردن الذي يزداد تنسيقه مع الأسد خاصة عبر روسيا، ولكن لا يصل الأمر لعودة كاملة للعلاقات.
ويلاحظ أن السعودية في الأغلب، لم تعد تناصب النظام السوري، العداء كما كان من قبل، ولكنها تريد في الأغلب أن تكون عودة سوريا للجامعة العربية مقابل بعض التنازلات من قبل النظام لصالح المعارضة (حتى ولو بسيطة أو شكلية)، والأهم تنازلات في مسألة تحالفه وتبعيته لإيران.
ووجهة النظر العربية الرسمية التي تتبناها الجامعة العربية وسبق أن أشارت إليها مصر، هي أن عودة نظام الأسد لتمثيل سوريا في الجامعة العربية، يجب أن ترتبط بتنفيذ اتفاقيات جنيف 1 و2 التي رعتها الأمم المتحدة وشاركتها بها روسيا والغرب، والتي تتضمن صياغة دستور سوري جديد يسمح بدور للمعارضة في الشؤون السياسية للبلاد.
كما أن دولة قطر بالأخص مهتمة بوضع اللاجئين السوريين والنازحين في المناطق السورية خارج مناطق الحكومة.
ولكن المشكلة الأساسية أن النظام السوري لا يريد تقديم تنازلات ولو شكلية في مسألة التحالف مع إيران أو الدستور السوري ووضع المعارضة واللاجئين السوريين، ورفض النظام محاولات حلفائه الروس وبعض حلفائه اللبنانيين الرامية لإعادة جزء من اللاجئين (أغلبهم من السنة) إلى ديارهم، بما في ذلك مقترح روسي لإعادة بعض اللاجئين من أوروبا، مقابل بعض الانفتاح على النظام وتخفيف العقوبات عليه.
يريد النظام السوري العودة إلى الجامعة العربية مظفراً، بعد أن انتصر على المؤامرة الكونية الأمريكية الخليجية الإرهابية، كما يصورها إعلامه، وهو أمر لا يجعل هناك حماساً عربياً وخاصة خليجياً لتقبل هذه العودة، خاصة أن النظام هو الذي يحتاج العرب وليس العكس، كما أن واشنطن حليف العديد من الدول العربية غير متحمسة لرفع العقوبات عن الأسد وسبق أن وجهت رسائل لدول الخليج بهذا الشأن.
ويظل السؤال هنا إلى أين ستصل الجزائر في إصرارها على طرح موضوع عودة سوريا للجامعة العربية، وهل يصل الأمر إلى إصرارها على أن تكون سوريا ممثلة في القمة أو تضع الدول العربية والجامعة أمام الأمر الواقع عبر السماح لدمشق بإرسال ممثل للقمة أو اجتماعاتها التحضيرية.
وتصر الجزائر، بصفتها الدولة المضيفة، على دعوة دمشق، وهو ما أكده عبد الحميد عبداوي، المدير العام للاتصال والإعلام بوزارة الخارجية الجزائرية، في تصريحات صحافية سابقة، بقوله إن “بلاده ستطرح مجدداً دعوة سوريا إلى المشاركة في القمة العربية المقبلة، وذلك خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، المقرر في شهر سبتمبر/أيلول المقبل”.
في المقابل، قال السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، في تصريحات تلفزيونية، إنه “لا يوجد وقت محدد يمكن إعلانه عن عودة سوريا للجامعة العربية، حيث إنه ليس أمراً بعيداً، ولكنه ليس قريباً أيضاً، فالأمر لم يحسم بعد، ولا يمكن تحديد إطار زمني له”.
الخلاف حول عودة سوريا مرتبط بالتنافس الجزائري الخليجي المكتوم
يرتبط إصرار الجزائر على عودة سوريا للجامعة العربية، بعلاقة النظامين القديمة حيث إن جذور النظامين عسكرية وكانا يتبنيان القومية العربية والاشتراكية، والتحالف مع الاتحاد السوفييتي، كما يرتبط موقف الجزائر في الأزمة السورية بتقاليد في السياسة الخارجية للبلاد تتحفظ على أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول وميل لتأييد الأنظمة القائمة حتى ولو مستبدة، وقلق دوماً من أي تدخل غربي.
