السياسية:

“جزيرة بين القلزم وأيلة، سكنها قوم أشدّاء يستطعمون الخبز ممن يجتاز بهم، ومعاشهم السمك، وليس لهم زرع ولا ضرع ولا ماء عذب، وبيوتهم السفن المكسرة، ويستعذبون الماء ممن يمر بهم في الديمة”، هكذا وصف ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان”، أول قبيلة سكنت تيران من بني جدان، التي تنحدر من قبيلة لخم القحطانية.

فالمتتبع تاريخ هذه الجزيرة يجد تعاقب الشعوب عليها من عرب وبيزنطيين، وتسمياتها المتعددة، إلى أن هُجرت منذ عهد الفتح الإسلامي، وبعكس جزيرة “تيران” لم تُذكر “صنافير”، التي تقع بالقرب منها تاريخياً، إلا قليلاً، ولم يُشر إلى من سكنها، حيث لمح المؤرخون إلى مرجانة البحر الأحمر “تيران” في أكثر من قصة.

سكنها بنو جدان من لخم قحطان

رأى المؤرخ ملخوس الفيلادلفي في تاريخه أنIotaba” ” هي جزيرة “تاران”، وذكر القزويني في كتابه “عجائب المخلوقات” أن هذه الجزيرة لا يمر بها إنسان، وإذا قيل لبني جدان، “ماذا يقيمكم في هذا البلد؟”، قالوا، “البطن البطن”، أي الوطن الوطن.

وبيَّن القلقشندي في كتابه “نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب” أن بني جدان بطن من قبيلة لخم من قحطان. وذكر “أرتميدورس” أن “تيران” تسمى “الفوكون”، وتعني عجل البحر، وهي الجزيرة ذاتها التي سماها أجاثا رشيد “جزيرة الطيور”، وأطلق عليها “بطليموس” جزيرة “أينو”.

حكمها امرؤ القيس 25 عاماً واستعادها البيزنطيون

اهتم الجغرافيون اليونانيون بشاطئ شمال الحجاز وجزره وواحاته، وكان لـ”تاران” ذكر في كتبهم على الرغم من اختلاف التسميات، وذكر المؤرخ بروكوبيوس القيسراني أن “تيران” كانت محطة مهمة للنقل التجاري البحري في عام 473م، إذ سيطر عليها فترةً حاكم عربي يدعى عمور- كيسوس (امرؤ القيس)، وفرض الضرائب، لكن الإمبراطورية البيزنطية بعد 25 عاماً استعادت السيطرة على الجزيرة، ومنحت السكان حكماً ذاتياً، وفرضت الضرائب على السلع المصدرة إلى الهند، وفي عام 534م أعاد البيزنطيون السيطرة مرة أخرى على الجزيرة من مجموعة من السكان المحليين الذين رفضوا دفع الضرائب، ومنذ ذلك الحين بعد الفتح الإسلامي كانت خالية من السكان.

في المقابل، لم يرد ذكر اسم “صنافير” في كتب الجغرافيين اليونانيين سوى إشارة إلى جزيرة “ديا”، ويحتمل أن تكون هي “صنافير”، أما الجغرافيون العرب فقد لمحوا في كتبهم إلى “تيران وصنافير” تارة بالاسم الصريح، وأخرى بلفظ “جبيلان وجبيلات”.

وبعد هجران الشعوب لها، سقطت سيرة هاتين الجزيرتين من كتب التاريخ، ومن ترسيم الحدود السياسية، لتتناثر الشعاب المرجانية حولهما، حيث تعيش أسراب من الأسماك النادرة، ولتختفي صخور القاعدة الغرانيتية القديمة تحت أغطية صخور رسوبية، وتنحصر مصادر الماء في الجزيرة من الأمطار والسيول الشتوية في الحفر الصخرية التي كوّنتها الأزمان.

