الابعاد الجيوسياسية لعملية “إعصار اليمن”
دكتور حسن زيد بن عقيل
جاءت عملية “إعصار اليمن” التي نفذتها جماعة أنصار الله ضد الإمارات العربية المتحدة في لحظة حرجة للولايات المتحدة وإيران، اللتين وصلتا إلى نقطة حرجة في المفاوضات بشأن إمكانية العودة إلى اتفاقهما النووي. كما أنها رسالة واضحة لكل دول العدوان وأي دولة تفكر في المشاركة في هذه الحرب.
مستويات البعد الخارجي
عملية “إعصار اليمن” هي ورقة مساومة قوية يمكن استخدامها في المفاوضات الدبلوماسية الإيرانية ــ السعودية. أدركت إيران أن طموح السعودية في تحقيق نصر ساحق في اليمن خلال أسابيع قليلة تحطّم أمام ثبات “الحوثيين”. بالإضافة إلى ذلك، خلال 7 سنوات، وجدت المملكة العربية السعودية نفسها على طريق المواجهة ليس فقط مع “الحوثيين”، ولكن أيضًا مع الكونغرس الأمريكي، الذي حاول أو كاد أن يجبرها على وقف الحرب التي قُتل فيها أكثر من 100.000 شخص، وأصبحت أكبر كارثة إنسانية بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة. بالإضافة إلى سلسلة من الإخفاقات السياسية – مثل المحاولة العبثية للضغط من أجل استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والتي انتهت بفشل ذريع، وعدم قدرة السعودية على التأثير في مجرى الحرب في سوريا، و غياب الحسم في حرب اليمن رغم تفوقها العسكري وانسحاب الإمارات من الحرب. وكذلك رفض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مساعدتها ضد إيران بعد مهاجمة منشآتها النفطية. نتيجة لذلك أصبح الحوار مع إيران أمرًا حيويًا، حتى تضمن عدم تحولها إلى ساحة معركة دائمة يمكن أن تلحق الضرر بمخطط التنمية الاقتصادية الهائل الذي يطمح إليه بن سلمان. هنا، فهمت السعودية أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة وأنه كان من المناسب تنويع نظام علاقاتها الاستراتيجية وإعادة تموضعها في الشرق الأوسط.
الآن ، عملية ” إعصار اليمن” تعيد الشريط المأساوي للحرب في اليمن. يطبق الرئيس الأمريكي الحالي بايدن سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لم يهاجم إيران بعد مهاجمتها منشآت السعودية النفطية. اما الاحتجاجات والإدانات قد تعودنا على سماعها في وسائل الإعلام الاسرائيلية والأمريكية.
تركيز الهجمات على الإمارات على حساب خفض الهجمات على السعودية ذلك لتوفير أجواء إيجابية للمفاوضات التي تجريها طهران مع الرياض لتطبيع العلاقات، لأنه إذا انتهت المفاوضات بين السعودية وإيران باتفاق وتطبيع، سيكون هذا انفصال نهائي للتحالف المناهض لإيران الذي بنت عليه “إسرائيل” آمالاً كثيرة ومكسب كبير لإيران. نعلم أن من أسباب الحرب في اليمن هي الاستراتيجية المعادية لإيران. ثانيًا، الهجمات على دولة الإمارات، التي وقّعت في سبتمبر 2020 على “الاتفاقيات الإبراهيمية” مع إسرائيل، وصلت لها رسالة “إعصار اليمن” تقول إنه من الأفضل التخلي عن “الاتفاقيات الإبراهيمية” والعلاقة مع دولة إسرائيل لتجنب المزيد من الهجمات في وقت لاحق. أكد رئيس الوفد الوطني المفاوض في اليمن محمد عبد السلام أن “التطبيع مع العدو الإسرائيلي هو عدوان على الإسلام والمسلمين”.
وبحسب مجموعة تسنيم الدولية، فإن استيلاء أنصار الله [الحوثيين] على السفينة الإماراتية التي تحمل معدات عسكرية في المياه اليمنية قد غيرت ميزان القوة مرة أخرى لصالح اليمنيين. أعلن الحوثيون أن هذه العملية تمت دون مواجهة عسكرية مباشرة وخسائر بشرية وهذا لغز أذهل التحالف الذي تقوده السعودية، وهذه العملية لها أبعاد عسكرية لتحالف المعتدين ورسالة واضحة إلى العدو الإسرائيلي تؤكد أن أي عمل عسكري ضد اليمن يعني تدمير السفن والقواعد البحرية الإسرائيلية، وأن تحركات العدو الصهيوني على الجزر اليمنية لن تستمر طويلاً ولن تمر دون رد.
