هل تستطيع إسرائيل تدمير برنامج إيران النووي؟
السياسية:
هل تستطيع دولة العدو الاسرائيلي تنفيذ تهديداتها المتصاعدة التي تتوعد بقصف وتدمير البرنامج النووي الإيراني؟ تتزايد أهمية هذا السؤال مع تعثر المفاوضات النووية وإعلان العدو في المقابل، تعزيز خططها لتدمير البرنامج النووي الإيراني.
ورغم استمرار مفاوضات القوى العالمية مع إيران بشأن برنامجها النووي والعودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي انسحبت منها الولايات المتحدة في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، أمرَ وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتر قواته بالاستعداد للخيار العسكري، منذراً العالم بأن إسرائيل قد تُقدم على التصرف بمفردها إذا لم يقيِّد الاتفاق النووي الجديد إيران تقييداً يلبي متطلبات إسرائيل.
هل تستطيع دولة العدو تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
قال مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون وخبراء عسكريون إن إسرائيل عاجزة في الواقع عن شنِّ هجوم قادر على تدمير برنامج إيران النووي، أو حتى تعطيله بدرجة كبيرة، في المدى القريب على الأقل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكي.
وأشار مسؤول أمني للكيان رفيع المستوى لا يزال في الخدمة حالياً إلى أن التحضير لهجومٍ قادر على التسبب في أضرار جسيمة لمشروعِ إيران النووي يتطلب عامين في أقل التقديرات.
وأوضح الخبراء والمسؤولون أن دولة العدو الإسرائيلي قد تكون قادرة في وقت قريب على شنِّ ضربة محدودة تلحق الضرر بأجزاء من البرنامج النووي الإيراني دون القضاء عليه تماماً، لكن أي هجوم واسع النطاق يتطلع إلى تدمير عشرات المواقع النووية المنتشرة في جميع أنحاء إيران، على نحو الهجمات التي هدد بها المسؤولون الإسرائيليون مؤخراً، يظل أمراً خارج نطاق الموارد الحالية للجيش الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، يقول ريليك شافير، وهو جنرال متقاعد من سلاح الجو العدو الإسرائيلي وكان طياراً مشاركاً في هجوم عام 1981 على منشأة نووية عراقية، إنه “يصعب جداً، بل يستحيل، شنُّ حملة قادرة على استهداف كل هذه المواقع” في وقت واحد.
وأضاف شافير: “في عالمنا الحالي، القوة الجوية الوحيدة القادرة على تنفيذ حملة من هذا النوع تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني هي القوات الجوية الأمريكية”.
ويستدل شافير على رأيه بأن إيران لديها عشرات المواقع النووية، بعضها في أعماق الأرض، ما يجعل من الصعب على القنابل الإسرائيلية اختراقها وتدميرها بسرعة. وأضاف أن سلاح الجو الإسرائيلي ليس لديه طائرات حربية كبيرة بما يكفي لحمل أحدث القنابل الخارقة للتحصينات، لذلك يتعين قصف المواقع المحصنة أكثر من مرة بصواريخ أقل فاعلية، وهي عملية قد تستغرق أياماً أو حتى أسابيع. وقال مسؤول أمني بارز حالي إن إسرائيل لا تملك حالياً القدرة على إلحاق أي ضرر بالمنشآت الموجودة تحت الأرض في نطنز وفوردو الإيرانيتين.
ويزداد تعقيد هذه الهجمات على وجه الخصوص بسبب نقص طائرات التزود بالوقود. فالقدرة على التزود بالوقود أمر بالغ الأهمية لطائرات الهجوم الإسرائيلية إذا سعت إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، لا سيما أنه يتعين عليها السفر أكثر من 3218 كيلومتراً ذهاباً وإياباً، والتحليق فوق دول عربية سترفض أن تكون محطة تتزود فيها الطائرات الإسرائيلية بالوقود لاستكمال هجماتها.
ولذا يبدو أن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بشنِّ هجوم عسكري على إيران هي جزء من حملة ضغط إسرائيلية ترمي إلى حث الدول التي تتفاوض مع إيران في فيينا على عدم الموافقة على ما قد يعتبره الإسرائيليون “صفقة سيئة”، أو صفقة ليست كافية من وجهة نظرهم لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية.
في الوقت الحالي، تبدو احتمالات التوصل إلى صفقة كهذه أمراً بعيداً، فالمحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاقية النووية لم تشهد إلا التراجع منذ تولي الحكومة الإيرانية الجديدة المتشددة مسؤولية المفاوضات الشهر الماضي.
لجأت إلى العمليات الاستخباراتية
حتى الآن، عملت دولة العدو على كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، الذي تعتبره تهديداً وجودياً لها، من خلال مزيج من الحملات الدبلوماسية العدوانية والهجمات السرية. وكان نجاح المسؤولين الإسرائيليين في إقناع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاقية النووية انقلاباً في دفة الأمور لمصلحتهم.
بالإضافة إلى ذلك، شنَّت دولة العدو ما يُعرف بحرب ظل، أو عمليات على نطاق محدود لا يُعترف بها رسمياً، والتي شملت التجسس والاغتيالات والتخريب والهجمات الإلكترونية. وناقشت إسرائيل سراً خطة لشنِّ غارات جوية واسعة النطاق في عام 2012، قبل أن تتخلى عنها بعد ذلك.
لكن مع اقتراب برنامج التخصيب النووي الإيراني من مستوى القدرة على إنتاج أسلحة نووية، أطلق السياسيون الإسرائيليون تحذيرات علنية متزايدة بأن إسرائيل قد تلجأ إلى حرب مفتوحة إذا سُمح لإيران بإحراز خطوات متقدمة نحو تطوير سلاح نووي، وهو هدف تنفي طهران السعي إليه.
في سبتمبر/أيلول الماضي، قال رئيس أركان جيش العدو الإسرائيلي أفيف كوخافي، إن الميزانية العسكرية الإسرائيلية خصَّصت حصة كبيرة للتحضير لضربة عسكرية لإيران. وفي أوائل هذا الشهر، قال رئيس الموساد، ديفيد بارنيا، إن إسرائيل ستفعل “كل ما يلزم” لمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية.
ثم جاء التصريح العلني لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس خلال زيارته إلى الولايات المتحدة هذا الشهر بأنه أمر الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لضربة عسكرية محتملة ضد إيران.
وكانت دولة العدو الإسرائيلي طلبت ثماني طائرات للتزود بالوقود جواً، من طراز KC-46 من شركة “بوينغ” الأمريكية بتكلفة 2.4 مليار دولار، لكن الطائرات المتاحة نفدت ومن غير المرجح أن تحصل إسرائيل على واحدة قبل أواخر عام 2024.
وبعيداً عن قدرة العدو على إصابة الأهداف الإيرانية أو عدم قدرتها، فإن مقاتلات الهجوم الإسرائيلية يتعين عليها أن تتصدى في الوقت نفسه للمقاتلات الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي.
علاوة على ذلك، فإنه من المرجح أن تؤدي أي هجمات انتقامية من حزب الله اللبناني، وحلفاء إيران الذين سيحاولون إجبار إسرائيل على الدخول في حرب ممتدة على عدة جبهات في وقت واحد.
ويقول تال إنبار، خبير الطيران والرئيس السابق لمعهد فيشر للدراسات الاستراتيجية الجوية والفضائية، إنه “من المحتمل جداً أن تُفاجأ الطائرات الإسرائيلية بعد عودتها ومحاولة الهبوط في إسرائيل بأن الصواريخ الإيرانية دمَّرت مدارج الطيران”.
ما هي قدرات الدفاع الجوي الإيراني؟
القدرات الدفاعية الإيرانية باتت أقوى بكثير مما كانت عليه في عام 2012، عندما ناقشت إسرائيل جدياً الهجوم على إيران. فقد زادت إيران تحصينها للمواقع النووية، وحازت مزيداً من صواريخ أرض-أرض التي يمكن إطلاقها بسرعة من أنفاق مخفية.
قطعت الدفاعات الجوية الإيرانية شوطاً طويلاً منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. فآنذاك، كانت تلك الدفاعات الجوية الإيرانية، على سبيل المثال، عديمة الجدوى في رصد أو تعقُّب، ناهيك عن اعتراض، الطائرات التي تنتهك مجالها الجوي. بل كانت طائرات التزود بالوقود التابعة لسلاح الجو الأمريكي تقضي أحياناً ما يصل إلى ساعتين داخل المجال الجوي الإيراني دون رصدها. وكانت صواريخ الدفاع الجوي الإيراني تتألف إلى حدٍّ كبير من صواريخ MIM-23 القديمة أمريكية الصنع والتي اشترتها طهران في السبعينيات خلال عهد الشاه الأخير للبلاد.
واشترت إيران منذ ذلك الحين صواريخ الدفاع الجوي S-300PMU-2 من روسيا وطوَّرت أيضاً صواريخ شبيهة بنفسها.
ورغم أن الطائرات الإسرائيلية اخترقت الأجواء السورية مراراً المحمية بصواريخ إس 300 الروسية إلا أنه يعتقد أن هناك فرقاً هائلاً بين قدرات الإيرانية والسورية في إدارة مثل هذه المنظومات.
وكشفت طهران في عام 2014 النقاب عن منظومة “3 خرداد”. ويبدو أنَّ بإمكان المنظومة، المزودة بصواريخ “طائر-2 بي” محلية الصنع، استهداف طائرات العدو من على بُعد أكثر من 25 ميلاً (40 كيلومتراً تقريباً). وأسقطت منظومة خرداد في يونيو/حزيران 2019 طائرة بدون طيار أمريكية من طراز Northrop Grumman RQ-4 Global Hawk NOC خلال التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة في الخليج.
تحاول تقليد الإس 400
وكشفت إيران في عام 2019 النقاب عن منظومة “باور-373″، والتي تمثل الرد الإيراني على منظومة S-300 الروسية وصواريخ باتريوت الأمريكية.
وتزعم إيران أنَّ المنظومة بمقدورها رصد ما يصل إلى 300 هدف في نفس الوقت من على بُعد يزيد على 180 ميلاً (290 كيلومتراً تقريباً) والاشتباك بصواريخ “صياد 4” مع 6 أهداف، وهي الصواريخ التي يُزعَم أنَّ مداها يصل إلى 120 ميلاً (193 كيلومتراً تقريباً).
ما زال يعتقد أن القدرات الجوية الإسرائيلية التي انضمت إليها الإف 35 قادرة على اختراق منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، ولكن الأمر لم يعُد بمثل السهولة السابقة أو مثلما الحال عليه في سوريا، حيث تمرح الطائرات الإسرائيلية دون رادع، وتقول إسرائيل إنها أول دولة تستخدم المقاتلة الشبحية إف 35 الأمريكية الصنع في القتال.
ومع ذلك، يقول خبراء عسكريون آخرون إن إسرائيل بإمكانها القضاء على أهم مرتكزات البرنامج النووي الإيراني، حتى بدون طائرات جديدة ومعدات أحدث.
متى تهاجم تل أبيب برنامج طهران النووي؟
المسؤولون الإسرائيليون يرفضون مناقشة الخطوط الحمراء التي تسوِّغ لإسرائيل مهاجمة إيران إذا تجاوزتها. ومع ذلك، قال مسؤول عسكري بارز إنه إذا بدأت إيران في تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تبلغ 90%، أي إنتاج وقود صالح للاستخدام في صنع الأسلحة، فإن إسرائيل ستتجه إلى تكثيف إجراءاتها. ويقول مسؤولون أمريكيون إن إيران بدأت حالياً في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%.
وحقيقة أن تكثيف الاستعدادات لحملة جوية واسعة النطاق ضد إيران قد يستغرق سنوات لا يُتوقع أن يكون أمراً مفاجئاً للمسؤولين العسكريين الإسرائيليين، فقد قال خبراء إسرائيليون إن خطة إسرائيل لشن هجوم مماثل في عام 2012 استغرق الاستعداد لها أكثر من 3 سنوات.
والأدهى من ذلك أن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً بارزاً قال إن التدريب على توجيه ضربات عسكرية إلى إيران تباطأ منذ عام 2015، فقد ركَّز الجيش الإسرائيلي جهوده على المواجهات مع الميليشيات في لبنان وسوريا والمقاومة الفلسطينية في غزة.
في عام 2017، كشف سلاح الجو الإسرائيلي عن حاجته إلى استبدال طائرات التزود بالوقود، لكن حكومة نتنياهو لم تأمر بالاستجابة لهذا الطلب حتى مارس/آذار الماضي.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي بارز آخر إن الجيش الإسرائيلي طلب من نتنياهو في عام 2019 أموالاً إضافية لتعزيز قدرة إسرائيل على مهاجمة إيران، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت الطلب.
وفي بيان، قال مكتب نتنياهو إن عكس ذلك هو ما حدث، وإن نتنياهو هو من دفع لحشد المزيد من الموارد والإمكانيات لضرب إيران، في حين أصر القادة العسكريون على إنفاق معظم ميزانيتهم على مسائل أخرى، وتقاعسوا عن الاستعداد لضرب إيران.
لكن سواء كان نتنياهو وضع قيوداً على التمويل أم لا، فقد قال الخبراء إن الأموال قيد المناقشة لم تكن لتحدث تغييراً كبير في قدرة الجيش الإسرائيلي على مهاجمة إيران.
وقال شافير، جنرال الطيران جيش العدو الإسرائيلي: “يمكنك دائماً التحسن، بشراء المزيد من طائرات التزود بالوقود وأحدثها وأكثرها قدرة على حمل كميات أكبر من الوقود، لكن مع كل هذه التحسينات والقوة الجوية المتفوقة، فإن الضربات الجوية الإسرائيلية لن تقضي على برنامج إيران النووي، وإن كان من المرجح أن تشعل نار الحرب في المنطقة”.
عربي بوست