ماذا لو سقطت إثيوبيا في الفوضى؟، أمريكا أكبر الخاسرين والصين وروسيا والهند تحاول ملء الفراغ
السياسية:
الصراع المحتدم والمستمر بين الحكومة المركزية الإثيوبية وبين الحركات المسلحة في الأقاليم الفيدرالية أثار الكثير من القلق على مستقبل منطقة القرن الإفريقي التي تشهد الكثير من التنافس بين القوى الكبرى وبعضها وأيضاً بين أطراف إقليمية باتت لها مصالح جديدة هناك.
الولايات المتحدة الأمريكية عبرت عن قلقها من هذه التطورات؛ إذ قال جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي الخاص إلى المنطقة، في حديث لمعهد The United States Institute of Peace في 2 نوفمبر/تشرين الثاني: “مصلحتنا المهيمنة في القرن الإفريقي هي الاستقرار”. ولخّص فيلتمان، في نهاية الجلسة، التحدي الذي يواجهه في مهمته القادمة إلى إثيوبيا في الوصول للتفاوض على إنهاء الحرب، التي مضى عليها عام واحد الآن، بين الحكومة الفيدرالية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد وحكومة منطقة تيغراي برئاسة جبهة تحرير شعب تيغراي، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي
ما هي مهمة أمريكا في إثيوبيا
وتتمثل المهمة الأولى في وقف انزلاق إثيوبيا إلى مزيد من النكبات من خلال إيجاد صيغة يمكن بموجبها لآبي والتيغراي الاتفاق على وقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية إلى الجياع، ووضع حد لخطاب الكراهية، والتحدث مع بعضهما البعض. لكن الحكومة في أديس أبابا تصر على أنَّ جبهة تحرير شعب تيغراي منظمة “إرهابية”، وأكدت المتحدثة باسم رئيس الوزراء، بيلين سيوم، الأسبوع الماضي، أنها ليست “متأكدة تماماً من وجود أمثلة ناجحة على تحدث أية دولة مع الإرهابيين والحصول على نهاية ودية”. ومن بين الأمثلة العديدة التي كان بإمكان فيلتمان اختيارها لإثبات العكس؛ اختار التحدث عن عملية السلام في كولومبيا.
شروط التيغراي في المفاوضات
وكانت قيادة إقليم تيغراي قد وضعت شروطها المسبقة للمفاوضات في يوليو/حزيران، التي تشمل انسحاب القوات غير التيغرية من أراضيها، ورفع الحصار الإنساني، واحترام الدستور الفيدرالي القائم. ولم يرضَ سكان تيغراي بالرد الدولي الذي تجاهل الحرب الشاملة التي خاضتها حكومة آبي ضدهم في النصف الأول من العام، مقابل صيحات الإنذار التي عَلَت عندما هدد القتال الآن العاصمة أديس أبابا.
لطالما كانت العاصمة الإثيوبية بمثابة فقاعة منعزلة، تتجاهل المجاعات والقتال في الأقاليم الأخرى حتى يبدأ سكان أديس أبابا في الشعور بالجوع وسماع أصوات الرصاص. لكن انفجرت تلك الفقاعة في الأسبوع الماضي، وتسارع السفارات لإجلاء موظفيها. ويرسل المسؤولون الحكوميون عائلاتهم إلى الخارج. جميع رحلات الطيران من أديس أبابا مكتظة بالحجوزات الزائدة.
الحقيقة الغاشمة: هزمت قوات دفاع تيغراي قوات الدفاع الوطني الإثيوبية تماماً. وخسر آبي الحرب. واختُزِل أحد الجيوش الأكثر احترافاً وقوة في إفريقيا إلى مجموعة من المجندين والميليشيات وبقايا جنود تشبه القوة المقاتلة، لكنها غير منظمة ومحبطة المعنويات- ولم تعد منافساً كفؤاً لقوات دفاع تيغراي.
جيش آبي أحمد يفقد نصف طاقته
ولم تحظَ أكبر المعارك التقليدية في العالم اليوم بالتغطية الكافية، التي فقد فيها الجيش الإثيوبي عشرة من فرقه العشرين في تيغراي في مايو/أيار ويونيو/حزيران، مع ما لا يقل عن 10000 قتيل وعدد مماثل من الأسرى. وهُزِم الجيش الموسع الذي أعيد تشكيله على عجل على نطاق أوسع في معارك من أجل مدينتي إقليم أمهرة، ديسي وكومبولتشا، في الشهر الماضي.
والمنتصر فيها هي قوات دفاع تيغراي، القوة التي لم تكن موجودة قبل عام. وفي مواجهة الهجوم الذي بدا مصمماً على سحق أجسادهم وأرواحهم من خلال المذابح والاغتصاب والتجويع، وضع أهل تيغراي خلافاتهم الداخلية جانباً واتحدوا في المقاومة.
واليوم، على خلفية انتصارات قوات دفاع تيغراي، يعيد قادة جبهة تحرير شعب تيغراي- الرجال الذين قادوا تيغراي إلى الحرب والذين يتحملون الكثير من المسؤولية عنها- تأكيد مكانتهم. لكن ليس لديهم خطة سياسية متماسكة. وفي الأسبوع الماضي، انضمت جبهة تحرير شعب تيغراي إلى جيش تحرير أورومو وسبع مجموعات أصغر أخرى لتشكيل الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية. كانت كل من العملية ومحتوى الصفقة غامضين. بالنسبة إلى مواطني تيغراي العاديين وغيرهم من الإثيوبيين على حد سواء، بدا أنَّ جبهة تحرير شعب تيغراي تسعى للحصول على السلطة من خلال التظاهر بوجود ائتلاف واسع. هناك موجة من القلق بشأن ما إذا كان كل هذا ينذر بالفوضى وانهيار الدولة وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
التيغراي ومحاولة العودة لحكم إثيوبيا
وهذه المخاوف لها ما يبررها. يخشى معظم الإثيوبيين جبهة تحرير شعب تيغراي، التي كانت القوة المهيمنة في البلاد من 1991 إلى 2018، ولا يريدون عودتها إلى السلطة. في غضون ذلك، صعَّد آبي من تحريضه على العنف، لدرجة أنَّ فيسبوك أزال منشوراً دعا فيه رئيس الوزراء الإثيوبيين إلى “دفنهم”، كما عطلت منصة تويتر قسم الأخبار الرائجة عن إثيوبيا. إضافة إلى ذلك، هناك اعتقالات جماعية للتيغراي في أديس أبابا وسط دعوة عامة لحمل السلاح. لكن حقيقة الهزيمة العسكرية وحجم المذابح على خط المواجهة- عشرات الآلاف من الشباب الذين قتلوا في أكتوبر/تشرين الأول وحده- لم يعد سراً.
وبدأت الحركة الديمقراطية الإثيوبية، التي أوصلت آبي إلى السلطة في عام 2018 فقط لرؤية قادتها يُسجَنون ويمنعون من المنافسة في الانتخابات، تنشط؛ إذ يتواصل رئيس حزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي، جوار محمد، من زنزانته في السجن ليرى ما إذا كان هناك تحالف مدني يمكنه ملء الفراغ.
هناك بعض الدلائل المشجعة على أنَّ آبي أدرك أخيراً مأزقه، وأنَّ المجتمع الدولي يستعد لمحاولة إنهاء الحرب.
وجاء الإطراء العلني من فيلتمان لآبي في معهد الولايات المتحدة الأمريكية بنتيجة مرجوة؛ إذ حَمَلَ رئيس الوزراء الإثيوبي على فتح بابه لعقد اجتماع وجهاً لوجه، فيما يُعتبَر خطوة إلى الأمام. وانضم الرئيس الكيني أوهورو كينياتا إلى الولايات المتحدة في الضغط من أجل إجراء مفاوضات. وتجري وساطتهم في سرية تامة؛ وهذا سبب يدعو للثقة.
وعلى الجانب الآخر، يعمل المبعوث الخاص لرئيس الاتحاد الإفريقي، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، على مرأى ومسمع من الجميع. ويوم الأحد 7 نوفمبر/تشرين الثاني، سافر إلى مدينة ميكيلي في تيغراي لعقد أول لقاء له مع جبهة تحرير شعب تيغراي. عند عودة أوباسانجو إلى أديس أبابا- مقر الاتحاد الإفريقي- عقد مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد أول اجتماع له بشأن الصراع منذ إطلاقه قبل عام. ودعا مجلس السلم والأمن إلى وقف إطلاق النار، ووضع حد لخطاب الكراهية، ووصول المساعدات الإنسانية إلى الجياع.
محاولة ملء الفراغ الأمريكي
وبرغم أنَّ الاتحاد الإفريقي عاجز، تحذو الصين وروسيا والهند غالباً حذوه في القضايا الإفريقية. لكن في مجلس الأمن الدولي، يوم الاثنين 8 نوفمبر/تشرين الثاني، تغيرت لهجتهم؛ إذ تنبّهوا لحقيقة أنَّ الاتحاد الإفريقي كان يضع خارطة طريق لإنقاذ آبي.
وبالنسبة لهم، تكمن المشكلة في أنَّ آبي لا يمكن إنقاذه من خلال قرارات دبلوماسية مثل هذه. وعلى المدى القصير، فإنَّ أفضل سيناريو هو موافقة الطرفين بسرعة على وقف الأعمال العدائية ورفع حصار الحكومة الإثيوبية عن تيغراي، وتوقفها عن قرع طبول الحرب، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين. هذا قد يغذي الجوعى في تيغراي ويمنع المذبحة والعنف بين الطوائف في أديس أبابا- وهي كلها أمور ضرورية.
ومع ذلك، لن يوقف هذا انهيار الدولة لأنها قد فشلت بالفعل؛ إذ أدار آبي دولة عسكرية ملتزمة بفرض رؤيته- المتمثلة في استعادة إثيوبيا لمجدها الإمبراطوري- بقوة السلاح. وبينما كان العديد من أنصاره يأملون في قيام جمهورية مدنية، فإنَّ ما حصلوا عليه كان رؤية لإمبراطورية متجددة. كان هذا الطموح هو السبب الكامن وراء الخلاف بين آبي وحركة الأورومو، والحرب مع تيغراي. فبينما كان يحلم بإمبراطورية، أهدر آبي مؤسسات الدولة التي كان يملكها. وصارت قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية اليوم عبارة عن مجموعة من الوحدات العرقية المشاكسة، يحشدها خطاب الكراهية مع بعض الألعاب عالية التقنية مثل الطائرات بدون طيار. وهذا يُظهِر ما أصبحت عليه إثيوبيا.
سيتحدد مستقبل إثيوبيا في مفاوضات وقف إطلاق النار. إنَّ الوصول لهدنة دائمة أكثر تعقيداً بكثير من مجرد وقف تبادل النيران. وكما يوضح الأكاديمي في تيغراي، مولوجيتا بيرهي، يتطلب وقف إطلاق النار لغة دقيقة لا لبس فيها حول مكان تواجد القوات، وما هي الإجراءات التي يجب حظرها (والتي سيرغب أهل تيغراي في توسيع نطاقها ليشمل مشتريات الأسلحة)، وما هي القوات التي يجب تغطيتها (أي الميليشيات العرقية)، ومن الذي يجب أن يوفر المراقبة والتحقق، والأهم من ذلك، الوضع النهائي للقوات المسلحة المتحاربة. وهذه النقطة الأخيرة مهمة؛ لأنه بعد تعرضهم لإبادة جماعية محتملة، لن يعهد أهل تيغراي بأمنهم إلى أي شخص آخر. وسوف يسعون إلى الأمن الدائم وفق شروطهم الخاصة، التي ستشمل عدم نزع سلاحهم أو السماح بانتشار جيش مركزي يمكن أن يهزمهم في وقت ما في المستقبل.
المعنى الضمني هنا، الذي لا مفر منه، هو أنَّ شروط وقف إطلاق النار ستحدد الشكل المستقبلي للاتحاد الإثيوبي، أو ربما الاتحاد الكونفدرالي.
تنتظر فيلتمان وكينياتا مهمة حساسة؛ إذ يدرك آبي وأبناء تيغراي جيداً أنَّ شروط وقف إطلاق النار وتعريف “السيادة” هما ما سيحددان المسار المستقبلي للدولة. ويجب أن يتحرك الوسطاء بسرعة لتجنب المزيد من إراقة الدماء، لكن تحديد إطار التسوية سيستغرق وقتاً طويلاً.
عربي بوست