مسيرّات “حزب الله”.. المهمة المطلوبة أنجزت والرسالة وصلت
د. حامد أبو العز —-
في مجال الفلسفة السياسية والعلاقات الدولية، خلال عمليات التفاوض، نتحدث دوماً عن توازن مطلوب بين الإنجازات العسكرية والمواقف السياسية. فالجميع يعلم بأن الإنجازات العسكرية لها وقعها الخاص على المفاوضات إذ أنها توفر للسياسيين مساحة أكبر للمناورة والمطالبة بامتيازات وحقوق أكثر.
في الحقيقة هناك تساؤلات عديدة حول المغزى والهدف من إرسال حزب الله ثلاث طائرات مسيّرة غير مسلحة نحو حقل الغاز اللبناني “كاريش”؟
للإجابة على هذه التساؤلات لا يمكن اختصار الإجابة بعامل واحد فقط وإنما يجب تقسيم هذه العوامل إلى عوامل رئيسية وعوامل فرعية.
تتلخص العوامل الرئيسية المباشرة في أن حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي، يراقب كيف يقوم الاحتلال بسرقة أموال اللبنانيين. لقد تم اختيار المسيّرات التي أطلقها حزب الله بعناية شديدة إذ أنّ هذه المسيرات غير مسلحة كما أنها اتجهت مباشرة نحو حقل الغاز اللبناني، ونحن هنا نؤكد على أنه لبناني وذلك لإن هناك محاولات أمريكية إسرائيلية بالإيحاء بأن هذا الحقل سيدخل ضمن الحدود الإسرائيلية إذا ما تم التوافق على عملية الترسيم الحدودية. العامل الرئيسي الثاني هو توفير أرضية مناسبة للوفد اللبناني المفاوض بعدم التفريط بحق الشعب اللبناني، إذ أن إرسال هذه المسيرات يعني بأنّ لبنان لن يتخلى عن حقوقه المشروعة أو مياهه الإقليمية حتى لو تدخلت الولايات المتحدة بنفسها. إن التصريح المقتضب لحزب الله حول هذه العملية يوضح تماما ما نقول، حيث جاء التصريح كالتالي: “المهمة أنجزت والرسالة وصلت”. لم يتم إطلاق هذه المسيرات بهدف التجسس أو بهدف جمع المعلومات ولم يتم إطلاقها بهدف شن عمليات ضد العدو ولم يتم إطلاقها لكي تعود إلى الأراضي اللبنانية، لقد تم إطلاقها بهذه الطريقة كي يتمتع الوفد المفاوض بموقع أعلى في المفاوضات وهي رسالة واضحة للجميع بأنّه إذا لم يتم تحصيل الحقوق المشروعة للشعب اللبناني من خلال المفاوضات فإن القوة هي السبيل الوحيد لاسترجاع الحقوق. وبهذا فقد رسم حزب الله خطوطه الحمراء حول عمليات المفاوضات وعليه فإنه على الوفد المفاوض الالتزام بها من جهة والاستفادة منها من جهة أخرى.
أما عن العوامل والرسائل غير المباشرة فيمكن القول بأنّ هذه العملية سلطّت الضوء على البروباغندا الإسرائيلية وحلفائهم من العرب، إذ روج هؤلاء خلال السنوات الماضية إلى فكرة أن إسرائيل تغيرت وأن إسرائيل لا تطمع بالأراضي أو المياه دول العربية. بينما على الأرض فإن إسرائيل لا تصادر حقوق وأراضي الشعب الفلسطيني وحسب، بل هي تسعى لتحقيق شعارها التأسيسي من “النهر إلى النهر” “من الفرات إلى النيل”. لقد أسقطت طائرات حزب الله هذه الدعايات الكاذبة فهي سلطت الضوء بشكل مباشر على احتلال العدو الصهيوني لحقل النفط اللبناني!!!
لقد أرسلت طائرات حزب الله رسائل عديدة منها تم توجيهها إلى بعض العرب المطبعين بأن حصار لبنان وشعبه لن يدفعه للتفريط بأي حق من حقوقه ومن جهة أخرى أرسلت رسالة إلى الداخل اللبناني المشغول بتصفية الحسابات السياسية مع حزب الله بأنّ وظيفة حزب الله الأولى والأخيرة هي حماية الحدود اللبنانية، البرية منها والبحرية وبأن حزب الله غير معني بهذا الصراع السياسي الزائف.
باختصار شديد، حزب الله يقول للجميع “نحن هنا ونراقبكم ولن نتراجع”.
باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
كاتب فلسطيني
المصدر : رأي اليوم