السياسية:

بين الأزمة التي أثارها قرار مدريد تغيير موقفها من قضية الصحراء الغربية، ووسط ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميا جراء الحرب في أوكرانيا، والمخاوف من مجاعات خاصة في أفريقيا، أثار تصريح للمدير العام لشركة سوناطراك الجزائرية حول احتمال مراجعة أسعار الغاز المصدر إلى إسبانيا، الشكوك حول خلفيات القرار وعلاقته بالنزاع، فيما تواجه الجزائر ومحيطها المغاربي والعربي والأفريقي تحديات كبيرة لضمان الأمن الغذائي لسكانها.

قال المدير العام لشركة سوناطراك الجزائرية توفيق حكار الجمعة إن الجزائر قد تراجع أسعار الغاز المصدر نحو إسبانيا حسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، تصريحات أثارت الجدل كونها تأتي في سياق الرد على تغيير جذري في موقف مدريد بخصوص قضية الصحراء الغربية لصالح خطة الحكم الذاتي المقترحة من المغرب.

وكانت الجزائر استدعت سفيرها لدى إسبانيا في 19 آذار/مارس احتجاجا على تبدل موقف مدريد رغم حرصها على التأكيد على الشراكة الاستراتيجية التي تربطها مع الجزائر وعلى استمرارها.

وصرح مدير سوناطراك: “منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، ارتفعت أسعار الغاز والنفط. وقد قررت الجزائر الحفاظ على أسعار تعاقدية صحيحة نسبيا لجميع عملائها. رغم ذلك، من غير المستبعد إجراء مراجعة للأسعار مع عميلنا الإسباني”.

وتأتي الأزمة بين مدريد والجزائر فيما تسعى إسبانيا والاتحاد الأوروبي إلى العثور على بدائل للغاز الروسي في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وفرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على موسكو.

وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر إسماعيل دبش في اتصال مع فرانس24 في تعليقه على احتمال رفع الجزائر أسعار الغاز: “اعتقادي بأنها آلية تخضع للاتفاق بين الدولتين من جهة وأيضا بين الجزائر والاتحاد الأوروبي ككل حسب السوق. ولا ننسى أن إسبانيا خفضت حجم واردات الغاز الجزائري مثلما حدث السنة الماضية حيث استوردت الغاز من أمريكا واستغنت عن الغاز الجزائري.”. وأضاف محدثنا: “هذا لا ينفي أن من حق الجزائر أن توظف قطاع الاقتصاد لأغراض سياسية حيث إن إسبانيا تتعاون مع الجزائر في عدة مجالات وليس فقط الغاز. وبالتالي فإن الموقف السياسي الإسباني يخلق رد فعل سلبي من الجزائر وهذا أمر توقعه الإسبان. لكن الجزائر لن توقف ضخ الغاز بموجب الاتفاقيات” السارية المفعول.

وبالنسبة للأمن الغذائي، قال دبش إن “الجزائر تتميز بأنها تنوع وارداتها من القمح فهي تستورد جزءا كبيرا من فرنسا وروسيا ودول أخرى وبالتالي لن تتأثر، كما سيحدث ربما في دول المغرب العربي التي كانت تعتمد على أوكرانيا وروسيا مثل تونس وليبيا والمغرب. وعلى المدى البعيد، سيكون للجزائر بدائل بعد أن بدأت في إنتاج الذرة وبعض المواد الغذائية التي يمكن أن تعوض القمح. الجزائر قادرة على ضمان أمنها الغذائي رغم الأزمة الموجودة في أوكرانيا”.

ماذا عن توقعات إسبانيا للرد الجزائري؟

قال سيدي محمد طلبة مراسل فرانس24 في إسبانيا إن الحكومة الإسبانية كانت تتوقع زيادة في أسعار الغاز الجزائري، لوجود آلية لمراجعة الأسعار كل ثلاث سنوات وهي تتصادف مع هذه الفترة. وقال طلبة: “لكن الأكيد أن الموقف الإسباني الأخير من قضية الصحراء الغربية جعل احتمالات وتوقعات الزيادة بالنسبة للإسبان أكبر. أولا على أساس وجود الآلية، وثانيا بسبب ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، وثالثا هناك الجانب السياسي وتحول الموقف الإسباني من قضية الصحراء الغربية”.

وأضاف محدثنا أن “الحكومة الإسبانية قبل اتخاذها القرار حول تغيير الموقف من النزاع أخذت في الحسبان كل الاحتمالات، إلا في حال قطع الإمدادات بشكل نهائي. وهناك توقعات غير محدودة (للرد الجزائري) حتى لجوء الجزائر إلى ضخ أقل من الغاز بحجة وجود أعمال صيانة للأنابيب أو وقوع حادث ما” لتبرير خفضها صادرات الغاز لإسبانيا.

وأكد طلبة أيضا بأن إسبانيا لن تتراجع أو تغير موقفها الداعم لخطة الرباط، لكنها ستعمل على التأكيد للجزائر بأن العلاقات معها استراتيجية وجيدة وطبيعية وبأنها شريك موثوق، وستحاول إقناع الجزائر بأن موقفها الجديد يعتبر أن خطة “المغرب هي الأكثر مصداقية وجدية ضمن باقي المقترحات الأخرى” وليس بشكل حصري.

“حرب في أوكرانيا ومجاعة في أفريقيا”

حذرت منظمات دولية من تداعيات كارثية للحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي في مناطق عدة أبرزها أفريقيا. حتى إن صندوق النقد الدولي دق ناقوس الخطر، وشدد على أن النزاع في أوكرانيا سيعني “مجاعة في أفريقيا”.

والجزائر هي من ضمن دول عربية كثيرة تخشى من نفاد مخزونها من القمح ومشتقاته حيث إن دول المنطقة من أكبر مستوردي هذه المادة الحيوية والأساسية سواء من روسيا أو أوكرانيا، اللتين توفران نحو 30 بالمئة من صادرات القمح عالميا. وبعد اندلاع الحرب، ارتفعت أسعار الحبوب وزيوت دوار الشمس والذرة.

وبلغة الأرقام، ارتفعت أسعار الطن الواحد من القمح من 280 إلى 410 يورو في ظرف أسبوع مطلع مارس/آذار، حسب ما أشارت صحيفة “ليكسبريسيون” الفرنسية، التي نقلت عن علي داودي خبير الاقتصاد الزراعي والأستاذ والباحث الجامعي في المدرسة الوطنية العليا للزراعة قوله: “استقرت الأسعار منذ 2015 عند نحو 150 دولارا للطن من القمح، فيما باتت تبلغ اليوم 380 دولارا أو حتى 400 دولار للطن. هذه الزيادة بدأت في 2021 وقد تفاقمت وشهدت تسارعا كبيرا في الفترة ما بين فبراير/شباط ومارس/آذار من هذا العام”. ولم يستبعد داودي أن تكون فاتورة استيراد الحبوب في الجزائر باهظة، لكنه استبعد وجود نقص في مخزون البلاد مشيرا إلى أن المستوى الحالي لأسعار النفط سيسمح لها بتغطية تلك النفقات الإضافية الكبيرة.

وتضيف “ليكسبريسيون” أنه ووفقا لإحصاءات 2017، فقد كان على الجزائر استيراد أكثر من 8 ملايين طن من الحبوب لتلبية احتياجات سكانها، ما يضعها في المرتبة الثالثة عالميا ضمن لائحة كبرى المستوردين بعد مصر وإندونيسيا.

المصدر: فرانس24