هل تمر العلاقات المغربية – الفرنسية بـ”أزمة صامتة”؟
السياسية:
ماذا يحدث بين المغرب وفرنسا، وهل حقيقة تمر العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباريس بأزمة صامتة وتوترات كما يقول محللون ووسائل إعلام مغربية وفرنسية، أم أن الأمر مجرد تخمينات لا تعكس حقيقة الروابط السياسية والتاريخية المتينة بين البلدين الحليفين؟
التحليلات التي تفيد وجود أزمة صامتة بين المغرب وفرنسا تستند إلى وقائع متراكمة عدة، منها استمرار رفض فرنسا تأشيرات عدد من المغاربة، من بينهم وزراء سابقون وبرلمانيون وفنانون وأطباء، وأيضاً غياب تبادل زيارات مسؤولي البلدين منذ فترة خلت.
من جانب آخر، يرى مراقبون أن الحديث عن أزمة سياسية صامتة بين البلدين ليس سوى “للاستهلاك الإعلامي”، بدلالة أن العلاقات الاقتصادية لا تزال في أوجها، كما أن التعاون الأمني والاستخباراتي في ذروته، علاوة على دعم فرنسا القضايا التي تعتبرها المملكة مصيرية، من قبيل نزاع الصحراء.
مؤشرات ووقائع
تراكمت مؤشرات وأحداث عدة جعلت سماء العلاقات بين المغرب وفرنسا ملبدة ببعض الغيوم التي يرى مراقبون أنها ترقى إلى مرتبة “الخلافات الصامتة”، لكنها ذات دلالات سياسية واضحة المعالم.
من بين هذه المؤشرات والأحداث مواصلة رفض باريس طلبات التأشيرات المقدمة من طرف مواطنين مغاربة، من بينهم كوادر عليا وفنانون وأطباء وسياسيون، تنفيذاً لقرار فرنسي سابق في شأن تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة بنسبة 50 في المئة، والجزائريين 50 في المئة، والتونسيين 30 في المئة، رداً على رفض هذه البلدان إعادة مواطنيها الذين لا يتمتعون بوضع قانوني في فرنسا.
أثار تشديد السلطات الفرنسية منح التأشيرات للمواطنين المغاربة حفيظة نشطاء طالبوا الحكومة المغربية بالمعاملة بالمثل عن طريق فرض التأشيرة على الفرنسيين لدخول المغرب، كما شهد مجلس النواب المغربي أسئلة عدة وجهها برلمانيون إلى الحكومة من أجل حثها على تجاوز وحل هذه المعضلة.
سبق للحكومة المغربية أن انتقدت القرار الفرنسي في موضوع خفض عدد التأشيرات، نافية عدم التعاون مع باريس في ملف القاصرين المغاربة ذوي الأوضاع غير القانونية بفرنسا، معزية البطء في وتيرة إرجاعهم إلى عوائق إدارية وقضائية.
يضيف مراقبون مؤشراً ثانيا للدلالة على الأزمة الصامتة، مفاده غياب تبادل زيارات مسؤولين كبار بين البلدين منذ فترة غير قصيرة، كما غاب اللقاء بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أشهر مضت، على الرغم من وجود الملك في فرنسا خلال الآونة الأخيرة في زيارة خاصة، علاوة على الإعلان عن زيارة ماكرون للجزائر المقررة، الخميس المقبل، من دون وجود بوادر عن أي زيارة للرئيس الفرنسي إلى المغرب في الفترة الراهنة.
من المؤشرات الأخرى التي يعتمدها مروجو “نظرية الأزمة” بين المغرب وفرنسا، تسجيل نوع من “رد الفعل البارد” لباريس حيال قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الاعتراف بمغربية الصحراء في ديسمبر 2020، إذ ترى الرباط أن موقف باريس لم يرق إلى مستوى الدعم الكامل للمملكة في ملف الصحراء، على الرغم من أنه موقف حافظ في جوهره على تأييد الطرح الذي يقدمه المغرب لحل نزاع الصحراء، متمثلاً في الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء.
