تقرير – السياسية – وكالات :

منذ عدة أيام وحي الشيخ جراح يتعرض لاستفزازات من قبل جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه عن طريق ممارسة سياسة التطهير العرقي ضد سكان الحي من المقدسيين، ما ينذر بصاعق سيفجر الأوضاع من جديد مع فصائل المقاومة الفلسطينية كون ما يحدث حاليا يشبه بشكل كبير الوضع الذي كان قائما في مايو من العام الماضي.

ففي تكرار لنفس المشهد الذي سبق معركة “سيف القدس1” حين تدخلت فصائل المقاومة في غزة، للرد عسكريا على الاعتداءات ضد القدس وسكانها، كثّف كيان الاحتلال من اعتداءاته على حيّ الشيخ جراح بالتوازي مع هجمة شرسة طالت الأسرى الفلسطينيين في سجونه.

ويشير ذلك إلى أن كيان الاحتلال يسعى لتفجير معركة جديدة مع فصائل المقاومة وهو يدرك أن جرائمه لا يمكن أن تفرض واقعا جديدا أو تحدث تغييرا في موقفها الوطني الثابت القائم على خيار المقاومة والمواجهة.

وبالتزامن مع تجدد أحداث حي الشيخ جراح أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بيان لها اليوم الأربعاء، أن جرائم الاحتلال المتكررة في الشيخ جراح لا يمكن أن تقبلها المقاومة.. مؤكدة أنها ترفض محاولة استئصال أهالي الحي المقدسي من أرضهم.

وقال الناطق باسم (حماس) عبد اللطيف القانوع: إن المقاومة تتابع عن كثب ما يحدث في الشيخ جراح ولن تقف مكتوفة الأيدي.. مضيفاً: “التحمنا مع أهالي الحي سابقاً في معركة سيف القدس لحماية القدس والانتصار للأقصى والشيخ جراح، لنؤكد أننا معهم في تثبيتهم على أرضهم واكتساب حقوقهم”.

وشدد القانوع على أن المقاومة حاضرة دوماً ولن تسمح بأن يتمادى الاحتلال في غطرسته وسيدفع ثمنها.. وأنه لا يمكن السماح للاحتلال بالانفراد بحي الشيخ جراح، والمقاومة جاهزة للانتصار من جديد.

من جهته حذر القيادي في (حماس) اسماعيل رضوان من استمرار العدوان على الشيخ جراح.. مؤكداً أنه على كل الوسطاء أن يتدخلوا بشكل عاجل للجم هذا العدوان.. وقال: “نقول لأهالي الشيخ جراح اثبتوا على ما أنتم عليه ولن نخذلكم ولن نتخلى عنكم”.

فيما أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية، أنها لن تتوانى عن حماية الوجود الفلسطيني في ظل الاستيطان والتهويد، وأن “سيف القدس” ما زال مشرعًا والمعركة مع الاحتلال لم تنتهِ إلا بزوال العدوان.

وحذر المتحدث باسم الفصائل علي الششنية خلال مؤتمر صحفي لفصائل المقاومة، كيان الاحتلال وقادته من مواصلة مخططاته والمشاريع الاستيطانية والتهويدية.

وقال الششنية: “نعتز ونفتخر بأبناء شعبنا وأهلنا وشبابنا ومقاومينا في كافة أنحاء القدس والضفة والداخل الفلسطيني، الذين يلقنون العدو الصهيوني ومستوطنيه الدروس تلو الدروس”.

ووجه التحية إلى أهالي القدس والشيخ جراح الذين يتصدون بصدورهم العارية وإرادتهم الفولاذية لجرائم الاحتلال وتغول مستوطنيه.. قائلاً: “ماضون في طريق المقاومة والجهاد حتى التحرير والعودة”.

وأكد القيادي في فصائل المقاومة، وقوفها خلف الأسرى سندًا لهم، قائلًا: “لن نسمح للاحتلال ومصلحة سجونه بالاستفراد بهم مهما كانت التضحيات”.

وشدد على ضرورة رفع الحصار “الإسرائيلي” عن قطاع غزة بشكل كامل، ورفع العقوبات من قبل السلطة الفلسطينية، وصرف مستحقات منتفعي الشؤون الاجتماعية فورًا.

في السياق ذاته.. رأى محللون مختصون بالشأن الفلسطيني و”الإسرائيلي” أن احتمالات وصول هذه الأحداث لمواجهة مع المقاومة في قطاع غزة قائمة في حال وصول جهود نزع فتيل وصواعق الانفجار إلى نقطة اللاعودة واستنفاد كل السبل لردع المستوطنين وحكومتهم.

وأوضح هؤلاء، أن المقاومة في غزة استخلصت الدروس من معركة “سيف القدس” والتي كانت أحداث القدس والشيخ جراح سببا رئيسا فيها، وتفضل استنفاد كل السبل وأشكال المقاومة في ساحات أخرى قبل اللجوء لساحة غزة كجدار أخير.

وقال الكاتب والمحلل وسام عفيفة في تصريح لوكالة أنباء “صفا” الفلسطينية: إن آثار معركة “سيف القدس” حاضرة في المشهد وترجمته الأصوات “الإسرائيلية” من المستويات السياسية والعسكرية ومن الكتاب والمحللين بعدم السماح لجر حكومة “بينت” لمواجهة من أشخاص متطرفين مثل” بن غفير”.

وأضاف عفيفة: “واضح أن اليمين (الإسرائيلي) الكهاني والمتطرف “بن غفير” يعبثون ويناورون بمحاولات لا تتوقف لجر الحكومة “الإسرائيلية” من جهة والشعب الفلسطيني ومقاومته من جهة أخرى لمواجهات، ولولا ردع المقاومة في معركة سيف القدس والاستخلاصات لكانت المحاولات أكبر مما يجري الآن”.

وتابع: “الاحتلال يحاول الالتفاف على الالتزامات التي قطعها للوسطاء بعد معركة سيف القدس لسحب فتيل الانفجار في القدس وحي الشيخ جراح عن طريق محاولات قضائية وتمرير قرارات على المدى البعيد ومن ضمن هذه المحاولات الترغيب والترهيب لأهالي الحي”.

وبحسب تقدير موقف المحلل عفيفة، فإن سلطات الاحتلال مصرة على تنفيذ أطماعها في القدس المحتلة ولا سيما في حي الشيخ جراح، لكن المقاومة تقف رادعا أمام هذه الأطماع.

ونوه بأن المقاومة في غزة تدرس وترصد المشهد باتجاهين، الأول استنفاد كافة الوسائل وأشكال المقاومة الشعبية المختلفة وإتاحة الفرصة للمقاومة الشعبية وقدرة المقدسيين على تثبيت حقهم ولفت الأنظار لهذه القضية على أكثر من مستوى، بالإضافة لإعطاء فرصة للمقاومة في ساحات أخرى مثل الضفة الغربية في ظل توسع خارطة المقاومة.

أما المشهد الثاني وفق عفيفة، فهو أن المقاومة شددت على أنها على جهوزية عالية واستعداد للدفاع عن مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني، لكنها تضع مقدراتها في جبهة غزة تحديدا خلف المقاومة في القدس والضفة الغربية وال 48 باعتبارها جدار يستند إليه الجميع في آخر مرحلة.

كما لفت إلى أن من مصلحة المقاومة أن تقوم كل الساحات بأدوارها وقدراتها وفق الظروف المتاحة وخصوصية كل منطقة.

ويتفق الباحث والمختص بالشأن “الإسرائيلي” أليف الصباغ مع ما قاله الكاتب عفيفة، بأن لدى اليمين “الإسرائيلي” مصلحة في توتير الأجواء في القدس وفي الشيخ جراح تحديدا في ظل الدعم المتواصل من حكومة الاحتلال “الإسرائيلية” الحالية.

ولم يستبعد الصباغ أن تصل الأمور لمواجهة عسكرية مع المقاومة في غزة كخيار أخير في ظل التعنت الإسرائيلي واستخدام الوسطاء لتحييد جبهة غزة عما يجري بالقدس والشيخ جراح.. مشيراً إلى أن حكومة الاحتلال أمام خيارين إما أن تدعم توجهات بن غفير وزمرته أو تقوم بجهود للتهدئة مؤقتا عن طريق الوسطاء حتى لا تتحول هذه الأحداث لمواجهة موسعة مع المقاومة في غزة.

وأضاف: “في المقابل، ليس أمام الفلسطينيين سوى الصمود والمقاومة بشتى السبل وفي مقدمتها المقاومة الشعبية رغم ضعف الرد الرسمي من قبل السلطة والتطبيع العربي الذي يضعف الموقف الفلسطيني”.

ورأى الصباغ أن الالتفاف الشعبي مع أهالي الشيخ جراح هو الذي سيوقف تطرف الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها.

وتابع قائلاً: “المقاومة في غزة استخلصت الدروس خلال المواجهة الأخيرة ولا يجوز اقحامها في عملية عسكرية إلا بعد استنفاذ كل الخيارات، وعلى الجماهير الفلسطينية أن تأخذ دورها لأقصى مدى لتجنيد رأي عام دولي وعربي داعم”.

واختتم بالقول: “في المرة السابقة كانت المقاومة في غزة سريعة الرد وربما هذه المرة ستعطي فرصة لأنواع أخرى من وسائل الضغط على الاحتلال للتراجع، ولكن لا يمكن إيقاف الاستيطان وتغول المستوطنين دون رادع قوي”.

الجدير ذكره أن المنطقة لم تشهد استقراراً أمنياً حقيقياً منذ نشأة كيان الاحتلال على أرض فلسطين المحتلة، بل إنَّها لم تشهد فترات استقرار أمنيّ طويلة يمكن الأخذ بأسبابها وتحليلها وتبيان ما يمكن أن يدفع كياناً عدوانياً بطبيعته إلى عدم الاعتداء وضبط النفس، في مواجهة الرغبة الذاتية الجامحة بممارسة الجريمة، كتعبيرٍ عن نزعة وهُوية بنيوية في شخصية المحتل/المستوطن، ويبدو أن هذا الكيان لم يستوعب الدرس والهزيمة التي تلقّاها من المقاومة في معركة سيف القدس”.