السياسية:

تتحرك رئاسة مجلس النواب الليبي في طبرق للإطاحة برئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة، والانفراد بتعيين حكومة جديدة، دون التوافق مع المجلس الأعلى للدولة، ما يهدد البلاد بانقسام مؤسساتي جديد وعودة البلاد للاحتراب الداخلي.

واستغل عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الدعم الغربي السابق له للانفراد بإصدار القوانين الانتخابية، دون استشارة المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) لتكرار نفس التجربة للإطاحة بمنافسه في الانتخابات الرئاسية الدبيبة، الذي اكتسب شعبية خلال أشهر قليلة من رئاسته للحكومة، كما يقول تقرير وكالة الأناضول.

وقرر مجلس النواب استبعاد شرط “تقاسم مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تزكية المرشح لرئاسة الحكومة”.

ومن بين 122 نائباً حضروا جلسة الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، بحسب المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، فإن 30 منهم صوتوا لصالح استبعاد مجلس الدولة، بينما صوت 21 ضد استبعاده، ولم يتضح موقف 71 عضواً الآخرين سواء بالامتناع عن التصويت، أو الغياب عن الجلسة، أم غير ذلك.

هل يسقط الدبيبة في شباك عقيلة صالح؟

المؤكد أن مجلس النواب ماضٍ في تشكيل حكومة جديدة، بعد أن قدم 13 شرطاً للترشح لرئاسة الحكومة، بينها شرطان على الأقل تستهدف منع الدبيبة من الترشح للرئاسيات المقبلة.

أول شرط أن يقدم تعهداً مكتوباً بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، أما الثاني فتقديم استقالته قبل الترشح. بالإضافة إلى شرط الحصول على تزكية 25 نائباً، ليس بينهم أعضاء المجلس الأعلى للدولة.

ومن الواضح من خلال هذه الشروط أن عقيلة صالح نصب شباكه لاصطياد الدبيبة، ومنعه من الترشح للرئاسة.

فإذا قبل الدبيبة، الدخول في لعبة عقيلة، فعليه الاستقالة من رئاسة حكومة الوحدة، وهذا يعني اعترافه بانتهاء شرعية حكومته منذ 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

والأكثر من ذلك أن عقيلة يحتاج إلى 120 صوتاً لسحب الثقة من حكومة الدبيبة، التي صوت لصالحها 130 نائباً، وهذا الأمر إن لم يكن مستحيلاً فهو صعب للغاية، في ظل وقوف عشرات النواب في صف الدبيبة.

وأسهل سبيل لتجاوز هذه العقبة، بالنسبة لعقيلة، “قلب المعادلة”، فبدلاً من أن تسحب الثقة من الحكومة، يتقدم الدبيبة بطلب الثقة مجدداً لحكومته، ويحتاج حينها لتأييد 120 نائباً، وبالتالي سيصعب عليه تحقيق ذلك في ظل الانقسام الحالي، فتسقط حكومته، ويتم اختيار شخصية أخرى بديلة، دون الحاجة إلى 120 صوتاً للإطاحة به.

أما الشرط الآخر الذي وضع على المقاس، فيُلزم الدبيبة، على التعهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يعني أنه حتى ولو فاز بثقة النواب فلن يتمكن من الترشح للرئاسة. وبذلك يكون عقيلة صالح، قد تخلص من أحد أبرز منافسيه على كرسي الرئاسة، سواء بإبعاده عن الحكومة أو عن الترشح للرئاسة.

احتراب جديد في ليبيا

وبعد أن كان هناك حديث عن “تفاهمات” ما بين خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وعقيلة صالح، على تشكيل حكومة جديدة، والاستفتاء على الدستور أولاً، خلال لقائهما السري في المغرب، الذي لم يرشح عنه شيء رسمي، يبدو أن الخيط الرفيع بين الرجلين قُطع سريعاً.

إذ سارع المشري، لرفض “أي تعديل للسلطة التنفيذية”، بعد ساعات من استبعاد المجلس الأعلى للدولة من مشاورات تشكيل حكومة بديلة لحكومة الدبيبة.

هذا الموقف سيجعل المشري أكثر تمسكاً بالدبيبة على رأس الحكومة، وبإمكانه تعطيل أي قرار انفرادي من مجلس النواب بتشكيل حكومة جديدة.

وفي حال أصرّ عقيلة على المضي قُدماً نحو تشكيل حكومة جديدة في ظل رفض المشري، وتمسك الدبيبة باستمرار حكومته، فقد نشهد حكومتين في الشرق والغرب، وعودة الانقسام المؤسساتي كما كان الأمر قبل مارس/آذار 2021.

بل إن مجلس النواب في حد ذاته مهدد بالانشطار مجدداً مثلما حدث ما بين أبريل/نيسان 2019 ومارس/آذار 2021. إذ أن غالبية النواب مع استمرار حكومة الدبيبة، بحسب النائب محمد الرعيض، الذي حذر في تصريح لقناة “فبراير” (محلية) من أن “الذهاب في تغيير الحكومة سيتسبب إما في انقسام مؤسساتي أو حرب جديدة”.

أما النائبة عائشة شلابي، فتساءلت عن الهدف من “تشكيل حكومة جديدة قد تستمر 5 أو 6 أشهر”، وأضافت “هل تسعون لنشوب حرب جديدة بالمنطقة الغربية؟”.

فربط تعديل الحكومة بـ”الحرب”، وخاصة في المنطقة الغربية، له علاقة بتحالف وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا (الغرب) مع عقيلة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر (الشرق) الرافضين لاستمرار حكومة الدبيبة.

وقد يلجأ باشاغا، والكتائب الداعمة له إلى تنحية الدبيبة بالقوة، بدعم من ميليشيات حفتر، ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب في المنطقة الغربية، على غرار تلك التي وقعت في طرابلس عام 2017، بين الكتائب الموالية لحكومة الوفاق، والكتائب المساندة لحكومة الإنقاذ، وانتهت بانتصار الأولى، التي كانت مدعومة من باشاغا.

الدبيبة يحشد رجال الدولة في الغرب لمواجهة عقيلة صالح

قبيل يوم واحد من انعقاد جلسة مجلس النواب في طبرق الإثنين، لبحث ملف تغيير الحكومة، نظم مؤتمر بعنوان “الدستور أولاً”، حضره كبار رجال الدولة في المنطقة الغربية، يمثلون التحالف الجديد الذي من المنتظر أن يتكتل في مواجهة تحالف عقيلة وحفتر وباشاغا، كما تقول الأناضول.

وأبرز الشخصيات التي حضرت هذا المؤتمر، الدبيبة والمشري، وعبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، وفوزي النويري، نائب رئيس مجلس النواب، والصديق الكبير، محافظ البنك المركزي، ومحمد الحافي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة العليا، ووزراء ونقباء آخرين.

ويبدو أن الدبيبة يحاول التصدي بكل السبل القانونية والقضائية وحتى الأمنية لعقيلة صالح من خلال هذا الاجتماع، الذي كان ذا طابع دستوري قانوني.

ويسعى الدبيبة من خلال حشد هذه الشخصيات، بعدم السماح لأي حكومة جديدة بالعمل من طرابلس، أو امتلاك أي شرعية دستورية أو قانونية، فيما قد يتولى محافظ البنك المركزي غلق حنفية الأموال أمام أي حكومة تنازع حكومة الوحدة على شرعيتها.

وحضور النويري، نائب رئيس مجلس النواب، هذا المؤتمر، رغم أنه كان محسوباً على جناح عقيلة صالح، يعني انحيازه هذه المرة إلى صف الدبيبة، وقد نشهد في مرحلة مقبلة دوراً أكبر لهذا النائب المتحدر من المنطقة الغربية، في حال صعّد عقيلة صالح صراعه مع الدبيبة، عبر محاولة الإطاحة به من رئاسة البرلمان.

عربي بوست