السياسية:

بعد أشهر من دقِّ روسيا طبول الحرب على أوكرانيا، قام المسؤولون الروس بجولة دبلوماسية في أوروبا هذا الأسبوع، إذ التقوا بالولايات المتحدة في جنيف وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل. ووسط هذه الدوامة الدبلوماسية، غاب أكبر نادٍ دبلوماسي في أوروبا، حيث لا يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً رسمياً في المحادثات، على الرغم من تهديد مسؤوليه بوضع عقوبات مُحتَمَلَة قد تُفرَض على روسيا إذا قرَّرَ بوتين غزو أوكرانيا. فما سر هذا الاستبعاد للأوروبيين؟

“أوروبا مُهمَّشة بين بوتين وبايدن”
تقول صحيفة The Guardian البريطانية إن استبعاد الاتحاد الأوروبي من محادثات الحرب والسلام في ساحته الخلفية “أمرٌ مؤلِم”. فيما نشرت صحيفة Le Monde الفرنسية عنواناً يقول: “أوروبا مُهمَّشة بين بوتين وبايدن”.

وأبدى كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ملاحظة غير مبالية، إذ قال عندما سألته شبكة BBC البريطانية عمَّا إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تمضي قدماً في محادثات جنيف: “لا أهتم”. وقال في معرض تفسيره، إن الروس “استبعدوا عمداً الاتحاد الأوروبي من أيَّة مشاركة”، لكن الولايات المتحدة أكَّدَت له من قبل أنه “لن يجري الاتفاق على أيِّ شيءٍ دون تعاوننا وتنسيقنا ومشاركتنا القوية”.

قلَّلَ المسؤولون من أهمية استبعاد الاتحاد الأوروبي. وقال الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ: “الحلفاء الأوروبيون على الطاولة، لأن الحلفاء الأوروبيين موجودون في الناتو”. بعد محادثات الناتو وروسيا، يعتزم ستولتنبرغ إطلاع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي على اجتماعهم في مدينة بريست الساحلية في شمالي غرب فرنسا. وتشترك المنظمتان في 21 دولة عضواً والكثير من التعهُّدات لتحسين التعاون.

تقول صحيفة الغارديان، لا يصدِّق الجميع هذه القصة المُطمئنة حول غياب أوروبا عن طاولة القمة. إذ قال رادوسلاف سيكورسكي، وزير الخارجية البولندي السابق، والعضو الحالي في البرلمان الأوروبي، للصحيفة البريطانية: “هذا يثير قلقاً كبيراً، الاتحاد الأوروبي يجاور كلاً من أوكرانيا وروسيا، وهذان بلدان تربطنا بهما علاقاتٌ مُكثَّفة. وما يحدث بينهما يؤثِّر على العديد من الدول الأعضاء”. وأضاف: “بالطبع يجب أن نكون هناك وأنا مندهش لأننا لسنا مشاركين”.

كيف وصلت أوروبا إلى هذا الدور “الضعيف”؟
كانت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي آنذاك، كاثرين أشتون، على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا في عام 2014 في جنيف، بعد غزو شبه جزيرة القرم.

تحولت فرنسا وألمانيا لاحقاً إلى تنسيق نورماندي الأضيق، إذ تحدَّثتا إلى كييف وموسكو، في محاولةٍ لإنهاء الصراع في أوكرانيا. يجادل سيكورسكي قائلاً: “لقد كانت تصرفات بعض الدول الأعضاء، ألمانيا وفرنسا، والخطأ الدبلوماسي الذي ارتكبته أوكرانيا لقبولها صيغة نورماندي، ثم صيغة مينسك، هي التي لم تصل بنا إلى أيِّ مكان”. وأضاف: “من خلال سلسلة من الزلات، انتهى بنا الأمر مع استبعاد الاتحاد الأوروبي من قضية ذات أهمية حيوية بالنسبة لنا”.

وفي مفارقةٍ “مُزعِجة” كما تصفها الغارديان، تتكشف الأزمة مع اجتماع وزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع في بريست لمناقشة “كيف يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي لاعباً أقوى في نظامٍ عالمي تتحداه القوى الاستبدادية والجهات المارقة”.

وتقود فرنسا، التي تولت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي هذا الشهر، البحث عن “الاستقلال الاستراتيجي” للاتحاد الأوروبي. وقال مسؤول حكومي فرنسي رفيع المستوى إن أوروبا يجب أن تكون “ذات سيادة كاملة، وحرَّة في خياراتها ومتحكِّمة في مصيرها”.

غزو أوكرانيا امتحان كبير للقارة العجوز
يُعَدُّ الغزو الروسي لأوكرانيا اختباراً كبيراً واضحاً لأوروبا “ذات السيادة”. ويتمركز الآن أكثر من 100 ألف جندي روسي حول حدود أوكرانيا، بينما أفادت الاستخبارات المركزية الأمريكية أنه يمكن نشر 175 ألف جندي بحلول نهاية يناير/كانون الثاني الجاري.

وحذَّرَ قادة الاتحاد الأوروبي من “عواقب وخيمة” رداً على أيِّ عدوانٍ عسكري آخر ضد أوكرانيا. لكن العواقب الدقيقة هي سر يخضع لتحصينٍ مُشدَّد، إذ يعتقد المسؤولون أن إفشاء التفاصيل سيفيد بوتين من خلال السماح له بمعايرة رده. حتى كبار الدبلوماسيين يقولون إنهم لا يعرفون بالضبط ما أعدَّته المفوضية الأوروبية. ومع ذلك، ظهرت قائمةٌ واسعةٌ من الخيارات تغطي التمويل والتكنولوجيا والأفراد.

في حالة حدوث غزو كامل، يمكن عزل روسيا عن نظام Swift، وهو نظام المراسلة المصرفية الذي يربط 11 ألف شركة في أكثر من 200 دولة. وقد تشهد القلة المُقرَّبة من الكرملين تجميد أصولهم في الولايات القضائية الغربية. سيتعرَّض الاتحاد الأوروبي أيضاً لضغوطٍ لعدم الموافقة على خطِّ أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل، وهو مكتملٌ بالفعل، لكن يجب أن تُزال العقوبات بالفعل قبل أن تبدأ روسيا في الضخِّ إلى ألمانيا.

وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن غزواً واسع النطاق من شأنه أن يوحِّد الاتحاد الأوروبي للعمل، في حين أن استمرار حملة الهجمات الروسية والتضليل ودعم القوات بالوكالة في إقليم الدونباس يجعل القرار أصعب. وتتاجر الدول الأوروبية أكثر مع روسيا ولديها ما تخسره أكثر من الولايات المتحدة، ما يجعل حسابات العقوبات أعقد.

لا تقدّم في المحادثات مع روسيا وتحذيرات من “خطر حقيقي” في أوروبا
في السياق، قال الأمين العام للناتو، شتولتنبرغ، إنَّ هناك “خطراً حقيقياً لنشوب صراع مسلح جديد في أوروبا”، بعد انتهاء المحادثات بين أعضاء حلف الناتو وروسيا، دون أي بوادر على إحراز تقدم نحو نزع فتيل الأزمة بشأن أوكرانيا”، وفق ما ذكرته صحيفة The Guardian الأربعاء 12 يناير/كانون الثاني 2022.

الصحيفة أشارت أيضاً إلى أن نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، خرج من المحادثات التي استمرت أربع ساعات مجدِّداً تهديد موسكو بأنها ستتخذ خطوات عسكرية إذا لم تُتخَذ الإجراءات السياسية الكافية “لتحييد التهديدات”، التي تقول إنها تواجهها.

كما قال غروشكو إنه أخبر ممثلي حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي)، بأن “مزيداً من التدهور في الموقف الحالي قد يؤدي إلى أكثر العواقب غير القابلة للتنبؤ، ويمثل خطورة على الأمن الأوروبي”.

من جانبها، قالت رئيسة الوفد الأمريكي، ويندي شيرمان، إنها لم تسمع شيئاً في بروكسل يختلف عن موقف الكرملين الذي طرحه في المحادثات الثنائية في جنيف، والذي يطالب بنهاية مضمونة لتوسع الناتو، وانسحاب قوات التحالف من دول الكتلة السوفييتية السابقة، التي انضمت إلى الحلف بعد عام 1997.

أضافت شيرمان أن هذه الاقتراحات ما زالت غير مقبولة للولايات المتحدة وجميع أعضاء حلف الناتو. وصرّحت للصحفيين: “كنا ببساطة نقول للروس: بعض الأشياء التي تضعونها على الطاولة غير مجدية بالنسبة لنا”.

رئيسة الوفد الأمريكي أضافت: “لن نتفق على أن الناتو لا يمكنه التوسع أكثر من ذلك، لن نوافق على العودة إلى وضع عام 1997. لقد أوضحت الولايات المتحدة وحلفاؤنا في الناتو معاً أننا لن نغلق سياسة الباب المفتوح للناتو، وهي السياسة التي لطالما كانت مركزية في الحلف”.

بينما وصف شتولتنبرغ اجتماع، اليوم الأربعاء، 12 يناير/كانون الثاني، بأنه “لحظة حاسمة للأمن الأوروبي”، لكنه قال إن هناك “خلافات كبيرة” لا تزال قائمة. كما قال شتولتنبرغ: “أجرينا محادثات جادة ومباشرة للغاية بشأن الوضع في أوكرانيا وحولها، والآثار المترتبة على الأمن الأوروبي. لن يكون من السهل تجاوز خلافاتنا، لكنها علامة إيجابية على أن جميع أعضاء حلف الناتو وروسيا جلسوا حول نفس الطاولة وانخرطوا في موضوعات جوهرية”.

لكنه أقر بأنَّ “هناك خطراً حقيقياً بحدوث نزاع مسلح جديد في أوروبا”، وحذر من أنَّ روسيا ستواجه “عواقب وخيمة” إذا استخدمت القوة العسكرية.

فيما سيتبع اجتماع مجلس حلف الناتو وروسيا جولة ثالثة من المحادثات مع موسكو في فيينا، يوم الخميس 13 يناير/كانون الثاني، في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي ترأسها بولندا حالياً.

بعد ذلك، سيتعين على جميع الأطراف العودة إلى عواصمهم لتتخذ القيادات القرار بشأن استمرار الجهود الدبلوماسية. وقالت ويندي شيرمان إنَّ هناك مساحة للحوار لمعالجة المخاوف الأمنية الروسية و”تحديد الحلول التي تعزز أمن الجميع”.

الكرملين أكثر ميلاً لشن حرب هجينة ضد أوكرانيا
في مقابلة مع صحيفة The Guardian، قال وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاغورودنيوك إنَّ العملية الروسية ضد أوكرانيا بدت حتمية، بمجرد انتهاء المحادثات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هذا الأسبوع.

علَّق زاغورودنيوك: “لقد أثار الروس زخماً، ويريدون استخدام هذا الزخم، لذا عليهم اتخاذ خطوة ما”، وقال إنه “من المستبعد” أن ينفذ الكرملين “غزواً واسع النطاق” على أوكرانيا.

كما توقع زاغورودنيوك أنَّ الكرملين أكثر ميلاً لشن حرب هجينة، التي قد تشمل غارات إلكترونية وهجمات على البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك منشآت الطاقة وحملة إعلامية ضخمة. وأوضح أنَّ الاستراتيجية الروسية ستكون “إجبار أوكرانيا” على الخضوع.

على الجانب الآخر، تشير مصادر الحكومة الأوكرانية إلى أنَّ روسيا تدرس “استفزازاً مرحلياً” داخل أوكرانيا، يمكن استخدامه بعد ذلك لتبرير هجوم أكبر. وقد يشمل ذلك حادثاً “عنيفاً” في السفارة أو القنصلية الروسية، الذي يمكن أن تلومه موسكو بعد ذلك على الأوكرانيين اليمينيين المتطرفين.

في غضون ذلك، أكد مسؤولو كييف التقارير الإخبارية التي تفيد بأن إدارة بايدن سمحت في صمت بتقديم 200 مليون دولار مساعدة أمنية إضافية لأوكرانيا، في أواخر ديسمبر/كانون الأول. وستشمل المساعدات أنظمة رادار ومعدات بحرية.

عربي بوست