ضحايا الدولار الأميركي
السياسية – رصد :
موجة ذعر هائلة تضرب الأنظمة العربية ومسؤوليها وأصحاب القرار فيها، بالتزامن مع قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع الفائدة، بكل ما يعنيه من توابع مدمرة لاستقرار هش تتخفى تحته تلك الأنظمة، وتحاول به تبرير تبعيتها وسقوطها وبيع قرارها السياسي لصالح واشنطن و”القدس المحتلة”.
وبجانب الذعر الرسمي، فإن موجات إضافية من القلق والانتظار تضرب الشارع العربي عند أساسه تمامًا. كل رب أسرة صغيرة لا يدري ما الذي يحمله الغد في ظل إدارات فاشلة، وبات تأمين الحاجات الأساسية اليوم وغدًا منتهى الآمال وغاية ما يمكن الوصول إليه، هذا إن سنحت الفرصة والظرف.
ولا يبدو، في الوقت العصيب الحالي على الأقل، أن الحياة قد قررت منح الفرص المجانية للنجاة من صراع اقتصادي عميق وهائل، يجري بموازاة صراع عسكري مشتعل، والأخطر أنه مرشح ليصبح صدامًا بأسلحة الدمار الشامل، والحق أن كل الدول العربية هي آخر ما يمكنه التأثير على وضع عالمي قد عبر بالفعل خط الرجعة.
لكن في ظل الارتباك والضباب الذي يسيطر على مراكز صنع القرار وفرضه، والحيرة التي تضرب القلوب من التأثيرات المنتظرة أو القائمة بالفعل للحصار الاقتصادي الأميركي على روسيا، والذي تنخرط فيه أوروبا إلى جانب واشنطن، بينما تمثل الصين الحليف الأوضح للروس، يبقى السؤالان المعلقان فوق الرؤوس، هما: كيف وصلت الأمور إلى حد أزمة تضرب الشارع العربي؟ وقبله ما هو التأثير الفوري للقرار الأميركي على واقعنا اليومي المَعيش؟
خلال الأزمة الحالية، تضم خنادق الصراع كل القوى الاقتصادية الفاعلة في عالم اليوم، ومن الصعب تخيل مرور صدام بهذا الحجم والقوة دون تداعيات كبيرة تفرض ضرائبها على الحياة اليومية، حتى لمن ليس لهم ناقة في الصراع ولا جمل.
وللإجابة عن سؤال ما الذي ننتظره كمواطنين في خضم الأزمة الحالية ينبغي العودة قليلًا للوراء، لفهم آلية عمل (أو آلية حل) الأزمات التي تنشأ في الدول الكبرى، والتي يعرفها علم الاقتصاد السياسي بـ “دول المركز” الرأسمالي، والتي تعاني بالأصل من أزمة تفشي جائحة كورونا.
الآن تعاني أغلب الاقتصادات المتقدمة، أميركا – الاتحاد الأوروبي – اليابان، من نسب تضخم منفلتة، كجزء من أزمة أكبر تضرب أسواقها، وكعرض دائم من أعراض الدورات الاقتصادية الرأسمالية (دورات الدخل)، والسائرة بين مراحل أزمة – ركود – نمو – انتعاش – أزمة جديدة، وهكذا.
قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، برفع سعر الفائدة على الدولار لنصف نقطة مئوية (خمسين نقطة أساس) للمرة الثانية خلال العالم الحالي، سيؤدي مباشرة إلى ما يعرف بـ “الدولار القوي”، سيرتفع سعر صرف الدولار أمام عملات العالم، ثم يكون اتجاه محموم من رؤوس الأموال الساخنة إلى الدولار والاستثمار في سندات الخزانة الأميركية، وبالتالي فإن الدول العربية التي تعد مدمنة ديون، مثل مصر والمغرب، ستكون أمام أوقات عاصفة، حيث ستقل فرص اقتراضها من أسواق العالم، وستنزح الأموال من أسواقها وبورصاتها.
وسيستتبع خروج رؤوس الأموال من الأسواق العربية ارتفاع كبير في الفائدة على القروض الجديدة، وفي حال إصرار الحكومات العربية على مواصلة الطريق ذاته، والاعتماد فقط على الديون، والتي أصبحت سيفًا مصلتًا على رقابهم ورقابنا، فإن خيار الإفلاس ليس بعيدًا، بل لعله أقرب إلى نهاية مؤكدة، وقريبة جدًا.
وسيجد المواطن العربي أن عملته الوطنية تتراجع أمام الدولار، وهذا التراجع سيتكرر لمرات أربع أخرى خلال العام الحالي وحده، وفي ظل سيادة نمط الاستيراد والاستهلاك على كل الدول العربية، التي تستورد من أسواق العالم كل شيء، من الغذاء إلى الدواء والسلاح والملابس، فإن موجات تضخمية جديدة بانتظارنا، هذا إن توافرت السلع المستوردة بالأساس.
كل من مشى على الطريق الأميركي، تابعًا مختارًا، سيدفع ثمن حل أزمته، من قوت الناس ومعاشهم، ومن ثقتهم في دولهم وحكامهم، وفي ظل سيطرة الورقة الأميركية الخضراء على تجارتنا الدولية، فإن المزيد من الأزمات قادم.
وسواء وقعت الحرب الروسية في أوكرانيا أو لم تقع بالأصل، لم يكن منتظرًا من الغرب سوى تصدير أزماته إلى كل الأسواق النامية (المتخلفة)، بالضبط كما حدث في التسعينيات من القرن الماضي، وكما تم خلال الأزمة المالية العالمية 2008، التي نتجت عن مراهنات وقروض عقارية ضخمة في أميركا، ثم جرى تصديرها جبرًا للعالم كله، ليدفع الجميع ثمن الانخراط في سوق عالمية، لا يحكمها إلا الدولار.
الغريب في كل نتائج حساب القرارات الأميركية بشأن الفائدة على الدولار، هو أن من تستهدفهم بالأصل خرجوا أقوى، فالروبل الروسي بعد أن امتص الصدمة الأولى للعقوبات عاد أقوى مما كان قبل الحرب، والصين التي انخرطت في صراع تكسير عظام مع ترمب قبل رحيله، يحقق اقتصادها قفزات متتالية ومتسارعة، ولا يبدو من قريب أو بعيد أنها تأثرت أو خضعت، والجمهورية الإسلامية التي تعرضت لحصار اقتصادي منذ 4 عقود ويزيد، أصبح حصارًا شاملًا منذ إنهاء واشنطن العمل بالاتفاق النووي، تسير هي الأخرى واثقة الخطى نحو مشروعها الوطني التنموي الكبير. وهذا هو الدرس الحقيقي من التعامل مع واشنطن.
أحمد فؤاد
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع العهد الاخباري