السياسية:

أثارت محاولة الاغتيال الفاشلة باستخدام طائرة مسيرة مفخخة استهدفت منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ردود فعل متباينة داخل وخارج العراق، فما الجهة التي قد تكون وراء الهجوم؟

استهدفت طائرة مسيرة محملة بمتفجرات منزل الكاظمي في بغداد، فيما وصفه الجيش العراقي بأنه محاولة اغتيال، لكنه قال إن الكاظمي نجا دون أن يصاب بأذى. وقالت مصادر أمنية لرويترز إن عدداً من أفراد قوة الحرس الشخصي للكاظمي قد أصيبوا جراء الانفجار، الذي يأتي في وقت تصعد فيه فصائل الحشد الشعبي من خطواتها الرافضة لنتائج الانتخابات العراقية.

ويعيش العراق أجواء ملتهبة منذ ظهور نتائج الانتخابات المبكرة، التي أجريت الأحد 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وشهدت خسارة الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، أغلب مقاعدها البرلمانية، ورفض الحشد الشعبي للنتائج وتحميل الكاظمي نفسه مسؤولية “تزوير” يقولون إنه شاب الانتخابات.

ماذا قالوا عن محاولة اغتيال الكاظمي؟

الرئيس العراقي برهم صالح قال إن استهداف رئيس الوزراء “تجاوز خطير وجريمة نكراء بحق العراق”. وأضاف في تغريدة عبر حسابه بموقع تويتر، “لا نقبل بجر العراق إلى الفوضى والانقلاب على النظام الدستوري”، داعياً إلى “وحدة الموقف في مجابهة الأشرار المتربصين بأمن هذا الوطن وسلامة شعبه”.

واعتبر رئيس إقليم كردستان شمالي العراق نيجيرفان بارزاني، محاولة الاغتيال “تطور خطير يهدد أمن واستقرار البلد”، وكتب بارزاني في تغريدة له على تويتر “هذا العمل الإرهابي تطور خطير يهدد الأمن والاستقرار في البلاد، ويُنذر بعواقب وخيمة”.

الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي فازت كتلته “سائرون” بالمركز الأول في الانتخابات، اعتبر محاولة اغتيال الكاظمي “عملاً إرهابياً”. وكتب في تغريدة له على تويتر: “العمل الإرهابي الذي استهدف الجهة العليا في البلاد لهو استهداف واضح وصريح للعراق وشعبه، ويستهدف أمنه واستقراره وإرجاعه إلى حالة الفوضى لتسيطر عليه قوى اللادولة، ليعيش العراق تحت طائلة الشغب والعنف والإرهاب، فتعصف به المخاطر وتدخلات الخارج من هنا وهناك”.

وأدانت وزارة الخارجية الأمريكية الهجوم وعرضت المساعدة في التحقيق. وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس في بيان “هذا العمل الذي يبدو أنه إرهابي، والذي ندينه بشدة، كان موجهاً إلى قلب الدولة العراقية”. وأضاف “نحن على تواصل وثيق مع قوات الأمن العراقية المكلفة بالحفاظ على سيادة العراق واستقلاله، وعرضنا مساعدتنا في التحقيق في هذا الهجوم”.

وكان الكاظمي عائداً إلى مقر إقامته بعد اجتماع عقده مع قادة القوات الأمنية المتواجدة عند البوابة الجنوبية للمنطقة الخضراء في بغداد، التي تضم مقر الحكومة والسفارات الأجنبية في البلاد، حيث حدثت مواجهات دامية الجمعة 5 نوفمبر/تشرين الثاني، مع المتظاهرين الرافضين لنتائج الانتخابات. ولدى وصوله مباشرة انفجرت طائرة مسيرة مفخخة في الموقع، بحسب شبكة CNN الأمريكية.

هل وجّه الكاظمي اتهاماً “مبطناً” لأعدائه التقليديين؟

لم تتبنَّ أي جهة مسؤوليتها عن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، بعد ساعات من الهجوم، بينما أعلن الجيش العراقي فتح تحقيق للوصول إلى المكان الذي تم منه إطلاق الطائرات المسيرة، حيث كشفت مصادر أمنية لرويترز أن عملية الاستهداف تمت بثلاث طائرات وليست واحدة.

