السياسية:

سنوات مرت على قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر، لحظة فارقة بتاريخ مصر، ليس السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي فقط، بل على المستوى الفني أيضاً، خاصةً السينمائي، رحلة طويلة من التغيرات مرت بها السينما المصرية بداية من الألفية الجديدة حتى العام الجاري، في التقرير نستعرض إلى أين كانت تتجه السينما وكيف أصبح حالها.

بداية الألفية.. وما قبل الثورة

مع بداية الألفية الجديدة كانت الأجواء في السينما المصرية مشوشة ومتوترة، فمع قرب نهاية جيل سيطر على السينما في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وصعود جيل جديد من الشباب، كانت هناك مخاوف كثيرة من عدم قدرة الجيل الجديد على النهوض بالسينما، ولكن محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأحمد السقا كان لهم رأي آخر.

ففي تلك الفترة ومع مرور عامين من الألفية الجديدة، كان أحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز ينسحبون تدريجياً من السينما، حتى إن ظهورهم التالي لم يكن في أفلام بطولة مطلقة وبدأوا يركزون مع المسلسلات الدرامية، ما عدا أحمد زكي الذي قدم آخر أفلامه “حليم” عام 2006، وهو فيلمه الثالث في الألفية الجديدة، في حين أن الفنان عادل إمام استمر في عطائه السينمائي، ولكن أفلامه الأولى في تلك السنوات لم تحقق النجاح الجيد قبل أن يستعيد الوجهة الصحيحة بعد مرور عدة سنوات ويقدم أفلاماً ناجحة.

على الجانب الآخر كان محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأحمد السقا يرسلون رسائل طمأنة للجمهور، فمع نهاية قرن وبداية قرن جديد كان هنيدي قدم ثلاثة أعمال متتالية حققت نجاحاً كبيراً جداً وهي: “صعيدي في الجامعة الأمريكية”، و”همام في أمستردام”، و”بلية ودماغه العالية”، قبل أن ينفصل عنه أحمد السقا في فيلمه الأخير ويبدأ رحلة بطولاته ويقدم “شورت وفانلة وكاب”، “أفريكانو” و”مافيا”، ليسطر تاريخاً جديداً في السينما المصرية لمرحلة الأفلام الأكشن التي لم تعرف الطريق لمصر إلا من خلاله، ومعهم علاء ولي الدين الذي قدم نجاحات كبيرة في ذلك الوقت بفيلمي “عبود على الحدود” و”الناظر”، وجاء من بعدهم بخطوة، كريم عبد العزيز الذي بدأ رحلته هو الآخر بنجاحات كبيرة في أولى سنوات الألفية الجديدة، ومعه أحمد حلمي، ومحمد سعد، وأحمد عز، وهاني سلامة وهاني رمزي وآخرون، مع مساندة من نجمات مثل منى زكي، وحنان ترك، وياسمين عبد العزيز، ونور اللبنانية، وهند صبري، وموناليزا، وحلا شيحة وممثلات أخريات.

وظهرت على الساحة المصرية كيانات إنتاجية كبيرة، تمثلت في شركات “أوسكار” التابعة للمنتج وائل عبد الله، و”النصر” التابعة للمنتج محمد حسن رمزي، و”الماسة” للمنتج هشام عبد الخالق، و”الشركة العربية” التابعة للفنانة إسعاد يونس، و”العدل جروب” التابعة لعائلة العدل، و”السبكية ” لمحمد وأحمد السبكي، و”الباتروس” للمنتج كامل أبو علي، وعدد من المنتجين الآخرين.. مع ميلاد كيانات عملاقة بعد عدة سنوات مثل شركة “جود نيوز” ودخول “روتانا” لمجال الإنتاج، انفتح السوق أكثر وزاد عدد الأعمال المنتجة ورُصدت ميزانيات كبرى لها، خاصةً “جود نيوز” التي أنتجت فيلمي “عمارة يعقوبيان” و”ليلة البيبي دول” بميزانيات خرافية في ذلك الوقت، حيث تكلف الأول 22 مليون جنيه، أما الثاني فكانت ميزانيته 40 مليون جنيه.

وبالنسبة لتوزيع الأفلام كان هناك تحالفان يسيطران على السوق: الأول هو تحالف “الأوسكار- النصر- الماسة”، والثاني هو “الشركة العربية” مع بعض المنتجين.

كل هذه المعطيات جعلت السينما في السنوات العشر التي سبقت ثورة يناير تتسع عاماً بعد الآخر، سواء من حيث عدد الأفلام المنتجة والمتاحة للجمهور، أو حتى من حيث الجودة والموضوعات الجديدة، حتى إن تلك الظروف جعلت فنانين كثيرين يستعيدون بريقهم، مثل عادل إمام الذي قدَّم أفلاماً سيئة في النصف الأول من تلك الفترة، ولكنه في النصف الثاني قدَّم أفلاماً ناجحة، وعودة محمود عبد العزيز للسينما مرة أخرى بعدما هجرها في النصف الأول من تلك الفترة، وعودة نور الشريف، وميلاد نجوم جدد مع كل عام.

وزاد إنتاج الأفلام بدايةً من عام 2005، ثم انخفض في السنوات الأخيرة، بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة وانسحاب عدد من المنتجين من السوق.

وفيما يتعلق بالإيرادات فقد وصلت إلى 160 مليون جنيه في 2005، ثم 180 مليوناً في 2006، ثم 200 مليون في 2007، حتى وصلت في عام 2010 إلى 223 مليون جنيه.

جاءت ثورة يناير ومعها، كما يتبع أي ثورات، أوضاع أمنية واقتصادية متردية، وهو ما أثر على السينما، ففي النصف الأول من ذلك العام عُرضت بالسينمات 9 أفلام فقط، منها ثلاثة أفلام كانت في السينمات بداية العام وقبل اندلاع الثورة وهي: “فاصل ونعود”، و”365 يوم سعادة” و”الشوق”، وكانت الأوضاع تنبئ بموسم كارثي لولا صعود المارد الصغير “نيوسينشري” التي أنتجت وحدها 5 أفلام في ذلك العام، وهي الشركة التي بدأت أولى خطواتها قبل الثورة بأعوام قليلة، ليصل إجمالي الأفلام المعروضة في ذلك العام إلى 28 فيلماً، منها 19 فيلماً تم عرضها في النصف الثاني من العام.

وكان أكثر الفائزين في ذلك العام هو أحمد حلمي، الذي جمع من فيلمه “إكس لارج” 30 مليون جنيه، ليصبح الأكثر إيرادات في تاريخ السينما حتى ذلك العام، ومالت أغلب الأفلام إلى الطابع الكوميدي، فقد كان نصفها (14 فيلماً) تصنَّف كأفلام كوميدية، وجمعت السينما في ذلك العام 128 مليوناً و695 ألف جنيه، وهو رقم قليل مقارنة بعدد الأفلام.

ورغم عدد الأفلام الكبير مقارنة بالأوضاع، فإن معظمها كانت أفلاماً تجارية وغاب عنها عنصر الجودة الذي تميزت به الأفلام قبل الثورة، وغاب معظم نجوم السينما عن الوجود ذلك العام. ولم يخلُ العام من الأفلام الجيدة، مثل فيلم “18 يوم” الذي كان يحاكي الثورة وتم عرضه في مهرجان “كان”، وفيلم “أسماء” الذي تم عرضه بعدد من المهرجانات وحصد عدة جوائز.

ولكن أسوأ ما حدث خلال هذا العام هو تغيير بعض المنتجين نهايات أفلامهم لتتناسب مع الظروف التي تمر بها البلاد، لتنتهي تلك الأفلام بقيام الثورة، بعدما كانت لها نهايات مختلفة، وهي: أفلام “صرخة نملة”، و”كف القمر”، و”تك تك بوم”.

ولم يخلُ العام أيضاً من مشاكل مع الرقابة التي استمرت منذ السنوات السابقة، والتي سنكتشف في السطور التالية أنها اختفت في السنوات الأخيرة، حيث اعترضت الرقابة على فيلم “الخروج من القاهرة” بسبب أحداثه وقصة الحب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، وكذلك فيلم “على واحدة ونص”، بسبب إساءته إلى الصحفيين.

تحسنت الأوضاع الأمنية في ذلك العام، وكانت الأمور مستقرةً معظم أوقات العام، وزاد إنتاج الأفلام ليصل إلى 30 فيلماً خلال العام، وحققت تلك الأفلام إيرادات بلغت 183 مليوناً و455 ألف جنيه. وكالعام السابق كان النصف الثاني من العام أفضل من أوله، فقد تم عرض 22 فيلماً في النصف الثاني من العام، خاصة بعد انتخابات الرئاسة واستقرار الأوضاع.

الشكل العام هو تحسُّن الأوضاع، ولكن في الحقيقة التحسن كان في الأرقام فقط، فقد شهد هذا العام ظهور نوعية الأفلام التي تحتوي على “الخلطة السُّبكية”، وهي جملة كان يتهكم بها النقاد على أفلام السبكي ذات الذوق المنحدر والمعتمدة على ظهور البلطجة والراقصات في الأفلام، وكان نصيب السبكي من إيرادات السينما 75 مليون جنيه، وكان أول أفلام الخلطة السبكية فيلم “عبده موتة” لمحمد رمضان والذي تساوى مع فيلم “المصلحة”، محققاً 22 مليون جنيه كأعلى إيرادات خلال العام، وهو ما شجَّع السبكي على الاستمرار في إنتاج تلك النوعية من الأفلام.

