السياسية:

يُعتبر جامع خالد بن الوليد أو كما يُطلق عليه أيضاً “جامع سيدي خالد”، أحد أبرز مساجد مدينة حمص السوريّة وأجملها عمراناً، ويحتل مكانة خاصة في قلوب سكانها، باعتباره رمزاً للتعايش الديني والوقوف ضد الظلم.

جامع خالد بن الوليد الأولي بناه الظاهر بيبرس
يقع جامع خالد بن الوليد في منطقة الخالدية، إحدى أكبر المناطق في مدينة حمص على نهر العاصي وسط سوريا، ويضم داخله ضريح الصحابي الجليل خالد بن الوليد الملقب بسيف الله المسلول والذي توفي في عام 641.

ووفقاً لما جاء في كتاب مُعجم البلدان للمؤرخ شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، فإنّ بناء جامع خالد بن الوليد تمّ في العام 1266، وذلك عندما أمر الظاهر بيبرس المملوكي ببناء مسجد فوق الضريح يليق بمقام خالد بن الوليد، ولكنّ المسجد الذي تمّ بناؤه كان صغير الحجم واقتصر على الخشب.

وكان الظاهر بيبرس حينها يعبر من حمص متوجهاً للإغارة على مدينة سيس في المملكة الأرمنية، وذلك بعد انتصاريه في عين جالوت على المغول وفي صفد على الصليبيين.

وتشير كتابتان أثريتان بالخط النسخي على قطعتين خشبيتين مؤرختين في شهر ذي الحجة في عام 664 للهجرة، وموجودتان في المسجد إلى انتصار الظاهر بيبرس على المملكة الأرمنية.

يرجع تاريخ بناء الجامع الحالي إلى أواخر العهد العثماني، إذ أُقيم على أنقاض المسجد القديم الذي كان قائماً وفق الطراز المملوكي أيام السلطان الظاهر بيبرس.

أما بالنسبة لبناء الجامع بشكله الحالي فيقول فيه المؤرخ الحمصي محمد فيصل شيخاني في كتابه “حمص وخالدها”: “كان لدى السلطان عبد الحميد الدروبي أخت، مرضت مرضاً شديداً وغريباً أعيا الأطباء من ألمانيا إلى الصين، فنصح العلماء السلطان بأن يستعين بخبراء الطب النبوي، فوقع الاختيار على الشيخ محمد سعيد زين العابدين المشهود له ببراعته في الحكمة وطب الأعشاب، بالفعل، نجح هذا الشيخ في شفائها بواسطة أدوية قام بتركيبها من الأعشاب”.

وأضاف: “أرادت الأميرة مكافأته بأراضٍ يختارها أينما يرِد، رفض الشيخ ذلك لأنه رجل علم ودين، لكن السلطان عبد الحميد الدروبي أصرّ على تقديم هدية إلى الشيخ الحكيم قائلاً له اختر أي شيء في إسطنبول لأقدّمه لك، ومعك ثلاثة أيام لتفكر”.

وتابع المؤرخ شيخاني أنّ الشيخ محمد سعيد زين العابدين عاد بعد الأيام الثلاثة ليقول للسلطان إنّ جوامع إسطنبول أعجبته، سيما جامع السلطان أحمد، مضيفاً أنه يتمنى أن يكون في حمص جامع مثله على قبر الصحابي خالد بن الوليد.

ومن هنا كانت جاءت ولادة جامع خالد بن الوليد بشكله الحالي، وهو صورة طبق الأصل عن جامع السلطان أحمد في إسطنبول.

ويقال إنّ عبد الحميد كلّف المعماري العثماني المتخرج من جامعة السوربون الفرنسية علاء الدين أولسوي بإجراء مخططات الجامع وقد جاء به خصوصاً من إسطنبول للإشراف على عملية البناء.

كما يُقال إنّ السلطان عبد الحميد الدروبي دفع نحو 16 ألف دينار عثماني عندما بدأ في بنائه في العام 1903، ولكن في العام 1908 انقطع الإمداد المالي، فصار الموكلون بأمر الجامع من أهالي حمص يجمعون التبرعات من أهالي المدينة، إضافة إلى النذور التي كانت موجودة على ضريح سيدنا خالد لإتمام عمارة الجامع، وفي فترة لاحقة صار أبناء كل حي من أحياء حمص يتبرعون بيوم عمل ويجلبون الحجارة الزرقاء والسوداء من مقالع الوعر لاستكمال بناء الجامع.

إحدى الروايات التي تشير إلى جامع خالد بن الوليد بوصفه رمزاً للتسامح الديني هو مشاركة أشخاص مسيحيين في بنائه، مثل عارف بن عبد الله خزام الذي بنى أروقة الجامع وصحنه وبحيرته وكان يلقّب

بـ”المعمار باشا”، وبمشاركة كل من المعماريين إميل عارف ومطانيوس خزام.

في حين يتفاخر الحماصنة المسلمون بأنّ هناك عائلات مسيحية شاركتهم في بناء الجامع.

مواصفات جامع خالد بن الوليد!
يتألف الجامع وفقاً لما ذكره موقع زمان الوصل من صحن واسع يضم في جهته الشمالية عدداً من الأروقة والأقواس المبنية وفق نمط البناء الأبلق؛ أي توالي الحجارة السوداء والبيضاء وهو النمط المعماري السائد في حمص منذ العصور القديمة.

وفي الجهة الشرقية من الصحن يرى الزائر 4 غرف أعدت إحداها للوضوء وأخرى أُعدت كمتحف للآثار الإسلامية والغرفتان الباقيتان خُصصتا لطلاب العلم الشرعي.

وللجامع مئذنتان رشيقتان مضلعتان من الحجر الأبيض الكلسي الشاهق البياض ويزين أطراف المئذنتين قرانص بسيطة وتنتهي كل واحدة منها بمخروط عثماني.

أما ضريح الصحابي خالد بن الوليد فيقع في الجزء الشمالي الغربي من مصلى الجامع.

يعتبر جامع خالد بن الوليد رمزاً للشعب الحمصي في النضال لطلب الحرية منذ زمن الاحتلال الفرنسي، إذ كانت منابره على مر سنوات الاحتلال مكاناً لدعوة الناس إلى الثورة والتحرر من الفرنسيين من خلال الأئمة علماء الدين السوريين أبرزهم الشيخ جمال الدين الجمالي الذي كان خطيب الجامع آنذاك.

كما كان جامع خالد بن الوليد الشرارة التي انطلقت منها أولى مظاهرات سكان حمص ضد النظام السوري في 2011، الأمر الذي دفع قوات الجيش إلى قصف الجامع بالصواريخ في العام 2012 وهو ما وثقه العديد من ناشطي المدينة من خلال مئات الصور والفيديوهات، الأمر الذي تسبب بدمار جزء كبير منه.

وفي منتصف العام 2016، تولت وزارة الأوقاف في حكومة النظام أعمال ترميم المسجد التي يرى سكان المدينة أنها عمليات ترميم رخيصة تظهر تشويهاً متعمَّداً لروح المسجد وجمالية عمرانه.

* المصدر: عربي بوست