السياسية:

الدول الغنية تغلق حدودها في وجه اللاجئين، وأعدادهم تخطت 100 مليون من النازحين، فمن أين يفرون؟ وإلى أين يتوجهون؟ وماذا ينتظرهم بعد أن تقطعت بهم السبل؟

تتعدد الأسباب التي تدفع بالملايين إلى مغادرة أوطانهم والسعي إلى إيجاد أوطان بديلة فيصبحون لاجئين، فهناك الحروب والصراعات المسلحة، وأضيف إليها مؤخراً الأمن الغذائي، والجفاف والفيضانات وباقي تداعيات التغير المناخي الذي أصبح سبباً قوياً وراء زيادة أعداد اللاجئين.

لكن تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادر هذا الأسبوع بشأن أوضاع اللاجئين حول العالم، كشف أيضاً عن حقائق صادمة بشأن كيفية تعامل دول العالم، وبصفة خاصةٍ الدول الغنية، مع اللاجئين، مقارنة بدول أخرى تعاني من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية.

ماذا جاء في التقرير الأممي بشأن اللاجئين؟
ارتفع عدد النازحين حول العالم إلى 100 مليون نازح أجبروا على الفرار من أوطانهم بسبب نقص الأمن الغذائي وأزمة المناخ والحروب وحالات طارئة أخرى من إفريقيا إلى أفغانستان وما بينهما، بحسب تقرير نشره موقع الأمم المتحدة الرسمي نقلاً عن مفوضية شؤون اللاجئين الخميس 16 يونيو/حزيران.

وبشكل عام، زاد عدد النازحين على نحو سنوي خلال العقد الماضي، بحسب تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وهو الآن أكثر من ضعف عدد النازحين البالغ 42.7 مليون شخص في عام 2012، علماً بأن التقرير لا يشمل ملايين اللاجئين والنازحين بسبب الحرب في أوكرانيا، والتي بدأت يوم 24 فبراير/شباط الماضي.

وكشف التقرير أنه في الوقت الذي تتضاعف فيه أعداد النازحين سنوياً، ينخفض عدد الدول التي تستقبلهم، بصورة لافتة، خاصة من البلدان الغنية. إذ إن باكستان استقبلت 1.5 مليون لاجئ، وتركيا 3.8 مليون، وكولومبيا 1.8 مليون، فيما فتحت أوغندا- وهي دولة إفريقية فقيرة- أبوابها لما يقارب 1.5 مليون شخص فروا إما من النزاعات المسلحة وإما من الجفاف والمجاعة.

وعلى الجانب الآخر، كانت ألمانيا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي استقبل عدداً كبيراً من اللاجئين، وغالبيتهم سوريون، يقارب الأعداد التي استقبلتها الدول الفقيرة، ويقدر بنحو 1.3 مليون شخص. ولم يكن ذلك ليحدث لولا السياسة الإنسانية التي اتبعتها المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.

وذكر تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل استضافت 83% من لاجئي العالم في نهاية عام 2021، وعبَّر فيليبو غراندي، المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، عن غضبه من هذه الحقائق بشكل مباشر.

وقال غراندي للصحفيين لدى تقديمه ملخص التقرير، إن استجابة الاتحاد الأوروبي لأزمات اللاجئين كانت “غير متكافئة”. وقارن الخلافات بين الدول حول استقبال مجموعات صغيرة من المهاجرين عبر البحر المتوسط بالقوارب بسخاء دول الاتحاد الأوروبي مع اللاجئين الأوكرانيين منذ الهجوم الروسي في فبراير/شباط الماضي.

وقال: “من المؤكد أنه يثبت نقطة مهمة: الاستجابة لتدفق اللاجئين، ووصول يائسين إلى شواطئ أو حدود الدول الغنية أمر لا يمكن السيطرة عليه”، بحسب رويترز.

لماذا ترتفع أعداد النازحين؟
“إذا كانت لديك أزمة غذاء إضافة إلى كل ما وصفته: الحرب وحقوق الإنسان والمناخ، فسوف تسرع فقط الاتجاهات التي وصفتها في هذا التقرير”، بحسب غراندي، الذي وصف الأرقام بأنها “مذهلة”.

وأضاف: “من الواضح أن التأثير سيكون مدمراً للغاية إذا لم يتم التوصل لحل على نحو سريع”. وقال إن مزيداً من الناس يفرون بالفعل نتيجة لارتفاع الأسعار وحركات التمرد العنيفة في منطقة الساحل بإفريقيا.

وانتقد غراندي ما سماه “احتكار” الموارد الممنوحة لأوكرانيا، في حين أن البرامج الأخرى لمساعدة النازحين تعاني من نقص التمويل.

وقال: “يجب ألا تجعلنا أوكرانيا ننسى الأزمات الأخرى”، مشيراً إلى صراع استمر عامين في إثيوبيا والجفاف بالقرن الإفريقي.

السؤال المطروح هنا إذاً هو: لماذا لم تستقبل الدول الأوروبية الغنية والولايات المتحدة قدراً مماثلاً من اللاجئين وفضَّلت أن تُبقي أبوابها مقفلة في وجوههم على الرغم من المخاطر والعنف الذي يتعرضون له؟

حسب ميكاييل نومان، رئيس مركز التحليلات والعلوم الإنسانية بمنظمة أطباء بلا حدود، يفضّل اللاجئون الذهاب إلى البلدان التي تقع بالقرب من الدول التي يعيشون فيها.

دخول اللاجئين إلى أمريكا

وقال في حوار هاتفي مع موقع فرانس24 الفرنسي، إن “هناك تحركاً جغرافياً طبيعياً للاجئين. فهم يفرون قبل كل شيء إلى الدول المجاورة لبلدانهم الأصلية؛ هرباً إما من العنف وإما من تهديدات أخرى قد تصيبهم في أية لحظة. وهذا ينطبق مثلاً على الأفغان الذين فرت غالبيتهم إلى إيران وباكستان المجاورتين وعلى الإثيوبيين الذين هربوا إلى السودان والروانديين إلى تنزانيا. إذاً، التصرف الأول لأي لاجئ هو الفرار إلى منطقة قريبة من تلك التي يريد الهروب منها”.

وأضاف: “الدول الغنية تقوم بكل ما في وسعها من أجل إبعاد اللاجئين الذين يتدفقون إلى حدودها؛ وذلك إما بالاستعانة بالدول الأخرى، كالاتفاق الذي وقعه الاتحاد الأوروبي مع تركيا أو بريطانيا مع رواندا، وإما بتشديد القوانين المتعلقة بالهجرة والهادفة إلى ردع مخططات اللاجئين”.

“هناك عوامل أخرى تجعل بعض البلدان تستقبل عدداً أكبر من اللاجئين مقارنة بالأخرى: العامل اللغوي والتقارب العائلي. فاللاجئون يفضلون دائماً الدول التي يتحدث سكانها اللغة نفسها التي ينطقون بها بهدف الانخراط بشكل أسهل في المجتمع. كما يلجؤون أيضاً إلى العائلات والأقارب الذين يعيشون في بلد اللجوء؛ على أمل أن يتم استقبالهم ومساعدتهم”. لكن يواصل ميكاييل نومان: “عندما يشعر اللاجئون بأن حلم العودة إلى بلدانهم بدأ يتبخر فحينئذ يقررون الذهاب بعيداً”، بحسب نومان.

أين الأغنياء من المأساة؟
في بداية اندلاع الحرب بسوريا، على سبيل المثال، فرَّ اللاجئون السوريون في البداية إلى لبنان والأردن المجاورتين قبل أن يواصلوا طريقهم إلى أوروبا عندما شعروا بأن حلم العودة أصبح صعباً، بحسب نومان.

وعلى الرغم من الإمكانات المالية والإنسانية التي تسخرها منظمات الإغاثة لمساعدة اللاجئين وتوفير بعض مقومات الحياة لهم كالمياه والمواد الأولية والإيواء، فإنها لم تتمكن من إرغام الحكومات الغربية على تبديل سياساتها إزاء هذه الفئة من الناس.