وكانت النقطة المضيئة، في استمرار شركة “نيوسينشري” في مزاحمة السبكي بتقديم أفلام جيدة، حيث أنتجت 5 أفلام خلال العام، وحققت من خلالها إيرادات بلغت 23 مليون جنيه، وكذلك وجود أفلام بقوة “مصور قتيل” الذي نافس على جوائز مهرجان القاهرة في ذلك العام، وفيلم “بعد الموقعة” الذي يتحدث عن موقعة الجمل في أثناء ثورة يناير وتم عرضه في مهرجان كان السينمائي الدولي.

وسيطرت الأفلام الكوميدية على السينما كما حدث في العام السابق وكان عددها 15 فيلماً. وشهد العام ميلاد الأفلام الرديئة ذات التكلفة المنخفضة مثل “متعب وشادية”، و”ركلام”، و”سبوبة” و”البار”، وهي أفلام لم تحقق أي إيرادات تُذكر.

كان العامَ الأسوأ في السنوات العشر الأخيرة، ربما بسبب الظروف السياسية المتوترة التي عاشتها مصر منذ بداية العام، والإطاحة بحكم الإخوان وفض اعتصامي رابعة والنهضة وما تلاه من حظر تجول ومظاهرات، ربما كان ذلك هو السبب في جعله العام الأسوأ، سواء من حيث الأرقام أو من حيث الجودة.

عدد الأفلام المعروضة في ذلك العام انخفض إلى 25 فيلماً وهو أقل معدل في السنوات الأخيرة، والإيرادات بلغت 96 مليوناً و289 ألف جنيه، وهو الرقم الأسوأ أيضاً في تلك السنوات، أضف إلى ذلك سيطرة السبكي على السينما وانسحاب الشركات الكبرى، حيث قدَّم وقتها 6 أفلام، حصد من خلالها أكثر من نصف إيرادات العام بنحو 50 مليون جنيه، وتنوعت أفلامه ما بين أفلام البلطجة مثل “قلب الأسد” والأفلام الرديئة مثل “عش البلبل” و”كلبي دليلي”.

وللمرة الأولى أيضاً في السنوات العشر الأخيرة، توجد 10 أفلام بالسينما لم تتخطَّ إيراداتها حاجز المليون جنيه، بل الصادم أكثر أن هناك 3 أفلام لم تتخطَّ 100 ألف جنيه في شباك التذاكر، كما انخفضت الأفلام الكوميدية إلى 12 فيلماً، أي أقل من المنتصف، وغاب معظم نجوم السينما عن تقديم أي عمل، وعلى رأسهم أحمد السقا، ومحمد هنيدي، وكريم عبد العزيز، وأحمد عز وغيرهم، وغابت الأفلام التي تنتمي إلى نوعية أفلام الثورة التي ظهرت في العامين السابقين، وتحاشت معظم الأفلام الحديث عن السياسة باستثناء فيلم “فبراير الأسود” للراحل خالد صالح والذي سخِر من الأوضاع الاجتماعية والسياسية والتركيبة الطبقية في مصر.

بدأت السينما في استعادة عافيتها، فقد زاد عدد الأفلام المنتجة هذا العام ليصل إلى 31 فيلماً، وعادت السينما لتحقق إيرادات عالية بإجمالي 203 ملايين و594 ألف جنيه، حقق نصفها فقط ثلاثة أفلام وهي: “الجزيرة 2” بـ35 مليون جنيه، وكان الأعلى في تاريخ السينما المصرية حتى ذلك الوقت، وفيلم “الفيل الأزرق” بـ31 مليون جنيه، و”الحرب العالمية التالتة” بـ30 مليون جنيه.

وزاد إنتاج السبكية ليصل إلى 8 أفلام، محققين إيرادات بلغت 76 مليون جنيه، نصفها حققها فيلم “الحرب العالمية التالتة”، والفيلم لم يكن من إنتاج أحمد السبكي من الأساس ولكنه اشتراه من منتجه الأصلي (وائل عبد الله وهشام عبد الخالق) بعد توقف تصويره قبل انتهائه بأسبوع، وكالعادة كان النصف الثاني من العام هو الأكثر استقبالاً للأفلام بعرض 17 فيلماً.

وشهد العام مشكلة سينمائية كبيرة بسبب السبكي أيضاً، الذي أنتج فيلم “حلاوة روح” لهيفاء وهبي، والذي احتوى على مشاهد خادشة، دفعت رئيس الوزراء وقتها، إبراهيم محلب، إلى التدخل بنفسه فأصدر قراراً بوقف عرض الفيلم، وذلك بعد تساهل الرقابة مع السبكي، مما جعل رئيس الرقابة وقتها، أحمد عواض، يتقدم باستقالته على أثر سماحه بتمرير الفيلم بهذا الشكل.

كان من المتوقع أن يكون عام 2015 في بدايته امتداداً لعام 2014، خاصة مع استقرار الأوضاع أكثر واتضاح ملامح الخريطة السياسية وقلَّة المظاهرات وهدوء الأمواج الاقتصادية الطائشة. ولكن الأمور كانت سيئة في هذا العام، فقد انخفض عدد الأفلام إلى 26 فيلماً، وعكس السنوات الأربع الماضية كان أغلبها معروضاً في النصف الأول من العام بـ14 فيلماً.

الأسوأ كان استمرار السبكية في السيطرة على السينما، بإنتاج 7 أفلام، بما يعادل نحو ربع إنتاج السينما هذا العام، والطريف في الأمر أن محمد وأحمد السبكي لم يكتفيا بأنفسهما كمنتجين فقرروا إدخال شخص آخر من العائلة للإنتاج وهي رنا السبكي، وحصد السبكية أكثر من نصف إيرادات العام بجمع 87 مليون جنيه من أصل 159 مليوناً و63 ألف جنيه، هي إيرادات العام.

وبما أن السبكي سيطر على السينما فقد كانت أغلب أفلام الموسم أو الأكثر تأثيراً هي أفلام الخلطة السبكية، أو أفلام البلطجة كما يصنفها النقاد، مثل “ريجاتا” لعمرو سعد و”شد أجزاء” لمحمد رمضان، حتى إن فيلم “ولاد رزق” لأحمد عز الذي تم عرضه في ذلك العام، تم تصنيفه بنفس تصنيف تلك الأفلام ونال انتقادات كبيرة، على الرغم من أنه أكثر الأفلام جمعاً للإيرادات في ذلك العام بـ23 مليون جنيه.

انحدار مستوى الأفلام جعل حال السينما يشبه البحيرة الراكدة، فلم تحدث مشاكل مع الرقابة ولم تكن هناك أفلام قوية، ولم تظهر الأفلام ذات القيمة الكبيرة التي كانت تمثل مصر في مهرجانات دولية، وغاب معظم نجوم السينما عن تقديم أفلام في ذلك العام، وبدأت شركة “نيوسينشري” في الانسحاب رويداً رويداً.

بعد خمس سنوات من التخبط بدأت السينما المصرية في التعافي عام 2016، ربما كانت هذه هي البداية الأمثل للتعافي، فتم إنتاج 39 فيلماً على مدار العام، وهو أكثر عدد أفلام تم إنتاجه في عام بعد ثورة يناير حتى ذلك الوقت، وحققت تلك الأفلام إيرادات بلغت 262 مليوناً و597 ألف جنيه، وهو الرقم الأعلى في ذلك الوقت، متفوقاً على السنوات التي سبقته.

وعلى الرغم من استمرار السبكية وإنتاجهم 8 أفلام خلال العام، فإنه مقارنة بعدد الأفلام المنتجة فقد انخفضت نسبتهم العامة في الإنتاج، حيث وصلت نسبة الإنتاج إلى 20% بعدما وصلت في سنوات سابقة إلى أكثر من 30%، كما لم يتخطَّ مجمل إيرادات أفلامهم أكثر من 60 مليون جنيه، بما يمثل نحو 20% من إجمالي الإيرادات، بعدما كانت تتخطى 50% في أوقات سابقة.

وما ساعد على انخفاض نسبة السبكية هو دخول عدد كبير من المنتجين الأفراد لمجال الإنتاج السينمائي، وعودة بعض الطيور المهاجرة المتمثلة في شركات توقفت عن الإنتاج في سنوات سابقة بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وعكس المتوقع تراجعت “نيوسينشري” قليلاً على الرغم من انفتاح السوق أكثر، وظهر أحمد حلمي كمُنتج للمرة الأولى في السينما لأفلام غير أفلامه من خلال شركته “شادوز”، وكذلك دخول الداعية معز مسعود لمجال الإنتاج، وظهور عدد آخر من المنتجين.

وحقق أحمد حلمي أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية هذا العام، من خلال فيلم “لف ودوران” بإيرادات بلغت 43 مليوناً و277 ألف جنيه، حيث تفوق على رقم أحمد السقا الذي حققه عام 2014 بإيرادات 35 مليون جنيه، من خلال فيلم “الجزيرة 2″، ليصبح الأعلى إيرادات في تاريخ السينما حتى ذلك الوقت.

كما شهد العام ظهور المقاول محمد علي على الساحة من خلال فيلم من إنتاجه الخاص وهو فيلم “البر التاني”، الذي مثّل مصر في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة بذلك الوقت ونال هجوماً كبيراً، بسبب رداءة الفيلم، وتم إتهام إدارة المهرجان بتشويه سمعة المهرجان العريق بقبول هذا الفيلم، وخرجت العديد من الشائعات التي تؤكد أن الفيلم تم فرضه على إدارة المهرجان من جهات عليا.

ومن ضمن الأفلام الـ39 كانت هناك أفلام سيئة جداً حتى إن 12 فيلماً منها لم تكسر حاجز المليون جنيه إيرادات، منها 4 أفلام لم تكسر حاجز الـ100 ألف جنيه، وهي: “أسد سينا”، و”نعمة”، و”تفاحة حوا” و”عمود فقري”.

كان عام 2017 “بشرة خير” بالنسبة لكل المتابعين، فقد ارتفع عدد الأفلام لأول مرة في السنوات التي تلت الثورة إلى أكثر من 40 فيلماً، حيث تم عرض 45 فيلماً خلال العام، وارتفع إجمالي الإيرادات ليصل إلى 285 مليون جنيه.

وشهد العام وجود السبكية كالعادة ولكن قلَّت نسبتهم مع زيادة الإنتاج ووصلت إلى نحو 15% بستة أفلام فقط، وعلى الرغم من تحقيق الأخوين السبكي إيرادات وصلت إلى 90 مليون جنيه وحدهما فإنه يعتبر نجاحاً يُنسب إلى محمد السبكي وحده الذي أنتج فيلم “هروب اضطراري” الذي حقق وحده 55 مليون جنيه، وهو فيلم لا ينتمي إلى نوعية “الخلطة السبكية” المعروفة، بل كان أحد أفضل أفلام الأكشن المصرية، واحتل قمة قائمة الأعلى إيرادات في تاريخ السينما، متفوقاً على “لف ودوران” الذي حقق 43 مليوناً في العام السابق له.

وشهد العام إنتاج مجموعة من الأفلام القيّمة، وزادت جودة الأفلام، مثل: “الخلية”، و”فوتو كوبي”، و”علي معزة وإبراهيم”، و”شيخ جاكسون”، و”أخضر يابس”، وغيرها. كما شهد هذا العام زيادة عدد المنتجين الجدد وعودة بعض المنتجين للسوق مرة أخرى، فقد استمرت شركة “مقام” في الإنتاج، وكذلك المنتج وليد منصور، وهما اللذان بدآ الإنتاج في العام السابق له، وميلاد شركات مثل “ريد ستار” و”بيرث مارك”، وعودة المنتج حسين القلا للإنتاج.

وشهد العام نهاية أسطورة “نمبر وان” التي أطلقها محمد رمضان قبلها بعامين، مؤكداً أنه رقم 1 في السينما، ليطرح 3 أفلام بذلك العام في 3 مواسم مختلفة ويفشل بالمرات الثلاث في التفوق، وجاء بالمركز الثالث في المواسم الثلاثة: الأول كان فيلم “جواب اعتقال” الذي عُرض في يونيو/حزيران بموسم عيد الفطر، وتفوَّق عليه أحمد السقا بأكثر من 40 مليون جنيهٍ إيرادات بفيلم “هروب اضطراري”، والمرة الثانية طرح فيلم “الكنز” مع هند صبري ومحمد سعد وعُرض معه في الموسم نفسه في أغسطس/آب، فيلم “الخلية” لأحمد عز بأكثر من 35 مليون جنيه، والمرة الثالثة كانت في بداية العام، بالفيلم الكوميدي “آخر ديك في مصر” بموسم نهاية العام أمام عمرو واكد بفيلم “القرد بيتكلم”، وتفوق عليه الأخير بأكثر من 3 ملايين جنيه.

كما فشلت الأفلام الكوميدية كلها في تحقيق أي نجاح يُذكر، وكان هذا العام “عام سقوط الأفلام الكوميدية”، حتى محمد هنيدي رمز الكوميديا فشل فيلمه “عنتر ابن ابن ابن ابن شداد” وحقق 7 ملايين جنيه فقط، وهي المرة الأولى في الألفية الجديدة التي يحتل فيها فيلم غير كوميدي قمة شباك التذاكر، وهو فيلم الأكشن “هروب اضطراري”.

كما كان من العلامات المميزة، التركيز على إظهار قضية الإرهاب في بعض الأعمال مثل “جواب اعتقال” لمحمد رمضان، و”الخلية” لأحمد عز، وعلى استحياء فيلم “مولانا”، حتى على المستوى الكوميدي كانت القضية حاضرة في فيلم “القرموطي على خط النار”.

وعلى الرغم من المميزات الكثيرة خلال العام، فإنه لم يخلُ من الأعمال الضعيفة التي حققت أقل من 100 ألف جنيه أو أكثر بقليل مثل: “فوبيا”، و”يا تهدي يا تعدي”، و”الفندق”، و”أخضر يابس”، و”يوم من الأيام”، وهي أفلام لم يتخطَّ إجمالي إيراداتها أكثر من نصف مليون جنيه.

وأخيراً كان هذا العام شاهداً على تحييد الرقابة التي دخلت في صدامات بالأعوام السابقة مع بعض الأعمال، حيث بدأ خلال هذا العام استخدام التصنيف العمري للأفلام، لترفع الرقابة يدها عن أي صدامات مع أي أعمال قادمة.

وبداية من العام القادم سيتغير السوق لأسباب مختلفة، سنعلمها في السطور التالية.

عام غريب في كل تفاصيله؛ أرقام متضاربة وغريبة ولكنها مبنية على معطيات جديدة، يكفي أن تعلم أن عدد الأفلام في هذا العام قد انخفض عن العام الماضي بكثير، ليصل إلى 37 فيلماً، بما يعني أنه أقل بـ8 أفلام عن العام الماضي، ولكن هذه الأفلام جمعت إيرادات ضعف العام السابق تقريباً، فقد بلغت الإيرادات الإجمالية 450 مليون جنيه، لتصبح السنة الأكثر تحقيقاً للإيرادات في تاريخ السينما، حيث سيتم كسر هذا الرقم في العام التالي.

وعلى الرغم من زيادة عدد الإيرادات فإن السبب في ذلك هو زيادة أسعار تذاكر السينما، ولكي ترى المشهد بشكل أوضح يجب أن تعلم أن 10 أفلام لم تستطع كسر حاجز المليون جنيه في شباك التذاكر، وهي أفلام “بلاش تبوسني”، و”قسطي بيوجعني”، و”رحلة يوسف”، و”الخروج عن النص”، و”نص جوازة”، و”الكهف”، و”جدو نحنوح”، و”الرجل الأخطر”، و”شهر العسل” و”آسفين يا باشا”، وآخر فيلمين منها لم يحققا معاً أكثر من 55 ألف جنيه.

انخفض عدد الأفلام الكوميدية ليصل إلى ثلث المعروض، حيث كان عدد الأفلام الكوميدية 12 فيلماً، ولكن عادت القمة لأفلام الكوميدية كما هو الحال في الألفية الجديدة، باستثناء عام 2017، حيث حقق فيلم “البدلة”، الأعلى إيرادات في ذلك العام وفي تاريخ السينما المصرية حتى ذلك الوقت، إيرادات بلغت 63 مليون جنيه، متفوقاً على فيلم “هروب اضطراري” الذي كان يحتل القائمة وحقق في العام السابق 55 مليون جنيه.

ومن العلامات المميزة لهذا العام السينمائي، عودة يوسف الشريف للسينما بعد غيابٍ دامَ 9 سنوات بفيلم “بني آدم” الذي لم يحقق النجاح المنتظر، وكذلك المخرج خالد يوسف، الغائب منذ الثورة، بفيلم “كارما”، وفشل أيضاً، كما انخفضت البطولات النسائية التي كانت موجودة في الأعوام الأخيرة، لتصل إلى فيلمين هما: “الآبلة طمطم” لياسمين عبد العزيز، حيث كان هذا آخر أعمالها السينمائية حتى الآن، والثاني هو فيلم “بلاش تبوسني” لياسمين رئيس.

حضر السبكية كالعادة ولكن هذا العام شهد تغيراً في خريطتهم التي سيمشون عليها في السنوات القادمة، حيث انتهت ظاهرة “الخلطة السبكية”، وقدموا 6 أفلام، معظمها مع نجوم صف أول، منهم أمير كرارة وهشام ماجد وشيكو وحسن الرداد وغيرهم، ونجحوا في جمع 121 مليون جنيه، منها 57 مليون جنيه من فيلم واحد وهو “حرب كرموز” لأمير كرارة.

يعتبر عام 2019 هو النقطة الأعلى بمنحنى الخط البياني للسينما المصرية في السنوات الأخيرة، من حيث الإيردات، وبدأت السينما تأخذ منحنى أفضل، ناحية التطور، فعلى الرغم من قلَّة الأعمال الجيدة من حيث المواضيع الجديدة والتكلفة العالية، فإنها كانت بداية انتشار تلك النوعية من الأفلام، قبل أن تحدث أزمة كورونا في العام التالي لتوقف كل ذلك.

استمر عدد الأفلام في الانخفاض وزادت الإيرادات كما هو حال العام السابق، بسبب زيادة سعر التذاكر كما أشرنا سابقاً، وجمعت السينمات المصرية 530 مليون جنيه من 33 فيلماً، منها فليمان هما الأعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية حتى يومنا هذا، وهما الفيلمان الوحيدان اللذان تخطا حاجز الـ100 مليون جنيه إيرادات، الأول هو “الفيل الأزرق 2” لكريم عبد العزيز وحقق 103 ملايين و633 ألف جنيه، والثاني هو “ولاد رزق 2” لأحمد عز الذي حقق 100 مليون و753 ألف جنيه. وحققت ثلاثة أفلام أخرى إيرادات تفوقت بها على فيلم “البدلة” الذي كان الأعلى إيرادات حتى العام السابق، أولها “كازابلانكا” لأمير كرارة محققاً 79 مليون جنيه، و”الممر” لأحمد عز أيضاً الذي حقق 73 مليون جنيه، و”نادي الرجال السري” لكريم عبد العزيز محققاً 60 مليون جنيه، ليكون للثنائي كريم عبد العزيز وأحمد عز فيلمان في قائمة الأعلى إيرادات بتاريخ السينما المصرية، والطريف أن الفيلمين في العام نفسه، وهو ما يعني أن 5 أفلام فقط حققت 70% من إيرادات السينما على مدار العام.

تحسنت جودة الأفلام المصرية عن السنوات السابقة وتميز عدد كبير من الأفلام بالتكلفة العالية، وكان من العلامات المميزة أن هذا العام شهد وجود الأجزاء الثانية من عدة أفلام وهي: “الفيل الأزرق”، و”ولاد رزق” و”الكنز”، وعودة الأفلام الحربية للسينما بعد غياب سنوات كثيرة من خلال فيلم “الممر”.

واندثرت الأعمال الكوميدية ولم تجد إقبالاً مع ملل الجمهور من أبطال الكوميديا الذين لم يقدموا أي جديد في السنوات الأخيرة، وكان أبرز الأعمال الكوميدية في ذلك العام هو “خيال مآتة” لأحمد حلمي والذي حقق 38 مليوناً و440 ألف جنيه. وكعادة كل عام، كانت الأفلام السيئة حاضرة والتي لم تستطع تحقيق إيرادات تُذكر، مثل: “خط الموت”، و”يوم العرض”، و”إنت إيه”، و”قهوة بورصة مصر”، و”كازانوفا”، ولم تحقق تلك الأفلام مجتمعةً مليون جنيه.

لم يكن أسوأ المتشائمين يتوقع نصف ما حدث في هذا العام، 2020 كان العامَ الأسوأ بل الكارثي للسينما المصرية بعد ثورة يناير، فالأرقام كانت هزيلة لدرجة أن إيرادات جميع أفلام العام ساوت إيرادات أحد أفلام العام الماضي، فقد تم عرض 18 فيلماً خلال العام وهو الرقم الأقل بين تلك السنوات، وحقق مجموع تلك الأفلام 105 ملايين جنيه فقط، وهو الرقم نفسه الذي حققه فيلم “الفيل الأزرق 2” أو فيلم “ولاد رزق 2” عام 2019.

لن نحتاج لشرح كثير، فقد كانت هناك كثير من الخطط الكبيرة في السينما لهذا العام وكان هناك عديد من الأفلام ذات التكلفة المرتفعة التي يتم تصويرها تمهيداً لعرضها خلال العام، منها مثلاً فيلم “العنكبوت” لأحمد السقا ومنى زكي، و”البعض لا يذهب للمأذون مرتين” لكريم عبد العزيز وماجد الكدواني، و”العارف” لأحمد عز وأحمد فهمي، و”كيرة والجن” لكريم عبد العزيز وأحمد عز، وغيرها من الأفلام الهامة التي تم تأجيل عرضها للعام التالي أو لم تعرض حتى الآن.

فقد جاء انتشار فيروس كورونا في بداية العام مُدمراً لكل تلك الأحلام، وتوقف تصوير معظم الأعمال، حتى الأعمال المكتملة لم تُعرض، بسبب إغلاق السينمات حتى إلى ما بعد منتصف العام، وهو ما جعل عدداً من الأفلام تتجه إلى المنصات للعرض عليها، مثل “صاحب المقام” و”الحارث” و”خط الدم”، حتى عندما تم إعادة فتح السينمات كان القرار الرسمي بتشغيل 50% من طاقتها؛ للحفاظ على التباعد الاجتماعي، وهو ما جعل معظم المنتجين يؤجلون عرض أعمالهم، بسبب عدم رغبتهم في التضيحة بنصف الإيرادات.

عامٌ مُلخصه 18 فيلماً و105 ملايين جنيهٍ إيرادات، وحقق ثلث تلك الإيرادات فيلم واحد وهو “لص بغداد” لمحمد إمام وأمينة خليل بجمعه أكثر من 33 مليون جنيه، ولكن هذا الفيلم تم عرضه في يناير/كانون الثاني قبل انتشار كورونا، وكان أكثر الأفلام تحقيقاً للإيرادات بعد إعادة فتح السينمات هو “الغسالة” لأحمد حاتم وهنا الزاهد، حيث جمع 14 مليوناً و407 آلاف جنيه.

وباستثناء محمد عادل إمام وحسن الرداد، فقد غاب كل نجوم السينما الكبار عن السينما هذا العام، وسيطرت أفلام النجوم الشباب والصاعدين على دور العرض.

اكتشاف لقاح لفيروس كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها إلى حد ما، كانا عاملاً مشجعاً لبعض المنتجين على عرض أفلامهم بالسينمات، ولولا النجوم الكبار لَكان العام الماضي مثل سابقه بل ربما أكثر كارثية، ففي عام 2021 ارتفع عدد الأفلام المعروضة إلى 25 فيلماً حققت في السينمات 344 مليون جنيه، ولكن 4 أفلام فقط من ضمن هذه الأفلام حققت نحو 70% من تلك الإيرادات.

فقد حقق فيلم “العارف” لأحمد عز 59 مليوناً و565 ألفاً، وفيلم “الإنس والنمس” لمحمد هنيدي 58 مليوناً و218 ألف جنيه، وفيلم “مش أنا” لتامر حسني 45 مليوناً و725 ألف جينه، وفيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” لكريم عبد العزيز 42 مليوناً و856 ألف جنيه، بإجمالي 206 ملايين و364 ألف جنيه، وهو ما يعني نحو 70% من إيرادات العام، وحقق 21 فيلماً بقية الإيرادات، منها 7 أفلام بدأ عرضها في شهر ديسمبر/كانون الأول بالسينمات وحققت جميعاً حتى الآن 10 ملايين جنيه، ولولا النجوم الكبار لكان وضع هذا العام كارثياً.

وباستثناء أحمد عز ومحمد هنيدي وكريم عبد العزيز، فقد استمر غياب النجوم الكبار عن السينما، فقد غاب الزعيم عادل إمام للعام الثاني عشر، حيث كان آخر أفلامه عام 2009 “بوبوس”، وأحمد السقا للعام الرابع على التوالي بعد “هروب اضطراري” عام 2017، وغاب للعام الثاني على التوالي أحمد حلمي ومحمد سعد وأمير كرارة ومحمد رمضان وياسمين عبد العزيز، وللعام الثالث على التوالي هشام ماجد وشيكو ويوسف الشريف ومحمد رجب وأحمد عيد، وهاني سلامة الغائب عن السينما منذ عشرة أعوام.

إضافة إلى غياب النجوم، لم تكن هناك أفلام جيدة قادرة على جذب الجمهور، وكانت معظم أفلام العام سيئة باتفاق الجمهور، حتى الأفلام التي حققت إيرادات كبيرة تعرضت للانتقادات، بسبب عدم تقديمها أي جديد، لدرجة أن الجمهور هاجم المخرج الكبير شريف عرفة في أول تجربة كتابية له بفيلم “الإنس والنمس”، إضافة إلى وجود أفلام كثيرة لم تحقق إيرادات تُذكر كعادة كل عام مثل: “شاومينج” و”الشنطة” و”الورشة”، وهي أفلام لم تكسر حاجز المليون جنيه.

بدأ عام 2022 الذي من المنتظر أن يشهد عرض مجموعة من الأفلام القوية التي ينتظرها الجمهور والتي من المنتظر أن تعيد إلى السينما رونقها وقوتها، حيث من المنتظر أن يطل جميع نجوم الصف الأول على جمهورهم في قاعات السينما خلال هذا العام.

فمن المنتظر أن يطرح أحمد السقا فيلمه الجديد “العنكبوت” مع منى زكي، كما تقدم منى فيلماً آخر مع نجم الكوميديا محمد هنيدي يحمل اسم “الجواهرجي”، ومن أقوى الأفلام المنتظرة فيلم “كيرة والجن” الذي يجمع أحمد عز مع كريم عبد العزيز، وكذلك أحمد حلمي الذي يعود بفيلم “العيل” مع روبي، وأمير كرارة بفيلم “كازابلانكا 2” مع عمرو عبد الجليل، وفيلم “تسليم أهالي” لهشام ماجد ودنيا سمير غانم، وعدد من الأفلام الأخرى لنجوم الصف الأول.

عربي بوست