وسارع الكاظمي، من خلال كلمة متلفزة وجهها للشعب العراقي بعد دقائق من الإعلان عن نجاته، بالقول إنه بخير، مضيفاً أن “المسيرات والصواريخ الجبانة لا تبني أوطاناً”.

وأوضح الكاظمي في كلمته التي بثها التلفزيون الرسمي العراقي: “إلى أهلي وشعبي في كل مكان من العراق العظيم، إلى كل من قلق في هذه الليلة، فقد تعرض منزلي إلى عدوان جبان، وأنا ومن يعمل معي بألف خير”.

وأضاف: “قواتكم الأمنية والعسكرية البطلة تعمل على استقرار العراق وحمايته (..) الصواريخ والطائرات المسيرة الجبانة لا تبني أوطاننا ولا مستقبلنا”، متابعاً: “نحن نعمل على بناء وطننا عبر احترام الدولة ومؤسساتها وتأسيس مستقبل أفضل لكل العراقيين”، داعياً الجميع إلى “الحوار الهادف والبناء من أجل العراق ومستقبله”، حسب الأناضول.

ومنذ تولي الكاظمي رئاسة الوزراء في العراق، بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي في أعقاب اندلاع احتجاجات شعبية ضخمة، في أكتوبر/تشرين الأول، ضد الفساد في البلاد، اتسمت العلاقة بينه وبين فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران بالتوتر والعداء المفتوح.

ففي أواخر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وصل العداء بين الجانبين إلى درجة تهديد أحد قادة الحشد الشعبي البارزين بقطع “أذن الكاظمي”. إذ كتب أبو علي العسكري، المسؤول الأمني في كتائب حزب الله العراقي على تويتر: “ندعو الكاظمي الغدار ألا يختبر صبر المقاومة بعد اليوم، فالوقت مناسب جداً لتقطيع أذنيه كما تُقطع آذان الماعز”.

وسبب العداء بين الكاظمي وفصائل الحشد الشعبي، التي تشكلت لمحاربة تنظيم الدولة (داعش) وسلحتها إيران بشكل جيد، هو سعي رئيس الوزراء إلى دمج تلك الميليشيات المسلحة في الجيش العراقي، الذي يتولى رئيس الوزراء منصب القائد العام له، بينما ترفض تلك الميليشيات تلك الخطوة، المنصوص عليها في القانون.

ماذا قال “الطرف الآخر” عن محاولة الاغتيال؟

في طهران، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، إن محاولة اغتيال الكاظمي هي فتنة جديدة وراءها “مراكز الفكر الأجنبية”. وكتب شمخاني، في تغريدة على تويتر: “إن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي هي فتنة جديدة يجب التحري عنها في مراكز الفكر الأجنبية، والتي لم تجلب منذ سنوات، من خلال خلق ودعم الجماعات الإرهابية واحتلال البلاد، سوى انعدام الأمن والخلافات وعدم الاستقرار للشعب العراقي المظلوم”.

أما عمار الحكيم، رئيس تحالف قوى الدولة، فقد قال إن “استهداف منزل رئيس الوزراء عمل مدان ومستنكر، ومن شأنه تأزيم المواقف وتعريض هيبة الدولة للخطر والعصف بسمعة العراق أمام الرأي العام العالمي”.

واعتبر في تغريدة له أن “استهداف رئيس أعلى سلطة تنفيذية في البلاد يمثل تطوراً خطيراً يُنذر بأحداث أخطر، إذا لم يتدارك العقلاء وأصحاب القرار تداعياتها، ويخاطر بالمنجزات التي تحققت على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي”.

وبدوره، قال رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، “أدين الاعتداء المشبوه الذي استهدف الكاظمي، وأدعو للحذر من خلط الأوراق، بالأمس قتل المتظاهرين السلميين، واليوم استهداف رئيس الوزراء، لسنا في ساحة قتال يا سادة”، متابعاً: “المرحلة حرجة، واليقظة وضبط النفس ضرورة، والحوار والتفاهم والتضامن غدت قضايا وجودية للدولة”.

أما حزب الله العراقي، فقد قال، في بيان، إنه “لا أحد في العراق لديه الرغبة لخسارة طائرة مسيرة على منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي”.

وقال المتحدث باسم الحزب أبو علي العسكري في تغريدة له، إن “ممارسة دور الضحية أصبح من الأساليب التي أكل عليها الدهر وشرب، وإذا كان هناك من يريد الأضرار بهذا المخلوق، فهناك طرق كثيرة وأقل كلفة وأكثر ضماناً”.

من الجاني؟

ما زال الوقت مبكراً بالطبع على توجيه أصابع الاتهام نحو جهة بعينها في المحاولة الفاشلة لاغتيال الكاظمي، إذ قال مسؤول أمني مطلع على ما حدث لرويترز، إن قوات الأمن جمعت بقايا الطائرة المسيرة الصغيرة المحملة بالمتفجرات لفحصها.

وأضاف المسؤول مشترطاً عدم الكشف عن هويته، لأنه ليس مخولاً بسلطة التعليق على التفاصيل الأمنية “من السابق لأوانه الحديث عمن شن الهجوم. نحن نفحص تقارير الاستخبارات وننتظر نتائج التحقيقات الأولية قبل توجيه أصابع الاتهام إلى مرتكبيه”.

وتشير الأحداث التي تعصف بالعراق، منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية، في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى اليوم، إلى أن معرفة الجاني في محاولة اغتيال الكاظمي قد لا تحدث من الأساس، ولو بصورة رسمية على الأقل.

إذ يقول محللون مستقلون إن نتائج الانتخابات الأخيرة، التي خسرتها فصائل وكتل الحشد الشعبي، جاءت انعكاساً مباشراً للغضب تجاه الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والمتهمة على نطاق واسع بالتورط في قتل ما يقرب من 600 محتج خلال الاحتجاجات المستمرة منذ عام 2019، لكن حتى الآن لم تتم محاكمة أي شخص أو جهة على خلفية تلك الجرائم المتكررة.

بل إن محكمة تحقيق الكرخ المختصة بنظر قضايا الإرهاب في العراق كانت قد أصدرت مذكرة اعتقال بحق أبو علي العسكري، وذلك يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، ليس بسبب تهديداته “بقطع أذني الكاظمي”، ولكن على خلفية اتهامه في اغتيال هشام الهاشمي الخبير الأمني والمحلل السياسي العراقي، في يوليو/تموز 2020، لكن لم يتم القبض على العسكري، على الرغم من إرسال الكاظمي مبعوثاً خاصاً إلى طهران يحمل رسالة “احتجاج” على تهديدات العسكري لرئيس الوزراء.

وكانت مجلة Foreign Policy الأمريكية قد نشرت تحقيقاً استقصائياً حول كتائب حزب الله العراقي تحديداً، رصد النفوذ الهائل الذي تتمتع به تلك الميليشيات في العراق، وحالة الرعب التي تسببها للجميع في البلاد، وتوقعت المجلة أن تفقد تلك الميليشيا نفوذها بعد اغتيال أبو مهدي المهندس، زعيم حزب الله العراقي الذي تعرض للاغتيال مع قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بضربة صاروخية أمريكية مطلع عام 2020.

وشهد العراق، منذ اندلاع احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول قبل أكثر من عامين، العديد من الجرائم، بعضها وصف بمجازر مثلما حدث في مدينة “بلد” بمحافظة صلاح الدين أكتوبر/تشرين الأول 2020، من اختطاف 12 شاباً وإعدام 8 منهم بالرصاص، دون أن يتم تقديم الجناة إلى المحكمة، رغم أن أغلب العراقيين يرون أن “الجاني” معروف للجميع لكن لا أحد يمكنه تقديمه للمحاكمة.

الخلاصة هنا هي أنه من المبكر فعلاً معرفة “الجاني” الذي أطلق الطائرات المسيرة المفخخة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي، لكن على الأرجح سيمر الوقت دون الكشف عن ذلك الجاني، لتنضم تلك الجريمة إلى عشرات، بل مئات الجرائم الأخرى التي ارتكبت في العراق ولا يزال “الجاني” فيها مجهولاً.

عربي بوست