السياسية:

شكل جديد للعلاقة بين مصر والكيان الإسرائيلي يتبلور بعد خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين تننياهو من السلطة وتولي نفتالي بينيت رئاسة الحكومة.

فمن الواضح تماماً أنَّ مصر تدير علاقتها مع إسرائيل اليوم بطريقة مختلفة عمّا كانت تفعل في معظم فترة رئاسة بنيامين نتنياهو للوزراء، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Times of Israel الإسرائيلية.

التقى الرئيس حسني مبارك مع نتنياهو علناً في عام 2011، لكن خليفته عبد الفتاح السيسي لم يكن على استعداد للقاء علانيةً مع الزعيم الإسرائيلي إلا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما قالت تقارير إعلامية عام 2018 إن نتنياهو زار مصر سراً لحضور اجتماع غير رسمي مع السيسي، وهو ما أعاد نتنياهو التذكير به، رداً على تفاخر بينيت بزيارته إلى مصر.

لكن يختلف نهج السيسي تجاه حكومة نفتالي بينيت ويائير لابيد اختلافاً ملحوظاً؛ إذ استضاف بينيت في سبتمبر/أيلول 2021، ليصبح أول رئيس وزراء العدو يزور مصر رسمياً منذ الربيع العربي قبل 10 سنوات.

في الأشهر الأخيرة، أصبح التعاون الأمني ​​بين دوله العدو الاسرائيلي ومصر علنياً بشكل متزايد، ووصل الأمر إلى قبول تل أبيب تعديل إسرائيل لاتفاقية السلام بما يسمح بتعزيز وجود الجيش المصري في سيناء على الحدود.

الآن جاء الدور على لابيد

واستقبل السيسي لابيد يوم الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول. وأصدر مكتب الرئيس المصري بياناً رسمياً وحظيت الزيارة بتغطية إعلامية كاملة في مصر، وهو ما لا يمكن أن يحدث دون موافقة النظام.

علاوة على ذلك، حضر كبار صناع القرار في مصر الاجتماعات مع لابيد. بالإضافة إلى السيسي ووزير الخارجية سامح شكري، كما شارك عباس كامل- رئيس المخابرات المصرية والمسؤول عن التعامل حماس في غزة- في الاجتماع.

وقال موشيه ألبو، مؤرخ الشرق الأوسط الحديث والباحث في مركز Dado للدراسات العسكرية متعددة التخصصات: “إنها قفزة إلى الأمام في رغبة مصر في إقامة علاقات علنية مع العدو وتجاهل النقد الداخلي في ضوء المنفعة الاستراتيجية”.

ما أهداف السيسي من تعزيز العلاقات بين مصر والعدو؟

المكاسب الاستراتيجية التي يراها السيسي في تحسين العلاقات بين مصر وإسرائيل متعددة الأوجه، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

منذ فوز الرئيس الأمريكي جو بايدن في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان السيسي قلقاً من أنَّ بايدن سيضغط على القاهرة بشأن قضايا حقوق الإنسان. وخلال ترشحه للرئاسة، غرّد بايدن عن مصر: “لا مزيد من الشيكات الفارغة لديكتاتور ترامب المفضل”.

من جانبه، قال عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن والنائب السابق لمدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “ليس لديّ شك في أنَّ المصريين لديهم مخاوف بشأن إدارة بايدن”.

ويُجمع المحللون على أن مصر، منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، ترى في تل أبيب البوابة الأوسع لنيل رضا الإدارة الأمريكية، بغض النظر عن هوية تلك الإدارة (جمهورية أو ديمقراطية) أو هوية رئيس الوزراء في إسرائيل. وفي هذا السياق تأتي أهمية العلاقات بين مصر وإسرائيل بالنسبة للسيسي، لمواجهة الضغوط المتزايدة من جانب المشرعين الأمريكيين (الديمقراطيين) على إدارة بايدن، للتعامل بحزم أكبر مع الرئيس المصري بسبب ملف حقوق الإنسان في البلاد.

ويُظهِر جلوس السيسي علناً مع لابيد وبينيت لبايدن تحالفاً إقليمياً موحداً ومؤيداً لأمريكا، يزيد حوافز إسرائيل، أقرب حليف لواشنطن في الشرق الأوسط؛ للتجادل في قاعات الكونغرس والبيت الأبيض ضد الضغط على السيسي، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

ومن الأمور الذي قد تعزز هذا التوجه المصري حقيقة أن تحالف بينيت-لابيد لديه علاقة قوية مع إدارة بايدن الديمقراطية.

سد النهضة

كان واضحاً خلال لقاء السيسي وبينيت أن الرئيس المصري، من يريد أن تتدخل إسرائيل في قضية سد النهضة الإثيوبي، إذ قال الرئيس المصري إنه وجد “تفهماً مشتركاً” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول “السد”، في إشارة إلى سد “النهضة” الإثيوبي، وأضاف السيسي أنه تحدث مع بينيت بـ”صراحة شجاعة”، ويوجد مزيد من الحديث من أجل البلدين والمنطقة، متابعاً أنه تناول مع ضيفه “قضية السد، ووجدت تفهماً مشتركاً”.

واستطرد السيسي: “قلت له نحاول معالجة (أزمة السد) في إطار من التفاوض والحوار، وصولاً إلى اتفاق بالموضوع الهام بالنسبة لنا الذي نعتبره حياةً أو موتاً”.

وفي هذا السياق، ذكرت قناة “كان” الإسرائيلية (رسمية)، أن السيسي “دعا (بينيت) إلى المساعدة في حل أزمة سد النهضة”، ضمن “صفقة” لإحلال الهدوء في غزة، رغم أن تصريحات الرئيس المصري التي نشرتها الصفحة الرسمية للرئاسة على فيسبوك لم تتضمن هذا الطرح.

وقال روعي شارون، المحلل العسكري للقناة، إن “إسرائيل لا تريد الوقوف بجانب مصر أو إثيوبيا، ولكن بإمكانها التواصل مع إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن في هذا الصدد، أو المساعدة مثلاً بمنشآت التحلية لحل مشكلة المياه المتزايدة في مصر”.

ورأى أنه “إذا ما قدمت إسرائيل للسيسي ما يريد فسيكون لديه حافز أكبر للضغط واستخدام كل الأدوات الممكنة على (رئيس حركة حماس في غزة يحيى) السنوار، لتنفيذ صفقة الأسرى، ومن ثم إعادة إعمار غزة وعودة الهدوء للقطاع”.

إسرائيل غير سعيدة على الأغلب بالتهدئة بين مصر وتركيا

إضافة إلى ذلك، يعمل تحالف الطاقة والأمن الإقليمي الناشئ- الذي تعتبره مصر حاسماً لمستقبلها- على تقريب مصر وإسرائيل من بعضهما.

وطوال الجزء الأكبر من العقد الأخير، انخرطت تركيا في منافسة مريرة مع مصر، التي بدأت عندما دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جماعة الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بالجماعة من السلطة في القاهرة عندما تولى السيسي السلطة في عام 2013.

وانتشر التنافس بين القوى الإسلامية السنية إلى مناطق أخرى وانقسم الشرق الأوسط، حيث تقود تركيا وقطر فصيلاً مؤيداً للإسلاميين المعتدلين، بينما تقف مصر إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في معسكر موالٍ للغرب.

ولكن خفت وطأة هذا التنافس وحدث تطبيع في العلاقات بين الإمارات وتركيا، وتهدئة بين القاهرة وأنقرة تضمنت مفاوضات بين الجانبين، وهو أمر قد لا يسعد تل أبيب.

وفي البحر المتوسط​​، انضمت مصر إلى اليونان وقبرص، اللتين تتهمان تركيا بالتنقيب غير القانوني عن الغاز الطبيعي في منطقتيهما الاقتصاديتين الخالصتين، بينما تقول أنقرة إنها تنقب في مناطق خاصة بها.

وجنباً إلى جنب مع إسرائيل، شكَّلت البلدان منتدى غاز شرق المتوسط، ومقره في القاهرة، وأجرت تدريبات عسكرية مشتركة.

تراهن دولة العدو الإسرائيلي8 بشكل أساسي، على مشروع غاز شرق المتوسط، ولكن ما يعرقل المشروع ليس الخلافات السياسية وبالتحديد الموقف التركي، ولكن أيضاً عراقيل فنية وارتفاع تكلفة المشروع مقابل تراجع أسعار الغاز وتزايد المنافسة من الغازين الروسي والأمريكي.

ولكن عكس الشائع، فإن مصر غير مستفيدة وغير متحمسة على الأغلب من خط غاز شرق المتوسط الذي يظل مشروعاً بعيد الاحتمال تواجهه عوائق كثيرة.

فرغم الاكتشافات الغازية المصرية الأخيرة، فإنها تظل أقل كثيراً على الأرجح، مما اكتُشف لدى إسرائيل ودول أخرى بالمنطقة.

وبالتالي فإن احتمالات التصدير على نطاق واسع ليست عالية بالنسبة لمصر.

فمشروع غاز شرق المتوسط مشروع إسرائيلي قبرصي يوناني، ولم يُطرح اسم مصر بشكل أساسي فيه.

بل العكس فإن مصر تطرح مشروعاً منافساً يقوم بالأساس على تصدير الغاز المسال عن طريق المنشآت المصرية، لتصبح مصر مركزاً لتصدير وتسويق الغاز بالمنطقة مع التركيز على الغاز المسال.

وبالتالي فإن عدم إنشاء الخط سيعزز وضع مصر كمركز لتسييل الغاز، خاصةً الإسرائيلي وقد يكون القبرصي وحتى اليوناني في مرحلة لاحقة.

وسبق أن علَّق وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، على خط أنابيب الغاز المُقتَرح بين قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا (خط غاز شرق المتوسط)، قائلاً إنَّ عملية إعداد دراسة جدوى للمشروع قد تستغرق ما يصل إلى عامين، “وهذه بحدّ ذاتها رفاهية لم تعد تتحمّلها المنطقة”.

وأضاف أنَّ مصر هي الخيار الأقل تكلفة لتصدير الغاز الطبيعي الموجود في المنطقة. ففي حين لا يوجد خط أنابيب لإعادة تصدير الغاز من مصر، تملك البلاد محطتين لتسييل الغاز من شأنهما تمكينها من البدء في إعادة التصدير دون الحاجة لاستثمارات، وباستثمارات قليلة، في البنية التحتية.

وتأتي زيارة لابيد بعد أيام من القمة الثلاثية السنوية بين القادة الإسرائيليين والقبارصة واليونانيين. في أكتوبر/تشرين الأول، عُقِدَت القمة المصرية – اليونانية – القبرصية السنوية في أثينا. وتربط الاجتماعات بين لابيد وكبار المسؤولين المصريين القمتين الأخيرتين لحلفاء شرق المتوسط ​​معاً.

ويمتد تحالف شرق المتوسط في جوهره، إلى ما وراء البلدان الأربعة. فقد أوضح ليرمان: “لديك الفرنسيون كمرساة في الغرب، والإمارات العربية المتحدة كمرساة في الشرق”.

في عهد السيسي، سعت مصر إلى ترسيخ نفسها قوة متوسطية رائدة في قلب ذلك التحالف، مع التقليل من هويتها العربية والإسلامية من بعض النواحي، حسب صحيفة Times of Israel الإسرائيلية.

أحد مظاهر هذا الاتجاه هو سلسلة من الفعاليات التي تؤكد على ماضي مصر الفرعوني- وليس المسلم- بما في ذلك العرض الذهبي للفراعنة في أبريل/نيسان الذي شهد نقل الملوك والملكات القدامى إلى المتحف الوطني الجديد للحضارة المصرية.

تزعم الصحيفة أن إسرائيل تُعد أيضاً عنصراً أساسياً في تصميم السيسي على تحديث الاقتصاد المصري وتنشيطه. إنَّ رؤية العلاقات الدافئة والمفتوحة لإسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب قد أكدت فقط على مقدار ما يمكن للنظام المصري أن يكسبه من تحسين العلاقة مع إسرائيل؛ إذ يحاول السيسي جذب الاستثمار الأجنبي وتحديث الاقتصاد وخفض البطالة.

يعتبر الغاز الطبيعي جزءاً أساسياً من الرؤية الاقتصادية لكلا البلدين، خاصة مع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا، والحاجة إلى بديل لروسيا بصفتها مورداً رئيسياً للوقود. وتضخ إسرائيل بالفعل الغاز الطبيعي إلى مصر لتسييله قبل شحنه إلى أوروبا وآسيا، ويجري البلدان محادثات لزيادة التدفق عبر كل من خطوط الأنابيب البحرية والبرية.

لكن زيادة الروابط بين القطاع الخاص ضرورية لو أريد تحقيق نمو كبير في التجارة بين الدول. ومن المتوقع زيادة عدد الوفود التجارية في الأشهر المقبلة، وقد طلبت مصر من إسرائيل توسيع تدفق البضائع عبر معبر نيتسانا الحدودي.

ومع ذلك، فإنَّ الاتجاه لا يعني أنَّ مصر وإسرائيل متحالفتان تماماً؛ إذ لا يزال الشارع والطبقة الوسطى في مصر معاديين لإسرائيل والتطبيع الحقيقي ليس وشيكاً.

ولا تتفق مخاوف البلدين الأكثر إلحاحاً؛ فبينما ينصب تركيز إسرائيل على برنامج إيران النووي ووكلائها المسلحين، فإنَّ مصر أكثر قلقاً بشأن جماعة الإخوان المسلمين، وإرهاب الدولة الإسلامية “داعش” في سيناء، والصراع الليبي على حدودها، ومشروع سد إثيوبيا على النيل.

دلالات لقاء السيسي مع لابيد

من جانبه، بدا أنَّ لابيد لعب أوراقه جيداً في زيارته الأخيرة. واستعداد السيسي لمقابلته مؤشر على أنَّ الزعيم المصري يتوقع أن لابيد سيخلف بالفعل بينيت في منصب رئيس الوزراء، وأنه يريد بناء العلاقة.

علاوة على ذلك، فإنَّ لفتة لابيد بتسليم 95 قطعة أثرية مصرية خلال اجتماعه مع شكري لقيت استحساناً في الصحافة المصرية، وحصلت على نقاط هناك، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

يتوقع أن يستمر انفتاح مصر المتزايد بشأن علاقتها مع إسرائيل خلال فترة بينيت، وخلال فترة خليفته أيضاً.

عربي بوست