طالب الحسني*

فشل زيارة الرئيس الامريكي للسعودية تنعكس سريعا على الملف اليمني ، وهي نتيجة لم تكن مستبعدة قبل الزيارة فحظوظ صنعاء كبيرة في الازمات الدولية وأولها الازمة الغربية الروسية في اوكرانيا .

عندما سئل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حول ماذا كانت واشنطن مهتمة بتصنيف ” أنصار الله ” ( الحوثيين ) كجماعة ” ارهابية ، قال أن ذلك ليس من ضمن أولويات  البيت الأبيض وأن التركيز يجري حول تمديد الهدنة ، ليس هنا المهم ، لأن الأهم الآن هي المقاربة الأمريكية للحرب اليمنية السعودية مع تمنع الرياض وأبوظبي ضخ مزيد من الطاقة لخفض الأسعار في أوروبا والولايات المتحدة وإرواء ضمأ الغرب بالوقود ، فالتجربة تقول أن واشنطن على الرغم من مشاركتها في  الحرب على اليمن هي أيضا تبتز السعودية بهذه الحرب المفتوحة .

مطلع هذا العام 2022 وتحديدا من يناير وحتى مارس احتجزت الولايات المتحدة الامريكية صفقة دفاعات جوية للسعودية كان من المفترض تسليمها أواخر العام الماضي لنحو 3 أشهر ، هذا الإجراء يتزامن مع تسريبات برفض بايدن الحديث مع محمد بن سلمان أو حتى فتح سماعة الهاتف بينهما والاكتفاء بالتواصل مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ، وكأن البيت الأبيض حينها يريد أن يقول أن التعايش مع شبح الصواريخ والطائرات المسيرة سيكلف السعودية ومحمد بن سلمان الكثير ، ويكفي الآن تكرار التجربة مع احتمال انهيار الهدنة القائمة حاليا بين التحالف وصنعاء .

هذا يعني أن إنهاء الحرب في اليمن بشكل كلي يخدم المصالح الأمريكية  قبل أن ترضخ السعودية ، بالحرب تساوي ان تبقى الحاجة السعودية الاماراتية للولايات المتحدة الامريكية ملحة . في المقابل عودة الحرب لا تتوافق مع الرغبة الامريكية في استمرار النفط الخليجي بالكمية التقليدية ، ومن هنا فإن استمرار تجميد الحرب وتمديد الهدنة هو الخيار الأفضل وهو ما يفسر مساعي المبعوث الأمريكي ليندركينغ والممثل الاممي لليمن هانس غروندبورغ عبر مسقط تمديد الهدنة 6 أشهر إضافية وليس شهرين فقط كما كان مطروح  في مارس هذا العام ، علما أن القرار الأخير في صنعاء وليس في واشنطن وخاضع لتقدير المجلس السياسي الأعلى الحاكم ورئيسه مهدي المشاط

علينا التقاط إشارات بالغة الاهمية  من تصريحات محمد عبد السلام رئيس الوفد الوطني المفاوض والدبلوماسي الممسك بملف المفاوضات منذ بداية العدوان على اليمن ، حين يضع خارطة السلام في اليمن كيف يمكن أن تجري اذ أن اللاءات الأربع ، لا سلام دون وقف العمليات العسكرية ورفع الحصار وسحب القوات الاجنبية من جنوب البلاد وإعادة الاعمار والتعويض ، تضع هذه الخارطة  ملاح النهايات التي يجب أن ترسم لوقف الحرب ، والحرب هنا ليس على اليمن فقط وإنما على السعودية والإمارات فالنيرات لم تعد في اليمن فقط بل أيضا في قلب المدن السعودية والاماراتية ، جوهر الشروط هو التسليم بانتصار اليمن والتعايش مع تموضعه الجديد ضمن محور المقاومة .

من الملاحظ ان السعودية تسرعت في الاطاحة بـ عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن رغم أنها عملية جراحية كانت ضرورية ويجري بحثها منذ العام 2018 فمجلس  القيادة البديل والذي يرأسه رشاد العليمي ( جزء من نظام صالح سابقا ) ليس بديلا مثاليا بقدر ما هو حالة من التقاسم لأجنحة عسكرية وسياسية أجمعت على هادي ومحسن أكثر من إجماعهم على العليمي ، أي عاصفة الآن ستضرب هذا التوزيع كصراع مسلح في عدن وحضرموت ومارب وتعز ، ستسقطهم دون ان تحتاج صنعاء أن تقوم بأي عملية عسكرية متوقعة وحتمية في المستقبل تحت عنوان حرب التحرير التي تعني استعادة كل المحافظات اليمنية في جنوب البلاد .

منذ عدة أشهر ثمة غرقة مفاوضات سرية تجري بين صنعاء والرياض في مسقط ، سربت رويترز في يونيو الماضي حزء منها ، وان كانت لا تحرز اي تقدم على غرار ما حصل في 2020 لكنها تشي برغبة سعودية في الخروج من الحرب ، وما يجهض هذه الرغبة أن صنعاء ترفض صيغة الاتفاق الذي تريده السعودية وينص على أن تغادر الحرب سريا وأن تتنزع ضمانات ومنطقة آمنة على الحدود اليمنية السعودية .

بالعودة إلى فشل زيارة بايدن فإن قمة جدة وتجميع الدول العربية المشاركة لم يكن مرتب لها سعوديا وإنما امريكيا للقول أن بايدن لم يقصد تحديدا لقاء بن سلمان وإنما حضور قمة منعقدة هناك ، هذا ما قاله بايدن قبل أشهر تعليقا على الزيارة قبل حصولها حين قال أنه سيحضر تجمعا سيعقد في السعودية ، الأخطر أنه ربط ذلك برغبة كيان العدو الاسرائيلي مدفوعة بما سماها الامن القومي لـ ” اسرائيل “

السعودية أدركت ذلك ولهذا تعمد بن سلمان عدم استقبال بايدن في المطار مثلما فعل مع الرؤساء المشاركين متعمدا أيضا إظهار الترحيب وحفاوة الاستقبال ، ومن هنا فقد فشلت القمة قبل أن تعقد .

الإعلام السعودي وعقب القمة اتجه نحو إظهار الرياض والرؤساء العرب المشاركين كما لو انهم وضعوا امام بايدن مصالحهم قبل المصلحة الأمريكية ، في حين كان خطاب بايدن ورسائله السياسية في القمة تقدمهم كحديقة خلفية حصرية للولايات المتحدة الامريكية وإلا كيف يمكن تفسير قول الرئيس الأمريكي أنه لن يسمح بوجود فراغ لروسيا والصين وايران .

لكن متطلبات هذا الملء أن تحمي الولايات المتحدة الأمريكية ( الحلفاء ) أما ممن ؟ فمن إيران أولا ومن اليمن أولا وثانيا وثالثا فالحرب المفتوحة تعني أن السعودية والإمارات لا تزالان في دائرة الخطر والهدنة القائمة مزمنة وليست دائمة وقد يكون ما بعدها أكثر تصعيدا مما كان قبلها .

في هذا الجزء علينا التركيز على التصريحات السياسية والعسكرية الصادرة من العاصمة اليمنية صنعاء فما يقوله المسؤولين السياسيين على غرار تصريحات رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام بما يتعلق بكيف تنظر اليمن للسلام  والتصريحات العسكرية التي يدلي بها وزير الدفاع اليمني اللواء الركن محمد ناصر العاطفي واشاراته المستمرة للجهوزية الكبيرة لهجمات على السعودية استنادا على التطوير في الصناعات العسكرية الصاروخية  بما يؤكد ان المقبل سيحدث تحولا كبيرا في الحرب ، اذ أن التركيز على ضرب أرامكو وبالتالي التأثير على إنتاج النفط بتبعاته على ارتفاع أسعار الوقود عالميا وهو خلاف ما تريده الولايات المتحدة الامريكية التي تسعى لاستمرار الهدنة

عندما نقول أن زيارة بايدن كانت للنفط ومحاولة دفع السعودية لرفع الإنتاج على الاقل مليون برميل يوميا ، فإنه قد عاد دون ذلك ، ليس لأن السعودية لا تريد ولكن لان السعودية تخاف من انهيار أوبك بلاس ، سقوط النفط والاتفاق مع روسيا ، قدم ذلك محمد بن سلمان خلال كلمته في القمة حين أشار إلى الواقعية في الانتاج ، اذ أن الزيادة على اتفاق اوبك يعني أمرين :

الأول الدخول في صراع مع روسيا والانحياز الكلي مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وتسييس النفط ، وهذا يقود إلى الثاني الذي يعني ردة فعل روسية حتمية مفتوحة على كل الخيارات ـ فموسكو تخوض حرب وجودية ، وربما أن تأجيل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران حتى اكتمال زيارة بايدن للسعودية وكيان العدو الإسرائيلي كانت مدروسة بعناية وكانت ستختلف لو ان بايدن نال ما كان يريده من الزيارة ، وبالتالي  لم يبحث  بوتين اي ملفات تتعلق بالسعودية في طهران والذهاب نحو الملفات الشائكة مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية وأولها العقوبات المفروضة على البلدين .

لا يمكن رؤية أي تغيير بعد زيارة بايدن  للسعودية لكننا رأينا حظوظ صنعاء في الأزمات الدولية تكبر باستمرار .

* المصدر :رأي اليوم

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع