عقبة مفاوضات فيينا الجديدة
التردد الداخلي الاميركي يؤثّر في الوفود الأوروبية التي يبدو أن أعضاءها يفتقرون إلى صلاحيات كافية بشأن النقاش مع الوفد الإيراني.
وحيد صمدي*
اعتاد الإيرانيون الصراخ الأميركي، والضجيج الذي يثيره البيت الأبيض، عبر وسائله الإعلامية، قبيل كل جولة جديدة من المفاوضات النووية. لكن يبدو – في ظل الحكومة الجديدة في إيران – أن زمن الصراخ ولّى، كما يقول المؤرخ وعالم الاجتماع العراقي علي الوردي: “آن لهم أن يعلموا أن زمن الصراخ قد ولّى و حل محله زمن التروي والبحث الدقيق”.
وفي وقت تذهب وسائل الإعلام الغربية، وخصوصاً الأميركية، إلى توجيه التهم مسبَّقا إلى طهران، وإلقاء اللوم عليها، وإظهارها سبباً رئيساً في حال فشل الاتفاق، وفي وقت تروّج فيه هذه الوسائل أن الجانب الإيراني يبحث عن شراء الزمن لتطوير برنامجه النووي بصورة أسرع، ولتخصيب بدرجة 90 في المئة ولا يُظهر جدية في الحوار، وصل الوفد الإيراني، المؤلَّف من 40 عضواً إلى فيينا، الأمر الذي لفت الأنظار إليه، بحيث قيل إن الوفد الإيراني أحضر معه متخصِّصين بالسياسة والدبلوماسية والاقتصاد والشؤون المصرفية والقانون الدولي، وحتى الشؤون النفطية، الأمر الذي فُسِّر بأنه دليل واضح على جدية طهران، وسعيها للحصول على اتفاق تستطيع من خلاله رفع الحظر الأميركي، وفق ما جاء في “خطة العمل الشاملة المشتركة”، المعروفة بالاتفاق النووي.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة له الأربعاء، إن المفاوضات الجارية في فيينا تتمّ بجدية، ورفع الحظر يُعَدّ أولوية أساسية بالنسبة إلى إيران، كما أن محادثات الخبراء متواصلة، مؤكداً أن بلاده تسعى للوصول إلى نتائج ملموسة.
إلى جانب الأمور المعقدة، والخاصة بتفاصيل الحظرين المصرفي والنفطي، والجوانب الفنية النووية، وخصوصاً موضوع استخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة من جانب طهران حالياً، تواجه مفاوضات فيينا عقبات وصعوبات جديدة نوعاً ما، بحسب مصدر مطَّلع في فيينا.
أولاً: الخلاف الداخلي الأميركي
يقول مصدر مطَّلع في فيينا إن التذبذب الأميركي يُعَدّ مشكلة، ويجسّد صعوبة جديدة في طريق المفاوضات، بحيث إن الوفد الإيراني، في اليوم الأول للجولة الجديدة، قدّم مطالبه وفق طريقة مصنَّفة ومحدَّدة، وشرحها بالتفاصيل. وفي المقابل، طلب من الوفود الأخرى تقديم الحلول والمقترحات على نحو فعّال وبنّاء، وصرّح أيضاً بأن كل ما يحيد عن الهدف النهائي للاتفاق النووي يجب رفعه. ومعروف للجميع أن الهدف النهائي، وفق الرؤية الإيرانية، هو “تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، بحسب المصدر.
وفي وقت تسعى إيران لإظهار جديتها في الوصول إلى تفاهم يُعيد واشنطن إلى التزاماتها، تشهد الولايات المتحدة خلافات داخلية جدية فيما يتعلّق بهذا الخصوص، قد تسبّب حالة من عدم اليقين بالنسبة إلى نتيجة الجولة الجديدة للمفاوضات. وفي الأيام الأخيرة، حذّر عدد من أعضاء كل من مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكيَّين من أنهم، في حالة فوزهم في انتخابات عام 2024، سيُلغون أي اتفاق بين الإدارة الأميركية الحالية وإيران.
وبحسب ما تسرَّب من أجواء فلقد كان للسجال الداخلي الاميركي هذا، تأثير سلبي في بيئة الحوار في فيينا، وأدى إلى عدم اليقين بشأن النتيجة لدى الوفد الإيراني. فالانسحاب الأميركي من اتفاق عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي يسعى جاهداً هذه الأيام للعودة إلى الانتخابات الأميركية عام 2024، يُعَدّ تجربة مريرة ماثلة أمام الوفد الإيراني.
ويقول المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه يجب التشديد على أن عدم وجود إجماع داخلي في الولايات المتحدة، من أهم العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق. وخلقت هذه القضية ضرورة لا يمكن إنكارها، ومفادها أن الولايات المتحدة يجب أن تقدّم ضمانات محدَّدة وموضوعية من أجل العودة إلى الاتفاق.
ثانياً: الضعف الأوروبي
من الطبيعي أن التردد الداخلي الاميركي يؤثّر في الوفود الأوروبية التي يبدو أن أعضاءها يفتقرون إلى صلاحيات كافية بشأن النقاش مع الوفد الإيراني، بحيث يكرّرون طلبهم من الوفد الإيراني السماحَ لهم بمراجعة الوفد الأميركي والتنسيق معه، ثم العودة إلى طاولة المفاوضات. وفي هذا السياق، يقول المصدر المطّلع إن الوفود الأوروبية أظهرت عدم كفاءتها وافتقارها إلى صلاحيات لازمة. وما أصبح واضحاً للغاية هو ضعف هذه الوفود.
وتشير المعلومات الواردة من فيينا أن وفود الترويكا الأوروبية ضعيفة من حيث الخبرة. والأهم من ذلك، أنها ضعيفة في اتخاذ القرار الملائم، بحيث إنه كلما يتمّ طرح أي فكرة أو قضية من جانب الفريق الإيراني، يترك الأوروبيون تعليقات عليها فحواها التشاور مع سلطة أعلى، أو التنسيق في اتخاذ القرارات مع الوفد الاميركي. وهذا يبطئ عملية الحوار، ويجعل من الصعب اتخاذ القرار بشأن القضايا المهمة، وخصوصاً أن الوفد الإيراني سلّم إلى الطرف المقابل مسوَّدتين بشأن إلغاء الحظر والالتزامات النووية، مع تفاصيل كاملة، وهو يتوقع ان يتلقى إجابات شفافة، لكن الترويكا الأوروبية تخضع للضغوط الأميركية، وهذا يعود إلى ضعفها وعدم استقلاليتها.
وعلى الرغم من ذلك، وفي ظل جولة وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي في أوروبا بالتزامن مع بدء المحادثات في فيينا من أجل خلق مناخ ضد جمهورية إيران الإسلامية، فإن الوفد الإيراني يواصل الاجتماعات التي تبدأ في الصباح الباكر وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، مركّزاً على نقاش الجزء المتَّصل برفع الحظر، لكنّ الموقف الأميركي المتصلّب، والذي يُعَدّ عائقاً أمام التوصل إلى أيّ اتفاق، يشكّل أيضاً أداة ضغط على الجانب الأوروبي، الذي بات یتفهّم منطق إيران، شيئاً فشيئاً.
* المصدر : الميادين نت