أيمن الرفاتي*

بعد انتهاء جولة “وحدة الساحات” واعتداء الاحتلال على قطاع غزة، بدا واضحاً رغبة المستوى الأمني والسياسي في كيان الاحتلال في خلخلة تماسك محور المقاومة في المنطقة ومنعه، كهدف أساسي لمنع دخول محور المقاومة في مواجهة عسكرية متعددة الجبهات مع الاحتلال.

وقد جاء التفكير الإسرائيلي في هذه الخطوات كإحدى التوصيات الأمنية والعسكرية التي بُنيت على استنتاجات ترى أنه يستحيل على الاحتلال مواجهة حرب متعددة الجبهات، إذ إن التدريبات والاستعدادات في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، على الرغم من ضخامتها خلال السنوات الأخيرة، لن تستطيع التعامل مع سيناريو الحرب المتعددة الجبهات التي تنطلق فيها أعداد كبيرة من الصواريخ والصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة والأسلحة الأخرى ودخول قوات برية من عدة جبهات.

وعلى الرغم من امتلاك الاحتلال أدوات هجومية كبيرة ومتقدمة جداً على مستوى المنطقة، فإن تعرض جبهته الداخلية لضغط كبير سيفقدها قدرتها على المناورة والاستخدام الصحيح للقوة العسكرية، إضافة إلى أن الخشية من مواجهة شاملة ستؤدي إلى انهيارات بنيوية في الكثير من مكونات الدولة، بما في ذلك الجيش. وبناء عليه، فقد انصب التفكير على الإحباط المبكر لفكرة الحرب المتعددة الجبهات.

بعد معركة “سيف القدس”، وضع الاحتلال عدداً من المخططات لمواجهة خطر الحرب المتعددة الجبهات، بما فيها زيادة التدريب على سيناريوهات هذه الحرب وتكثيفه، إلا أن الجديد الذي ظهر في الآونة الأخيرة كان يتعلق بالجهد الأمني والاستخباراتي والعسكري لضرب محور المقاومة داخلياً وبث الفرقة والخلافات بين مكوناته، كي لا تتحرك أي من جبهاته بشكل منسق مع الأخرى في المستقبل.

المراقب للسلوك الإسرائيلي بعد معركة “سيف القدس” عام 2021 يدرك جيداً أن تحرك العدو لمنع توحد الجبهات ضده كان على أشده؛ ففي الحالة الفلسطينية، اجتهد الاحتلال لمنع ترابط الساحات الفلسطينية الأربع، غزة والضفة والقدس والداخل المحتل عام 1948، ووضع خططاً منفصلة لإشغال كل جبهة وإثارة الخلافات وكسر التوجهات المستقبلية الهادفة إلى تقوية كل جبهة، وصولاً إلى معارك فاصلة وكبرى مشتركة.

وفي هذا الإطار، استخدم الدعاية والإعلام والعمليات النفسية والأمنية وبث الإشاعات وتصدير الأخبار الكاذبة وغيره من الأدوات. كل هذا سخره لضرب القواعد الشعبية الداعمة للمقاومة والتأثير فيها، عبر التركيز على الاختلافات والخلافات والمخاطر الاقتصادية.

ويعمل الاحتلال خلال السنوات الأخيرة بشكل أمني وإعلامي، وعبر أدوات أخرى، لبث حال من الفرقة بين مكونات محور المقاومة، وهو يستخدم في ذلك الدعاية الطائفية والمذهبية والسياسية. وفي الآونة الأخيرة، في ظل التأزم الاقتصادي، صار يستخدم الدعاية الاقتصادية والويلات التي ستسقط على رأس الجبهة التي ستهاجم الاحتلال، إضافة إلى الترهيب الأمني والعسكري المتواصل.

ومن ضمن أهم الأهداف التي يعمل العدو عليها خلال الفترة الحالية منع ترابط الجبهات داخل فلسطين المحتلة وخارجها، واستمرار حالة الضغط الأمني والعسكري لمنع هذه الجبهات من بناء خطط عسكرية للمواجهة المشتركة مستقبلاً.

وتشمل المخطّطات محاولات استنزاف الجبهات بشكل منفرد وإنهاكها ومنعها من مراكمة القوة، عبر سياسة الضربات الأمنية والعسكرية المؤثرة التي تندرج ضمن استراتيجية “المعارك بين الحروب”، التي تهدف إلى تكسير عناصر القوة المتراكمة لدى الجبهات ومنع تعاظم قوتها.

كان الغيظ الإسرائيلي واضحاً خلال السنوات الأخيرة بعد ظهور معلومات ومؤشرات حقيقية إلى تعزيز العلاقات بين المقاومة الفلسطينية والجمهورية الإسلامية إيران وحزب الله وأنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق، والرغبة التي أظهرتها أطراف المحور في مساندة بعضها البعض، وصولاً إلى مواجهة كبرى متعددة الجبهات.

تشير التقديرات في الوقت الحالي إلى أنَّ ما جرى خلال معركة “وحدة الساحات” يعدّ أحد التطبيقات التي هدفت “دولة” الاحتلال من خلالها إلى إثارة الشكوك الداخلية لدى أطراف محور المقاومة في إمكانية الدخول في مواجهة متعددة الجبهات، إضافةً إلى صنع حالة من التوتر والتشكيك في النيات بين مكونات المحور.

على المقاومة في المنطقة ومكونات المحور التنبّه إلى المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تمزيق المحور وإثارة الفرقة بين مكوناته، والمساعي الجادة لإثارة الشكوك في نيات الأطراف المنضوية ضمنه، وعليهم أيضاً الإدراك أنَّ التماسك وتقوية التفاهمات وبناء الخطط المشتركة يمثّل أكبر وأسرع طريق للتخلّص من كيان العدو في المنطقة.

ما حدث خلال معركة “وحدة الساحات” يعطينا نموذجاً واضحاً لمحاولات اللعب الإسرائيلية على الاختلافات والفروقات بين مكونات محور المقاومة فلسطينياً وإقليمياً، وهو ما يفرض على الجميع العمل على تجاوز الخلافات والاتفاق على استراتيجيات وخطط عمل واضحة تؤدي إلى تحقيق أهداف المقاومة وتفوّت أيّ فرصة على الاحتلال لدقِّ الأسافين.

* المصدر :الميادين نت

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع