أيمن الرفاتي —-

أن تتناغم ساحات الداخل وغزة في عملها، ربما يكون هو الطريق الأسرع نحو الوصول إلى التحرير، فالمقاومة في الضفة تضرب العدو وتشاغله وتجعل ثمن الاحتلال عليه كبيراً جداً، فيما توفّر ساحة غزة لها حماية دائمة وورقة ضغط على العدو.

مثلت معركة وحدة الساحات التي فرضت على المقاومة في قطاع غزة مرحلة جديدة في التفكير الفلسطيني الداخلي وإجراء المراجعات الفلسطينية لتصحيح المسارات تمهيداً لمرحلة تحرير تستطيع من خلالها المقاومة الفلسطينية تحقيق أهدافها بالتحرير والتخلص من الاحتلال، فبعد الجولة دخلت فصائل المقاومة الفلسطينية جميعاً في مرحلة تقييم وإعادة قراءة للمشهد الداخلي وحالة الصراع مع الاحتلال بهدف تصويب بعض الأخطاء تمهيداً لانطلاقة جديدة.

من المعلوم أن كل معركة في وجه الاحتلال تصب في مصلحة تعزيز فكر وثقافة المقاومة وتقرب الفلسطينيين خطوة نحو تحرير أرضهم، إلا أن التطورات التي يفرضها الواقع السياسي، وواقع الجبهة الداخلية، والرغبة في تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض تفرض على فصائل المقاومة الفلسطينية التحرك وإعادة تقييم الحالة الفلسطينية على نحو كلي، إضافة إلى حالة المقاومة والاستراتيجيات التي تعمل على أساسها في مواجهة الاحتلال على مختلف الساحات، وخصوصاً في الساحة الأبرز “قطاع غزة”.

لاشك في أن أحد أهم نتائج معركة سيف القدس عام 2021 كان توحّد الساحات الفلسطينية المختلفة، في مواجهة غطرسة وآلة حرب الاحتلال، إذ هب فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948 والقدس والضفة ومن أمامهم المقاومة في قطاع غزة، وقد كانت تتوق الفصائل الفلسطينية جميعاً لتطوير هذا الأمر وامتلاك الفلسطينيين أدوات جامعة تؤثّر في الاحتلال في أي معركة كبيرة على نحو حقيقي، إلا أن عدم تحرك مختلف الساحات، وخصوصاً في الداخل والضفة والقدس خلال معركة وحدة الساحات، مثل صدمة لدى كثيرين، وهذا الأمر يعد أحد الدوافع التي أثارت النقاش والتفكير بعد المعركة.

بعد معركة وحدة الساحات باتت القناعة بأن لكل ساحة طريقة عمل مختلفة، وأن بعض الساحات يجب أن تعمل باستراتيجية مختلفة عن الأخرى، فمثلاً الضفة المحتلة يجب أن تواصل المقاومة فيها استراتيجية المشاغلة والضغط المتواصل على المنظومة الأمنية والعسكرية والمستوطنين ومواجهة المخططات الهادفة إلى ضم الضفة وأراضيها وحصر الفلسطينيين فيها بكانتونات صغيرة وربط السكان بالوضع الاقتصادي فقط.

أما ساحة غزة فمطلوب منها الاستمرار في مراكمة القوة وامتلاك أسلحة استراتيجية فارقة في المعارك الكبرى مع الاحتلال لتحقق أهدافاً كبيرة بعد الضغط الكبير الذي تمارسه على العدو، وفي الداخل والقدس يجب أن تتواصل استراتيجية الصمود والثبات مع المشاغلة الجزئية.

أن تتناغم هذه الساحات في عملها، ربما يكون هو الطريق الأسرع نحو التحرير، فالمقاومة في الضفة تضرب العدو وتشاغله وتجعل ثمن الاحتلال عليه كبيراً جداً وغير قابل للاستمرار، فيما توفر ساحة غزة لها حماية دائمة وورقة ضغط على العدو، تزامناً مع مراكمة قوتها وتطوير قدراتها العسكرية التي يجب أن تشكل مفاجئة غير متوقعة للعدو، وأداة ضغط للتحرير أو تحقيق شروط المقاومة الكبيرة في هذه المعركة على أقل تقدير.

مشاغلة العدو في ساحة الضفة الغربية ربما يكون الأجدى في المرحلة الحالية، إذ إن عملية فدائية في الضفة، تحمل تأثيراً وضغطاً يحقق مبدأ المشاغلة وتعطي حالة ضغط كبيرة على المستوطنين والمستوى السياسي والأمني والعسكري، من دون أن تكون له ردود فعل كبيرة على المقاومة وقدراتها في الساحات الأخرى.

يجب التنبه إلى أن العدو دائماً يريد أن ينقل المشاغلة التي تجري ضده في الضفة الغربية إلى ساحات أخرى، كي يحقق حالة من الردع، إضافة إلى قضم مقدرات المقاومة وتأخير تطور قدراتها العسكري، بما يعوّق مراكمتها للقوة وامتلاك أدوات جديدة تضربه في المعركة.

بعد 74 عاماً على احتلال فلسطين و4 عقود على انطلاق المقاومة الإسلامية في فلسطين بمختلف مسمياتها، لم يعد هناك مكان للعشوائية والعاطفية وردود الفعل غير المدروسة، بل نحن أمام فترة يجب أن تتميز بإعادة بناء الفلسطيني شخصاً وتنظيماً وكتلة وقوة وفعل، وفق استراتيجية هدفها الأول الوصول إلى تحرير فلسطين بأسرع الطرق من دون تخبّط أو انجرار إلى سياسات فردية بعيداً من الواقع، وكل هذا يحتّم على فصائل المقاومة تعزيز التفاهم الداخلي ووضع أسس وقواعد واستراتيجيات تشمل الساحات جميعاً لا يسمح بتجاوزها، وأن يكون قرار الحرب والسلم تشاورياً بين القيادة العليا للمقاومة بل وأن تكون أهداف أي مواجهة حاضرة على الطاولة من دون أي مغامرة.

وحدة الساحات تعني أن تشارك الساحات والفصائل الفلسطينية جميعاً في مواجهة العدو، كلٌ بحسب قدراته ومقدراته، لتحقيق أكبر ضغط بما يؤدي إلى تحرير أراضٍ فلسطينية جديدة، وأقلها خضوع العدو لشروط المقاومة الفلسطينية، وتنويع استراتيجية المقاومة بات أمراً ملحاً بعد معركة “وحدة الساحات”، في ظل تباين القدرات والمقدرات، مع أهمية منع استفراد العدو بأي ساحة.

يجب أن يفهم جميع الفلسطينيين أن مشروع التحرير ليس عشوائياً، وأنه يشمل استراتيجيات وآليات عمل متنوعة، وأن نهج المقاومة لا يقبل المساومة على الأرض والحقوق في مقابل تحسينات اقتصادية وغيرها، وأن التحرير هو الأولوية التي يجب أن تعمل الساحات كلها من أجلها.

عضو مجلس إدارة مركز الدراسات الاقليمية – فلسطين

الميادين