عمرو علان 
السياسية- متابعات:

جاءت الضّربة الصاروخية التي تبنّاها حرس الثورة الإسلامية الإيرانية في بيانٍ رسميٍ، والتي استهدفت مركزاً استخبارياً استراتيجياً لجهاز “الموساد” الصهيوني في مدينة أربيل العراقية، لتعيد التأكيد على ترابط كلّ الأحداث الدولية في هذه المرحلة الانتقالية والمفصلية في تاريخ البشرية، ولتبعث عدة رسائل في غير اتجاه للقوى الدولية، ولتعيد تأكيد ثوابت السياسة الإيرانية تجاه التطورات الدولية الراهنة.

بعد مرور نحو شهرٍ على تورط “الموساد” بعدوانٍ غير مُعلَنٍ على موقع للطائرات المسيَّرة، تابع لحرس الثورة الإسلامية في إقليم خرمانشاه الإيراني، قام الأخير باستهداف منزلٍ في مدينة أربيل يقع قرب القنصلية الأميركية، وتعود ملكيته إلى رجل أعمالٍ عراقيٍ، كان يستخدمه جهاز الاستخبارات الصهيوني كمركز استراتيجي لقيادة عملياته التخريبية ضد إيران والمنطقة.

وقال بيان حرس الثورة الإسلامية إنَّه استهدف مركزاً صهيونياً بصواريخ دقيقة. وأوردت وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية “أنَّ حرس الثورة استخدم في الهجوم 10 صواريخ دقيقةٍ من طراز “فاتح 110” البالستية”، وأنَّ “القصف انطلق من المنطقة الشمالية الغربية في إيران”، وتصل حمولة الرأس المتفجّر لصاروخ “فاتح 110” الدّقيق إلى 300 كلغ من المواد المتفجرة.

وقد دمّرت الضربة الصّاروخية المركز المستهدف، وقتلت 4 ضباط من “الموساد”، وجَرحت 7 آخرين، تعدّ جراح 4 منهم خطرة، بحسب المعلومات التي توفرت لدى الاستخبارات الإيرانية عقب الضربة.

ويقول توقيت هذه الضربة للأميركي الذي تباطأ مؤخراً في قبول الشروط الإيرانية للعودة إلى الاتفاق النووي، إنَّ برنامج إيران الدفاعي للصواريخ غير قابلٍ للتفاوض، وإنَّها لن تعود إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي إلا ضمن شروطها المتعلقة برفع كل العقوبات الأميركية، بما فيها العقوبات المفروضة على حرس الثورة الإسلامية.

ها هو الحرس الثوري يستخدم صواريخه بنجاحٍ في ضرب موقعٍ موجودٍ ضمن دائرة حماية أنظمة الدفاع الجوي الأميركية التي يوكل إليها حماية مبنى القنصلية الأميركية في أربيل. وقد كان لافتاً تصريح علي شمخاني، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، عقب الضربة الصاروخية، حين قال: “الميدان والدبلوماسية هما أداة القوة لدى إيران، والتي تُستخدَم بحكمةٍ للدفاع عن المصالح الوطنية والأمن القومي. تجربة الأعوام الأربعين للثورة الإسلامية علَّمت الشعب الإيراني أن الاعتماد على الشرق والغرب لا يضمن حقوقه وأمنه”.

ويصعب أيضاً فصل توقيت الهجوم الصاروخي عن تفاعلات الحرب في أوكرانيا، وعما يمكن وصفه بالخلاف التكتيكي بين طهران وموسكو، إذ طالبت موسكو الأميركي مؤخراً بتقديم ضماناتٍ إضافيةٍ تتعلق بضمان عدم تأثير العقوبات الأميركية المستجدة على روسيا في تعاملاتها التجارية مع إيران، في حال العودة إلى الاتفاق النووي.