تخمينات إعلامية
في هذا الصدد يرى أحمد نور الدين أستاذ العلاقات الدولية، أن مسألة التوتر بين باريس والرباط تدخل في باب التخمينات الإعلامية أكثر من أي شيء آخر، مبيناً أن هذه التخمينات قامت على مظاهر وملامح عدة، هي استثناء المغرب من جولة الرئيس الفرنسي التقليدية بعد انتخابه، والتي قادته إلى ثلاث دول أفريقية جنوب الصحراء، والزيارة التي سيقوم بها يوم 25 أغسطس (آب) إلى الجزائر، ثم تخفيض التأشيرات الفرنسية للمواطنين المغاربة إلى النصف عما كانت عليه في السابق، وأيضاً عدم التحاق باريس بركب واشنطن في ملف الصحراء، إضافة إلى الحديث عن أزمة في التعاون الأمني بين الطرفين، ثم قلق مزعوم من منافسة مغربية للنفوذ الفرنسي في أفريقيا.
ينطلق نور الدين من زيارة ماكرون بعد إعادة انتخابه رئيساً لفرنسا. فيقول إنها زيارة أملتها التهديدات الأمنية من جهة، وأزمة الغذاء التي تلوح بحدة في سماء أفريقيا على خلفية الحرب الأوكرانية من جهة أخرى، لذلك ركز الرئيس الفرنسي على الدول التي تواجه فيها فرنسا توسعاً روسياً أو صينياً، فعلياً أو محتملاً”.
ويضيف، أنه في “الظروف العادية كان المغرب أول وجهة لماكرون بعد انتخابه في الولاية الأولى، كما أن هذه الزيارة الأخيرة لأفريقيا لم تشمل شريكاً آخر لا يقل أهمية بالنسبة لفرنسا، وهو السنغال مثلاً”.
ويتابع، “أن زيارة ماكرون إلى الجزائر لا تمثل تحولاً في الموقف الفرنسي، ببساطة لأن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون هو الذي سارع بتوجيه الدعوة إلى نظيره الفرنسي، مما كان سيسبب إحراجاً أو أزمة لو لم يستجب ماكرون لها”، مبرزاً أن هذه الزيارة تأتي على خلفية ابتزاز روسيا للدول الأوروبية بالغاز، وإغلاقها المتكرر لأنبوب “نوردستريم 1” بدعوى الأسباب التقنية، بالتالي تسعى فرنسا وأوروبا كلها للبحث عن بدائل، والجزائر واحدة منها.
أما في ما يتعلق بخفض عدد التأشيرات إلى النصف، فيرى نور الدين أن القرار لا يخص المغرب وحده، بل هو إجراء فرنسي سيادي طال الجزائر وتونس، وبررته الخارجية الفرنسية بتوقف هذه الدول عن استقبال المهاجرين السريين الذين لا تتوفر فيهم بعض الشروط، وبحسب الخارجية المغربية، فإن تلك الشروط مرتبطة بعدم استيفاء الإجراءات الصحية لجائحة “كوفيد-19″، ومع ذلك يبقى المغرب أول بلد في أفريقيا من حيث عدد التأشيرات الفرنسية الممنوحة لمواطنيه بما يزيد على 150 ألف تأشيرة هذه السنة، وكانت في السابق وصلت إلى 350 ألفاً سنوياً.
الصحراء و”بيغاسوس”
ويعرج أستاذ العلاقات الدولية على موضوع الصحراء، موضحاً أن موقف باريس وإن لم يرق إلى الاعتراف الرسمي المباشر والواضح بسيادة المغرب على الصحراء، فإن فرنسا كانت دائماً حليفاً موثوقاً للمغرب في معاركه الدبلوماسية، وبخاصة في مجلس الأمن الدولي”، لافتاً إلى أن “عدم اعتراف فرنسا المباشر بمغربية الصحراء هو مسألة تكتيكات حفاظاً على مصالحها الكبرى في حقول النفط والغاز الجزائرية لا أكثر”.
ويتابع، “الذي يؤكد أن التعاون الأمني والاستراتيجي في أزهى فتراته بين باريس والرباط هو المناورات العسكرية بين البلدين، التي جرت مرتين هذه السنة، منها واحدة في المنطقة الشرقية المحاذية للجزائر، وحملت اسم مناورات (رياح الشركي)”.
ورداً على مسألة منافسة المغرب لفرنسا في أفريقيا، يعتبر نور الدين أن الاستثمارات المغربية في أفريقيا ما زالت في بدايتها ولا تشكل تهديداً حقيقياً لفرنسا مثل الذي تشكله الصين أو تركيا أو البرازيل أو الولايات المتحدة أو اليابان وغيرها من القوى التقليدية أو الصاعدة”، مردفاً أن “أهم المجالات من حيث حجم الاستثمارات التي دخلها المغرب صناعة الأسمدة انطلاقاً من الفوسفات، وهو مجال لا تتنافس فيه فرنسا مع المغرب، كما أن هناك تعاوناً بينهما في عدد من القطاعات الموجهة نحو أفريقيا، منها البنوك والتأمينات”.
ويخلص نور الدين إلى أنه لا يمكن الحديث عن أزمة بين البلدين، علماً بأن فرنسا ما زالت تعتبر الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، حتى لو كانت إسبانيا انتزعت منها المرتبة الأولى كشريك تجاري فقط وليس اقتصادياً، كما أن الحجم التراكمي للاستثمارات الخارجية الفرنسية المباشرة بالمغرب ما زال يحتل الرتبة الأولى عالمياً”، مؤكداً أن “هذين المؤشرين وحدهما، إلى جانب المناورات العسكرية والتعاون الأمني، كفيلان بإبطال أي مزاعم حول وجود أزمة بين البلدين”.
تخوف فرنسي
من جانب آخر، يرى محمد شقير المحلل في الشأن الدولي، أن التوتر السياسي الصامت من خلال قرار تقليص منح التأشيرة للمواطنين المغاربة أو غيرها من الأسباب، يخفي في العمق تخوف فرنسا من فقدان نفوذها الاقتصادي والمالي لصالح إسبانيا والصين.
ويكمل شقير لـ”اندبندنت عربية” أنه بعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، فقدت السلطات الفرنسية ورقة ضغط حساسة استخدمتها للحصول على صفقة مهمة من قبيل صفقة القطار فائق السرعة الرابط بين طنجة والدار البيضاء.
ووفق المحلل ذاته، تفاوض المغرب مع الصين حول إنجاز مشروع خط القطار فائق السرعة الرابط بين مراكش وأغادير، وتخوف فرنسا من رسو الصفقة على شركات صينية جعل السلطات الفرنسية تمارس ضغوطاً كبرى من خلال ورقة تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، لكي تستحوذ باريس على هذه الصفقة.
واستطرد شقير أن “مخاوف فرنسا من فقدان نفوذها السياسي والعسكري داخل القارة الأفريقية لصالح النفوذ الأميركي، يجعلها تواصل التلويح بورقتي الهجرة والتأشيرات”.
وحول سياق عودة العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا إلى سباق عهدها، أفاد شقير أن ذلك يقتضي من فرنسا أن تستوعب، على غرار إسبانيا وألمانيا، أهمية المتغيرات الدولية التي حدثت في المنطقة من خلال التمدد الصيني والأميركي بالمغرب، وضرورة أن تستبدل سياستها السابقة بأرضية جديدة تقوم على الندية، وأن تغير من نظرتها إلى المغرب وكأنها منطقة نفوذ خاصة بها”.
ويخلص شقير إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين ستعود إلى سابق عهدها، لكن وفق أسس حددها العاهل المغربي في إحدى خطبه، وركز فيها على الشفافية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
بقلم:حسن الأشرف صحافي وكاتب
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن راي الكاتب