ويقول نومان في هذه الجزئية: “نعم، المنظمات غير الحكومية فشلت في الضغط على الحكومات في ملف اللاجئين. لكن في الحقيقة الفشل فشل جماعي. الإنسانية جمعاء فشلت في حل هذا المشكل. ولا ينبغي أن ننتظر كثيراً من منظمات الإغاثة، لأنه في نهاية المطاف تأثيرها محدود والجهود التي تبذلها من أجل التأثير على قرار الحكومات وصناع القرار غير كافية إطلاقاً”.

واتفق حسني عبيدي، مدير مركز البحوث والدراسات حول العالم العربي وشمال إفريقيا، مع نومان، وأكد لـ”فرانس24″، أن “منظمات الإغاثة فشلت فشلاً ذريعاً أمام تعنت الحكومات الأوروبية الرافضة لاستقبال المهاجرين”. وقال: “يجب علينا الاعتراف بأن المنظمات غير الحكومية اتبعت سياسة توافقية مع الدول الغنية. هذه السياسة لم تتعدَّ مستوى التنديد؛ ما أدى إلى إضعاف مصداقيتها في عيون اللاجئين”.

الدنمارك أزمة اللاجئين رواندا

ومع صعود تيار اليمين المتطرف في الدول الغربية بصورة متوحشة خلال العقد الماضي، تحولت مسألة اللاجئين إلى ملف رئيسي في الحياة السياسية بتلك البلدان وشملت حوارات بشأن الهوية الوطنية، وهو ما يعتبر السبب الرئيسي وراء تبني تلك الدول سياسات معادية للهجرة والمهاجرين بشكل عام.

ورداً على سؤال: لماذا الدول الفقيرة هي التي تُؤوي عدداً أكبر من اللاجئين مقارنة بالدول الأغنى؟ أضاف حسني عبيدي مُلخِّصاً أن “الدول الفقيرة ترحب أكثر باللاجئين لأسباب تضامنية قبل كل شيء”.

“لا توجد في الدول الفقيرة تيارات سياسية وأيديولوجية كثيرة (أحزاب وجمعيات) مناهضة للاجئين ولا تقوم بتوظيف مسألة اللاجئين سياسياً. عكس الدول الغنية التي تحولت مسألة اللاجئين فيها إلى رهان وطني وإلى حديث حول الهوية”. واختتم قائلاً: “الدول الغنية لديها أجنداتها الإنسانية الخاصة. فالطريقة التي استقبلت بها اللاجئين الأوكرانيين كشفت أن الغرب لديه الخبرة لوضع سياسة سخية عندما يتعلق الأمر بتقديم الدعم لمجموعة معينة من اللاجئين وليس للجميع. هذا ما أسميه التضامن الانتقائي”.

وأظهر تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالفعل أن “النازحين ينتقلون من بلد فقير إلى بلد فقير آخر. (72% يفرون إلى البلدان المجاورة، و83% إلى البلدان الفقيرة). كما كشف التقرير أنه في عام 2021، عاد أكثر من خمسة ملايين لاجئ إلى بلدانهم الأصلية.

وكان رقم 100 مليون نازح حول العالم قد تم تسجيله من قِبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مايو/أيار الماضي، بعد 10 أسابيع من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، بينما وضع التقرير نقص الأمن الغذائي على رأس قائمة أسباب النزوح حول العالم خلال العقد الماضي.

ومن بين 89.3 مليون نازح مسجلين العام الماضي، كان منهم 27.1 لاجئ، منهم 21.3 مليون لاجئ مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة و5.8 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين تحت رعاية الأونروا، بحسب التقرير.

ويوجد 53.2 مليون شخص مصنفين كنازحين داخليين، و4.6 مليون ساعين للحصول على وضع تصنيف “لاجئ سياسي”، و4.4 مليون فنزويلي لا يوجد أمامهم بديل سوى محاولة الهروب من البلاد بسبب أوضاعها الاقتصادية والسياسية المتأزمة.

وبشكل عام هناك 23 دولة حول العالم يبلغ عدد سكانها الإجمالي 850 مليون نسمة، تواجه “صراعات متوسطة إلى مرتفعة المخاطر”، بحسب بيانات البنك الدولي التي اعتمد عليها جزء من تقرير مفوضية اللاجئين الأممية.

المصدر: عربي بوست