ويمكن أن يُقرأ في توقيت هذه الضربة تأكيدٌ إيرانيٌ غير مباشرٍ على تحالف إيران الاستراتيجي مع روسيا، ضمن معركة كسر الهيمنة الأميركية، رغم التباين التكتيكي الَّذي ظهر في فيينا على أثر الحرب في أوكرانيا، ورغم عدم رغبة إيران في الانخراط المباشر في تلك الحرب، ورغم كونها أيضاً تتعاطى مع العودة إلى الاتفاق النووي من زاوية مصالحها الوطنية أولاً.

تأتي هذه القراءة منسجمةً مع ما قاله الناطق باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في مؤتمره الأسبوعي الأخير عقب الضربة الصاروخية، إذ قال “إنّ الولايات المتحدة هي التي ترغب في اختزال ما يحدث في فيينا على أنه طلبٌ روسيٌ. إنّ مسؤولية الوضع الحالي الذي نحن فيه الآن تقع على عاتق واشنطن. إذا استجابت اليوم، فيمكننا العودة إلى فيينا… كان نهج روسيا بنّاءً حتى الآن، وكان الأقرب والأكثر دعماً لمفاوضي فيينا. وقد صرَّح المسؤولون الروس في المحادثات، وفي اللجنة المشتركة، أنهم لن يعرقلوا أيَّ اتفاقٍ جيدٍ”.

أمّا الكيان المؤقت، المستهدف الرئيسي بهذه الضّربة، فلا بدّ من أن يقرأ في علانية الرد، وفي أسلوبه ومكانه، تعزيزاً لقوة الردع الإيراني في مواجهته، وتثبيتاً لقواعد الاشتباك التي جاء توقيت الرد الإيراني ليؤكد أنها لا تتأثر بنتائج محادثات فيينا والأزمة في أوكرانيا، ولا سيّما بعد تزامن تعرّض الكيان المؤقت لهجومٍ سيبرانيٍ، وُصِف بأنه الأكبر، مع إعلان التلفزيون الإيراني إحباط محاولة تخريبية “للموساد” ضد منشأة “فردو” النووية، بعد يومين فقط على الضربة الصاروخية، وفي هذا كله مؤشراتٌ على أنَّ الردود الإيرانية ستزداد وتتعاظم في مواجهة الجرائم الصهيونية في الأيام المقبلة.

والظاهر مما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية عقب الهجوم الصاروخي الإيراني، أن الكيان المؤقت استوعب الرسالة، لكن لعلَّ هذا الاستيعاب جاء متأخراً، لكون الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكد سابقاً، وفي خطابٍ علنيٍ، أن الجمهورية الإسلامية سترد بنفسها على أي اعتداءٍ صهيونيٍ يستهدف أراضيها، وأن الرد لن يكون عبر حلفاء إيران في المنطقة، بل سيكون بشكلٍ مباشرٍ.

أما الرّسائل التي يجب أن تكون قد وصلت إلى سائر دول المعسكر الصهيو-عربي التي ركبت مؤخراً قطار الأسرلة، فهي تتمثل بأنَّ أراضيها لن تكون بمنأى عن ضرباتٍ عسكريةٍ قويةٍ، في حال جعلت منها منطلقاً لأي عدوانٍ صهيونيٍ يستهدف الجمهورية الإسلامية.

وفي هذا تأكيدٌ لما قيل سابقاً، عقب انخراط بعض الدول في ما يُسمى “اتفاقيات إبراهام”، على أنَّ اتفاقيات الأسرلة هذه لن تجلب لها الأمن، بل على العكس، ستعود عليها بالخراب، وستجعل من أراضي تلك الدول ساحة اشتباكٍ بين قوى ودول محور المقاومة والكيان المؤقت.

وختاماً، لا بدَّ من التوقف عند الساعة التي حصلت فيها الضربة الصاروخية، إذ إنَّها جاءت في التوقيت نفسه الذي ارتَكبَت فيه الولايات المتحدة الأميركية جريمة اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وفي هذا رسالةٌ معنويةٌ للأميركي والصهيوني معاً، تقول إنَّ هذا القصف الصاروخي كان بتوقيع الشهيد قاسم سليماني.

 

  • المصدر: الميادين نت
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع