السياسية- متابعات:

“من الواضح أنّ الغرب ليس مهتماً بمصير نظام كييف، وتدلّ المعلومات، التي حصَّلتها الاستخبارات الخارجية الروسية، على أن الدول الغربية تعمل حالياً بنشاط على صياغة خطط لتقسيم جزء من الأراضي الأوكرانية واحتلاله، وتشكّك، بالتوازي، في الحقوق الشرعية الطبيعية لروسيا بشأن ضمان أمنها القومي”. هذا ما قاله ممثّل الاستخبارات الخارجية الروسية، الجنرال فلاديمير ماتفييف، في مؤتمر الأمن الدولي، الذي عُقد في موسكو تحت إطار منتدى “الجيش – 2022”.

الكثير ممّا هو موجود في أوكرانيا بات على المحكّ بالنسبة إلى واشنطن وحلفائها، وخصوصاً بعد أن دخلت الحرب شهرها السادس، متحولةً ببطء إلى أزمة تُناقض حروب التاريخ الحديث. لقد تجاوزت الحرب الروسية الأوكرانية بالفعل متوسط مدة الحرب (100 يوم)، والمؤرَّخ منذ عام 1816. فعلى مدى الأعوام الـ200 الماضية، لم تستمرّ الحروب، في المتوسط العام، سوى أكثر قليلاً من ثلاثة أشهر، بينما كل المؤشرات تؤكد أنّ الحرب الأوكرانية ستتجاوز أوقاتاً طويلة، ولا يبدو في الأفق المنظور أن هناك سعياً لمحادثات بين روسيا وأوكرانيا. وباستثناء حدوث تحول دراماتيكي داخل ساحة المعركة، فإنّ هذا الوضع لن يتغيّر.

تدلّ خرائط ساحة الحرب على أن روسيا نجحت في تحقيق أهدافها، بعد سيطرتها على مقاطعة لوغانسك، ونحو نصف مقاطعة دونيتسك، وعلى ممر بري إلى شبه جزيرة القرم على طول ساحل بحر آزوف، وجزء من مقاطعة زابورجيه، وجزء من ساحل البحر الأسود في أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن هذه المكاسب جاءت بتكلفة كبيرة، عسكرياً ومادياً، وهذه طبيعة الحروب، فإن هدف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يضعه في خانة الفائز في الحرب. وفوق ذلك، يتباهى بوتين بأنّ موسكو لم تبدأ حتى في القتال، وأنّ “عمليته العسكرية الخاصة” ستنجح بالتأكيد. والأهم من ذلك، يرى بوتين، في نظرة استراتيجية، أنّ الدعم الغربي لأوكرانيا سيضعف في نهاية المطاف، عندما يصبح الارتداد الاقتصادي للحرب أقوى وأشدّ على العالم الغربي.

حالياً، يواجه الأوروبيون تضخماً مرتفعاً وتكاليف طاقة مرتفعة. كما أجبر خفض روسيا إمدادات الغاز الطبيعي نحو ألمانيا، القوة الاقتصادية في أوروبا، على أن تتخذ برلين تدابير استثنائية لضمان عدم نفاد الغاز بحلول فصل الشتاء المقبل.

أيضاً، تتباطأ معدلات النمو في الولايات المتحدة، حتى إن الاقتصاديين هناك يحذِّرون من الركود. التضخم في الولايات المتحدة هو الأعلى منذ أربعة عقود. وفي منطقة أوروبا، سجل رقماً قياسياً غير مسبوق. بالتوازي، يأخذ نقص الغذاء العالمي، الناجم عن الحرب، منحىً أكثر سوءاً، على الرغم من الاتفاق الذي توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة لاستئناف صادرات المواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية.

أمّا بالنسبة إلى أوكرانيا، فيتوقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد كييف بنسبة 45%. ووفقاً لتقديرات أوكرانيا نفسها، فإن اقتصادها يواجه 750 مليار دولار من تكاليف إعادة الإعمار؛ أي أكثر من 3.5 أضعاف إجمالي الناتج المحلي بالكامل في العام الماضي، ناهيك بأن 12 مليون شخص في أوكرانيا أصبحوا الآن لاجئين أو نازحين داخلياً، بمن فيهم ثُلُثا أطفالها.

ليست الأزمات وحدها التي يعانيها الشعب الأوكراني، بل هناك خطر يداهم الأوكرانيين أوائل الشهر المقبل، بحيث يسعى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لبيع أوكرانيا للغرب. ففي وقت سابق، قال رئيس وزراء أوكرانيا، دينيس شميغال، إنه وفقاً للقانون الذي اعتمده البرلمان الأوكراني، يجب أن تبدأ الخصخصة الشاملة في البلاد، أوائل الشهر المقبل. لكن رئيس البرلمان الأوكراني السابق، النائب دميتري رازومكوف، أشار إلى أن هذه الوثيقة ستسمح، في حكم الواقع، ببيع المؤسسات الصناعية الكبرى، قائلاً إنّ “هذا في الواقع بيعٌ للبلد”.

ووفقاً لما ذكرته المخابرات الخارجية الروسية، تؤكد المعلومات أن السلطات الأوكرانية الحالية بدأت تمنح بولندا، بالتدريج، السيطرة على قطاعات الاقتصاد الوطني، بحيث يتم التخطيط لشراء أصول الشركات والأراضي الأوكرانية بأسعار “بخسة” جداً.

السؤال غير المريح لأوكرانيا بات يُطرح في وسائل الإعلام الغربية: هل ينبغي للأوكرانيين أن يستعدّوا لطعنة في الظهر هذا الشتاء؟ فبعد ما يقرب من ستة أشهر من الحرب، أصبحت الفجوة، الآخذة في الاتساع بين الخطابات في أول الحرب والواقع الراهن، قاتلةً، وفق صحيفة “الغارديان”. ومع انطلاق أولى ضربات المدافع، قال بايدن للأوكرانيين إنه، في هذه الحرب، و”كجزء من صراع عالمي بين الخير والشر: نحن نقف معكم”. تلاه رئيس الوزراء البريطاني وقتها، بوريس جونسون، الذي أكد أن “عمل بوتين العدواني يجب أن يفشل”. عاش جونسون لحظة سموّ كبير، مستذكراً “بريطانيا العظمى”، وأطلق وعوداً وهمية: “لا يمكننا السماح للكرملين بقضم أجزاء من دولة مستقلة”.

تقدَّمت روسيا، وبدأت تحقيق جزء من أهدافها، القائمة على حماية أمنها القومي. ليز تراس، وزيرة الخارجية البريطانية، والمرشحة لخلافة جونسون، لحقته بمزيد من الإفراط في الوعود، مطالبةً روسيا بإخلاء شبه جزيرة القرم، والانسحاب إلى حدود ما قبل عام 2014. حلم، يستحيل تحقيقه مع ما حدث في أرض الواقع، عسكرياً وسياسياً.

هذا من ناحية الخطاب. أمّا في شوارع المدن الأوروبية، فيرتفع الغضب الشعبي من العملية العسكرية، وهو ما أفسح المجال للقلق، الذي يقترب من الذعر لدى الأوكرانيين بشأن قوة قدرة بقاء الغرب على الاستمرار في الدعم نفسه. في ألمانيا، تشير استطلاعات الرأي إلى أن ما يصل إلى 50% يفضلون تقديم تنازلات إقليمية إلى روسيا، في مقابل إعادة الوضع إلى ما كان عليه.

ماذا يمكن أن تقدّم الولايات المتحدة وأوروبا أكثر من الأسلحة والمال؟ قدّمت الولايات المتحدة مليار دولار أخرى من المساعدات العسكرية، الأسبوع الماضي، ليصل مجموعها في عهد بايدن إلى 9.8 مليارات دولار. يتجاوز الرقم ما تبرّعت به المملكة المتحدة: 2.3 مليار جنيه إسترليني. كما زادت دول الاتحاد الأوروبي، بصورة كبيرة، في إمدادات الأسلحة. ولولا هذه المساعدة، لكانت أوكرانيا واجهت الهزيمة، منذ زمن.

بالطبع، واشنطن يهمها، بعد التصعيد العالمي مع الصين، عدم الدخول في حرب مباشرة مع موسكو، في حين أن لندن “تختبئ وراء رفض واشنطن للقتال”، بحسب تقرير في صحيفة “الغارديان”. دول أوروبية أخرى تتصرف وفق الصورة نفسها، مثل ألمانيا وفرنسا وغيرهما.

وعليه، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يجبر أوكرانيا، في لحظة ما، تلائمه، على توقيع اتفاق سلام موقت مع روسيا، من أجل تخفيف آلام القارة العجوز الاقتصادية، إلّا أن كل الأطراف، في الوقت الحالي، بعيدة عن نقطة التهدئة.

  • المصدر: الميادين نت