السياسية – رصد:

تحسباً لزيارة بايدن إلى السعودية، تعمل الإدارة الأميركية على إعادة صياغة تقييمها الرسمي للنظام السعودي، حيث كان البيت الأبيض قد أكد أنّ بايدن يعتبر إبن سلمان “منبوذاً”.

يتوجه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية لزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. سيكون الهدف الرئيسي للرحلة، هو تعزيز الدعم الأوسع لحرب الولايات المتحدة، وحلف “الناتو” ضد روسيا. كما ستشمل الزيارة رحلة إلى “تل أبيب”.

ونقل الكاتب جوزيف كيشور، في مقالته عن صحيفة” نيويورك تايمز” الأميركية، تعليقاً على زيارة بايدن، بأنه “يمثل انتصار السياسة الواقعية على الغضب الأخلاقي”. فمن جانب الصحيفة كانت هذه الطريقة المهذبة للتعامل مع النفاق الذي لا يمكن إنكاره لمزاعم الولايات المتحدة، بأنها تدافع عن “الديمقراطية” في أوكرانيا، بينما تغازل واحدة من أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم.

يبقى أن نرى ما إذا كان بايدن سيطرح قضية جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” الذي قُتل بوحشية بأمر من إبن سلمان في عام 2018 بقنصلية بلاده في اسطنبول، أو ما إذا كان سيسأل عن مكان جثة خاشقجي “المقطعة”.

ومن غير المرجّح أن ينتهز بايدن الفرصة للتعبير عن “غضبه الأخلاقي”، بشأن إعدام 81 سجيناً في 12 آذار/ مارس الفائت، ومعظمهم من المعارضين السياسيين للنظام السعودي الملطخ بالدماء.

اتهمت إدارة بايدن روسيا بارتكاب “جرائم حرب” وحتى “إبادة جماعية” في أوكرانيا، والتي أسفرت  في 100 يوم عن مقتل ما نحو 4200 مدني وفقاً للأمم المتحدة.

إذا كان من الممكن تطبيق مصطلح “الإبادة الجماعية” على الحرب الجارية الآن، فستكون الحرب السعودية ضد اليمن والمدعومة من الولايات منذ العام 2015، الأولى بهذه التوصيف. فالقصف والتجويع الممنهج على البلد الفقير حصد أرواح  377 ألف شخص، وهذا يشكل أكثر من واحد في المئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة.

وقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أنّ أكثر من 260 ألفاً من الضحايا هم من الأطفال دون سن الخامسة، بسبب الجوع والمرض الناتج عن الحصار السعودي، المدعوم من الإمارات، والولايات المتحدة. كما قدّر التقرير أنّ عدد القتلى سيرتفع إلى 1.3 مليون بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى أكثر من ثلثي عدد السكان.

ووجد تقرير منفصل صادر عن منظمة الأمم المتحدة الدولية لرعاية الطفولة (اليونيسف)، أنّ 538 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الشديد، مع توقع أن يرتفع هذا العدد إلى 2.2 مليون بحلول نهاية العام. ويعود ذلك جزئياً إلى الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء في جميع أنحاء العالم.

كما قدرت”اليونيسف” أنّ أكثر من 10000 طفل قتلوا أو أصيبوا بشكل مباشر بالقنابل، والأعمال العسكرية الأخرى منذ عام 2015.

اتسمت حرب التحالف السعودي ضد اليمن بهجمات متكررة على البنية التحتية المدنية، من قبل التحالف الذي تقوده السعودية.

وفي 21 كانون الثاني/يناير الفائت، قتلت غارة جوية استخدمت صواريخ موجهة بالليزر قدمتها شركة “رايثيون” الأميركية، 82 شخصاً على الأقل، وجرحت 266 آخرين. كذلك  استهدفت مبانٍ مدنية في العاصمة صنعاء، بما في ذلك استهداف مركز لمعالجة المياه، ما أدى إلى عزل 120 ألف شخص عن مياه الشرب النظيفة.

لم تكن هناك أدنى إدانة في وسائل الإعلام الأميركية لارتكاب السعودية “جرائم حرب” في اليمن، ولم تسمع صيحات احتجاج من أنصار اليسار الزائف للرأسمالية الأميركية.

عندما وصل بايدن إلى السلطة في كانون الثاني/يناير 2021، قال إنه “سيجعل النظام السعودي يدفع الثمن”، لا سيما لقتله خاشقجي، وأنّ إدارته ستجعلهم في الواقع “منبوذين” كما هم”.

كما أدلى بايدن بتصريح غامض مفاده بأنّ إدارته ستُنهي “الدعم الأميركي للعمليات الهجومية” في الحرب ضد اليمن. لكن اتضح فيما بعد، أنها تصريحات استعراضية. فالأسلحة الأميركية لازالت تتدفق إلى السعودية  بلا هوادة. والمملكة  هي أكبر زبون للمبيعات العسكرية الأميركية. ولا يقتصر الدعم الأميركي للنظام السعودي بالأسلحة فقط، بل تعمل أيضاً على تعزيز أجهزة القمع المحلية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، هي الهيئة المسؤولة عن عمليات الإعدام.

وتحسباً لرحلة بايدن، تعمل الإدارة الأميركية على إعادة صياغة تقييمها الرسمي للنظام السعودي. وفي الآونة الأخيرة أكد البيت الأبيض أنّ بايدن يعتبر إبن سلمان “منبوذاً”. لكن الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، أشادت يوم الخميس الماضي بالسعودية، على “المساعدة في تعزيز” الهدنة المؤقتة في اليمن، أي للتوقف الجزئي عن المذبحة الدموية الجارية بدعم أميركي.

وبعيداً عن روسيا، ستناقش الولايات المتحدة مع السعودية هجومها المتجدد مع “تل أبيب” ضد إيران. وستسعى إدارة بايدن إلى موافقة السعودية على زيادة إنتاجها من النفط، حيث تواجه الطبقة الحاكمة الأميركية موجة متصاعدة من الغضب الاجتماعي داخل البلاد، بسبب ارتفاع أسعار البنزين، والسلع الاستهلاكية الأخرى. فالزيارة، وفقاً لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، ستتناول “مجمل مصالحنا في تلك العلاقة”.

في الخلاصة، يمكن أن نطمئن إلى أنّ النفاق العاري للرأسمالية الأميركية، لن يمنع “الأخلاقيين” من الطبقة المتوسطة والعليا، و وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية، من تقديم دعمهم الكامل للحملة الصليبية الإمبريالية ضد روسيا، والتلويح بالراية الدموية الممزقة ألا وهي “حقوق الإنسان”.

المصدر : الميادين

المادة تم نقها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع