السياسية: متابعات : صادق سريع

بدأت روسيا ، فجر اليوم الخميس ،عملية عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا على الرغم من التحذيرات الغربية والتهديد بفرض عقوبات غير مسبوقة على موسكو.

وأفادت التقارير بوقوع ضربات صاروخية وتفجيرات في العاصمة الأوكرانية كييف ومدن أخرى، وسط أنباء عن سقوط العديد من القتلى.

وقال مسؤولون في أوكرانيا إن العملية العسكرية الروسية أدت إلى مقتل عشرات الجنود والمدنيين الأوكرانيين.

وأعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمر زيلينسكي، الأحكام العرفية لأن بلاده تقاوم غزوا روسيا.

وحث الأوكرانيين في رسالة بالفيديو على عدم الذعر، قائلا إنهم مستعدون لأي شيء وسيخرجون منتصرين.

وقال إن بوتين يريد تدمير أوكرانيا، وكل ما بنيناه.

وأضاف أن الجيش، وجهاز الأمن والدفاع بأكمله احتشدوا وجاهزون للمقاومة، ويمكن لأوكرانيا الاعتماد على دعم حلفائها الدوليين.

وقال قائد الجيش الأوكراني، ميجور جنرال فاليري زالوجني، إنه تلقى أوامر من زيلينسكي بإلحاق أقصى الخسائر بروسيا “المعتدية”.

وقالت ليسيا فاسيلينكو النائبة من المعارضة لبي بي سي إنها تخشى على وجود بلدها.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس، عن تنفيذ “عملية عسكرية” في إقليم دونباس، شرقي أوكرانيا، الذي يضم منطقي لوهانسك ودونيتسك.

وجاء ذلك في خطاب متلفز للرئيس الروسي صباح اليوم الخميس، في نفس الوقت الذي كان مجلس الأمن الدولي يطلب فيه منه التوقف عن المضي قدما في الهجوم.

وحث بوتين الجنود الأوكرانيين في منطقة القتال بشرق أوكرانيا على الاستسلام وإلقاء الأسلحة والعودة إلى ديارهم.

كما حذر أوكرانيا من تحميلها مسؤولية أي إراقة دماء، وقال إن بلاده لا تنوي احتلال جارتها.

وقال وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، إن بوتين شرع في غزو شامل لبلاده. وشدد على أنها ستدافع عن نفسها. وحض العالم على وقفه.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها تستهدف البنية التحتية العسكرية والدفاع الجوي والقوات الجوية بـ”أسلحة عالية الدقة”.

ويقول مراسل بي بي سي في كييف، جيمس ووترهاوس، إن مسؤولا حكوميا أوكرانيا أعطى مؤشرات على اتساع نطاق العمل العسكري الروسي حتى الآن.

وقال المسؤول إن ضربات بصواريخ كروز شنت صباح اليوم على كييف، وكذلك رصدت تحركات للقوات في أوديسا جنوب البلاد.

وأضاف أن القوات كانت تعبر أيضا الحدود في خاركيف، على بعد نحو 25 ميلا من الحدود الروسية.

وهناك أيضا تقارير متعددة من وسائل الإعلام المحلية نقلت عن وزارة الداخلية الأوكرانية قولها إن بعض الضربات الصاروخية استهدفت مراكز قيادة الصواريخ العسكرية الأوكرانية ومقر قيادة الجيش في كييف.

*هجوم جوي
أصدرت القوات المسلحة الأوكرانية بيانًا قالت فيه إن الجيش الروسي بدأ “قصفًا مكثفًا” في شرق البلاد.

وقال البيان إن روسيا شنت أيضا ضربات صاروخية على مطار بوريسبيل بالقرب من كييف وعدة مطارات أخرى.

وأضاف أن القوات الجوية الأوكرانية تصد هجوما جويا تشنه روسيا. ونفى البيان تقارير عن وجود قوات مظلات روسية في مدينة أوديسا الساحلية الجنوبية.

ونقلت عدة تقارير عن مسؤولين أوكرانيين قولهم إن القوات في بيلاروسيا تنضم إلى الهجوم الروسي، مما يعني أن الهجوم يأتي الآن أيضا من شمال أوكرانيا.

