هل يستطيع البرهان الإفلات من الضغوط المقاومة للانقلاب
السياسية:
مع استمرار الوساطة الأمريكية في أزمة السودان، وتواصل الاحتجاجات الرافضة للانقلاب، يبدو أن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، يبحث عن طريقة للخروج من المأزق عبر إعادة تشكيل النظام بإيجاد واجهة مدنية مع تعزيز سيطرة العسكريين.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن قائد القوات المسلَّحة السودانية، الفريق عبد الفتاح البرهان، أنه حلَّ الحكومة الانتقالية، وأعلن حالة الطوارئ في السودان. اعتُقِلَ رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وقادة حكوميون آخرون، ونزل عشرات الآلاف من المدنيين العُزَّل إلى شوارع الخرطوم ومدنٍ أخرى للاحتجاج على استيلاء الجيش على السلطة، في تحدٍ للذخيرة الحية من جانب الأجهزة الأمنية.
يقول يزيد صايغ، الباحث والزميل الأول بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، في مقالٍ له على موقع Middle East Eye البريطاني، إن الولايات المتحدة، التي انضمَّت إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى، مثل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، في المطالبات بالعودة الكاملة للحكومة المدنية، كما حذَّرَت واشنطن الجيش السوداني من مثل هذه الخطوة قبل ساعاتٍ فقط من تنفيذها.
وبعد الانقلاب، حذَّرَ المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، قائلاً: “سوف تُقيَّم العلاقات مع السودان بالكامل”. وحتى يوم الإثنين، 1 نوفمبر/تشرين الثاني، ترأس البرهان أيضاً مجلس السيادة، الذي تأسَّسَ عام 2019 لتولي صلاحيات الديكتاتور السابق عمر البشير، بالاتفاق مع أحزاب وحركات المعارضة السودانية.
لكن ما يلفت إليه صايغ في مقاله هو أن تعليق البرهان للمواد الرئيسية للإعلان الدستوري المؤقَّت لعام 2019 أدَّى فعلياً إلى حلِّ المجلس إلى جانب الحكومة الانتقالية، وإلغاء الاتفاق السياسي الذي استند إليه الإعلان بالكامل. وبذلك، أصبح المجلس العسكري الانتقالي، الذي تدخَّلَت من خلاله القوات المسلَّحة السودانية في السياسة بشكلٍ متقطِّعٍ منذ أبريل/نيسان 1985، يحكم السودان الآن مرةً أخرى.
“إما النصر أو مصر”.. أزمة السودان على المسار المصري
يرى صايغ أن السودان كان بالفعل على طريقٍ محفوفٍ بالمخاطر نحو التحوُّل الديمقراطي الذي قد يخرج عن مساره بالكامل الآن. ويقول إن هذا مهم للغاية بالنسبة لدولةٍ حكمها مدنيون مُنتَخبون لمدة 10 سنواتٍ فقط منذ استقلالها عام 1956، والتي كانت جميع السياسات فيها عسكريةً، إن جاز القول.
يشير صايغ إلى أنه كان هناك من شكَّكَوا في تخلِّي الجيش عن البشير عام 2019، واعتبروه خطوةً تكتيكيةً فقط، وشكَّكَوا في أنه سيتخلَّى عن السلطة بالفعل. ويلفت صايغ إلى أنه كان من المهم أيضاً النظر في ما إذا كانت القوات المسلَّحة السودانية ستتبع مسار نظيرتها المصرية، التي انتقلت من الرضوخ، وقت سقوط الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011، إلى الاستيلاء على السلطة في عام 2013.
ولهذا هتف المتظاهرون السودانيون، الذين طالبوا بانتقالٍ ديمقراطي كامل في عام 2019 “إما النصر أو مصر”. الاستياء العام من أداء الحكومة حقيقي ومفهوم، لكن من الواضح أنه استُغِلَّ من قِبَلِ فلول نظام البشير. علاوة على ذلك، يرى أنصار الحكومة أن يد الجيش والأجهزة الأمنية المتحالفة معه تلعب دوراً في إثارة المعارضة في شرق السودان.
عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني
وكدليلٍ على ذلك، يشير صايغ إلى أن هناك عناصر قبلية قامت مؤخَّراً بإغلاق الطرق المؤدِّية إلى الميناء البحري الرئيسي في البلاد، مِمَّا أدَّى إلى تفاقم النقص في الإمدادات الأساسية ودفع الأزمة السياسية إلى نقطة الغليان بطريقةٍ تذكِّرنا، بحسب صايغ، بالتصعيد نحو الانقلاب المصري في 2013.
يشتبه الكثيرون أيضاً، بحسب صايغ، في تواطؤ البرهان مع محمد حمدان “حميدتي” دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، المنافس الرئيسي للقوات المسلَّحة السودانية. وكلاهما ألقى باللوم في أزمة السودان على الانقسام بين الفصائل السياسية المدنية.
ثلاثة أشياء تعرقل قدرة البرهان على تكرار التجربة المصرية
يرى صايغ أن مقارنة أزمة السودان بمصر خلال فترة 30 يونيو/حزيران 2013 قد تكون ذات مغزى حتى نقطةٍ معيَّنة، لكنه يذكر أن الحكومة التي يقودها الجيش في السودان ستواجه ثلاثة تحدياتٍ مختلفة للغاية عن الحالة المصرية.
الحفاظ على السلام مع الحركات المسلحة
التحدي الأول في أزمة السودان أمام البرهان يتمثَّل في الحفاظ على سلامٍ هشٍّ للغاية، بحسب تعبيره، مع العديد من حركات التحرُّر المسلَّحة في أجزاءٍ من إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وسيتعيَّن على القوات المسلَّحة السودانية السيطرة على التهديدات الانفصالية المُحتَمَلة الأخرى، بما في ذلك في شرق السودان، حيث كانت هناك مطالباتٌ بالحكم الذاتي الكامل منذ استقلال السودان، وحيث وصلت أعدادٌ كبيرة من اللاجئين من أجزاءٍ أخرى من البلاد على مدار العقد الماضي، مِمَّا فاقَمَ التوتُّرات.
يتوقَّع صايغ، في مقاله، أن يبذل البرهان كلَّ ما في وسعه للحفاظ على السلام مع الحركة المُسلَّحة، ويرى أنه من أجل ذلك سيكون البرهان بحاجةٍ إلى التحالف مع حميدتي للمساعدة في الإبقاء على هذه الحركات على الحياد قدر الإمكان.
العلاقة المركبة بين البرهان وحميدتي
أما التحدي الثاني، فيرى صايغ أنه يتجسَّد في غياب الجيش الموحَّد واحتكار الدولة لوسائل العنف. يعتقد صايغ أن هذا ربما يجعل البرهان معتمداً على منافسه أكثر مِمَّا يود. ورغم أن التحالف بينهما محصورٌ في الإطار التكتيكي في الوقت الحالي وسيكون من الصعب الحفاظ عليه، يقول صايغ إنه من الضروري أن تبقى الحكومة العسكرية لفترةٍ طويلة.
لا يرى صايغ أن الاحتمالات في الوقت الراهن مُشجِّعة، ويستشهد على ذلك بأن الرجلين كافحا من أجل السيطرة على مختلف القوات شبه العسكرية ووكالات الاستخبارت منذ عام 2019، ولديهما تحالفاتٌ مختلفة، وغالباً ما تكون متناقضة، بحسب رؤية صايغ، في الأجزاء التي يمزِّقها الصراع في السودان.
الاقتصاد الذي يتم افتراسه على يد الجيش والميليشيات
وبخصوص التحدي الثالث، يلخِّصه صايغ في استعادة الاقتصاد الذي دمَّرته عقودٌ من العقوبات والحرب والافتراس الذي تعرَّضَ له على يد مختلف الجبهات المسلَّحة -الجيش وقوات الدعم السريع ومختلف المتمرِّدين المسلَّحين.
يسلِّط صايغ الضوء أيضاً على دور الإمارات والمملكة السعودية في أزمة السودان، حيث كانتا دائماً غير مرتاحتين للتحوُّل الديمقراطي وفضَّلتا الجيش، ويتوقَّع أنهما قد تضخان أموالاً في المدى القريب وتعدان بالاستثمار والدعم لمشاريع البنية التحتية على المدى المتوسط. ويرى أن هذا قد يؤدِّي إلى إفلات الجيش من مأزق نقل أعماله المدنية إلى سيطرة الحكومة كما وَعَدَ في مارس/آذار 2021.
قد يشجِّع ذلك، في رأي صايغ، على افتراس القوات المسلَّحة وقوات الدعم السريع للاقتصاد من جديد، وهما اللذان يتشاركان بشكلٍ كبيرٍ في تجارة الذهب وأنشطة السوق السوداء، ولكن صايغ يعتقد أن ذلك سيترك المشكلات الاقتصادية الأساسية دون حل ويفاقم أزمة السودان.
البرهان سيحاول إيجاد حليف بين القوى المدنية كما حدث في مصر
يتوقَّع صايغ أن البرهان قد يتراجع في مواجهة التهديد بفرض عقوباتٍ أمريكية وغربية جديدة. لكن هذا ليس الطريق الوحيد، في وجهة نظر صايغ، إذ يعتقد أيضاً أن البرهان قد يسعى إلى إيجاد حلفاءٍ من بين الأحزاب السياسية المتشاحنة لتشكيل حكومة ذات واجهة مدنية لدعم التزامه المزعوم، بحسب تعبير صايغ، بالتحوُّل الديمقراطي، وبالتالي التخلُّص من الضغط الدولي.
ويرى صايغ أن هذه النقطة هي التي قد تحاكي فيها القوات المسلَّحة السودانية نظيرتها المصرية، التي أعقبت استيلاءها على السلطة بتشكيل حكومة مدنية متعدِّدة الأحزاب.
ومنذ بداية الأزمة يعتقد أن العسكريين سعوا إلى تقسيم القوى المدنية، وتشكيل واجهة مدنية مضادة لقوى ائتلاف الحرية والتغيير، وتم ذلك عبر تشجيع تشكيل كيان موازٍ يكون بمثابة طرف منسوب للقوى المدنية، يقاد من قبل قادة الحركات المسلحة التي اتفقت مع النظام، ولعب حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي الذي كان من قيادات الحركات المسلحة التي قاتلت نظام الرئيس السابق عمر البشير دوراً كبيراً في هذا الشأن.
ونفذ هذا الحراك المنشق اعتصامات للمطالبة بإقالة حكومة حمدوك قبل إطاحة البرهان بها، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطاني “بي بي سي”.
ولكن في حال استطاع البرهان إيجاد حليف أو طابور خامس داخل القوى المدنية التقليدية فإن هذا سيمثل فرصة كبيرة له لتعزيز سلطته، ولكن حتى الآن لم ينضم أي من القوى المدنية الرئيسية لموقف البرهان.
وقد يعيد حمدوك لرئاسة الحكومة تحت وصاية العسكر
يعزز البيان الرباعي الذي صدر عن الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا والإمارات والذي يطالب بعودة الحكم المدني في السودان من الضغوط على البرهان، لإيجاد تسوية مع حمدوك.
ويشير صايغ إلى وجود تقارير تفيد بأن حمدوك يتعرَّض للضغط لقبول الانقلاب، وهذه التقارير تضفي ثقلاً على فكرة أن البرهان قد يريد أن يستأنف دور حمدوك تحت الوصاية العسكرية، مِمَّا يساعد على إضفاء الشرعية على الاستيلاء العسكري على السلطة على الصعيد الدولي.
يختتم صايغ مقاله بقوله إن المدى الذي سيتعيَّن على البرهان الانحناء له من أجل تحقيق مثل هذا السيناريو يعتمد على استمرار الاحتجاجات داخل السودان، ومدى حِدَّة المواجهة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهيئات الأخرى، مثل الاتحاد الإفريقي، في مطالبتهم باستعادةٍ كاملة للحكومة المدنية برئاسة حمدوك.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولايعبر عن رآي الموقع