هل تتحول الصين إلى قنبلة في وجه اقتصادات آسيا؟
السياسية:
كشف تقرير حديث أن الآفاق الاقتصادية العالمية أصبحت مظلمة، ومن المتوقع أن يتباطأ النمو في جميع أنحاء آسيا والمحيط الهادئ وسط التأثير المستمر لهجوم روسيا على أوكرانيا والصدمات الأخرى.
كذلك، من المرجح أن يتباطأ النمو الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ إلى 4.2 في المئة هذا العام، أي 0.7 نقطة مئوية أقل من توقعات سابقة في أبريل (نيسان) الماضي، وأبطأ من النمو 6.5 في المئة في عام 2021. وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لعام 2023 إلى 4.6 في المئة، بانخفاض 0.5 نقطة مئوية.
وتتجسد المخاطر في تشديد الأوضاع المالية المرتبطة بارتفاع أسعار الفائدة للبنك المركزي في الولايات المتحدة وارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا. وهذا بدوره يؤدي إلى تفاقم تداعيات النمو الإقليمي من تباطؤ الصين.
تباطؤ الاقتصاد الصيني يتعمق
شهدت الصين، وهي صاحبة الاقتصاد الأكبر في آسيا، تباطؤاً كبيراً في الربع الثاني، إذ أدت سياسة صفر كورونا إلى إغلاق المدن الكبرى ومراكز سلسلة التوريد. وفقاً لذلك، تم تخفيض توقعات النمو للعام بأكمله إلى 3.3 في المئة من 4.4 في المئة خلال أبريل الماضي، ومن المرجح أن تشهد نمواً بنسبة 4.5 في المئة خلال العام المقبل، بانخفاض قدره 0.6 نقطة مئوية.
ومن المرجح أن يكون لمثل هذا الانخفاض في النشاط، الذي يعكس ركوداً مطولاً ومكثفاً في قطاع العقارات، تداعيات كبيرة على الشركاء التجاريين الإقليميين. وستشهد اليابان وكوريا، وهما أكبر اقتصادين إقليميين مندمجين بشكل وثيق مع سلاسل التوريد العالمية والصين، تباطؤ النمو بسبب ضعف الطلب الخارجي واضطرابات في سلاسل التوريد.
لكن، على الرغم من التباطؤ الأخير في الصين، تظهر علامات انتعاش في النشاط الاقتصادي، إذ يجري الآن تخفيف بعض القيود الوبائية على التنقل بشكل تدريجي. وتدعم مرونة التصنيع والانتعاش في السياحة انتعاشاً تدريجياً في ماليزيا وتايلاند ودول جزر المحيط الهادئ.
تشديد الأوضاع المالية
وكشف تقرير صندوق النقد الدولي أن معظم اقتصادات الأسواق الناشئة في آسيا، باستثناء الصين، تشهد تدفقات رأسمالية إلى الخارج مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2013، عندما لمح الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه قد يقلص شراء السندات في وقت أقرب مما كان متوقعاً في السابق، مما يتسبب في ارتفاع عائدات السندات العالمية بشكل حاد.
وكانت التدفقات الخارجة كبيرة بشكل خاص بالنسبة إلى الهند، حيث بلغت نحو 23 مليار دولار منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا. وحدثت التدفقات الخارجة من بعض الاقتصادات الآسيوية المتقدمة مثل كوريا ومقاطعة تايوان الصينية، حيث يشير بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى استمرار رفع أسعار الفائدة وتردد أصداء التوترات الجيوسياسية.
وزادت حصة آسيا من إجمالي الدين العالمي من 25 في المئة قبل الأزمة المالية العالمية إلى 38 في المئة بعد فيروس كورونا، مما زاد من قابلية المنطقة للتأثر بالتغيرات في الظروف المالية العالمية. لكن سريلانكا حالة فريدة إذ أصبح تصاعد الديون غير مستدام، وفقد الاقتصاد إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية، مما أدى إلى التخلف عن الوفاء بالتزاماته الخارجية.
أصحاب الدخول المنخفضة هم الأكثر تأثراً
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يؤدي عدم اليقين المتزايد في السياسة التجارية وتآكل سلاسل التوريد، مما يسهم في الاتجاه نحو التفتت الجغرافي الاقتصادي، إلى تأخير الانتعاش الاقتصادي وتفاقم الندوب من الوباء في آسيا، إحدى أكبر المستفيدين من عقود من تعميق التجارة العالمية والتكامل المالي.
