لماذا تتقدّم ثورة اليمن ويتخلّف غيرها؟
تحرير المثلّث الذهبي المكوّن من مأرب والجوف وشبوة يحسم انتصار اليمن على العدوان الدولي- الإقليمي، لكنه يؤكّد معجزة الثورة اليمنية في زمن "التغيير الديمقراطي" والثورات الملوّنة.
قاسم عز الدين *
وفق المعتقدات السوسيولوجية الغربية الجاهزة، المجتمع اليمني هو الأقل قابلية للثورة بين المجتمعات العربية التي شهدت “ثورات الربيع الملوّنة” ابتداء من تونس في العام 2011 حتى السودان في العام 2019، والمجتمعات العربية الأخرى التي سبقتها في العام 2005 في لبنان والعراق.
المجتمع اليمني عبارة عن حوالى 200 قبيلة وفروعها، منها 168 قبيلة في الشمال، أهمها قبائل حاشد وبكيل التي حكمت اليمن بقيادة علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر (مؤسس تجمّع الإصلاح) تحت وصاية سعودية وإشراف أميركي وغربي وعربي.
القوى الثورية في صعدة التي أسّسها السيد بدر الدين الحوثي في العام 1992، تعرّضت لـ5 حروب بسبب مواجهة “الشباب المؤمن” فساد الحكم الداخلي والظلم والفقر، لكنها إثر غزو العراق في العام 2003 وصلت ظلم الحكم الداخلي بمنبعه الأميركي والسعودي، فكان شعارها الّذي لا تزال حركة “أنصار الله” ترفعه: “الموت لأميركا الموت لإسرائيل”.
في الحرب الخامسة 2005 – 2009، تدخّلت السعودية عبر خالد بن سلطان الذي موّل الجيش والميليشيات ودعمهم، وأدخل الدعم اللوجستي الأميركي ومقاتلي “القاعدة” في المعركة، بهدف “قتل وشوي الحوثيين”، كما قال أبو محمد العدناني.
لم تكن صعدة موحّدة، ولم يكن الزيود موحّدين، فقد عملت السعودية على شقّ محمد بن عبدالعظيم الحوثي و”علماء السلطة” عن القوى الثورية، وعملت على شق قبيلة الوادعي في تأسيس مدرسة حنبلية في دماج (دار الحديث). وعلى أرض المواجهة، تصلّب عود الحركة الثورية التي قدّمت التضحيات الجمّة ودم قائدها.
ثورة حركة تحرّر وطني
إثر رياح التغيير التي هبّت تفكيكاً على المنطقة واليمن في العام 2011، تميّزت قوى الثورة في صعدة عن كل القوى السياسية على اختلاف مشاربها في الأهداف والمنطلقات، فبينما سعت القوى السياسية جميعها إلى المشاركة بمغانم السّلطة والنفوذ تحت إبط “المبادرة الخليجية والمجتمع الدولي” بدعوى الإصلاح، حاولت الثورة تفكيك التبعية وتغيير منظومة الحكم ونظام الحكم.
رفضت حركة “أنصار الله” رشوة الامتيازات في صعدة، بحسب المحاصصة، وفق مخرجات الحوار، فقد حاولت تجنّب مطبّ الحرب قدر المستطاع عبر المشاركة بالحوار، لكنها اصطدمت بإجماع القوى السياسية على الخضوع للتبعية السعودية ووصاية “المجتمع الدولي” والمؤسسات الدولية.
في سياق وصايا “التحوّل الديموقراطي”، ذهب الجمع إلى تفتيت اليمن وأقلمته، وإلى الانتداب السعودي، وإلى سياسة الاستعمار الاقتصادي التي بشّرت بها “جرعة” البنك الدولي وصندوق النقد.
اندلعت الثورة في مواجهة سياسات الوصاية والتبعية من أجل وحدة اليمن واستقلاله عن الاستعمار والوصاية السعودية، فزحفت قوى الثورة على أرحب وعمران، وسيطرت على صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014 بالتوافق مع الجيش اليمني، ما أدّى إلى هروب علي محسن الأحمر وحميد الأحمر إلى السعودية وتوكّل كرمان إلى إسطنبول.
أقلّية ثورية في صعدة وفي اليمن، ارتكزت على رؤية حركات التحرر الوطني التاريخية في مشروع تغيير ثوري صاغته بأدوات ثقافية يمنية محلّية لحشد طاقات شعبية وعسكرية متباينة الانتماءات القبلية والمذهبية، والتي سمتها “الداعي العام” في مواجهة ما أطلقت عليه “الخطر المشترَك”.
ثورة من ثورات التاريخ الإنساني متكاملة الأركان والمقوّمات في أبعادها الدولية ومواجهتها الهيمنة الاستعمارية، وفي أبعادها الإقليمية التضامنية لشعوب المنطقة بالقضايا العادلة ورمزها القضية الفلسطينية، وفي أبعادها الداخلية السياسية والاقتصادية ونظام الحكم الرشيد.
لا تلين عزيمة الثورة أمام هول الحصار والدمار ومجازر العصر، بل تشدّ من أزرها لتحقيق الأهداف النبيلة، فالمأساة الإنسانية التي يتعرّض لها الشعب اليمني دفاعاً عن الثورة، يتعرّض لها في المحافظات اليمنية ضريبة الاحتراب على السلطة من أجل تقاسم المغانم والتبعية، وتتعرّض لها أيضاً شعوب المنطقة بشكل بطيء مستدام في الوصفة الأميركية للديمقراطية المسمّاة “المرحلة الانتقالية”، من البؤس إلى التفتيت والانهيار والفساد ونهب الثروات.
أفق الثورة مفتوح على الأمل بإعادة البناء، وأفق الوصفة الأميركية يتجاوز القعر، والضد يُثبت حسنه الضدّ.
* المصدر : الميادين نت