خاتون: حدود الترسيم، وجهة نظر
السياسية – رصد : حليم خاتون*
في التسعينيات من القرن الماضي اتصل بي اصدقاء ليقولوا لي إن الشركاء في أحد العقارات قد أقاموا أبنية وعلى الأقل فيلا في هذا العقار…
ذهبت إلى الضيعة في الزيارة التالية إلى لبنان لأجد أن ثلاثة شركاء قد قاموا بالبناء فعلاً على كامل حصصهم دون إعطاء أي اعتبار للقوانين العقارية التي تلزم اولا، عدم تجاوز ٤٠٪ من المساحة؛ ثانياً، القيام بتراجع الزامي عن الجار؛ ثالثاً، والأهم الحصول من هذا الجار على توقيع بالموافقة…
المسألة ليست شخصية…
هكذا تتعامل “إسرائيل” مع لبنان…
هكذا تتهاون السلطة في لبنان مع كل ما يقوم به الكيان خوفاً من العقوبات الأميركية…
يقول الكيان أن الحفار موجود خارج نطاق الخط ٢٩, وقد يكون هذا صحيحاً…
في لبنان، ثلاثة رؤساء رسميين، وعدة قادة من وراء الستار…
وحده السيد حسن نصرالله هو الذي عبر عن عدم القبول بأي حفر أو تنقيب أو استخراج لأن الحفر في الجهة الفلسطينية للوصول إلى بئر مشترك بين فلسطين ولبنان، سوف يعني تلقائياً تعديا على حصة لبنان من هذا البئر…
ثلاثة رؤساء في السلطة اللبنانية…
الرئيس ميشال عون لا يوقع المرسوم ٦٤٣٣، وفقط تحت الضغط الشعبي الذي يتهمه بالخيانة لرفضه التوقيع، يقوم بمناورة تهدف إلى رمي كرة الخط ٢٩ داخل الحكومة، حيث يعرف أن أي تصويت سوف يؤدي إلى ضياع حقوق لبنان، ببساطة، لأن الطبقة الحاكمة في لبنان هي طبقة سماسرة تملك أعمالاً واموال في الخارج والداخل وسوف تتعرض للعقوبات الأميركية بمجرد التصويت للمصلحة الوطنية التي هي على نقيض تام مع المصلحة الأميركية الراعية لكل شؤون الكيان، العدو الوجودي للبنان…
لا بل، يتمادى الرئيس عون في التخلي عن حقل كاريش عبر صفقة مبادلة قائمة على قانا مقابل كاريش… السيادة والحقوق تصبح هنا وجهة نظر…
الرئيس نبيه بري الذي يصر على أنه لن يتنازل عن نقطة ماء لبنانية كان يعرف بحكم موقعه ووجوده على رأس السلطة التشريعية وداخل كل السلطات الأخرى عبر وزراء ومدراء وقضاة وضباط وغيرهم من اخطبوط الطبقة الحاكمة في لبنان، كان يعلم جيدا بوجود الخط ٢٩؛
رغم ذلك، ظل طيلة الوقت يفاوض على الخط ٢٣ الذي تقول كل التقارير أنه خط ” اسرائيلي ” منذ الأساس وضعه “الاسرائيليون” قبل أن يقوم الرئيس فؤاد السنيورة المتهم بالعمالة للمخابرات المركزية الأميركية بإرسال مجموعة جهلة إلى قبرص، حيث وضعوا النقطة رقم واحد التي تقع بعيدا عن النقطة ٢٣، وتعطي العدو مساحة ٨٦٠ كلم ٢ إضافية على ما كان هو يريده…
الرئيس بري جعل كل همه استعادة هذه ال ٨٦٠ كيلومترا مربعا، متجاهلا منذ ال ٢٠١١ على الأقل، دراسة قام بها الجيش اللبناني مع مؤسسة بريطانية للبحار حددت بموجبها النقطة ٢٩ حدودا للبنان وفق القانون الدولي…
تحت ضغط الرئيس ميشال عون الذي كان يطالب بتحويل ملف مفاوضات الترسيم إليه استنادا إلى القانون اللبناني في الصلاحيات، قام الرئيس بري بتحويل الملف إلى الرئيس عون، مذيلة باتفاقية إطار مع الجانب الأميركي…
ما يصوره جماعة حركة أمل من أن اتفاقية الإطار هي عبقرية للحفاظ على حقوق لبنان ومنع ميشال عون من التفريط بهذه الحقوق، لم يكن في الواقع إلا تكريس وضع اي مفاوضات مقبلة فقط في أيدي أميركا حيث يمنع اللجوء إلى لاهاي أو أي مؤسسة دولية في حالة الخلاف…
إنها نفس نظرية محمد أنور السادات الذي وقع كامب ديفيد بعد أن أعطى كل أوراقه إلى الأميركيين بحجة أن اميركا هي سيدة العالم وأن السوفيات الذين أعطوا مصر سلاح العبور العظيم والانتصار العسكري الأولي في حرب تشرين هم ليسوا اصدقاء وهم يبيعون مصر في العلاقات الدولية…
كأن السوفيات هم من حول انتصار حرب تشرين العسكرية إلى نكسة ثانية سياسية في الصراع العربي الصهيوني…
أما آخر ما يتسرب من معلومات، فهو أن الرئيس نبيه بري سوف يسير بمشروع ٢٣ plus… أي التخلي فعلياً ليس فقط عن كاريش فقط، بل عن مساحة حوالي ١٤٥٠ كيلومتر مربع تقع بين الخطين ٢٣ و ٢٩… هي تضم بالتأكيد على ثروات أخرى سوف تقع في يد العدو…
أما رئيس السلطة الثالثة محمد نجيب ميقاتي… فلا حاجة للحديث الكثير عن مآثره…
الرئيس ميقاتي هو الذي أخفى ملف الخط ٢٩ أيام رئاسته لحكومة الانقلاب على الرئيس سعد الحريري قبل أكثر من عشر سنوات…
الرئيس ميقاتي الذي تزعم ما سمي يومها من قبل ١٤ آذار والخليج والغرب، حكومة حزب الله… قام بأكبر عملية خداع في أكثر من مسألة وسط صمت ونوم وزراء ونواب ٨ آذار الذين بدا أن كل همومهم كانت في المشاركة في عمليات نهب الدولة بعد أن تفرد تيار المستقبل ووليد جنبلاط وإلى حد بعيد حركة أمل بهذا طيلة التسعينيات…
الرئيس ميقاتي يلتزم بما تمليه اميركا عليه…
وأميركا ترسل إليه ضابطا إسرائيليا سابقا ليقول له ما يجب…
الرئيس ميقاتي يملك كما غيره من الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان الكثير من الأعمال والأموال سواء كانت منهوبة أو شرعية خارج البلد وداخله…
عدم السير بما يقوله الضابط الإسرائيلي هوكشتاين يعني تلقائياً عقوبات…
وهذه الطبقة من عبدة المال هي من قال عنها كارل ماركس إن رأس المال لا هوية وطنية له…
اليوم اتفق الرؤساء الثلاثة على دعوة الضابط الإسرائيلي السابق، هوكشتاين لمواصلة “الوساطة” “الأميركية المشكورة!!!” في ترسيم الحدود…
هوكشتاين يرفض المجيء إذا لم يكن هناك موقف لبناني موحد مقبول من قبل أمريكا…
يبدو أن الرؤساء الثلاثة اتفقوا من أجله على التخلي فعلاً عن ١٤٥٠ كيلومترا مربعاً ضمن صفقة قانا مقابل كاريش…
سوف يأتي هوكشتاين ليحصل على هذا التنازل المخزي وهو لن يعطي حتى أي مقابل عبر رفع الحصار الاقتصادي المالي النفطي الاستثماري عن لبنان…
مرة أخرى سوف نغرق في مناقشة جنس الملائكة وإذا ما كانت البيضة وجدت قبل الدجاجة أو العكس…
مرة أخرى سوف نجد الشيخ نعيم قاسم يقول لنا أن المقاومة تلتزم بالحدود التي تلتزم بها السلطة التي يطلق عليها زوراً اسم “الدولة”…
و”نطور يا كديش، تينبت الحشيش”
يا شعب لبنان العظيم هنيئا لكم ثقافة وسياسة القطيع.
* المصدر :موقع إضاءات الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع