السياسية – وكالات :

تقرير :

قبل عام هجري من الآن تقريباً، بدأ الكيان الصهيوني عدوانه الجوي والبري على قطاع غزة  يوم الاثنين الموافق 10 مايو 2021، وذلك قبل يومين فقط من نهاية شهر رمضان المبارك من العام الماضي، واحتفال المسلمين بعيد الفطر.

واستمر العدوان الصهيوني على غزة طوال أيام عيد الفطر، ولم تتوقف إلا في نهاية يومها الحادي عشر.

وعلى خلفية توتر متصاعد في شرق القدس بسبب محاولات استيطانية صهيونية للاستيلاء على عدد من بيوت حي الشيخ جراح، والاعتداءات المتكررة من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين على المصلِّين في المسجد الأقصى، والاستباحة غير المسبوقة للحرم القدسي الشريف اندلعت الحرب.

وقد أطلقت قوى المقاومة الفلسطينية في غزة حينها تحذيرات للصهاينة بالابتعاد عن الحرم، لكن تكررت استباحة قوات الاحتلال والمستوطنين للحرم القدسي.

وهذا ما دفع المقاومة لإطلاق عدد من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وصل بعضها إلى محيط غرب القدس.. وخلال ساعات، بدأت قوات الاحتلال بالعدوان غير المسبوق على قطاع غزة وهذا يعني أن المقاومة هي التي بدأت الحرب لأنه في العادة عند إطلاق فصائل المقاومة في قطاع غزة لعدد من الصواريخ على الجانب الآخر من الحدود، كان الرد “الإسرائيلي” يقتصر على توجيه ضربات جوية إلى مواقع انطلاق الصواريخ، باعتبارها وسيلة كافية لتوكيد معادلة الردع.

وسارعت حكومة الاحتلال الصهيوني حينها الى إعلان حرب عدوانية شرسة واستغلال حادثة إطلاق الصواريخ انتصارًا للقدس لبدء هجمة عسكرية عدوانية شاملة، برًّا وبحرًا وجوًّا، على قطاع غزة.

وطال العدوان الصهيوني على القطاع مئات البيوت، بما في ذلك عدد من الأبراج السكنية التي تضم عشرات المنازل دون أي إنذار مسبق لإجلاء السكان المدنيين. وهذا ما أدى إلى خسائر فادحة في أرواح المدنيين الفلسطينيين.. كما طال العدوان مكاتب ومراكز لقوى المقاومة، ومقار دوائر رسمية في القطاع.

ولم يسلم من القصف الهمجي على القطاع معظم مفارق الطرق، بما في ذلك الطرق المؤدية إلى المستشفيات ومراكز الدفاع المدني، والمدارس، وخطوط الكهرباء والماء، ومصانع صغيرة ومتوسطة مملوكة للقطاع الخاص، وأراض زراعية.

وكانت هناك محاولات صهيونية فاشلة لخداع المقاومين بادعاء انطلاق هجوم بري، بهدف دفع المقاومين إلى الخنادق الحدودية، ومن ثم تصفيتهم.

وعادة ما تكشف قوى المقاومة في القطاع عن خسائرها بشفافية، وتشيِّع الشهداء إلى مثواهم الأخير بصورة علنية وشعبية.

والواضح تماما أن خسائر المقاومة كانت محدودة إلى حدٍّ كبير، سيما إن قورنت بالجولات السابقة من الحرب في 2009، و2012، و2014.

في المقابل، ردَّت قوى المقاومة على العدوان الإسرائيلي بإطلاق رشقات من الصواريخ باتجاه مدن وبلدات الحزام حول قطاع غزة، وباتجاه مدن وبلدات أبعد نسبيًّا، مثل: أسدود وبئر السبع ومطار بن غوريون، المطار الرئيس.

وطالت الصواريخ المقاومة الفلسطينية القدس الغربية، وتل أبيب، ومطار رامون ، وحقل إنتاج الغاز شرق المتوسط. كما أطلقت المقاومة آلاف قذائف الهاون على مدن وبلدات ومواقع عسكرية صهيونية في الشريط الحدودي.

وقد ثبت فشل نظام الدفاع الجوي الصهيوني، المعروف باسم القبة الحديدية، أما صواريخ المقاومة الفلسطينية، والتعامل مع قذائف الهاون.

ما لفت الانتباه في الأداء العسكري الفلسطيني، أن تنظيمات المقاومة أطلقت ما يزيد عن أربعة آلاف صاروخ خلال الأيام الأحد عشر من المواجهة، وهو ما يساوي عدد الصواريخ التي أُطلقت خلال 50 يومًا من جولة المواجهة الثالثة في 2014.

كما لوحظ أن المقاومة الفلسطينية نجحت منذ 2014 في تطوير صواريخ أبعد مدى مما كانت تمتلكه من قبل، وأن هذه الصواريخ باتت أكثر دقة، ربما بفعل تزويدها بأنظمة توجيه.

ويعتمد الكيان الصهيوني سياسات خبيثة تجاه الفلسطينيين تقوم على مجموعة من الإجراءات في الحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، وبالعدد الأدنى من الشعب الفلسطيني، وتركيز أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في الحد الأدنى من الأرض. ويقوم الكيان الغاصب بترحيل وسلب وتركيز الفلسطينيين في كل المناطق عبر أراضي 48 والمناطق الفلسطينية المحتلة الأخرى ، بصرف النظر عن مكان إقامتهم الجغرافي أو ولايتهم القانونية، من خلال فرض الأحكام العرفية في الضفة الغربية، واستخدام مزيج من الأحكام العرفية والإدارية في القدس الشرقية، واستخدام مواد القانون المدني في أراضي 48 وفي قطاع غزة، وتفعل ذلك عن طريق الحصار والحرب.

ويبرر الكيان الصهيوني حصاره الخانق وعدوانه على قطاع غزة باعتبارها الرد اللازم على الصواريخ التي تطلقها قوى المقامة.

وفي هذا السيناريو، تكون قوى المقاومة هي المعتدي الذي لن يكون هناك صراع لولاه. ومع ذلك، لا يمكن أن يصمد هذا الادعاء أمام الأدلة التجريبية والتاريخية.

ولايزال الكيان الصهيوني حتى الآن يواصل سياسته الاستيطانية عبر إنشاء تواصل جغرافي استيطاني والحدّ من الترابط الجغرافي الفلسطيني مع أسوار القدس القديمة، ويستهدف الاحتلال الصهيوني قرية الشيخ جراح التابعة لمحافظة القدس المحتلة.

ووقعت القرية تحت الاحتلال عام 1967، وهي ملاصقة لحدود الرابع من يونيو/حزيران بالجهة الغربية الشمالية، ومن هنا تكتسب أهميتها الإستراتيجية في نظر الاحتلال.

والقرية ملاصقة لما بات يعرف بـ”خط الهدنة” الذي تم ترسيمه عام 1949، وهو الخط الأخضر الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي.. ولشطب الخط الأخضر الفاصل بين شطري المدينة بالكامل، أقامت سلطات الاحتلال 3 فنادق “إسرائيلية”.

ويعود تاريخ القرية وتأسيسها إلى ما قبل أكثر من 900 عام، وأخذت القرية اسمها من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، وهو طبيب القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، وما زال ضريحه موجودا بالشيخ جراح.

وسكنت القرية أسر فلسطينية معروفة مثل أسرة النشاشيبي وينحدر منها إسعاف النشاشيبي الأديب الفلسطيني الذي ما زال قصره ماثلا هناك.

ويقطن الشيخ جراح أكثر من 3 آلاف فلسطيني على مساحة أراض تقدر بنحو ألف دونم، وهي آخر ما تبقى لهم من أراض بعد مصادرة آلاف الدونمات من أراضي السكان التي أقيمت فوقها 3 مستوطنات تعرف بمستوطنات التلة الفرنسية.

وتقع المنازل الفلسطينية المستهدفة المهدد سكانها بالترحيل لمصلحة الجمعيات الاستيطانية على طول شارع نابلس وفي منطقة شيكونات اللاجئين وكبانية أم هارون، ويبلغ عدد العقارات 28 منزلا يقطنها نحو 500 فلسطيني.

وشيدت هذه المنازل عام 1956، حين عقدت وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لإنشاء 28 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح، وعقدت اتفاقيات فردية مع الأهالي لإقامة مساكن لهم في الحي، وتعهدت بموجب الاتفاقيات أن يتم تفويض ملكية الوحدات السكنية وتسجيلها بأسمائهم.

وبعد 3 سنوات من احتلال القدس الشرقية، صادق الـ(كنيست) الصهيوني عام 1970 على قانون يزعم وجود أراض وعقارات لليهود في الشيخ جراح، وادّعى أنهم تملكوا هذه الأراضي والعقارات قبل قيام الكيان الصهيوني.

ومنذ ذلك الحين تعاقبت الحكومات الصهيونية على زرع البؤر الاستيطانية وإحلال اليهود المتطرفين “الحريديم” في قلب الحي بمستوطنة “شمعون هتصديق” ومستوطنة “فندق الشبرد” التي أقيمت عام 2011، ومقر قيادة قوات الاحتلال وقيادة حرس الحدود والداخلية الصهيونية التي تحاصر الوجود الفلسطيني بالحي.

وهنا يعتقد المراقبون أن المشكلة التي ما زلت قائمة حتى الآن من خلال استمرار الاعتداءات الصهيونية على قرية الشيخ جراح نذير باندلاع حرب خامسة بين الكيان الصهيوني وقوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بسب استهداف الشيخ  جراح واستمرار اقتحامات الاحتلال الصهيوني للمسجد الأقصى واستباحة الحرم القدسي من قبل المستوطنين الصهاينة تحت حماية قوات الاحتلال.

ويرى المراقبون أن فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهداف عدوانه على غزة في الجولة الرابعة، التي وضعت المقاومةُ القضيةَ الفلسطينية مجددًا على رأس قضايا منطقة الشرق الأوسط، وأثبتت أنها طرف رئيسي في النزاع لا يمكن تجاهله قادرة على تحقيق نجاحات أكبر خلال أي مواجهة قادمة مع العدو الصهيوني.

كما يعتقد المراقبون أن قوى المقاومة الفلسطينية في القطاع على أهبة الاستعداد لمواجهة أي محاولات صهيونية خرقاء لتهديد حياة أبناء الشعب الفلسطيني وأرضهم ومقدساتهم.