ولطالما كانت بيلاروسيا، الواقعة على الحدود الشمالية لأوكرانيا، متحالفة مع روسيا. ويصف محللون الدولة الصغيرة بأنها “دولة عميلة” لروسيا.

ويُضاف الهجوم من الشمال إلى هجمات روسيا على شرق أوكرانيا، وتحرك القوات الروسية على أوديسا في الجنوب.

* ما سيناريوهات الحرب ؟
وفيما يلي سيناريوهات الحرب الروسية المتوقعة في أوكرانيا بعد بدء غزوها.

– احتلال دونيتسك ولوغانسك بالكامل والتوسع غرباً

السيناريو الأول هو ما يتحقق بالفعل الآن؛ إذ تفعل روسيا ما كانت تفعله ببساطة في الخفاء لمدة سبع سنوات: إرسال قوات إلى دونيتسك ولوغانسك، وهي مناطق انفصالية في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، إما لتوسيع حدودها غرباً بعد الاعتراف بهما على أنهما دولتان مستقلتان عن أوكرانيا، كما فعلت روسيا بعد إرسال قوات إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان جورجيتان، في عام 2008.

وتُقدّر مساحة إقليم دونباس إجمالاً بنحو 52.3 ألف كيلومتر مربع، ويسيطر الانفصاليون في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك على نحو ثلث مساحة الإقليم فقط، بينما تسيطر القوات الأوكرانية على الثلثين الباقيين، ويتواجه الطرفان على طول خط التَّماس داخل الإقليم، وهو يمثل خط وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 2015 على أساس اتفاقيات مينسك.

في عام 2019، وقع فلاديمير بوتين مرسوماً يمنح سكان دونيتسك ولوغانسك فرصة للحصول على جواز سفر روسي من خلال إجراء مبسط. بحلول يناير/كانون الثاني 2020، كان أكثر من 720.000 قد فعلوا ذلك. والآن يتم تصنيف هؤلاء الأشخاص رسمياً على أنهم “مواطنون روس مقيمون في دونباس”، مما له عواقب متعددة منها إمكانية ضم الإقليم لروسيا. ويمنحهم هذا الوضع الحق في المطالبة بمدفوعات الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية الروسية، ويسهل عليهم العمل في روسيا.

وأقرت الجمهوريتان الانفصاليتان في منطقة الدونباس اللغة الروسية كلغة رسمية في عام 2020. ومنذ ذلك الحين، أوقفت المدارس المحلية تدريس اللغة الأوكرانية والتاريخ الأوكراني. واختفت اللغة الأوكرانية من المجال العام ومن الوثائق الرسمية ومن وسائل الإعلام. ومنذ نحو عامين، بدأت الأعلام الروسية تحل محل أعلام المنطقتين في المباني الإدارية المحلية والشوارع والميادين.

2- الاستيلاء على 300 كيلو جنوب أوكرانيا لربط روسيا بشبه جزيرة القرم برياً

السيناريو الثاني، والذي تمت مناقشته على نطاق واسع في السنوات الأخيرة لدى أجهزة المخابرات الغربية، كما تنقل مجلة الإيكونومست البريطانية في تقرير سابق، هو أن روسيا قد تسعى إلى إنشاء جسر بري إلى شبه جزيرة القرم، المنطقة التي ضمتها إليها في عام 2014. وسيتطلب ذلك الاستيلاء على 300 كيلومتر من الأراضي على طول بحر آزوف الأوكراني.

وسيؤدي ذلك إلى توسيع السيطرة الروسية في منطقة تعرف باسم نوفوروسيا، أو روسيا الجديدة، وهي جزء تاريخي من الإمبراطورية الروسية على طول البحر الأسود، وتقول مجلة economist إنه سيكون لتلك المنطقة ميزة ملموسة أكثر في التخفيف من نقص المياه في شبه جزيرة القرم.

سيكون مثل هذا “الاستيلاء المحدود” على الأراضي في حدود قدرات القوات التي يتم حشدها حالياً في غرب روسيا، لكن الأمر الأقل وضوحاً هو ما إذا كانت ستخدم أهداف الكرملين الحربية. فإذا كان هدف روسيا هو منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو أو التعاون مع الحلف، فمن غير المرجح أن يؤدي تعزيز السيطرة على منطقة دونباس أو قطعة أرض صغيرة في جنوب أوكرانيا إلى ركوع الحكومة في كييف لبوتين. وهو ما يحيلنا إلى السيناريو الثالث.

3- احتلال العاصمة الأوكرانية كييف بالكامل وإسقاط النظام

السيناريو الثالث المطروح، هو تغيير الحكومة في كييف بالقوة بعد احتلال العاصمة بالكامل، كما فعلت أمريكا في أفغانستان والعراق. وبعد أن يتم التخلص من الحكومة الحالية وسلطات الدولة، سيتم استبدالها بأشخاص موالين لموسكو (ومملوكين لها)، وهذا السيناريو هو “قطع الرأس”.

وقد تلجأ روسيا إلى فرض تكاليف باهظة على أوكرانيا، سواء من خلال تدمير قواتها المسلحة أو تدمير بنيتها التحتية الحيوية، أو احتلال مساحات كبيرة من أراضيها، حتى يوافق قادتها على قطع علاقاتهم مع الغرب، وبالتالي منعها من الانضمام لحلف “الناتو”، وبالطبع جميع هذه السيناريوهات يتطلب حرباً كبيرة.

وحول ذلك يقول تحليل سابق لصحيفة The Guardian البريطانية إنه إذا سمحت بيلاروسيا لروسيا بالهجوم من أراضيها، فيمكن الاقتراب من العاصمة الأوكرانية كييف من الغرب وتطويقها. وتتواجد قوات روسية بالفعل على الأراضي البيلاروسية بعد أن أجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة خلال الأسابيع الماضية، كما تنشر روسيا على عدة نقاط حدودية بين أوكرانيا وبيلاروسيا أنظمة صاروخية دفاعية.

وبحسب الغارديان، يتعيَّن على روسيا أن تقرر كيفية التعامل مع المدن الأوكرانية، وخاصة كييف، التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، ولكن أيضاً مع خاركيف في الشمال الشرقي، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 1.5 مليون نسمة. وتضيف الصحيفة البريطانية أن حرب المدن قد تكون صعبة على موسكو؛ بسبب خشيتها من فاتورة أضرار كبيرة.

وتشير التكهنات الغربية حول خطط روسيا، المستندة جزئياً إلى التسريبات الظاهرة التي نُشرت في صحيفة بيلد الألمانية الشهر الماضي، إلى أن الكرملين سيحاصر مدينة خاركيف وفي نهاية المطاف العاصمة كييف، وسيقطع الإمدادات عنها، على أمل أن تستلم القوات الأوكرانية في النهاية على طريقة الحروب في العصور الوسطى.

ويقول محللون غربيون إن تطويق كييف ليس بالأمر السهل، تقع النقاط الرئيسية للمدينة، بما في ذلك القصر الرئاسي، إلى الغرب من نهر دنيبر الذي يسهل الدفاع عنه، والذي يمتد إلى الحدود مع بيلاروسيا. وبالتالي فإن أبسط طريقة لعبور النهر هي العبور في منطقة آمنة، من بيلاروسيا في الشمال. وسيتطلب ذلك دعم مينسك، وهو أمر محتمل للغاية بالنظر إلى التقارب الأخير مع موسكو.

وحتى لو لم يفعل بوتين ذلك، فإن وجود حامية عسكرية روسية دائمة في بيلاروسيا ستكون له مزايا للكرملين، كتهديد محتمل ليس فقط لأوكرانيا ولكن لدول البلطيق في الشمال؛ حيث يقول المحللون الغربيون إن ذلك سيخلق قاعدة عسكرية كبيرة من شأنها أن تمنح روسيا هيمنة جوية على الجناح الشرقي لحلف الناتو.

4- حرب استنزاف طويلة الأمد حتى تركيع النظام الأوكراني

السيناريو الرابع، هو الاستمرار في إنهاك النظام الأوكراني لفترة أطول وتدمير البنية التحتية دون اكتساح البلاد بشكل كامل، وذلك عبر الاعتماد بشكل كبير على استخدام أسلحة “المواجهة” لتخفيف خسائر القوات على الأرض بأكبر شكل ممكن، ومحاكاة حرب الناتو الجوية ضد صربيا في عام 1999؛ إذ إن الضربات التي تشنها قاذفات الصواريخ الروسية ستحدث دماراً كبيراً. ويمكن استكمال هذه المهمة بمزيد من الأسلحة الجديدة، مثل الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأوكرانية مثل تلك التي عطلت شبكة الكهرباء في البلاد في عامي 2015 و 2016.

ومن شأن معاقبة أوكرانيا وتركيعها بهذه الطريقة أن يخفض الخسائر بالنسبة لموسكو. ويمكن لروسيا تخفيف الضغط صعوداً وهبوطاً بمرور الوقت، يتخلل ذلك فترات توقف لتكرار أو تصعيد المطالب.

لكن المشكلة هي أن حملات القصف هذه تميل إلى أن تستمر لفترة أطول وتثبت أنها أصعب مما تبدو عليه في البداية، كما يشير إلى ذلك الباحث كير جايلز من مؤسسة تشاتام هاوس في لندن، وإذا اندلعت الحرب، فمن المرجح أن تكون ضربات المواجهة مقدمة ومرافقة لحرب برية بدلاً من أن تكون بديلاً عنها.

* هل تتمكن أوكرانيا من صدِّ غزوٍ روسي شامل؟

لكن ماذا لو وقع المحظور بالفعل وقررت روسيا غزو أوكرانيا بالكامل؟ هل تتمكن كييف من الصمود أمام القوات الروسية؟ إجابة هذه التساؤلات تكشف عنها المقارنة بين الجيشين الروسي والأوكراني من جهة، وبين رد الفعل المتوقع من جانب الغرب من ناحية أخرى.

فيما يخص رد الفعل الغربي، لا أحد يتوقع تدخلاً عسكرياً من جانب حلف الناتو أو أمريكا أو أوروبا بشكل منفصل لمساعدة كييف في مواجهة روسيا، وهذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن بشكل واضح وكذلك باقي القادة الأوروبيين: “لن نرسل قوات إلى أوكرانيا”، تلك هي الرسالة.

أما عن قوة الجيش الروسي في مواجهة نظيره الأوكراني، فحقيقة الأمر هي أنه لا توجد مقارنة بين الأول وترتيبه الثاني عالمياً، والثاني وترتيبه 22 عالمياً من حيث القوة النيرانية.

وكان موقع الجزيرة قد نشر تقريراً حول الجيشين الروسي والأوكراني، أظهر كيف تمكنت روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، من استعادة إمكانياتها العسكرية وحدثت قواتها الجوية والبحرية والبرية، ما سمح لها بسد الفجوة مع منافسيها الأمريكيين، والقدرة على إنتاج جميع أنواع الأسلحة.

وورث الجيش الروسي مجمّعاً صناعياً عسكرياً ضخماً من الاتحاد السوفييتي. وتستثمر الدولة أموالاً طائلة في التصنيع العسكري والتطوير التقني لمخزون الأسلحة الهائل الذي تمتلكه. ودخلت روسيا ضمن أكبر 5 دول في مجال الإنفاق العسكري بنهاية عام 2019. ووفق تقرير “معهد ستوكهولم لأبحاث السلام” (SIPRI) -الذي صدر في أبريل/نيسان 2020- تحتل روسيا المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح، بميزانية سنوية بلغت نحو 64 مليار دولار.

كما تحتل روسيا المرتبة الثانية عالمياً في حجم تصدير الأسلحة إلى الخارج، وبلغت مبيعاتها في العام الحالي 13.7 مليار دولار، وفقاً لبيانات شركة “روس أبورون إكسبورت” (ROSOBORONEXPORT)، المسؤولة عن صادرات الأسلحة الروسية. وفي عام 2021، بلغ عدد أفراد الجيش الروسي نحو 900 ألف عسكري.

*مقارنة بين الجيش الروسي ونظيره الأوكراني

وتضم القوات النووية الاستراتيجية الروسية 517 مركبة إيصال استراتيجي لنشر الأسلحة النووية، وصواريخ باليستية عابرة للقارات وغواصات وقاذفات ثقيلة مزودة بـ1420 رأساً نووياً.

كما تمتلك روسيا 12 غواصة نووية تحمل صواريخ استراتيجية، و7 غواصات محملة بصواريخ كروز، و10 غواصات ذرية متعددة الاستخدامات، و21 غواصة تعمل على طوربيدات الديزل، وحاملة طائرات، و4 طرادات، و15 فرقاطة، و125 سفينة للدوريات وخفر السواحل، و11 مدمرة، و48 سفينة إنزال، بعدد أفراد يبلغ تعدادهم 150 ألفاً.

ويبلغ عدد أفراد القوات الجوية الروسية حوالي 170 ألفاً، وتشغل هذه أكثر من 3600 وحدة من المعدات العسكرية، بالإضافة إلى 833 وحدة تخزين، وفق معطيات العام 2019. ويمتلك سلاح الجو الروسي نحو 4500 طائرة، بينها 789 مقاتلة، و742 طائرة هجومية، و429 طائرة للشحن العسكري، و520 طائرة تدريب، و130 طائرة مهام خاصة، و1540 مروحية، من بينها 538 مروحية هجومية.

أما القوات البرية الروسية، فتضم 13 ألف دبابة ونحو 27 ألف مدرعة، و6540 مدفعاً ذاتي الحركة، و4465 مدفعاً ميدانياً، و3860 راجمة صواريخ، و450 كاسحة ألغام، ويبلغ تعداد أفرادها 350 ألفاً.

أما أوكرانيا فقد ورثت عن الاتحاد السوفييتي معظم قواعدها وقواتها الحالية، وكان قوام الجيش الأوكراني يبلغ نحو 455 ألف جندي في عام الاستقلال 1991، ثم تراجع شيئاً فشيئاً إلى نحو 120 ألفاً عام 2013. لكن أحداث عام 2014 التي تصفها كييف بـ”العدوان الروسي” على القرم وإقليم دونباس، أعادت الاهتمام بالقوات الأوكرانية ودعمها، فزادت ميزانيتها المخصصة لهذا الغرض لتبلغ نحو 6% من ميزانية 2021، بنحو 9.4 مليار دولار، بينما لم تتجاوز هذه الميزانية 1% قبل 2014.

وزادت أوكرانيا قواتها إلى نحو 204 آلاف جندي، أكثر من نصفهم متعاقدون، مع 46 ألف موظف عسكري إداري، بالإضافة إلى قوات داعمة أخرى، كحرس الحدود (نحو 53 ألفاً)، والحرس الوطني (60 ألفاً).

وتتألف القوات الأوكرانية اليوم من 6 أفرع، هي القوات البرية والبحرية والجوية، وكذلك قوات الهجوم (المحمولة جواً)، والقوات الخاصة، التي لا تُعرف أعدادها. واستحدثت أوكرانيا في 2016 “القوات الموحدة”، التي تشارك فيها عدة وحدات عسكرية وأمنية، لقتال المسلحين الروس والانفصاليين في شرق البلاد.

ويبلغ تعداد قوات أوكرانيا البرية نحو 145 ألف جندي، وتمتلك 11.435 مركبة مدرعة، و2430 دبابة، و2815 مدفعاً، و550 راجمة صواريخ.

أما قوات أوكرانيا الجوية فيبلغ تعدادها نحو 45 ألفاً، ولديها 285 طائرة، منها 42 مقاتلة، و111 طائرة مروحية متعددة الأغراض، و34 طائرة مروحية هجومية. ويعتبر البحر من أبرز نقاط ضعف أوكرانيا العسكرية، وأكبر الفروقات التي تميز روسيا عنها، فقواتها البحرية تضم 25 قطعة بحرية، منها فرقاطة واحدة فقط، والباقية عبارة عن سفن مراقبة واستطلاع.

ولسدّ هذه الفجوة في ميزان القوة بينها وبين روسيا، تعتمد أوكرانيا على مساعدات الغرب العسكرية، ولا سيما مساعدات الولايات المتحدة، التي خصصت لأوكرانيا أكثر من 4 مليارات دولار منذ 2014. وتوجه كييف جزءاً كبيراً من ميزانية الدفاع وخططه لشراء سفن من فرنسا وبريطانيا، ولإجراء مناورات في البحر الأسود.

* ردود افعال اقليمية ودولية ؟

بدأ الآلاف من السكان مغادرة العاصمة كييف، كما انطلقت صفارة الإنذار، وأظهرت الصور طوابير السيارات تسد أحد الطرق السريعة مع فرار الناس من المدينة. ويصطف الناس في طابور أمام ماكينات الصرف الآلي لسحب الأموال، وفي محطات التزود بالوقود.

وتشير مواقع التواصل الاجتماعي إلى شعور متزايد بالذعر، إذ قال بعضهم إنهم يُدفعون إلى الملاجئ والطوابق السفلية. وأظهرت لقطات تلفزيونية أشخاصا يصلون في الشوارع متجمعين في مجموعات.

وندد الرئيس الأمريكي جو بايدن بما سماه “هجوما غير مبرر للقوات العسكرية الروسية”.

وشدد على أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها سوف يردون بطريقة موحدة وحاسمة، “وسيحاسب العالم روسيا”.

كما انتقد ما قام به بوتين وقال: “لقد اختار الرئيس بوتين حرباً مع سبق الإصرار من شأنها أن تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح ومعاناة بشرية”.

وشدد بايدن على أن روسيا وحدها هي “المسؤولة عن الموت والدمار الذي سيحدثه هذا الهجوم”.

وأكد أنه سيتحدث أمام الأمريكيين الخميس بشأن العواقب التي ستواجهها روسيا، مشيرا إلى أنه يراقب الوضع من البيت الأبيض وسيجتمع مع قادة مجموعة السبع في الصباح قبل الإعلان عن “عواقب أخرى” بالنسبة لروسيا.

وعلق رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، على الهجوم الروسي وقال إن بريطانيا وحلفاءها سيردون بشكل حاسم.

وأضاف جونسون إنه “فزع من الأحداث المروعة في أوكرانيا” وأن الرئيس الروسي “اختار طريق إراقة الدماء والدمار بشن هذا الهجوم غير المبرر”.

وأكد أنه تحدث إلى رئيس أوكرانيا لمناقشة كيفية الرد، ويعد باتخاذ إجراءات حاسمة من قبل المملكة المتحدة وحلفائها.

وارتفعت أسعار النفط لى أكثر من 100 دولار للبرميل لأول مرة منذ 7 سنوات، في أعقاب إعلان بوتين عن عملية عسكرية في شرق أوكرانيا.

*تطورات ميدانية
أفاد مراسل بي بي سي في كييف، بول آدامز، أنه سمع من خمسة إلى ستة “انفجارات بعيدة” في العاصمة الأوكرانية كييف، ويقول إن هناك تقارير واردة عن انفجارات في أماكن أخرى من البلاد.

وكان بوتين قد أكد في خطابه للشعب الروسي على أن الاشتباكات بين القوات الأوكرانية والروسية “حتمية” و”مسألة وقت فقط”.

كما قال بوتين إن “العدالة والحقيقة” إلى جانب روسيا، محذرا من أن رد موسكو سيكون “فوريا” إذا حاول أي شخص مواجهة روسيا.

وشدد بوتين على أن تحركات بلاده هي دفاع عن النفس وأخبر الجيش الأوكراني أن آباءهم وأجدادهم لم يقاتلوا حتى يتمكنوا من مساعدة النازيين الجدد.

وجاء الإعلان الروسي بعد دقائق فقط من تحذير وكيل الأمين العام للأمم المتحدة من أن التصعيد العسكري سيؤدي إلى “تكلفة باهظة بشكل غير مقبول ومعاناة بشرية ودمار”.

*عقوبات أوروبية

من ناحية أخرى أصدر الاتحاد الأوروبي قائمة بكبار المسؤولين الروس الذين فرض عليهم عقوبات.

وتشمل القائمة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير الاقتصاد مكسيم ريشيتنيكوف، والقائد العام للبحرية الروسية وكذلك القائد العام للقوات البرية الروسية.

كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير شبكة روسيا اليوم الإخبارية التي تصدر باللغة الإنجليزية.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن زعماء الانفصاليين في دونيتسك ولوهانسك، شرقي أوكرانيا، طلبوا من القوات الروسية دخول مناطقهم للمساعدة في ما وصفوه بـ “صد عدوان القوات المسلحة والوحدات الأوكرانية”.

*تعبئة في أوكرانيا
كانت أوكرانيا قد طلبت من مواطنيها مغادرة روسيا لأن “العدوان الروسي المتصاعد” قد يحد من المساعدة القنصلية لهم فيما بعد.

ويعيش نحو مليوني أوكراني بشكل دائم في روسيا ويعتقد أن مليون إلى مليوني أوكراني آخرين يقيمون هناك كعمال مهاجرين.

وقال الجيش الأوكراني إنه استدعى جميع جنود الاحتياط الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما لمدة أقصاها عام واحد.

ودخلت حالة الطوارئ لمدة 30 يوما في جميع أرجاء البلاد، ما عدا المنطقتين الانفصاليتين، حيز التنفيذ في منتصف ليل الأربعاء صباح الخميس بالتوقيت المحلي. وتشمل حالة الطوارئ فحصا شخصيا للوثائق، ومنع جنود الاحتياط العسكريين من مغادرة البلاد، ومنح الحكومة سلطة فرض حظر تجول.

وجاءت الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها أوكرانيا في الوقت الذي تعرضت فيه لهجوم إلكتروني واسع النطاق امس الأربعاء، مما أثر على المواقع الحكومية والبنوك.

وقال وزير لوكالة إنترفاكس-أوكرانيا للأنباء، إن الخدمات المقدمة للعديد من المؤسسات الأوكرانية، منها وزارات الصحة والأمن والخارجية، توقفت عن العمل جراء هجوم عطل الخدمة. وتهدف مثل هذه الهجمات إلى إرباك مواقع الويب عن طريق إغراق الشبكة بحركة مرور وهمية ومنعها من الاتصال بشكل طبيعي.

وفي مجال المباحثات السياسية، توقفت ترتيبات خاصة بمزيد من المباحثات، حيث ألغى وزير الخارجية الفرنسي ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الاجتماعات المخطط لها مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وتلقى زعماء الاتحاد الأوروبي دعوة لحضور قمة استثنائية في بروكسل يوم الخميس لمناقشة الأزمة. وفي رسالة إلى أعضاء المجلس الأوروبي، قال الرئيس شارل ميشيل: “الأعمال العدوانية التي تقوم بها روسيا تنتهك القانون الدولي وسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها. كما أنها تقوض النظام الأمني الأوروبي”.

* تسلسل زمني للصراع بين البلدين :

ـ تفجر الأزمة ـ تشرين الثاني/نوفمبر 2013
في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، تخلى الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش بشكل مفاجئ عن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واختار التعاون بشكل وثيق مع روسيا. هذا القرار أثار موجة من الاحتجاجات من قبل المؤيدين لأوروبا في كييف حيث تجمعوا في ساحة “ميدان” في مظاهرات ضخمة جمعت ما ناهز 800 ألف شخص في شهر كانون الأول/ديسمبر.

ـ الحواجز ـ شباط/فبراير 2014

المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن بلغت أوجها، وشهدت أوكرانيا شهرا دمويا بعد مقتل 90 شخصا في كييف. وفي 22 شباط/فبراير عزل البرلمان الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذي لجأ إلى روسيا وتم تشكيل حكومة انتقالية. فلاديمير بوتين ندد بما اعتبره “انقلابا” وحذر بأنه يحتفظ بالحق في استخدام كل الخيارات المتاحة بما فيها الخيار العسكري كحل أخير.

ـ بوتين يضم القرم ـ آذار/مارس 2014

أيام قليلة قبل بداية الشهر اندلعت مواجهات بين عسكريين مساندين ومناهضين لروسيا في سيمفروبول عاصمة شبه جزيرة القرم التي أصبحت أوكرانية منذ 60 عاما فقط. القوات الروسية الخاصة سيطرت على المراكز الإستراتيجية في الإقليم الذي يتحدث أغلب سكانه اللغة الروسية.

وفي 16 آذار/مارس صوت الناخبون في هذا الإقليم لصالح الانضمام إلى روسيا في استفتاء وصفته أوروبا والولايات المتحدة بغير القانوني. وبعد يومين من ذلك، أعلن بوتين رسميا ضم إقليم القرم إلى روسيا.

ـ اندلاع الحرب في الشرق ـ نيسان/أبريل 2014

التمرد الموالي لروسيا والذي تدعمه موسكو توسع في مناطق الشرق الذي تقطنه أغلبية تتحدث اللغة الروسية. وفي 11 أيار/مايو أعلن الانفصاليون بشكل أحادي استقلال منطقتي لوهانسك ودونيتسك في دونباس إثر استفتاء اعتبرته كييف غير قانوني. وفي 25 أيار/مايو انتخبت أوكرانيا رئيسا جديدا مواليا للغرب هو بترو بوروشنكو. في حين انتشرت القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا في ترانسنيستريا، في بيلاروسيا، على الحدود الروسية، وفي القرم. وبعد شهر وقعت أوكرانيا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي.

ـ لقاء النورماندي ـ حزيران/يونيو 2014

على هامش الاحتفال بذكرى إنزال قوات الحلفاء في منطقة النورماندي (شمال فرنسا) خلال الحرب العالمية الثانية، عقد أول لقاء بين الرئيسين الأوكراني والروسي في بينوفيل، في 6 حزيران/يونيو 2014 برعاية المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. الهدف من اللقاء كان التوصل إلى حل للنزاع في دونباس. وتم تنظيم مشاورات مماثلة في السنوات التالية بدون أن تعطي نتائج.

ـ الطائرة الماليزية ـ تموز/يوليو 2014

في 17 تموز/يوليو 2014 أُسقطت طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية كانت تؤمن رحلة بين أمستردام وكوالالمبور بعد تعرضها لصاروخ حين كانت تحلق فوق غرب أوكرانيا. وكانت الحصيلة مقتل 298 شخصا. الغرب اتهم المتمردين الموالين لروسيا الذين نفوا مسؤوليتهم عن ذلك. واتخذ الغرب حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا. وفي أيار/مايو 2018، بعد 4 سنوات من الحادثة أكد المحققون الدوليون أن الصاروخ الذي أسقط الطائرة الماليزية مصدره وحدة عسكرية روسية.

ـ اتفاق مينسك ـ أيلول/سبتمبر 2014

وقعت أوكرانيا مع المتمردين الموالين لروسيا هدنة في عاصمة بيلاروسيا مينسك في 5 أيلول/سبتمبر. لكن اتفاق وقف إطلاق النار لم يحترم. باريس وبرلين قدمتا خطة “الفرصة الأخيرة” في شباط/فبراير 2015 وقبلت مختلف الأطراف خارطة طريق لحل النزاع فيما يعرف بـ “اتفاق مينسك 2”. لكن المواجهات العنيفة استمرت على جبهات القتال. أطراف النزاع حملت بعضها البعض مسؤولية هذا الفشل.

ـ فشل الدبلوماسية ـ أيلول/سبتمبر 2016

التقى كل من فلاديمير بوتين وأنغيلا ميركل وفرانسوا هولاند وبترو بوروشنكو في قمة جديدة في 19 تشرين الأول/أكتوبر. لكن المشاورات لم تحقق تقدما يذكر.

ـ النزاع يستمر ـ تموز/يوليو 2017

أعلنت كييف أن حلف شمال الأطلسي قبل بدء مشاورات لانضمام أوكرانيا إلى هذه المنظمة. وقد أعلنت الأخيرة مرارا دعمها لكييف إزاء اعتداءات موسكو المتهمة بدعم الانفصاليين في الشرق الأوكراني. وعلى الميدان تتواصل الهجمات دون تسجيل عمليات عسكرية كبرى.

ـ توتر في القرم ـ أيار/مايو 2018

دشن فلاديمير بوتين جسرا يربط القرم بروسيا، وهو مشروع ضخم يحمل أبعادا رمزية، ويهدف لكسر عزلة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014 رغم معارضة أوكرانيا والقوى الغربية. بعد 6 أشهر، اندلعت أزمة بحر آزوف التي لفتت الأنظار مجددا إلى الأزمة الأوكرانية.

* المصدر: وكالات