السياسية:

جاء إعلان الولايات المتحدة عن الموافقة المبدئية على صفقة أسلحة لمصر بقيمة تزيد على 2.5 مليار دولار، وسط انتقادات داخلية أمريكية واتهامات لإدارة بايدن التي أقرت صفقة السلاح الأمريكية مع مصر بأنها لم تُلزم القاهرة بالشروط الأمريكية لتحسين سجلها المقلق في حقوق الإنسان.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني 2022، إن وزارة الخارجية وافقت على صفقة محتملة لبيع 12 طائرة من طراز C-130J Super Hercules والمعدات ذات الصلة مقابل 2.2 مليار دولار، وثلاثة رادارات أرضية من طراز SPS-48 ومعدات ذات صلةٍ مقابل 355 مليون دولار.

وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاغون أخطرت الكونغرس بالصفقة المحتملة أمس الثلاثاء.

جدير بالذكر أنه وعلى الرغم من موافقة وزارة الخارجية، فإن الإخطار لا يشير إلى توقيع عقد أو اختتام المفاوضات.

تفاصيل صفقة السلاح الأمريكية مع مصر

وطلبت مصر شراء 12 طائرة من طراز C-130J من إنتاج شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، كل منها مزودة بأربعة محركات من طراز Rolls-Royce AE 2100D البريطانية المنشأ، إضافة إلى اثني عشر محركاً احتياطياً؛ مع أنظمة ملاحة GPS؛ وتحديد الارسال؛ إضافة أنظمة الإنذار الصاروخي وأنظمة التدابير المضادة، حسب موقع Defense News.

والطائرة لوكهيد مارتن C-130J Super Hercules هي طائرة نقل عسكرية ذات محرك توربيني رباعي المحركات. وهي بمثابة تحديث شامل للطائرة Lockheed C-130 Hercules واسعة الانتشار، وزُودت بمحركات جديدة، ومنصة طيران، وأنظمة أكثر تطوراً، ويمكن استخدامها لأغراض أخرى غير النقل مثل المراقبة البحرية.

يشبه الطراز C-130J Super Hercules خارجياً طراز Hercules الكلاسيكي في المظهر العام، ولكنه يتميز بتقنية محدثة إلى حد كبير. تشمل هذه الاختلافات محركات Rolls-Royce AE 2100 D3 التوربينية الجديدة، وإلكترونيات الطيران الرقمية (وضمن ذلك شاشات العرض الأمامية (HUDs) لكل طيار)، وتقليل متطلبات عمل الطاقم. وأدت هذه التغييرات إلى تحسين الأداء مقارنة بسابقاتها من طراز C-130E / H، مثل مدى أكبر بنسبة 40%، وسرعة قصوى أعلى بنسبة 21%، ومسافة إقلاع أقصر بنسبة 41%.

وتمتلك مصر أكثر من 21  طائرة من النسخ الأقدم من الطائرة C-130 Hercules، تمثل العمود الفقري لأسطولها من طائرات النقل العسكرية.

وقالت الخارجية الأمريكية إنَّ بيع طائرات C-130J سيساعد مصر في نقل الإمدادات والمعدات والأفراد جواً؛ لدعم قواتها بشكل أفضل في مهام مثل أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، والاستجابة لتهديدات الأمن الداخلي، وتقديم المساعدات الإنسانية. كما سيتم استخدام طائرات C-130 في الدوريات البحرية وكذلك مهمات البحث والإنقاذ.

وبالنسبة للرادرات، قال البنتاغون إن شركة “إل 3 هاريس تكنولجيز” هي المتعاقد الرئيسي للرادارات التي قد تصل تكلفتها إلى 355 مليون دولار.

وحسب بيان الخارجية الأمريكية، فإن الصفقة المحتملة “لن تغير التوازن العسكري الأساسي في المنطقة، وتم إبلاغ الكونغرس بها الخميس”، وتعد موافقة الكونغرس ضرورية لإتمام الصفقة.

الصفقة تأتي قبيل قرار محتمل بشأن مساعدات معلَّقة بسبب حقوق الإنسان

تأتي الموافقة على صفقة السلاح الأمريكية مع مصر، قبل أيام من قيام وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بتحديد ما إذا كان سيتم الإفراج عن شريحة من المساعدات العسكرية التي تم تعليقها في سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب المخاوف حول حقوق الإنسان، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNN الأمريكية.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أفرجت الإدارة عن 170 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، لكنها علقت 130 مليون دولار أخرى، بشرط إسقاط مصر المحاكمات والتهم الموجهة ضد نشطاء ومنظمات حقوق الإنسان.

وحسبما ورد، أبلغت الإدارة الأمريكية الحكومة المصرية أنه من أجل تلقي المساعدة المحجوبة، فإنها ستحتاج إلى إنهاء تحقيق استمر عقداً من الزمن مع المدافعين عن حقوق الإنسان وجماعات المجتمع المدني، وكذلك إسقاط التهم الموجهة ضد أو إطلاق سراح 16 شخصاً ممن قامت إدارة بايدن بإثارة قضاياهم مع القاهرة.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن صفقة السلاح الأمريكية مع مصر التي تمت الموافقة عليها أمس الثلاثاء، لا علاقة لها بالمساعدات العسكرية الأمريكية بقيمة 130 مليون دولار التي تم تجميدها في سبتمبر/أيلول الماضي.

وفي مواجهة الانتقادات لإبرام صفقة السلاح الأمريكية مع مصر، رغم سجل القاهرة في حقوق الإنسان، قالت الخارجية الأمريكية إن المبيعات المقترحة “ستدعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال المساعدة في تحسين أمن دولة حليفة رئيسية من خارج الناتو لا تزال شريكاً استراتيجياً مُهماً في الشرق الأوسط”.

عاصفة ديمقراطية ضد بايدن

وقبل وقت قصير من الكشف عن تفاصيل صفقة السلاح الأمريكية مع مصر، والإعلان عن الموافقة عليها، دعت مجموعة من ستة أعضاء ديمقراطيين في مجلس النواب، من ضمنهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب جريجوري ميكس، والسيناتور البارز كريس مورفي، إدارة بايدن إلى الإصرار على أن تفي مصر بمعايير حقوق الإنسان قبل إتمام الصفقات العسكرية معها.

وحسب رسالة وجهها المشرعون الديمقراطيون إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، “فلقد أطلقت مصر منذ تجميد جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية، سراح بعض السجناء السياسيين البارزين، لكنها تواصل استمرار الانتهاكات المتفشية والمنهجية لحقوق الإنسان”.

وحث الديمقراطيون في الكونغرس بلينكن على عدم التصديق على أن مصر قد استوفت هذه الشروط، وبدلاً من ذلك، دعوا الإدارة إلى إعادة برمجة الأموال.

وقال النواب الديمقراطيون، في بيان، أمس الثلاثاء، إن “شروط حقوق الإنسان التي أرفقها الرئيس بايدن بمساعدتنا لمصر لم تكن قائمة، بإمكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاختيار من بينها، بل كان من المفترض أن يتم تلبيتها بالكامل.

وأردف البيان أنه “إذا اختارت الحكومة المصرية تنفيذ بعض الشروط من قائمة الرئيس، بينما تكثف حملتها الأوسع نطاقاً من القمع والاحتجاز التعسفي والعقوبات خارج نطاق القضاء، فإن هذا من شأنه أن يهزم الغرض من جهود الإدارة”.

واعتبر المشرعون الديمقراطيون أن “مكافأة مثل هذه الخطوة من جانب القاهرة، التي وصفوها بالساخرة، ستقلل من احتمالية أن تأخذ مصر طلبات إدارة بايدن بشأن حقوق الإنسان أو أي قضية أخرى على محمل الجد في المستقبل. وعلى هذا النحو، يجب على الرئيس بايدن إعادة برمجة مبلغ 130 مليون دولار المحتجز كما وعد، ما لم يمتثل النظام المصري لها، بشروطها المعلنة كاملة بحلول الموعد النهائي”.

وفي رسالتهم إلى بلينكن، قال الأعضاء الديمقراطيون بلجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إنه “بينما يعترفون ويؤكدون مجدداً الخطوات المهمة التي اتخذتها مصر في الأسابيع الأخيرة لمعالجة هذه المخاوف، من خلال إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين والأفراد المعتقلين ظلماً، يجب على الحكومة المصرية مقابلة الإدارة. كاملة بحلول الموعد النهائي المبلغ عنه”.

وكتبوا قائلين: “إذا لم يكن الأمر كذلك، فنحن نحثك على الالتزام بكلمتك وإعادة برمجة الأموال فوراً”.

وقال السيناتور مورفي: “تبدو مصر غير راغبة في تلبية الشروط الضيقة فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية المتبقية البالغة 130 مليون دولار بحلول الموعد النهائي، بينما تدهور وضع حقوق الإنسان على نطاق أوسع خلال الأشهر القليلة الماضية”.

وأضاف: “إذا لم تستوفِ مصر الشروط بالكامل، يجب على إدارة بايدن أن تقف بحزم وأن تُظهر للعالم أن أفعالنا ترقى إلى مستوى التزامنا المعلن بالديمقراطية وحقوق الإنسان”.

ولم يتضح على الفور ما إذا كانت مبيعات الأسلحة، يوم الثلاثاء، تشير إلى أن بلينكن قرر أن مصر قد عالجت هذه القضايا بشكل مُرضٍ لواشنطن أم لا.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أمس الثلاثاء، إنه ليس لديه “أي شيء جديد يعلنه” بشأن المساعدة العسكرية، لكنه أشار إلى أن “الإدارة مازالت ملتزمة بالتواصل مع شركائنا المصريين في مجال حقوق الإنسان”.

وأضاف برايس في إفادة صحفية: “لقد أكدنا باستمرارٍ أن علاقاتنا الثنائية سوف تتعزز من خلال تحسُّن ملموس في احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.

بايدن كان قد تعهد بوقف شيكات ترامب المفتوحة للسيسي

وتُتهم الحكومة المصرية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من ضمنها القتل غير القانوني أو التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، وظروف السجن “القاسية والمهددة للحياة”، والاعتقال التعسفي، والقيود المفروضة على حرية التعبير، والمشاركة السياسية، وفقاً للتقرير السنوي لوزارة الخارجية حول حقوق الإنسان في البلاد.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، توفي المواطن الأمريكي مصطفى قاسم في حجز مصر.

ولكن الحكومة المصرية اتخذت عدداً من الإجراءات، لتحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان، منها إلغاء حالة الطوارئ المفروضة منذ سنوات، ولكن منتقديها يرون أنها مجرد إجراءات شكلية.

وفي سبتمبر/أيلول 2019، وافقت الخارجية الأمريكية على منح مصر المساعدات العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنوياً، كما وافقت الخارجية الأمريكية، في مايو/أيار 2020، على صفقة معدات عسكرية للحكومة المصرية بقيمة 2.3 مليار دولار، تتضمن مروحيات أباتشي المتطورة، وقالت إدارة بايدن آنذاك، إنها مهمة لجهود الجيش المصري في مكافحة الإرهاب في سيناء.

وتعرض بايدن، الذي تعهد بصفته مرشحاً رئاسياً بعدم إرسال “شيكات على بياض” إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كما فعل ترامب، لضغوط متزايدة من قِبل المشرعين وجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان. 

ويقولون إن الإدارة يمكن أن تفعل المزيد لمحاسبة مصر، وضمن ذلك حجب المبلغ الكامل للمساعدات- 300 مليون دولار- الذي اشترطه الكونغرس بشأن إصلاحات الحقوق، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-monitor الأمريكي.

في فبراير/شباط 2021، واجهت الإدارة انتقادات حادة من نشطاء حقوق الإنسان بعد الموافقة على بيع ما يقرب من 200 مليون دولار من صواريخ بحرية أرض/جو إلى القاهرة.

لكن وزارة الخارجية الأمريكية تقول إنها تواصل الضغط على مصر علناً ​​وفي السر فيما يتعلق بمخاوف حقوق الإنسان، وضمن ذلك اعتقال منتقدي الحكومة المفترضين. في وقت سابق من هذا الشهر، ألقت وزارة العدل الأمريكية القبض على رجل من نيويورك، قال ممثلو الادعاء إنه تجسس على خصوم السيسي السياسيين في الولايات المتحدة.

حرب غزة كانت نقطة فارقة في العلاقة بين بايدن والسيسي

ويؤكد المسؤولون الأمريكيون أن مصر شريك رئيسي في مكافحة الإرهاب بالشرق الأوسط، ولعبت “دوراً بنّاءً” في النزاعات الإقليمية الأخيرة. ويشيرون على وجه الخصوص، إلى الوساطة المصرية الناجحة بالعام الماضي، في الصراع الذي استمر 11 يوماً بغزة بين إسرائيل وحماس، في مايو/أيار 2021.

ومنذ هذه الحرب التي أعقبها أول اتصال بين السيسي وبايدن منذ وصول الأخير للحكم، بدا واضحاً أن الإدارة الأمريكية ترى أن الأهمية الجيوسياسية للقاهرة أكبر من دواعي القلق بشأن حقوق الإنسان، رغم فرضها شروطاً تؤدي إلى حجب جزئي للمساعدات؛ لذرِّ الرماد في العيون، على ما يبدو.

وقد يكون جزء من ميل إدارة بايدن إلى تسهيل صفقات بيع السلاح لمصر، أيضاً توجه القاهرة منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، إلى مصادر بديلة للتسليح، منها فرنسا، التي زودت مصر بقِطع بحرية وطائرات رافال، كانت القاهرة أول زبون خارجي لها. 

ولكن ما يُقلق الولايات المتحدة أكثر هو توجُّه القاهرة نحو روسيا، حيث اشترت منها القاهرة مروحيات Ka 52 وطائرات مقاتلة من طراز ميغ 29، والأهم تعاقد القاهرة على شراء طائرات سوخوي 35 الروسية الشهيرة لتصبح ثاني زبون دولي لها بعد الصين، وهي الصفقة التي يُعتقد أن واشنطن ضغطت على مصر لتجميدها، بعد أن هددت بوضع القاهرة تحت طائلة “قانون مكافحة أعداء أمريكا” الذي يفرض عقوبات على الدول التي تشتري أسلحة من روسيا.

وقد تكون رغبة واشنطن في إبعاد القاهرة عن سوقي السلاح الروسي والصيني، والأهمية الاستراتيجية للقاهرة في ملفات عديدة- أهمها الملف الفلسطيني الإسرائيلي- دافعاً إلى التغاضي عن سجل القاهرة سيئ السمعة في مجال حقوق الإنسان، مع حثها على تحسينه- ولو شكلياً- بطريقة تسمح بتمرير الصفقات في الكونغرس، خاصةً أن المشرعين الجمهوريين أقل ميلاً دوماً إلى الاعتراض على صفقات السلاح، بسبب الأبعاد الأخلاقية مقارنة بزملائهم الديمقراطيين الذين سيكون أغلبهم مضطراً إلى تأييد مواقف إدارة بايدن الديمقراطية حتى لو خالفت مبادئهم.

كما أنه يُعتقد أن إسرائيل- خصم مصر القديم- لم تعترض على إبرام القاهرة صفقات سلاح، حتى إن رئيس وزراء إسرائيل السابق، بنيامين نتنياهو، اتُّهم بأنه أعطى موافقة لألمانيا لبيع غواصات لمصر.

ويعتقد أن العلاقات المصرية-الإسرائيلية قد دخلت مرحلة أقوى في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت، وأن جزءاً من هذا التطور نابع من رغبة القاهرة في أن تحث تل أبيب واشنطن على التساهل معها في عديد من الملفات.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن راي الموقع