السياسية:

في وقت يتصاعد الضغط الدولي لاستئناف مسار الانتقال الديمقراطي في السودان، وتطلق العديد من المبادرات الإقليمية والدولية لإنهاء الأزمة، أصدر القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبدالفتاح البرهان قراراً الخميس 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بالإفراج عن أربعة وزراء احتُجزوا أثناء الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول، في الوقت الذي قالت مصادر عسكرية إن البرهان اعتمد ترشيحات جديدة للمجلس السيادي الذي حُلَّ سابقاً، وسيعلن عنها قريباً.  وجاء قرار البرهان بعيد إعلان الجيش أن” تشكيل الحكومة بات وشيكاً”. فهل تنتهي الأزمة السودانية قريباً؟

ضغوط دولية متواصلة على البرهان

كان البرهان أعلن الأسبوع الماضي حال الطوارئ في البلاد وحلّ كلّ من مجلس السيادة الذي كان يترأسه، والحكومة برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وغيرها من المؤسسات التي كان يفترض أن تؤمن مساراً ديمقراطياً نحو الوصول إلى انتخابات وحكم مدني.

وبعد ظهر الخميس أيضاً، ذكرت مصادر رسمية لوكالة رويترز أن الإعلان عن تشكيل مجلس سيادة جديد مؤلف من 14 عضواً سيكون قريباً.

مساء الخميس أعلنت الولايات المتّحدة أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تحادث هاتفياً مع البرهان وطالبه بإعادة السلطة “فوراً إلى الحكومة التي يقودها المدنيون”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان إنّ “الوزير حضّ البرهان على الإفراج فوراً عن جميع الشخصيات السياسية المحتجزة منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر والعودة إلى حوار يعيد رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه ويعيد الحُكم الذي يقوده المدنيون في السودان”.

كما تحادث بلينكن الخميس مجدّداً مع حمدوك بعد المكالمة الأولى التي جرت بينهما في 26 تشرين الأول/أكتوبر غداة الانقلاب. وقال برايس إنّ “وزير الخارجية شدّد على دعم الولايات المتّحدة القوي للشعب السوداني الذي يتطلع إلى الديمقراطية”.

هل يساهم البيان الرباعي بدفع العسكر في السودان لاحتواء الأزمة؟

في السياق، دعا دبلوماسيون غربيون إلى عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لمنصبه، بينما حضّت قوى عربية مثل السعودية والإمارات على استئناف الانتقال بقيادة مدنية. 

ويبدو أن النفوذ والعلاقات الخاصة التي تحظى بها هذه الدول مع قادة المجلس العسكري في السودان ساهمت بالإفراج عن بعض الوزراء الخميس. ودعت الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وبريطانيا، في بيان مشترك، الأربعاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، الجيش السوداني إلى “العودة الكاملة والفورية” للحكومة والمؤسسات الانتقالية بقيادة المدنيين في السودان، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية.

الدول الأربع المذكورة دعت في البيان المشترك، إلى رفع حالة الطوارئ بالسودان والإفراج عن جميع المحتجزين في الأحداث الأخيرة. وفق البيان، “أكدت دول الرباعية للسودان وقوفها مع الشعب السوداني وتطلعاته نحو الديمقراطية وتحقيق السلم”.

كما أشارت إلى أن “مظاهرات 30 أكتوبر (تشرين الأول الماضي) أكدت عمق التزام الشعب السوداني بتحقيق التقدم في ما يخص المرحلة الانتقالية”، مشددةً على “الاستمرار في دعم هذه الآمال”. وطالبت الرباعية بـ”عودة الحكومة المدنية الانتقالية ومؤسساتها فوراً” في السودان.

الضغط على الجيش السوداني عبر ورقة المساعدات 

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، قد لوحت الأربعاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بقطع المساعدات الأمريكية للسودان، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن إخفاق السودان في استعادة الحكومة المدنية سيزيد من عزلته عن المجتمع الدولي، موضحاً أن أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات، وعلى الأقل 19 مليار دولار من إعفاءات الديون، في خطر.

وقال برايس إن مسؤولين أمريكيين يتواصلون مع القيادة العسكرية السودانية؛ لتأكيد موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حيال سيطرة الجيش على السلطة في البلاد مع التشديد على ضرورة استعادة حكومة انتقالية يقودها المدنيون.

خلال حديثه في إفادة صحفية، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن التقاعس عن إعادة الحكومة بقيادة المدنيين في السودان لن يؤدي إلا إلى مزيد من عزلة هذا البلد عن المجتمع الدولي.

إلى أين وصلت جهود الوساطة بين المدنيين والعسكر؟

في السياق، قال المستشار الرئاسي لجنوب السودان ورئيس وفد الوساطة توت غاتلواك إن الأمر بالإفراج عن الوزراء في حكومة حمدوك يوم الخميس، جاء بعد اجتماعات منفصلة مع كل من البرهان وحمدوك الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية.

وأكد غاتلواك أن المفاوضات جارية لتشكيل حكومة، مضيفاً أنه “لا مشكلة لدى البرهان في عودة حمدوك لمنصبه كرئيس للوزراء، لكنه لا يريد أن يعود الوضع إلى ما كان قبل 25 تشرين الأول/أكتوبر”، يوم الانقلاب.

وأضاف أن “حمدوك يظل أبرز مرشح لرئاسة الحكومة، لكن ذلك مشروط بموافقته”. لكن حمدوك “يريد أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل 25 تشرين الأول/أكتوبر”، وفق توت غاتلواك.

لكن من جهته، يشدد البرهان، وهو جنرال مخضرم خدم في ظل حكم البشير الذي دام ثلاثة عقود، على أن استيلاء الجيش على السلطة لم يكن “انقلاباً” بل خطوة لـ”تصحيح المسار”. وأدى استيلاء الجيش على السلطة إلى أيام من الاحتجاجات في مدن عبر السودان قُتل خلالها ما لا يقل عن 12 شخصاً برصاص قوات الأمن، وفق مسعفين.

ويحاول دبلوماسيون ورجال أعمال وجامعيون وسياسيون القيام بدور الوسيط في السودان سعياً لإخراج البلد من أزمته المستمرة منذ الانقلاب، ولكن من دون نجاح كبير حتى الآن.

وقال أحد المفاوضين الذي تحدث إلى وكالة فرانس برس الخميس، طالباً عدم الكشف عن هويته “لقد التقينا كل الفاعلين العسكريين والمدنيين ووافقوا جميعاً مبدئياً على المناقشات”. ولكنه أضاف “لا تزال هناك عقبات” فيما وضع البعض في معسكر المدنيين شروطاً عديدة لبدء الحوار.

وترفض قوى الحرية والتغيير، وهي الكتلة الأكبر في معسكر المدنيين المنبثقة عن انتفاضة 2019 على عمر البشير، “أي مناقشة طالما لم يتم إطلاق المحتجزين ولم تتم العودة إلى خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها لتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين” عقب إسقاط البشير، بحسب هذا المفاوض.

عربي بوست