عسكرة اليابان: هل تتحوّل إلى تهديد استراتيجي للصين؟
السياسية:
في 8 تموز/ يوليو، حصلت جريمة اغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي من قبل مهاجم بمسدس محلي الصنع، قبل يومين من إجراء الانتخابات النيابية المرتقبة في البلاد. وقد حصل الائتلاف الحاكم في تلك الانتخابات على أغلبية ساحقة، تسمح له القيام بتعديل دستوري كما كان يريد آبي، يحوّل اليابان إلى قوة عسكرية، متخلية عن الحياد الذي اعتمدته منذ الحرب العالمية الثانية.
أعلنت اليابان، منذ فترة، أنها بصدد تغيير استراتيجيتها الدفاعية، بحلول نهاية العام 2022، لتستجيب للتحديات الأمنية المستجدة في المنطقة، ومنها الخطر الصيني الذي ازداد بقوة، وتبدّل، منذ نشر وثيقة استراتيجية الأمن القومي الياباني، في عام 2013. ولهذا الهدف، تمّ تحضير 3 وثائق استراتيجية، هي: استراتيجية الأمن القومي (NSS)، وإرشادات برنامج الدفاع الوطني (NDPG)، وبرنامج بناء قوة الدفاع متوسط المدى (MTDP)، لدراستها تمهيداً للتوافق عليها وإقرارها.
وكان آبي يقترح أن يتم، بالتزامن مع إقرار الاستراتيجية، تعديل المادة 9 من الدستور الياباني التي تحظّر النشاط العسكري الهجومي، وذلك للسماح لليابان بامتلاك أنواع أكثر تنوعاً وقدرة من القوة العسكرية. وعملياً، أسهم آبي في إحداث تحوّل في التفكير العسكري في اليابان، إذ بات عدد أكبر من اليابانيين يؤيدون عمليات انتشار عسكرية خارجية، وضربات على أهداف خارجية.
لا شكّ أن رحيل آبي سوف يترك بصماته على السياسة الخارجية اليابانية، التي كانت أكثر تشدداً وجرأة مع آبي، وهو لطالما كان يؤيد الدخول في الأحلاف العسكرية، ويدعو إلى تطوير علاقة اليابان مع “الناتو”، والوصول بالمواجهة مع الصين إلى حدود أقصى، بعد التطورات في بحر الصين الجنوبي، وهو ما أسهم في نجاح “الحوار الأمني الرباعي” عام 2021، والذي أطلقت عليه تسمية “الناتو الآسيوي”، ويضم كلاً من: الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، بعد بداية فاشلة لتحقيقه عام 2007.
عام 2006، وقّعت كل من: الصين واليابان بياناً مشتركاً حول “التعزيز الشامل لعلاقة المنفعة المتبادلة القائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة”، مشيراً إلى أن العلاقات اليابانية الصينية تقوم على “علاقة من المنفعة المتبادلة القائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة”، وذلك خلال الولاية الأولى لآبي كرئيس وزراء. هذا البيان هو واحد من 4 وثائق أساسية تمّ توقيعها بين اليابان والصين، وأصبح إطاراً للعلاقات اليابانية الصينية.
نصّت استراتيجية الأمن القومي اليابانية للعام 2013 على أن “العلاقات المستقرة بين اليابان والصين عامل أساسي للسلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”. لذا، و” من منظور واسع، متوسط إلى طويل الأجل، ستسعى اليابان جاهدة لبناء وتعزيز علاقة متبادلة المنفعة تستند إلى المصالح الاستراتيجية المشتركة مع الصين في جميع المجالات، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والمال والأمن والثقافة والتبادلات الشخصية”.
تبدلت النظرة اليابانية إلى مستوى التهديدات التي تشكّلها الصين، وذلك انسجاماً مع التغيّر في نظرة الولايات المتحدة إلى التهديد الاستراتيجي الصيني، ومع قيام الصين بتطوير قدراتها العسكرية، والزيادة في موازنتها العسكرية السنوية، وتحركاتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان.
وهكذا، يظهر بوضوح تركيز مسودات استراتيجية الأمن القومي اليابانية الجديدة، على تعزيز العلاقات العسكرية بالولايات المتحدة، من دون أن تهمل الوثائق إمكانية فتح الباب أمام الحكومة اليابانية للبحث عن حلفاء جدد بشكل مستقل، والبحث عن شركاء آخرين محتملين في مسألة التعاون العسكري – السياسي والعسكري – التقني، آخذين بعين الاعتبار أن نفوذ الولايات المتحدة في العالم يتغير باستمرار.
كيف يمكن أن تتجه العلاقات الصينية اليابانية في ظل هذه التطورات؟
إن تحوّل السياسة الخارجية اليابانية من السلمية إلى العسكرة والتحشيد الحربي، سيدفع الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها في الرباعية، إلى الاتكال على اليابان لتكون رأس حربة في مشروع احتواء الصين عسكرياً، وقد يؤدي بها إلى أن تتحمل الكلفة الأكبر في تلك المواجهة، كما حصل مع الأوروبيين في إطار الحرب مع روسيا.
علماً أن السفير الياباني في الولايات المتحدة الأميركية كان قد كشف في كانون الثاني/ يناير هذا العام، لموقع بوليتيكو الأميركي “أن بلاده منفتحة لنشر صواريخ أميركية نووية متوسطة المدى، كان يحظر نشرها في السابق، في انتظار نتائج مراجعة السياسة الدفاعية اليابانية”. وقال “نتطلع إلى إشراك أصدقائنا الأميركيين في ظل صورة أمنية مقلقة بشكل متزايد، بيئتنا الأمنية تزداد قسوة”، مشيراً إلى أن القادة في طوكيو يدرسون نشر صواريخ باليستية وصواريخ كروز قادرة على ضرب الصين وكوريا الشمالية.
إن التصعيد الذي اندفع إليه أعضاء دول “الناتو” من الأوروبيين، بدفع من الولايات المتحدة، والذي بدأ يؤدي إلى مشاكل اقتصادية كبرى في دول الاتحاد، كأزمات الطاقة وارتفاع الأسعار، وتهديد الأمن الطاقوي والغذائي، ويهدد بأن يحوّل أوروبا إلى ساحة معركة عالمية كبرى، يفرض على اليابان الحذر من التخلي عن السياسات السابقة، وتعديل الدستور لمصلحة عسكرة إضافية، ونشر صواريخ أميركية باليستية لتهديد الصين وضربها.
من هنا، فإن الائتلاف الحاكم في اليابان، سيكون أمام مهمة صعبة في كيفية التعامل مع العلاقات مع الصين، وإلى أي مدى ستقوم اليابان بالقطع مع سياساتها السابقة الداعية إلى علاقات منفعة متبادلة قائمة على أساس المصالح الاستراتيجية المشتركة مع الصين، لمصلحة توجه أكثر عدائية تسعى إليه إدارة بايدن، وتدفع إلى أحلاف جديدة في المحيط الهادئ، وتريد اليابان دولة عسكرية قوية لتحدي الصين، ولتصدر مواجهة عسكرية معها حين يحين الأوان، وستدفع اليابان وباقي دول المنطقة الثمن الأكبر؟
بقلم: ليلى نقولا
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع الميادين نت وتعبر عن راي الكاتب