السياسية:

أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون وكندا اليوم الخميس ، انسحاب العمليتين العسكريتين لمكافحة الجهاديين برخان وتاكوبا من مالي بسبب تدهور العلاقات مع المجلس العسكري في باماكو.

وأعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن إغلاق آخر القواعد الفرنسية في مالي سيستغرق “4 الى 6 أشهر” معلنا انسحاب الجنود الفرنسيين والأوروبيين والكنديين من هذا البلد الذي يديره مجلس عسكري. وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي “سنغلق بالتالي تدريجيا في اجراء سيستغرق 4 الى 6 أشهر، القواعد الموجودة في مالي. خلال هذا الوقت، سنواصل مهام الحفاظ على الأمن” مع بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) التي تعد أكثر من 13 ألف عنصر حفظ سلام.

وقال بيان مشترك إن “الشروط السياسية والعملانية والقانونية لم تعد متوفرة” والدول قررت “الانسحاب المنسق” من مالي، مؤكدة في الوقت نفسه “رغبتها في مواصلة التزامها في منطقة” الساحل حيث ينشط جهاديون. وأعلن الشركاء الدوليون العاملون في منطقة الساحل في البيان أنهم يريدون “توسيع دعمهم إلى الدول المجاورة في خليج غينيا وغرب إفريقيا” لاحتواء التهديد الجهادي.

وقال البيان “من أجل احتواء التوسع الجغرافي المحتمل لأنشطة المجموعات الإرهابية المسلحة باتجاه جنوب المنطقة وغربها، يعرب الشركاء الدوليون عن استعدادهم للنظر فعليا في تقديم دعمهم إلى البلدان المجاورة في خليج غينيا وغرب أفريقيا بناء على طلباتها”.

وقد تدخلت باريس لوقف تقدم هذه الجماعات الذي هدد باماكو، ثم نظمت عملية واسعة في المنطقة لمكافحة الجهاديين تحمل اسم “برخان” ونشرت آلاف الجنود لمحاربة فرعي تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. لكن على الرغم من الانتصارات التكتيكية لم تتمكن الدولة المالية وقواتها المسلحة من بسط سيطرتها على ألأرض من جديد.

وما زاد من خطورة الوضع إطاحة الحكومة المالية في انقلابين في 2020 و2021، أديا إلى تولي السلطة من قبل مجموعة عسكرية ترفض تنظيم انتخابات قبل سنوات، وتستغل مشاعر العداء لفرنسا المتزايدة في المنطقة. وفرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عقوبات على السلطات المالية التي تدين الوجود العسكري الغربي على أراضيها، ولجأت حسب الأوروبيين، إلى استقدام المرتزقة الروس في مجموعة فاغنر.

وينتشر نحو 25 ألف رجل في منطقة الساحل حاليا بينهم نحو 4300 فرنسي (2400 في مالي في إطار عملية برخان)، حسب الإليزيه. كما ينتشر في مالي 15 ألف جندي تابعين لبعثة الأمم المتحدة (مينوسما) وبات مستقبلهم مجهولا حاليا لاعتمادهم على دعم كبير من قوة برخان.

كانت مالي في قلب نالإجراءات الأوروبية والفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. وكان ماكرون قرر بدء خفض عديد القوات الفرنسية صيف 2021 لنشر قوات إقليمية أقل وضوحا، لكن هذا المغادرة القسرية من البلاد ستجبر باريس على تسريع عملية إعادة التنظيم هذه في بلدان أخرى في المنطقة مهددة بعدوى الجهاديين وخصوصا في خليج غينيا.

وأكد رئيس ساحل العاج الحسن واتارا الأربعاء لقناتي إذاعة فرنسا الدولية وفرانس24 “نعتبر أن مكافحة الإرهاب أمر أساسي لمالي وبوركينا فاسو والنيجر ودول الساحل”. ورأى أن “رحيل برخان وتاكوبا (مجموعة من القوات الخاصة الأوروبية) يسبب فراغا. سنضطر لشراء أسلحة وعلى الحصول على قدر أكبر من الاحتراف ولكن هذا واجبنا أيضًا”، مؤكدا أنه “يجب على الجيوش الوطنية تسوية المشاكل على أراضينا الوطنية وهذه فلسفتنا”.

وقالت الرئاسة الفرنسية الثلاثاء “نحن بحاجة إلى إعادة اختراع شراكتنا العسكرية مع هذه الدول”. وأضافت أن “الأمر لا يتعلق بنقل ما نفعله في مالي إلى مكان آخر، بل بتعزيز ما نفعله في النيجر ودعم الجناح الجنوبي بشكل أكبر”. وقال مصدر قريب من الإليزيه إن فرنسا وعدت بتنسيق انسحابها مع بعثة الأمم المتحدة في مالي وبعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية في مالي، اللتين ستستمران في الاستفادة من دعم فرنسي جوي وطبي على الأرض قبل نقل هذه الوسائل في قوت لاحق.

خارج مالي ، تعتزم باريس مواصلة مكافحة الجهاديين في المنطقة حيث ما زالت مجموعات تابعة للقاعدة أو لتنظيم الدولة الإسلامية تتمتع بقدرة كبيرة على إلحاق الأذى على الرغم من القضاء على العديد من قادتها. وإلى جانب تعزيز محتمل لوجودها في النيجر المجاورة التي تضم على أراضيها قاعدة جوية فرنسية و800 عسكري، تنوي باريس عرض خدماتها على دول أخرى في غرب إفريقيا (ساحل العاج، السنغال، بنين. ..) لمساعدتها على التصدي لانتشار الجهاديين في خليج غينيا. ومنذ 2013 ، قتل 53 جنديا فرنسيا في منطقة الساحل، بينهم 48 في مالي.

* أبرز محطات الوجود العسكري في مالي طيلة تسعة أعوام

سرفال

في آذار/مارس 2012، سيطر المتمردون الطوارق الانفصاليون على مناطق شمال مالي الثلاث كيدال وغاو ثم تمبكتو. لكنهم ما لبثوا أن أُبعدوا على أيدي شركائهم الإسلاميين المرتبطين بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.

في 11 كانون الثاني/يناير 2013، أطلقت فرنسا عملية سرفال في مالي لوقف تقدم الجهاديين.

في نهاية كانون الثاني/يناير من العام نفسه، استعاد الجنود الفرنسيون والماليون مدينة غاو ثم دخلوا إلى تمبكتو من دون قتال قبل أن يسيطروا على مطار كيدال.

بعد ثلاثة أسابيع من بدء التدخل الفرنسي، تم استقبال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كالفاتحين في باماكو وتمبكتو.

في الأول من تموز/يوليو، أطلقت “عملية الأمم المتحدة المتكاملة لإحلال الاستقرار في مالي” (مينوسما)، وحلت محل قوة إفريقية.

برخان

في أيار/مايو 2014، استعادت مجموعات متمردة من الطوارق والعرب السيطرة على كيدال بعد مواجهات مني فيها الجيش المالي بهزيمة كبيرة.

في الأول من آب/أغسطس، استبدلت “سرفال” بعملية “برخان” ذات الأبعاد الإقليمية بمشاركة ثلاثة آلاف جندي فرنسي في منطقة الساحل.

في أيار/مايو-حزيران/يونيو 2015 تم توقيع اتفاق السلام في الجزائر العاصمة بين الحكومة المالية والمتمردين السابقين من الطوارق، لكن تطبيقه بقي صعبا. منذ ذلك الحين، امتدت أعمال العنف إلى الجنوب ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.

اعتداءات

اعتبارًا من عام 2015، تضاعفت الهجمات على القوات المالية والأجنبية والأماكن التي يرتادها أجانب. وقد استخدمت فيها عبوات يدوية الصنع، كما نفذ جهاديون هجمات خاطفة على دراجات نارية وغيرها.

في السابع من آذار/مارس، تسبب اعتداء على مطعم بمدينة باماكو في وقوع خمسة قتلى وكان الأول الذي يستهدف غربيين في العاصمة المالية. وتبنت الهجوم جماعة “المرابطون” الجهادية التي يقودها مختار بلمختار.

كما تبنت الجماعة هجوما في 20 تشرين الثاني/نوفمبر على فندق “راديسون بلو” في باماكو أدى الى سقوط عشرين قتيلا بينهم 14 أجنبيا. ومنذ ذلك الحين، فرضت حالة الطوارئ بشكل شبه متواصل في البلاد.

في آذار/مارس 2017، اتحد الجهاديون المرتبطون بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وحركة الداعية الفولاني المتطرف أمادو كوفا الذي ظهر في 2015 في وسط مالي، تحت مظلة “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” بقيادة الزعيم الإسلامي إياد أغ غالي المنتمي إلى الطوارق.

وانتشر تنظيم “الدولة الإسلامية” أيضا في الصحراء الكبرى وشن سلسلة من الهجمات الواسعة في نهاية 2019 على قواعد عسكرية في مالي والنيجر.

وصُنف العدو الأول خلال قمة مدينة بو (جنوب غرب فرنسا) في كانون الثاني/يناير 2020 بين باريس وشركائها في مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد).

سقوط قادة

إلى جانب تركيزها على تنظيم “الدولة الإسلامية”، واصلت “برخان” في 2020 سياستها في القضاء على الكوادر الجهادية.

في الرابع من حزيران/يونيو، قتلت قوة برخان زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الجزائري عبد المالك دروكدال في مالي في نجاح رمزي كبير. في تشرين الثاني/نوفمبر، قتلت فرنسا بالرصاص “القائد العسكري” للحركة باه أغ موسى.

لكن الجهاديين لم يخففوا قبضتهم. فقد قتل تنظيم “الدولة الإسلامية” في الصحراء ستة عمال إغاثة فرنسيين في آب/أغسطس 2020 في النيجر.

في 2021 قتلت القوات الفرنسية زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” في الصحراء الكبرى عدنان أبو وليد الصحراوي.

انقلابات عسكرية متتالية

في 18 آب/أغسطس 2020، أطاح انقلاب بالرئيس المالي إبراهيم ابوبكر كيتا الذي انتخب في 2013 بعد أشهر من أزمة سياسية.

تدهورت العلاقات بين باريس وباماكو بعد انقلاب جديد في 24 أيار/مايو 2021.

في 10 حزيران/يونيو أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرحيل التدريجي لخمسة آلاف عنصر من قوة برخان لإبقاء قوة قليلة العديد من 2500 إلى 3000 رجل.

في 25 أيلول/سبتمبر، اتهم رئيس الوزراء المالي فرنسا “بالتخلي في منتصف الطريق” عن بلاده مع خفض عديد برخان مبررا ضرورة “البحث عن شركاء آخرين”.

في 30 أيلول/سبتمبر وصف ماكرون تصريحاته بأنها “مخزية”.

في نهاية كانون الأول/ديسمبر نددت حوالى 15 قوة غربية بينها باريس ببدء انتشار مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية في مالي.

في 09 كانون الثاني/يناير 2022 أغلقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، حدودها مع مالي وفرضت عليها حظرا بسبب إرجاء انتخابات رئاسية وتشريعية كانت مرتقبة في 27 شباط/فبراير.

في 24 كانون الثاني/يناير وقع انقلاب عسكري في بوركينا فاسو، الدولة الثالثة، بين الأربع التي تنتشر فيها قوة برخان.

تصعيد جديد

في نهاية كانون الثاني/يناير، طالب المجلس العسكري الحاكم في مالي الدنمارك بالسحب الفوري لجنودها المئة الذين وصلوا مؤخرا كجزء من التجمع الأوروبي للقوات الخاصة تاكوبا، قائلا إنه لم يعط موافقته على هذا الانتشار.

في 31 كانون الثاني/يناير قرر طرد السفير الفرنسي.

في الأول من شباط/فبراير، أمهلت باريس نفسها أسبوعين لاتخاذ قرار مع شركائها الأوروبيين بشأن مستقبل وجودهم العسكري في مالي.

في 08 و10 شباط/فبراير، تسببت ثلاثة هجمات بالقنابل محلية الصنع في مقتل تسعة أشخاص على الأقل بينهم فرنسي في شمال بنين. أعلنت باريس أنها قضت في بوركينا فاسو على أربعين جهاديا ضالعين في هذه الاعتداءات.

في 14 شباط/فبراير، قدر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بأن حوالى ألف من مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية موجودون حاليا في مالي، مكررا القول إن الشروط “لم تعد ملائمة” لاستمرار مهمة برخان في هذا البلد.

وكالات