ولكن الخلاف على عودة سوريا للجامعة العربية يعد أيضاً جزءاً من التنافس الخليجي الجزائري المكتوم في منظومة العمل العربي المشترك.
فتقليدياً كانت الجامعة العربية تنقسم بين كتلة اشتراكية قومية تضم الجزائر وسوريا وليبيا القذافي والعراق في عهد صدام، وكتلة قريبة للغرب تضم بشكل أساسي دول الخليج والأردن والمغرب، ومصر، وإن كانت القاهرة في بعض مواقفها، تكون قريبة لموقف كتلة الدول العربية الاشتراكية.
ولكن مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ثم انهيار نظام القذافي وتجميد أنشطة نظام الأسد في الجامعة العربية، سيطر التحالف الخليجي المصري على الجامعة العربية، بشكل كبير، وبقيت الجزائر صوتاً مختلفاً ومتحدياً بهدوء لهذه السيطرة، فالجزائر لا تعتمد على الدعم المالي الخليجي مثل أغلب الدول العربية غير النفطية، وليست حليفاً لأمريكا والغرب كدول الخليج والمغرب والأردن، ومصر، كما أن مواقفها من القضية الفلسطينية تتسم بالحماس، وترتبط بنظرة الجزائريين لنضالهم ضد الاستعمار الفرنسي، مما يجعل الجزائر الأقل تأثراً بالتوجهات التطبيعية التي تهمش القضية الفلسطينية.
كل ذلك بالإضافة إلى ثرائها النفطي ووزنها السياسي والعسكري وتاريخها الدبلوماسي المرتبط بمناهضة الاستعمار، جعل الجزائر تمثل قطباً مهماً داخل منظومة عربية تهيمن عليها مصر، ودول الخليج، (رغم أنه كثيراً ما تكون رؤى مصر قريبة للجزائر)، كما كانت المواقف الجزائرية والقطرية تتقارب أيضاً في كثير من القضايا.
ولكن هذا التنافس المكتوم الذي كان يصل أحياناً للجفاء، لم يتعلق بقضايا حساسة أو مسائل تهم الجانبين بشكل مباشر، ولذا كانت الجزائر تعبر عن وجهات نظر مختلفة عن المحور الخليجي المصري بهدوء، وداخل الغرف المغلقة غالباً، وكانت القرارات تصدر كحل وسط يعبر عن موازين القوى والتصويت داخل الجامعة العربية (الكتلة الخليجية لديها 6 أصوات وحدها، إضافة لحلفائها المقربين مصر والأردن والمغرب وبعض الدول التي تتلقى مساعدات منها اليمن والصومال وجيبوتي وجزر القمر، وأحياناً السودان).
وبالطبع كل قضية لها ديناميكيتها الخاصة التي تجعل سلوك كل دولة يختلف، ليس فقط حسب تحالفاتها ولكن أيضاً حسب أهمية القضية لها.
هل تفسد الجزائر القمة من أجل الأسد؟
واليوم، يأتي عقد القمة العربية في الجزائر في وقت توجد قضايا خلافية عربية تمس الجزائر بشكل كبير، وهي تهم دول الخليج أيضاً.
وبينما تمثل مسألة عودة سوريا للجامعة العربية نموذجاً لهذه القضية، وقد تكون سبباً للخلاف حول القمة أو داخلها، ولكن على الأرجح لن تصل إلى أن تكون سبباً لعدم عقد القمة، فالجزائر لن تفسد عرسها العربي من أجل الأسد.
وقد تفضل الجزائر دعوة على مستوى منخفض لسوريا، أو أن يكون المكسب الذي تحققه الجزائر لدمشق، هو وضع بند عودة سوريا على جدول الأعمال، واتخاذ قرار فيه (قد يكون مع وضع بعض الشروط).
المعضلة الكبرى في مسألة دعوة الجزائر المغرب لحضور القمة
ولكن ثالثة الأثافي في قمة الجزائر، وأكثر القضايا حساسية التي يمكن أن تعرقل عقد القمة ذاتها، هي مسألة التوتر الجزائري المغربي.
وقد ارتفع منسوب التوتر بين البلدين بشكل كبير منذ تولي عبد المجيد تبون السلطة، وبدا واضحاً أن النظام الجديد في الجزائر أو الذي تم تجديده يرفع من راية الصراع مع المغرب، في المقابل بدا المغرب حريصاً على التهدئة مع الجزائر مع اتخاذ موقف قوي ضد البوليساريو وتحقيق مكاسب لصالحه في قضية الصحراء، ولكن الرباط عادت بدورها لتلوح بملف شديد الحساسية لدى الجزائر، هو مسألة تشجيع بعض المجموعات الانفصالية الأمازيغية داخل الجزائر (وهو ملف لو انفجر سيصيب البلدين بضرر شديد).
وهكذا وصلت الأمور إلى مستوى غير مسبوق منذ سنوات، من التدهور في العلاقات بين البلدين بعد وقف الجزائر للغاز في خط أنابيب المغرب العربي الذي يزود المغرب بالغاز وينقله أيضاً لإسبانيا وإغلاق الحدود بين البلدين ومنع الطيران المغربي من التحليق فوق الأجواء الجزائرية.
على الجانب الآخر، انخرط المغرب بشكل غير مسبوق في ملف التطبيع مع إسرائيل مقابل اعتراف أمريكي أغضب الجزائر بشدة بمغربية الصحراء، وهو أمر سارت على منواله الإمارات والبحرين، مما شكل خرقاً لجدار طالما ساهمت الجزائر في بنائه ضد الاعتراف بمغربية الصحراء.
ومما زاد من غضب الجزائر، انتقال التطبيع المغربي مع العدو الإسرائيلي من المرحلة السياسية والاقتصادية والاحتفالية، إلى مرحلة التعاون العسكري بما في ذلك حديث عن نقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة للكيان الإسرائيلي للمغرب، الأمر الذي يمس التوازن العسكري شديد الحساسية بين البلدين.
كل ذلك، يثير تساؤلاً حول هل ستدعو الجزائر المغرب لحضور القمة، ولو دعته هل يلبي المغرب وبأي مستوى سيحضر القمة؟
وفي حال عدم دعوة الجزائر المغرب للقمة، ماذا سيكون موقف بقية الدول العربية، وخاصة دول الخليج، وهي الدول التي تاريخياً أقرب بحكم أنظمتها الملكية للنظام الملكي المغربي (حيث كانا يتشاركان العداء للاشتراكية والتحالف مع الغرب).
وقد يكون هناك إشكالية أخرى لا تقل خطورة مرتبطة بقضية الصحراء، يمكن أن تثيرها الجزائر في القمة، تتعلق بأي خرائط تعرض في القمة، تظهر فيها الصحراء كياناً مستقلاً عن المغرب، الأمر الذي عادة ما ترفضه الرباط بشدة، خاصة أنه مؤخراً أثار وفد جزائري مسألة استقبال الجزائر للاجئين الصحراويين، وهو ما أدى إلى رد فعل رافض من الوفد المغربي وذلك خلال اجتماع صغير بالجامعة العربية، حسبما قال مصدر عربي مطلع لـ”عربي بوست”.
ويزيد من حساسية الموقف الخليجي في حال عدم دعوة الجزائر للمغرب، طبيعة العلاقات الخليجية المغربية المتقلبة، فقد شهدت العلاقات بين الإمارات والسعودية من جهة وبين المغرب توتراً غير عادي، لأسباب عديدةK قبل بضع سنوات.
ولكن هذه العلاقات شهدت تحسناً ملحوظاً بعد صفقة القرن في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وشارك المغرب في عملية التطبيع التي تقودها الإمارات (ولعبت فيها البحرين دوراً كبيراً وبرضا سعودي على الأرجح).
وكان واضحاً أن ذلك يأتي في مقابل دعم الإمارات والولايات المتحدة لخيار مغربية الصحراء، الأمر الذي أغضب الجزائر بشدة، وبالتالي فإن جذور التصعيد الحالي، في العلاقات الجزائرية المغربية تعود للصفقة الخليجية المغربية المرتبطة بالتطبيع، الأمر الذي يجعل عدم دعوة المغرب لحضور القمة العربية بالجزائر مسألة موجهة للجانب الخليجي وليس المغرب فقط.
ولم تبد الجزائر حتى الآن أي توجه للمصالحة أو تخفيف الأزمة مع المغرب باعتبارها مستضيف القمة، بينما بدأت وسائل إعلام غير رسمية محسوبة على المغرب، تتحدث عن رغبة خليجية في عدم عقد القمة بالجزائر.
ولكن يجب ملاحظة أنه رغم تحالف دول الخليج التاريخي مع المغرب، وعلاقتها التي يشوبها بعض الجفاء مع الجزائر، إلا العلاقات بين دول الخليج والجزائر نادراً ما وصلت لشكل من أشكال الخلاف الحاد أو الأزمة، (خاصة في ضوء بعد المسافة الجغرافية).
والجانبان يراعيان في الأغلب وزن الآخر، ويندر أن يتصاعد الخلاف بينهما إلى تراشق سياسي أو لفظي مثلما كان يحدث بين دول الخليج وسوريا الأسد، وليبيا القذافي، والعراق، سواء في العهد الصدامي أو عهد الحكومات التي تقودها أحزاب شيعة ملتصقة بإيران.
ماذا تخبرنا تجارب القمم السابقة؟
كما أن تجارب العديد من القمم العربية السابقة تؤشر إلى إمكانية عقد القمم رغم الخلافات، والحقيقة أن التاريخ العربي منذ تأسيس الجامعة العربية لم يخل من الخلافات والصراعات (قد تكون قمة اللاءات الثلاثة التي عقدت بعد هزيمة 1967 في الخرطوم هي الاستثناء الوحيد).
فعقد القمة نفسها مسألة منوط بها للدولة المستضيفة بعد أن صدر قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب الأخير بالموافقة على مقترح الجزائر، بعقدها في أول نوفمبر/تشرين الثاني.
أما الحضور ومستواه والغياب، فهو مسألة منوطة بكل دولة، ولكن انخفاض مستوى الحضور وغياب بعض الدول، ليس معناه عدم عقد القمة، حتى لو كان مؤشراً لنجاح محدود لها.
تمثل القمة العربية في دمشق عام 2008 نموذجاً لعقد قمة عربية رغم الخلافات العميقة، ففي ذلك الوقت كان هناك خلاف كبير بين دول الخليج وبالأخص السعودية ومصر من ناحية وبين سوريا، بعد أن قال بشار الأسد عن منتقدي هجوم إسرائيل على حزب الله عام 2006 الذي أدى لاندلاع حرب لبنان إنهم أنصاف رجال، وهو ما فهم منه أنه هجوم على الملك السعودي الراحل الملك عبد الله وعلى الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وسبق ذلك خلاف سعودي مرير، أنهى سياسة التفاهم السعودي السوري حول لبنان، (التي أدت لإنهاء الحرب الأهلية عام 1990)، ووصل ذلك الخلاف إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005 وهو حليف السعودية المقرب، والصديق الشخصي للأسرة المالكة للسعودية.
وعزز الاستياء السعودي المصري من الأسد، تقاربه الشديد مع إيران وتوسيعه لنفوذ حزب الله اللبناني، وشعور مبارك والملك عبد الله بأن لهم دوراً في تمهيد الطريق لتولي بشار الأسد السلطة، حيث كان صغير السن وتم التعديل الدستور من أجله لكي يتمكن من تولي المنصب (هذا الشعور غير دقيق لأن تولي بشار الأسد السلطة بالأساس مرتبط بالتفاف النخب العلوية الحاكمة حول آل الأسد لضمان السيطرة على البلاد ذات الأغلبية السنية).
ولكن في النهاية عقدت القمة في موعدها في مارس/آذار 2008، بمشاركة كل الدول العربية بما فيها مصر والسعودية، ولكن القاهرة خفضت مستوى تمثيلها، إلى مستوى وزير دولة (الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون البرلمانية والقانونية)، بينما كان مستوى التمثيل السعودي شديد الانخفاض، حيث بعثت بمندوبها لدى الجامعة العربية السفير في ذلك الوقت السفير أحمد قطان ليكون رئيساً لوفد المملكة وليجلس مع القادة في القمة.
وقد يكون هذا في الأغلب هو المسار الجزائري بالنسبة لمشاركة المغرب في القمة، حيث قد ترسل الجزائر دعوة عبر ممثل منخفض المستوى للرباط، وترد الأخيرة بمشاركة على مستوى منخفض أيضاً، ولكن عدم دعوة الجزائر للمغرب على الإطلاق سيمثل مشكلة للجامعة العربية ولدول الخليج الصديقة للمغرب.
إذا قدمت الجزائر دعوة للمغرب، حتى لو على مستوى متواضع فهذا سيرفع الحرج عن مشاركة دول الخليج في القمة، علماً أنه في الأصل فإن كثيراً من دول الخليج لا تشارك في القمم العربية عبر قادة البلاد (خاصة سلطنة عمان وإلى حد ما السعودية والبحرين والإمارات).
ولكن نظراً لوزن الجزائر، وبناء على ديناميكية العلاقات في وقت القمة، قد نرى مشاركة بعض القادة الخليجيين في القمة إضافة لملك الأردن، ورئيس وزراء العراق والرئيس الفلسطيني، والرئيس التونسي (الذي أغضب المغرب مؤخراً بدعوته للبوليساريو للمشاركة في مؤتمر إفريقي بتونس).
وعلى الأرجح إذا لم يجد جديد فإن مصر قد تشارك في القمة بوفد برئاسة رئيسها عبد الفتاح السيسي، وسبق الإشارة إلى أن مشاركة مصر مهما ازداد وزن الدول العربية الأخرى وزاد ثراؤها مسألة رمزية كبيرة باعتبارها أكبر بلد عربي ومقر الجامعة العربية وقلب العالم العربي، وبالنسبة للجزائريين الذين لا ينسون دور عبد الناصر في دعم ثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي مشاركة مصر مسألة مهمة، ومن جانبها تدرك مصر أهمية أن يكون حضورها رفيع المستوى للجامعة العربية التي يوجد مقرها بالقاهرة وأمينها العام مصري.
وبالنسبة لمصر، فإن الاختلافات بين البلدين والتي تتركز في الأساس في الملف الليبي الذي اختلطت فيه الأوراق، لا تستدعي أي تحفظ مصري على مشاركة رفيعة المستوى، خاصة أن القاهرة قد تحتاج لتعاون الجزائر في مسألة استيراد النفط، مع ارتفاع فاتورة الطاقة لديها.
كما أن مصر رغم علاقتها الجيدة بالمغرب، فإنها ليست وثيقة بالدرجة التي تجعلها تخفض مستوى تمثيلها للقمة لإرضاء الرباط، خاصة أن قرب الجزائر جغرافياً يجعل المصالح المصرية الجزائرية تشتبك أكثر من المصالح المغربية المصرية.
ويمكن القول إن المسألتين الفاصلتين فيما يتعلق بعقد قمة الجزائر سوف تكونان مدى إصرار الجزائر على حضور سوريا للقمة، ومسألة دعوة المغرب للحضور.
وفي الأغلب ستعمل الدبلوماسية الجزائرية مع الجامعة العربية على إيجاد مخارج للمسألتين بطريقة تظهر أن الجزائر قد فرضت نكهتها على القمة بدون إهانة المغرب، وعدم إغضاب الدول العربية الرئيسية.
* المصدر : عربي بوست
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع