أسلحة أكثر، قساوسة أقل.. هكذا ستدير حكومة “إشارة المرور” في ألمانيا علاقتها مع إسرائيل
السياسية:
تمثل علاقة ألمانيا مع الكيان الإسرائيلي حالة خاصة يمكن وصفها بالانفصام بين موقف رسمي داعم بشكل مطلق وموقف شعبي أكثر رفضاً لممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين، فهل يتغير ذلك مع الائتلاف الحكومي الجديد؟
وكان هذا التناقض في الموقف الألماني بين الرسمي والشعبي قد تجلى بصورة واضحة خلال العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس الشرقية والمسجد الأقصى والسعي لتهجيرهم من أحياء الشيخ جراح وسلوان وغيرهما، إذ لم تصدر حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بياناً واحداً يطلب من إسرائيل التوقف عن اعتداءاتها بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، رغم أن القوانين الدولية والإنسانية تصنف تلك الاعتداءات على أنها جريمة حرب.
وفي الوقت نفسه، شهدت المدن الألمانية الكبرى مظاهرات حاشدة تنديداً بممارسات الاحتلال الإسرائيلي ودعماً للفلسطينيين، وظهر ذلك جلياً خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي لم يتوقف إلا بعد أن حققت المقاومة الفلسطينية انتصاراً قلب موازين المعادلة.
الدعم الألماني لإسرائيل
وتناول موقع Middle East Eye البريطاني الموقف الألماني الرسمي المتوقع من الائتلاف الحكومي الجديد بزعامة شولتز، والذي تولى المسؤولية بعد خسارة حزب ميركل الانتخابات الأخيرة وانتهاء حقبة دامت 16 عاماً من سيطرة المستشارة السابقة على القرار الألماني.
في ألمانيا، تتركز الحملات الانتخابية ووعودها بشكل أكثر على الملفات الداخلية، لكن غالباً ما ينتظر الشعب الألماني نشر الاتفاقات الائتلافية التي تبرمها الأحزاب لتشكيل الحكومة، حتى تكون لديهم فكرةً أوضح عمَّا تخطِّط حكوماتهم الجديدة لتحقيقه.
وفيما يتعلَّق بالائتلاف الجديد، المسمى ائتلاف إشارة المرور، بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، فقد نُشِرَ اتفاق الأطراف الثلاثة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، ويتضمَّن بعض التغييرات المثيرة للاهتمام مقارنةً بعهد أنجيلا ميركل تجاه فلسطين وإسرائيل.
نوقِشَت قضية فلسطين والعدو الإسرائيلي في نهاية الوثيقة المُكوَّنة من 177 صفحة والمُخصَّصة للشرق الأوسط، بدءاً من الالتزام بالنظر في أمن إسرائيل، باعتباره “من مصلحة الدولة” الألمانية.
استخدمت الحكومات السابقة هذا المصطلح، وقد فُهِمَ على نطاقٍ واسع في الأوساط السياسية الألمانية ليعني أن دعم ألمانيا لإسرائيل يفوق الرأي العام أو عمليات صنع القرار الديمقراطية.
ويشرع الاتفاق في توضيح أن العلاقة مع إسرائيل تعني حمايتها من الانتقاد في الأمم المتحدة. ويتوقَّع الاتفاق من السلطة الفلسطينية أن تتَّخِذ إجراءاتٍ صارمة ضد ما يصفونه بـ”العنف” المُوجَّه لإسرائيل، دون أن يدلي بتوقُّعاتٍ مماثلة من سلطات الاحتلال تجاه فلسطين والفلسطينيين.
وزيرة الخارجية المُعيَّنة حديثاً، أنالينا بربوك، هي سياسية شابة من حزب الخضر، ليس لديها الكثير لتقدِّمه عن فلسطين وإسرائيل حتى الآن. ويظلُّ أن نرى كيف ستنفِّذ هذه الرؤية.
وقالت آنيت غروث، عضو البرلمان السابقة عن حزب اليسار، لموقع Middle East Eye البريطاني: “بربوك مواليةٌ لإسرائيل مثلما كانت الحكومة السابقة مع المستشارة ميركل ووزير الخارجية هايكو ماس، إن لم يكن أكثر من ذلك”.
صفقاتٌ أسلحة صادمة
في الواقع، نوقِشَت العلاقات مع إسرائيل في مرحلةٍ سابقةٍ في الاتفاق، وإن لم يكن ذلك غير واضح. إذ يتحدَّث اتفاق الائتلاف عن الحصول على طائراتٍ مُسيَّرة للجيش الألماني.
ومع ذلك، فإن ما لم يُذكَر هو أن الشركة التي تم التعاقد عليها للتزويد بطائرات حيرون- تي بي القتالية المُسيَّرة هي شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية. قاوَمَ الحزب الاشتراكي الديمقراطي لسنواتٍ الدعوات لتسليح الجيش الألماني بطائراتٍ مُسيَّرة مُسلَّحة، لكن الائتلاف الجديد الذي يقوده أوضَحَ بالفعل أن هذه الأسلحة ستكون جزءاً من استراتيجيته المقبلة.
وبالمثل، تعِد الحكومة الجديدة بالاستثمار بشكلٍ أكبر في الأمن السيبراني والحصول على تكنولوجيا المراقبة الإلكترونية المتقدِّمة، وقد اشترت ألمانيا بالفعل هذه التكنولوجيا من شركة كانديرو الإسرائيلية.
كما كشفت صحيفة Die Zeit الألمانية في وقتٍ سابق، فقد اشترت الشرطة الألمانية برنامج التجسُّس المثير للجدل بيغاسوس من مجموعة NSO الإسرائيلية، رغم ارتباط البرنامج بالعديد من الانتهاكات من قِبَلِ مختلف الحكومات الاستبدادية. وتدَّعي الشرطة الألمانية أن برامج التجسُّس لم تُستخدَم قط.
ومع وضع هذا في الاعتبار، يبدو أن تعريف التحالف الألماني الجديد لـ”مصلحة الدولة” أقرب إلى صفقات الأسلحة والتعاون الأمني مع مُصنِّعي الأسلحة الإسرائيليين من السياسة الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
يزعم إلداد بيك، كاتب العمود في صحيفة Israel Hayom الإسرائيلية اليمينية، أن المصلحة الحقيقية للحكومة الألمانية تكمن في زيادة التجارة مع إيران، ويتوقَّع أن يدعم الائتلاف الجديد إحياء اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة النووية لعام 2015.
وفي الواقع، تُعَدُّ ألمانيا أكبر شريكٍ تجاري لإيران، ففي عام 2020 بلغت الصادرات الألمانية إلى إيران نحو 1.8 مليار يورو (مليارا دولار). لكن بالنسبة لألمانيا، فإن إيران تحتل المرتبة الثامنة والخمسين في قائمة شركائها التجاريين، بينما صدَّرَت ألمانيا في عام 2019 بضائع وخدمات لإسرائيل بقيمة 5.2 مليار يورو. وتحتل إسرائيل المرتبة الثانية والأربعين في قائمة شركاء ألمانيا التجاريين.
وبالتالي، فإن دعم ألمانيا لخطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي الإيراني، ليس نتيجةً لمصالحها الاقتصادية فيما يتعلَّق بإيران وإسرائيل، وقد يكون له علاقةٌ أكبر بمصالح الحكومة الألمانية في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
ومن المُتصوَّر على نطاقٍ واسع في ألمانيا أن روسيا والصين هما الخصمان الرئيسيَّان للبلاد، ويأمل الساسة بأن تمنع خطة العمل الشاملة المشتركة إيران من أن تصطف مع هاتين الدولتين.
قساوسة أقل في ظل حكومة شولتز
يتمثَّل جانبٌ آخر مهمٌ للائتلاف الجديد، والذي يُحتَمَل أن يؤثِّر على علاقات ألمانيا مع الشرق الأوسط، في أن الحكومة القادمة هي الأقل تديُّناً في تاريخ ألمانيا منذ إعادة توحيد الشرق والغرب.
يعرِّف المستشار الجديد أولاف شولتز نفسه على أنه لا ينتمي إلى أيِّ كنيسة، ولم يضف عبارة “فليعينني الرب” إلى القسم الذي يؤدِّيه عند تولِّي المنصب. وعلاوة على ذلك، يعرِّف ستة وزراء في مجلس الوزراء أنفسهم بأنهم لا ينتمون لأيِّ دين، وواحدٌ منهم، وهو وزير الزراعة الجديد جيم أوزديمير، يعرِّف نفسه بأنه “مسلمٌ علماني”.
تقليدياً، كان عددٌ كبيرٌ من الساسة الألمان البارزين من المسيحيين البروتستانت. ومع وجود حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في المعارضة لأول مرة منذ عام 2005، من المُتوقَّع أن يكون تأثير الكنيسة البروتستانتية على السياسة الألمانية أقل من أيِّ وقتٍ مضى.
تكتسب هذه الحقيقة أهميةً خاصة بالنسبة للعلاقة بين ألمانيا وإسرائيل، بسبب المنظور الديني الذي يحمله الساسة الألمان تجاه إسرائيل. قال أولريش دوتشرو، عالم اللاهوت المتقاعد من جامعة هايدلبرغ، لموقع Middle East Eye، إن الكنيسة البروتستانتية الألمانية تعهَّدَت في عام 2017 بالتعامل مع إسرائيل من خلال الاعتراف بمعاداة السامية في التقاليد المسيحية ومعالجتها، بعد الإبادة الجماعية لليهود على يد النازية.
وقال: “أبرمت الكنيسة صفقةً مفادها أن يُشتَرى غفران الذنب الألماني مقابل تجنُّب النقد الواضح لجرائم حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل. حتى أن فرع الكنيسة في منطقة نهر الراين يعتبر إسرائيل “علامةً على الإخلاص للرب”.
ولأن الائتلاف الجديد أقل التزاماً بمبادئ الكنيسة البروتستانتية من أيِّ حكومةٍ قبله، فإنه يتمتَّع بحريةٍ أكبر في انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي. والجدير بالذكر أن اتفاق الائتلاف الجديد يذكر أن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلَّة غير قانوني بموجب القانون الدولي.
عربي بوست