منذ عام 1900 تعاقب على حكمها مصر والسعودية

تعود قصة الجزر، بحسب ما ذكر محمد الراشد وعبد الله العنيزان في كتاب “هيئة المساحة الجيولوجية”، إلى عام 1906، بتوقيع معاهدة بين مصر والدولة العثمانية لترسيم الحدود بخط يبدأ من ساحل البحر المتوسط إلى نقطة على خليج العقبة تقع شرق طابا وغرب إيلات الحالية، وفي عام 1950، عقب حرب 1948 اتفقت مصر والسعودية على سيطرة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، على الرغم من تنازعهما عليها (نتيجة ضعف البحرية السعودية آنذاك).

وقامت مصر والسعودية بإعلام بريطانيا في 30 يناير (كانون الثاني) 1950، ثم الولايات المتحدة في 28 فبراير (شباط) 1950، بأنهما وبصفتهما الدولتين اللتين تسيطران على جانبي مدخل الخليج قد اتفقتا على وجود القوات المصرية في جزيرتي “تيران وصنافير” من دون أن يخل ذلك بأي مطالبات لأي منهما في الجزيرتين.

وفي 1956، وعقب حرب أكتوبر، انسحبت إسرائيل من سيناء وقطاع غزة بعد اشتراط وجود قوات دولية في شرم الشيخ ومضائق “تيران” لضمان حرية الملاحة البحرية.

في عام 1957 أرسلت السعودية للبعثات الدبلوماسية في جدة ثم للأمم المتحدة ما يفيد أنها تعد جزيرتي “تيران وصنافير” أراضيَ سعودية، وفي 1979، وعقب توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، عادت سيناء والجزيرتان إلى السيادة المصرية مرة أخرى، وفي 1983 أُعلنت رأس محمد وجزيرتا “تيران وصنافير” محميات طبيعية.

وفي 1989، نشرت السعودية إصداراً تظهر فيه الجزيرتان ضمن الأراضي السعودية. وفي يناير 1990، صدر قرار جمهوري مصري بتحديد خطوط الأساس التي تحسب منها المياه الإقليمية المصرية بإحداثيات واضحة للمرة الأولى، كان هذا قد تم من قبل عام 1951، وجرى تعديله عام 1958، لكن من دون إحداثيات واضحة. وخط الأساس هذا يمر غرب جزيرتي “تيران وصنافير”، ما يعني أنهما خارج الحدود الإقليمية المصرية.

وفي 8 أبريل (نيسان) 2016، وبتوقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، انتهى تاريخ طويل من النزاع بين البلدين الشقيقين، باعتبار الجزيرتين واقعتين داخل المياه الإقليمية السعودية.

إلا أن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية أثارت جدلاً واسعاً داخل المجتمع المصري في ما عُرف بقضية “تيران وصنافير”، حيث ظهر اختلاف وجدل بين طوائف الشعب المصري حول هذه الاتفاقية، وانقسموا بين معارضين ومؤيدين لسريانها. وقام المعارضون برفع قضية لإلغاء هذه الاتفاقية أمام محكمة القضاء الإداري، وانتهى هذا المسار بقرار المحكمة الإدارية العليا ببطلان الاتفاقية، وبشكل مُوازٍ قام المؤيدون برفع قضية أمام محكمة الأمور المستعجلة، وانتهى هذا المسار بإسقاط أسباب حكم المحكمة الإدارية العليا القاضي ببطلان توقيع الاتفاقية، واستمرار سريانها.

ومع وجود حكمين قضائيين متناقضين، وافق مجلس الوزراء المصري على الاتفاقية، وأحالها إلى مجلس النواب في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2016، الذي وافق عليها بدوره، بعد تصويت أُجري بالجلسة العامة في 14 يونيو (حزيران) 2017، وصدّق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 24 يونيو 2017، وحالياً لا تزال الاتفاقية معروضة أمام المحكمة الدستورية العليا.

بقلم: سعاد اليعلا ـ صحافية
المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن راي الكاتب