وبينما يضعف النمو، تتزايد ضغوط التضخم في آسيا، مدفوعة بالارتفاع العالمي في تكاليف الغذاء والوقود الناتجة من الحرب والعقوبات ذات الصلة. ويؤثر ذلك بشدة على الفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة، وهم الأقل قدرة على التأقلم، ويضر بالاستهلاك ويزيد من فرص الاضطرابات الاجتماعية، مثلما حدث في سريلانكا وبلدان أخرى.
ولا تزال ضغوط التضخم المتنامية في آسيا أكثر اعتدالاً مقارنة بالمناطق الأخرى، لكن الزيادات في الأسعار في العديد من البلدان كانت تتحرك فوق أهداف البنك المركزي.
وستحتاج السياسة المالية إلى التشديد في البلدان التي تواجه مستويات ديون مرتفعة، مما يوفر تكملة للجهود النقدية لترويض التضخم. وفي الوقت نفسه، من الضروري إجراء تحويلات مالية هادفة ومؤقتة لدعم الفئات الضعيفة التي تواجه صدمات متجددة، لا سيما من ارتفاع أسعار الطاقة أو الغذاء.
ويجب أن يكون هذا الدعم المالي محايداً في الميزانية في معظم الحالات، ويتم تمويله من طريق زيادة الإيرادات الجديدة أو إعادة توجيه الميزانيات لتجنب إضافة الديون أو العمل ضد السياسة النقدية. باستثناء الصين واليابان، شريطة أن تظل السياسات المالية متوسطة الأجل راسخة.
علاوة على ذلك، هناك حاجة ماسة إلى حلول تعاونية عالمية وإقليمية تقلل من عدم اليقين بشأن السياسة التجارية، وتتراجع عن القيود التجارية الضارة، وتتجنب سيناريوهات التجزئة الأكثر خطورة لتعزيز الإنتاجية وتحسين مستويات معيشة الناس. ويجب أن تهدف الإصلاحات الاقتصادية على مدى السنتين إلى الثلاث سنوات المقبلة إلى زيادة العرض الكلي لمواجهة التضخم المتزايد، ومعالجة التحديات طويلة الأجل مثل التكيف مع تغير المناخ، والاستثمار في رأس المال البشري، وتعزيز التحول الأخضر، وتعزيز الرقمنة.
استجابة متكاملة ومتعددة الأوجه
باختصار، سيحتاج العديد من الاقتصادات إلى رفع المعدلات بسرعة مع توسع التضخم ليشمل الأسعار الأساسية، والتي تستثني فئات الغذاء والطاقة الأكثر تقلباً، لمنع حدوث تصاعد في توقعات التضخم والأجور التي ستتطلب لاحقاً ارتفاعات أكبر لمعالجتها إذا تركت من دون رادع.
في الوقت نفسه، ستؤدي الزيادات الإضافية في أسعار الفائدة إلى تقليص ميزانيات المستهلكين والشركات والحكومات التي تحملت ديوناً كبيرة أثناء الوباء، وفي حين أن المشورة الدقيقة بشأن السياسات ستختلف من بلد إلى آخر، فإن أسعار الصرف المرنة وحدها قد لا تكفي وتكون مجدية في جميع البلدان، وقد تكون التدابير الأخرى مثل تدخلات النقد الأجنبي والسياسات الاحترازية الكلية وإدارة تدفق رأس المال أدوات مفيدة للمساعدة في تثبيت التوقعات وإدارة المخاطر النظامية.
وخلال الفترة الماضية، قام صندوق النقد الدولي بتطوير إطار السياسة المتكاملة لتوجيه صنع السياسة الاقتصادية بالضبط في ظل ظروف مثل هذه. ويظل الصندوق أيضاً شريكاً ملتزماً للبلدان للمساعدة في التغلب على العاصفة في الأفق من خلال وظيفته التمويلية، لكن يجب على البلدان ألا تنتظر قبل فوات الأوان إما تعديل مزيج سياساتها عند الضرورة أو إعادة بناء هوامش الأمان الخارجية عند الاقتضاء.
بقلم : خالد المنشاوي صحافي
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن راي الكاتب