مستويات البعد الداخلي
في عام 2016، بدأ الخلاف بين السعودية والإمارات، حيث أعطت السعودية الأولوية لحربها الجوية في اليمن، بينما بدأت الإمارات في دعم الجماعات الانفصالية في الجنوب. في عام 2019، أصبح من الصعب التغلب على الانقسامات في التحالف في الوقت نفسه، قلصت الإمارات وجودها العسكري في اليمن وسيطر التحالف مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على جزء كبير من مدينة عدن. حصل اتفاق الرياض في نوفمبر 2019 الذي لم يخفف التوتر بين المجلس الانتقالي الجنوبي و حكومة هادي.
استفاد الحوثيون من الانقسامات بين التحالف السعودي ــ الإمارات، لذا شن الحوثيون هجومًا شرقًا على مأرب، معقل ما تسمى بالحكومة الشرعية الغنية بالنفط. شكّل استيلاء الحوثيين على مأرب خطراً يهدد بزعزعة التحالف. يبدو ان القوات المدعومة من الإمارات وتلك الحكومة المدعومة من السعودية، رأت رغم استمرار التوترات بينهما أن تشكيل جبهة موحدة بينهما الآن مهم في إبعاد مأرب عن أيدي الحوثيين.
بالفعل تسببت الجبهة الموحدة للتحالف في انتكاسات عسكرية للحوثيين “أنصار الله”. لذلك استهدف الحوثيون أبوظبي بـ “إعصار اليمن” لمنعها من الاستمرار في التدخل في حرب اليمن. وبحسب مصادر صنعاء، فإن هجمات أنصار الله على الإمارات لن تتوقف إلا إذا أوقفت الإمارات جميع الأعمال العدائية واستكملت انسحابها غير المشروط من جميع أنحاء اليمن. التعامل مع التدخل الإماراتي خيار لا رجوع فيه.
قد تثير عملية “إعصار اليمن” التي نفذتها جماعة أنصار الله ضد الإمارات تفاعلات جديدة داخل المكونات السياسية والعشائرية والعسكرية اليمنية. إذ تفرض عملية “إعصار اليمن” إعادة النظر في توزيع القوة بين هذه المكونات بالتالي هذا التوزيع سوف يؤثر في اعادة تشكيل النخب السياسية ومؤسسات الدولة، وفي نهاية المطاف على سلوك صناع القرار في السياسة الخارجية لليمن (السعودية والإمارات). لا شك في حتمية إعادة توزيع القوة، ونتيجة لذلك سيحدث خلل في الكيانات اليمنية، نتيجة عدم المعرفة الدقيقة بقدرات هذه الكيانات الأساسية (أنصار الله، حكومة هادي، الانتقالي، الحراك الجنوبي) في قدرتها على تعبئة وكسب التأييد الشعبي في شطري اليمن، وكذلك انعدام الثقة بين دول منطقة الفاعلة “السعودية والإمارات وسلطنة عمان و ايران”. يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج أو سلوكيات غير متوقعة يمكن أن تؤدي في الاخير إلى اختلالات داخل النظام الإقليمي بأكمله. تساعد الاختلالات داخل النظام الإقليمي على خلق بيئة مناسبة للإرهابيين، حيث من المعروف أنه لا توجد قيود أمنية في اليمن خاصة في المناطق السنية (الجنوب والوسط)، كما أن الإرهابيين ينتمون إلى تلك القبائل والمناطق، أي هم (الإرهابيين) بين عائلاتهم وعشائرهم و تحت حمايتهم، لا يمكن محاربة هذا الشر الا من خلال توحيد الصفوف، ولكن للاسف حتى الآن لم يتم استيعاب هذا الامر بالنسبة للكثيرين، فهم لا يزالون يتصرفون بطريقة أو بأخرى على أساس أن هذه المشكلة لا تعنيهم.
دعونا نلقي نظرة على الواقع على الأرض، نأخذ موقف “القوات المشتركة” التابعة للقوات الإماراتية كنموذج التي انضمت إليها المقاومة الوطنية والمقاومة التهامية، واضطرت قوات العمالقة للبقاء معهم رغم إحجامهم اول الأمر عن التحالف معهم تحت قيادة العميد طارق صالح المعين من قبل الإمارات قائد “القوات المشتركة”. وبحسب معلومات الجزيرة نت ، فإن قادة وأفراد قوات العمالقة لا يعترفون إلا بشرعية هادي ولي الأمر، وطاعته بالنسبة لقيادة وأفراد تلك القوات أمر لا جدال فيه. تشكلت هذه القوات في الأصل على يد السلفيين الشباب الذين قاتلوا الحوثيين في دمّاج في وقت سابق وفي مدينة عدن منتصف عام 2015.
أيديولوجيتهم القتالية مليئة بالعداء والكراهية للحوثيين والعلمانيين، وبالتالي فإن علاقة قوات العمالقة بالإمارات لم تكن خالية من الصراع. تعود النجاحات الميدانية لقوات العمالقة إلى العقيدة القتالية لأفراده، فضلاً عن تسليحهم الجيد وقيادتهم الموحدة. وبالمثل، يرى المراقب أن التقدم السريع لعملاقتي شبوة ومأرب يرجع أيضًا إلى اتفاق إماراتي سعودي (الجبهة الموحدة كما ذكرنا سابقًا) لوقف تقدم الحوثيين، بحيث تم تنسيق العمليات العسكرية البرية مع التغطية الجوية الكاملة. لذلك، احدثت قوات العمالقة بعقيدتها واستعدادها القتالي تغيير في خارطة الحرب التي فرضها الحوثيون لصالحهم في الفترة الماضية. لذلك، كان رد فعل الحوثيين قاسياً على الإمارات بسبب تغيير استراتيجيتهم. لهذا انسحبت الإمارات وأعادت انتشار ألوية العمالقة في محافظة شبوة كمحافظة جنوبية قبل توحيد اليمن عام 1990. في نفس الوقت صدر بيان عن قوات العمالقة (28 يناير 2022): يقول فيه “أعادت الوية العمالقة الجنوبية تمركز قواتها في محافظة شبوة بعد تحرير مديريتي بيحان وحريب، وتأمينها (محافظة شبوة) بالكامل من الحوثيين. القوات التي انسحبت هي قوات ضمن تشكيلات العمالقة، لكنها بشكل أساسي تتلقى الدعم من الانتقالي الجنوبي. وقال الصحفي “السامعي” في حواره مع الخليج أون لاين: “رأينا منذ اللحظة الأولى بعد تحرير معظم مناطق شبوة ، أعلن عيدروس الزبيدي توجيهه لقوات العمالقة بالتوقف عند الحدود مع مأرب و البيضاء وعدم التقدم ، لأنها حسب وصفه «مناطق شمالية». على ان تتوقف المعارك مع الحوثيين عند الحدود التي رسمت قبل الوحدة اليمنية. بهذا يمكننا القول إن مخطط تقسيم اليمن يسير على ما يرام.
الاستنتاج
“اعصار اليمن” ذريعة وورقة مساومة في مفاوضات دبلوماسية مع السعودية، والهجوم على الإمارات متزامن و مرتبط بسلسلة إطلاق صواريخ متفجرة الشهر الماضي من قبل قوات عراقية على مواقع أمريكية في بغداد وضد قاعدة عين الأسد وقاعدة أخرى بالقرب من مطار بغداد الدولي.
يتضح من زيادة عدد هجمات محور المقاومة، والتي تتم في إطار تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات الدبلوماسية مع السعودية وفي المفاوضات حول الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وقوى أخرى في فيينا. يأمل منها محور المقاومة أن تستغل ومن المرجح أن يطلب الغرب من إيران وقفها، ومن ثم يمكن لإيران أن تعرضها وتقدمها في إطار ما يسمى بـ”التنازل” للغرب وأمريكا مقابل تنازلات فعلية في المفاوضات الغربية خاصة في موضوع تخفيض العقوبات الاقتصادية. بما أن للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا مصلحة كبيرة في تجديد الاتفاق النووي، فليس من المستبعد أن تكون إيران قد ادركت ان هذه الدول لن تتصرف بقسوة ضد هجمات حلفائها، لأنها بحاجة إلى إيران أكثر مما تحتاج اليهم إيران.
كاتب ومحلل سياسي يمني
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع