السياسية – رصد :

طارق ديلواني

للعام الثاني على التوالي، يتكرر تصنيف حرية الإعلام في الأردن بأنها مكبلة ومقيدة، وفقاً لتقرير أصدره مركز حماية وحرية الصحافيين، وخلافاً للقوانين وللدستور الأردني الذي يكفل حرية الصحافة.

ففي جردة حساب للعام الماضي، تبين أن البيئة التشريعية هي الوحيدة التي حازت على تصنيف “مقيد جزئياً”، بينما كانت الصورة أكثر سوداوية بالنسبة لباقي الجزئيات التي شملها التقرير، ووصفت القيادات الإعلامية بأنها تقوم بدور “وكيل” عن الحكومة والأجهزة الأمنية، بينما تهدر التشريعات والقوانين الحقوق الدستورية.

وسط هذه المعطيات، ثمة قائمة طويلة من القوانين الأردنية التي تصنف بأنها ضد الإعلام ابتداء بقانون الجرائم الإلكترونية، وقانون العقوبات، وقانون المطبوعات والنشر، ومنع الإرهاب، وقانون أسرار ووثائق الدولة، ومنع الجرائم، وآخرها محاولة الحكومة عام 2021، تكميم أفواه الصحافيين، ومستخدمي الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي من خلال تقديم مقترح لتعديل أنظمة الإعلام.

إعلام على مقاس السلطة

إعلام مكبل، وحرية مكممة مفصلة على مقاس السلطة، هي الأوصاف التي أطلقها نضال منصور المدير التنفيذي لمركز حماية الصحافيين، وهو يستعرض جملة من الانتهاكات التي وقعت بحق الصحافيين عام 2021، واعتبر منصور أن البرلمان يظهر كسلطة معادية للإعلام ولا يذهب لمراجعة التشريعات المقيدة، في وقت يمارس معظم الصحافيين الرقابة الذاتية على أنفسهم خشية الملاحقة القانونية التي تفضي إلى التوقيف أو الحبس.

وسط هذه الأجواء، تسير السلطات الأردنية المختصة، دوريات إلكترونية ما أدى إلى إحجام كثيرين عن إبداء آرائهم، أو التخوف من إعلان انتقاداتهم.

لا حرية للتعبير على الإنترنت

وأكد منصور أن الإعلام لم يعد سلطة رقابية في المجتمع الأردني، حيث تضيق هوامش الحريات كل يوم، بينما أصبحت منصات التواصل الاجتماعي التي كان يلجأ إليها هروباً من القيود، في المرمى، مع تشريعات وأنظمة عدة مقيدة لها.

وأظهرت نتائج مؤشر حرية الإعلام في الأردن لسنة 2021 أنها حرية مقيدة استناداً لمؤشرات عدة من بينها، البيئة التشريعية، وحق الحصول على المعلومات، والانتهاكات والإفلات من العقاب، واستقلالية وسائل الإعلام.

والجديد الذي أضافه المؤشر ما يتعلق بحرية التعبير والإعلام على الإنترنت، وهو أول قياس لحرية التعبير والإعلام على الإنترنت في الأردن، وحصل على تصنيف مقيد بنيله 37.2 نقطة من أصل 100 نقطة متاحة.

وكشف مراقبون أن الحكومات الأردنية المتعاقبة تقدمت بـ500 طلب للحصول على معلومات من منصات التواصل الاجتماعي حول حسابات فردية على الشبكة، بينما يقول خبراء متخصصون، إن ثمة نصاً في عقود الشركات المزودة للإنترنت تلزمها بالاستجابة لطلبات الحكومة وتدخلاتها.

تشريعات سالبة للحريات

ورأى باحثون أن التدخلات غير المعلن عنها في عمل وسائل الإعلام، والتضييق الواقع على الصحافيين والصحافيات، ووسائل الإعلام من خلال قرارات منع النشر، والمقترح المعدل لأنظمة الإعلام التي طرحته الحكومة في عام 2021، والتجارب السابقة، وبخاصة التوقيف والحبس، أدت لهذه النتيجة السلبية حول حرية الإعلام، غير أن أخطر ما يتحدث عنه المؤشر هو التدخلات السافرة والمباشرة في توجيه الإعلام، بسبب قيام القياديين الإعلاميين في مؤسساتهم بدور الوكلاء، وتحول هؤلاء ليديروا المشهد الإعلامي بدلاً عن الحكومة والأجهزة الأمنية، ما رفع من منسوب الرقابة المسبقة على المحتوى والمضمون.

لا دعم للإعلام

وسط هذه الأجواء، قالت الصحافية فلحة بريزات، رئيسة تحرير موقع “نيسان” الإلكتروني، “لا وجود لأي دعم للإعلام أو استراتيجيات أو خطط واضحة”، ويوافقها رئيس مجلس إدارة إذاعة “حياة أف أم”، موسى الساكت الرأي، فيرى أن هناك ضعفاً في وجود برامج حكومية معلنة لدعم الإعلام.

وعن الدعم المادي لوسائل الإعلام، يرى رئيس لجنة الحريات في اتحاد الصحافيين العرب عبد الوهاب الزغيلات، أن الدعم الإعلامي الحكومي غير وارد عند الحكومات، وهي غير معنية بتحسين بيئة الإعلام.

واللافت في التقارير التي ترصد حرية الاعلام في الأردن أن البرلمان يظهر كسلطة معادية للإعلام، إذ لا يراجع التشريعات المقيدة، ولا يلاحق الحكومات على انتهاكاتها، فضلاً عن التضييق على الصحافيين تحت قبة البرلمان.

استدعاء أمني متكرر

ويرى الصحافي باسل العكور أن حق الحصول على المعلومة غير مصان بسبب القوانين والاستثناءات الواردة فيه ما يدفع الصحافيين للإحجام عن استخدامه، مؤكداً أن معظم المعلومات لدى الوزارات والمؤسسات العامة تطبق عليها السرية، لكن ما يؤرق الصحافيين الانتهاكات التي ترتكب بحق كثيرين منهم، وإفلات الجناة من العقاب، فعلى الرغم من انخفاض عدد الانتهاكات المسجلة عام 2021، فإن النتيجة الصادمة تشير إلى تعرض 77 في المئة من الإعلاميين والصحافيين للاستدعاء الأمني بشكل متكرر، ويعزو الباحثون الأمر إلى التدخلات غير المعلنة في عمل وسائل الإعلام، وقرارات منع النشر، على الرغم من تحول الصحافيين إلى الرقابة الذاتية التي يمارسونها على أنفسهم خشية الملاحقة القانونية.

استقلالية وسائل الإعلام

ويصنف الصحافيون وسائل الإعلام الأردنية بأنها غير حرة، بنسبة 28 في المئة، بينما يعتبر 23 في المئة منهم أنها مقيدة، ووفقاً للتقارير، فإنه لا وجود لوسائل إعلام مستقلة بشكل تام عن سلطة الحكومة وأجهزتها، وترى الكاتبة الصحافية سهير جردات، أن هناك تدخلاً علنياً وآخر مستتراً للسيطرة على وسائل الإعلام، ومن بين الوسائل التي تستخدمها الحكومات للسيطرة على وسائل الإعلام واحتوائها، الإعلانات الرسمية المشروطة.

مغالاة

في مقابل كل هذه الاتهامات، ترد جهات رسمية من بينها لجنة التوجيه الوطني والإعلام والثقافة النيابية بالقول، إن تقرير حرية الإعلام في الأردن لسنة 2021، فيه شيء من المغالاة، وهو صادر عن مؤسسات تعمل خارج المملكة، موضحاً أن الدولة الأردنية تكفل حرية الرأي والتعبير بالوسائل كافة، شرط ألا تتجاوز حدود القانون، ويؤكد رئيس اللجنة النيابية يسار الخصاونة أن الإعلام يجب ألا تكون لديه الحرية المطلقة، موضحاً أن ثمة حقوقاً للأفراد والهيئات وضوابط يجب أن يعمل الإعلام وفقها ووفق المحددات التي تضعها الدولة الأردنية.

* المصدر : مونت كارلو
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع